
استند أعضاء المكتب التنفيذي لجمعية القضاة الشبان لأهمية التهديدات الأمنية التي بات يواجهها القضاة في تونس ليطالبوا في الندوة الصحفية التي عقدوها يوم 02-12-2015 بتسليح القضاة. فقد اعتبرت جمعية القضاة الشبان أن تعهد القضاء بأكثر من 1360 قضية إرهابية شملت أكثر من 1000 متهماً تم إبقاء 23 بالمائة منهم بحالة سراح، فيما أودع البقية بالسجن يضاعف خطر استهداف القضاة من قبل هؤلاء. واستند القائمون على هذه الجمعية التي تعد من أحدث الهياكل الممثلة للقضاة الى أحكام القانون الذي ينظم حمل ومسك الأسلحة الدفاعية والذي يجيز للسلطة العامة تسليح الموظفين العموميين في حالة وجود مبرر لذلك[1]. والمبرر هو اشتداد المخاطر الأمنية التي تتهددهم في ظلّ عجز السلطة السياسية عن توفير الحماية الأمنية الفردية لهم. ورد طلب القضاة الشبان بتسليح القضاة بعد يوم من تصريح وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية حاتم العشي أمام مجلس نواب الشعب والذي ذكر فيه أنه قرر إنهاء العمل بالترقيم الخصوصي لسيارات القضاة الوظيفية وسيارات وزارة العدل، بعدما أكدت وزارة العدل تعرّض عدد من القضاة لتهديدات ارهابية وصفت بالجدية.
ويكشف بالتالي تصريح المسؤول الحكومي عن توفر المبررات الموضوعية لطلب القضاة الشبان. هذه المبررات التي التجأ رئيس جمعيتهم للجوار العربي ليؤكد أنها ليست “بمسألة غريبة، اذ يتحوز القضاة المصريون واللبنانيون على أسلحة فردية ومسدسات للدفاع عن أنفسهم في صورة تعرضهم لهجوم”[2].
لقيت دعوة تسليح القضاة صدًى واسعاً في وسائل الإعلام المحلية. ولكنها في المقابل لم تثر أي رد فعل من السلطة السياسية أو المجتمع المدنيّ. ويكشف تتبع مواقع التواصل الاجتماعي التي ينشط عليها القضاة التونسيون أن الدعوة إلى تسليحهم لم تجد قبولا واسعاً في أوساطهم، رغم تصوير الإعلام أنها صدرت عنهم في عمومهم. فقد ترواحت ردود فعل القضاة في شأنها بين تبرير لها في صفوف القائمين على جمعية القضاة الشبان مقابل رفض الطرح في صفوف الجانب الأكبر من المتدخلين.
اعتبر من كتبوا تعاليق جادة على هذا المطلب أن تحقيق العدالة يكفل وحده حماية القضاة. فيما تندّر الهازلون بهذا المطلب وذكروا أنه على الحكومة أن توزّع الأسلحة حسب الرتب القضائية، فتخص سامي القضاة بالمدافع وقضاة رؤساء الدوائر برشاشات والقضاة بمسدسات. وشارك المحامون في حديث الهزل بعدما طالب بعضهم بتمكين كل محامٍ ب “واقي رصاص” ليتمكن من الترافع أمام القضاة المسلحين.
كشفت الدعوة لتسليح القضاة على كون التهديدات الإرهابية باتت مصدر قلق في الوسط القضائي وأن السلطة السياسية لم تنجح في اقناع العاملين بالمحاكم بجدية عملها على صون الأمن فيها. كما أشّر عدم تحمّس القضاة لفكرة تمكينهم من أسلحة فردية عن كون الخطر الإرهابي لم ينجح في عسكرة القضاء. ويتعيّن على السلطة السياسية أن تتعامل مع هذه الدعوة كحافز لتدعيم أمن المحاكم والمؤسسات العمومية خصوصا في المناطق التي تشهد تهديدات إرهابية بما يمنع تطور الأطروحات التي تبشر بالأمن الفردي. فتهاون السلطة في الإيفاء بالتزامها الأمني يؤدي إلى نشر فكرة الأمن الفردي، هذه الفكرة التي برزت بداية لدى أعوان الأمن الذين طالبوا بتسليحهم خارج أوقات عملهم ومرت لاحقا لشريحة من القضاة ويخشى أن تتطور لتشمل آخرين، على نحو يتهدد مبدأ احتكار الدولة للوظيفة الأمنية ويهدد المجتمع بالانزلاق نحو فوضى السلاح.
[1]
ينص الفصل 14 من قانون عدد 33 لسنة 1969مؤرخ في 12 جوان 1969 يتعلق بضبط توريد الأسلحة والاتجار فيها ومسكها وحملها على انه “ يمكن تسليح موظفي وأعوان الإدارات العمومية المستهدفين بحكم وظائفهم إلى خطر السطو وذلك أثناء قيامهم بمهامهم وحسب الشروط التي سيقع ضبطها بمقتضى أمر”
[2]تصريح رئيس جمعية القضاة الشبان لوكالة تونس افريقيا للانباء
متوفر من خلال: