عرف الوضع الامني بتونس بداية من يوم 12 جوان 2012 أعمال شغب تمثلت في عمليات مهاجمة وحرق للمؤسسات الحكومية. انطلقت الاحداث على خلفية احتجاج التيار الاصولي على تنظيم عدد من الفنانين التشكيليين لمعرض للرسوم التي عدوها مسيئة للمعتقدات الدينية. وكان حرق مقر المحكمة الابتدائية بتونس 2 وهي احدى محاكم العاصمة وتقع بأحد الاحياء الشعبية في الليلة الفاصلة بين 12 و13 جوان 2012 بالإضافة لحرق عدد من المقرات الامنية والمؤسسات العامة والاعتداء على عدد من الحانات اضافة لمحاولة حرق محكمة الاستئناف ببنزت صبيحة يوم 13 جوان من المؤشرات التي دلت على خطورة الوضع. أعلنت السلطة السياسية حظر التجول في تسع محافظات تونسية كما بادرت احزاب المعارضة وأطياف المجتمع المدني بالدعوة للوحدة الوطنية لمجابهة خطر الفوضى الشاملة. وجهت اصابع الاتهام في احداث الشغب الى انصار التيار الاصولي وذكرت المصادر الرسمية ان منحرفين استغلوا التحركات السلفية ليمارسوا اعمال نهب وسرقة. وفي مقابل الاستنفار الامني وحالة الطوارئ المعلنة وتكاتف المجتمع المدني والطبقة السياسية للدفاع عن مدنية الدولة ومنع خطر انهيار مؤسسات الدولة وقيام دكتاتورية الجماعات السلفية وبينما كانت النيران تلتهم المحاكم المنكوبة، اصر القضاة على تنفيذ اضرابهم المعلن بتاريخ سابق. استجاب اغلب القضاة لنداء الاضراب في يومه الاول وبلغت نسبة الاستجابة حسب جمعية القضاة التونسيين نسبة 89 في المائة. اصدرت وزارة العدل بلاغا انتقدت فيه توقيت الدعوة الى الاضراب الحاصل في ظرف دقيق تمر به البلاد عامّة ومرفق العدالة خاصة، وخصوصا أنه لا يوجد مبرر حقيقي لهذا الإضراب بعدما حصل تقدّم كبير في الحوار بين الوزارة والجمعية وكل المتداخلين حول إعداد مشروع توافقي للهيئة القضائية المراد بعثها. لا بل ذهبت الوزارة أبعد من ذلك في اتجاه الطعن في مشروعية لجوء القضاة الى الاضراب، فهو مخالف لأحكام القانون ويتناقض مع أبسط متطلبات التعامل مع القضاء على أنّه سلطة فالقضاة لا يحقّقون مطالبهم بالإضرابات. وقد ردت جمعية القضاة على البلاغ الاتهامي ببلاغ جاء فيه ان قرار الاضراب كان سابقا زمنيا على اندلاع احداث الشغب احتجاجا على عدم تضمين مشروع قانون انشاء الهيئة المشرف على القضاء ضمانات لاستقلالية أعضائها (وبشكل خاص عدم اعتماد مبدأ انتخابهم من بين القضاة) وأكدت أن حرق المحاكم يجعل السلطة التنفيذية مسؤولة عن فشلها في حماية مرافق سيادية، كما حذرت فيه الوزارة من محاولة التدخل المباشر في أعمال الجمعية من خلال تقارير مكتوبة وجهتها الى عدد من أعضاء هيئتها الادارية، وهو أسلوب كان ساد الاعتقاد أنه ولى مع العهد البائد.
ورغم ذلك، نجح الاضراب في تجميع اغلبية القضاة وسط اعتراض بعض الأصوات من داخل جمعية القضاة ذاتها ادانت تغريد القضاة خارج سرب الوحدة الوطنية. ربما كان اضراب القضاة عادلا في مطالبه، لكن ألم يكن من الأنسب، ولو لأسباب تكتيكية محض، ارجاء تنفيذه الى حين استتباب الأوضاع مجددا، صونا لقوة هذه المطالب، لدى الرأي العام؟
بيان وزارة العدل
تأتي دعوة مكتب جمعية القضاة التونسيين، إلى الإضراب لمدة ثلاثة أيام ابتداء من اليوم الأربعاء 13 جوان2012، في ظرف دقيق تمر به البلاد عامّة ومرفق العدالة خاصة.
وتعتبر الوزارة أنه لا يوجد مبرر حقيقي لهذا الإضراب المخالف لأحكام القانون والمتناقض مع أبسط متطلبات التعامل مع القضاء على أنّه سلطة وأنّ القضاة لا يحقّقون مطالبهم بالإضرابات. وإنّ تزامن هذا الإضراب مع ما تتعرّض له المحاكم والمؤسسات العامة والخاصّة من حرق واعتداءات إرهابية يثير أكثر من تساؤل، خاصّة بعد أن حصل تقدّم كبير في الحوار بين الوزارة والجمعية وكل المتداخلين حول إعداد مشروع توافقي للهيئة القضائية المراد بعثها، وحصر الخلاف في نقاط جزئية بسيطة كان يمكن تجاوزها نظرا لتوفر إرادة سياسية قوية تحرص على ضرورة توفير شروط ضمان حيادية الهيئة المرتقبة وجعلها فوق الصراعات والنوازع الفئوية وتصفية الحسابات على قاعدة ما قسّم القضاة من اختلافات في المرحلة السابقة.
كما تعبر الوزارة عن تمسكها المبدئي بأن يكون القضاء سلطة حقيقية مثلما هو مطلب كل المتداخلين في هذا المرفق، وتنبّه إلى خطورة ما دعت له الجمعية وخاصة في مرفق حساس على علاقة وثيقة بمصالح الناس وباستمرارية الدولة ومؤسساتها. وفي وقت تتكثّف فيه المحاولات المنظمة والمهيكلة لتشويهه والتشكيك فيه، وهو ما لا يخدم إلاّ المتربصين بأهداف الثورة ورموز الفساد، الخائفين من المحاسبة والمسائلة.
وتؤكد الوزارة بالمناسبة على أنها قامت بتشريك كل المتداخلين ومنهم جمعية القضاة التونسيين، سواء في وضع برامج الإصلاح الجارية أو عند إعداد مشروع قانون لإحداث الهيئة الوقتية المستقلة التي ستشرف على القضاء العدلي، وأن اللجنة التشريعية بالمجلس الوطني التأسيسي بصدد تعميق النقاش في الموضوع وإحالة مشروعها على أنظار الجلسة العامة للبت فيها قريبا. وتجدّد الوزارة تمسّكها بالحوار الجدّي والمسؤول طريقا لحل كل الخلافات بعيدا عن المغالبة والاستفراد بالرأي والحسابات السياسية والفئوية من أجل بناء سلطة قضائية مستقلّة تحمي الحقوق والحريات.
كما تعبّر عن شكرها لكلّ السادة القضاة الذين لم تثنهم الصعاب والضغوط عن القيام بواجبهم في ضمان علوية القانون وحماية أرواح أبناء الشعب وأملاكهم وأعراضهم وتدعو القضاة الشرفاء إلى العمل على ضمان استمرار المفرق العام خاصّة في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ البلاد والعمل على استرجاع هيبة القضاء وتفادي كل ما يمكن أن يكون سببا في المساس من ثقة العامّة في القضاء والقضاة والترفّع عن كل الحساسيات والمساهمة الفعلية والجادّة في تحقيق الإصلاح الشامل.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.