بالمبدأ، تم دعوة الهيئة العامة للمجلس النيابي للنظر في مرسوم إعلان الطوارئ يوم الخميس الماضي الواقع في 13 آب 2020. وكان مكتب المجلس أعلن دعوة النواب أولا لمحاسبة الحكومة على خلفية مجزرة مرفأ بيروت ليعود ويقرر تبعا لاستقالة الحكومة تحوير سبب الدعوة للنظر في مرسوم إعلان حالة الطوارئ وفق ما يفرضه قانون الطوارئ 1967. وما أن صادق النواب على هذا المرسوم، حتى طالب العديد منهم بفتح جلسة تشريعية للبت بأمور حياتية عاجلة تهمّ المواطن في ظلّ الأزمة الإقتصاديّة وأزمة كورونا ومجزرة المرفأ. لم يعارض رئيس مجلس النواب نبيه بري بل ترك الأمر للنواب الذين أيدت أكثرية الموجودين منهم ذلك.
وبالنتيجة، تمّ المصادقة بشكل مفاجئ على3 اقتراحات قوانين قدمت بصيغة المكرر المعجل، من دون أن يتسنّى للجان درسها أو للمواطنين الإطلاع أو التعليق عليها.
أول المتحدثين كان النائب ياسين جابر الذي رأى ضرورة في إعلان حالة طوارئ اقتصادية ومالية لدعم الناس بعد فاجعة المرفأ. وصرّح أنّه قد لمس كما النائبة رولا طبش تأييدا عارما من مجمل النوّاب لتمديد المهل.
اقتراح قانون تعليق المهل القانونيّة والقضائية: تمديد حق تسوية المخالفات البحرية ضمنا؟
صدّق اقتراح قانون معجّل مكرّر كانت قدمته النائبة رولا طبش في 8/7/2020 يقضي بتمديد العمل بأحكام القانون 160/2020 المتعلّق بتعليق المهل القانونية والقضائيّة لغاية 31/12/2020، أي لمدة خمسة أشهر إضافية.
وقد بدا واضحا هنا أن طبش استغلت الحادثة لتمديد قانون تعليق المهل من دون أن تأخذ بعين الاعتبار سلسلة من الإشكالات التي كانت نتجت عنه، وأبرزها استخدامهه من قبل أطراف تعتدي على الأملاك العامة البحرية منذ عقود (قبل 1994) للتذرّع بتطويل مهلة المطالبة بتسوية تعدياتها. يلحظ أن هؤلاء كانوا استفادوا من مهلة تزيد على سنتين لتقديم طلب معالجة للتعديات على الأملاك البحرية، (من 28 تشرين الأول 2017 حتى 30 تشرين الأول 2019)؛ وقد أتى التفسير الخاطئ لقانون تعليق المهل 160/2020 ليعطيهم 9 أشهرا إضافية، مع احتمال أن نشهد التفسير الخاطئ نفسه بعد تمديده مما يعطيهم امكانية الإستفادة من 5 أشهر إضافية. بالحصيلة، يكون مجلس النواب منح الذي اعتدى على الأملاك العامة البحرية طوال ما يتراوح بين 27 سنة بالحد الأدنى و47 سنة بالحد الأقصى، من دون حسيب أو رقيب مهلة 3 سنوات وشهرين لتقديم طلب معالجة.
أقل موجب النواب كان استثناء هؤلاء صراحة من تمديد المهل القانونية، كون المهل أعطيت لحفظ الحقوق وليس لتبرير استمرار الإعتداء عليها.
اقتراح قانون بتمديد المهل وإعفاء ورثة الشهداء من رسوم الإنتقال والأبنية المتضرّرة من الضريبة على الأملاك المبنيّة
كما صدّق اقتراح قانون معجّل مكرّر قدّم في 12/8/2020 من قبل النائب ياسين جابر يقضي بتعليق لمدّة 6 أشهر البنود المتعلّقة بالتخلّف عن تسديد القروض بكافة أنواعها وخاصة المدعومة من السكنية، التجارية، البيئية، الصناعية والزراعيّة والتكنولوجيّة والمعلوماتيّة بما في ذلك أي زيادة على معدّل الفائدة بسبب تأخّر أو تعثّر من قرض أو أي من أقساطه من تاريخ 1/7/2020. بالإضافة إلى تمديد مهل تخفيض الغرامات وزيادات التأخير والفوائد المترتبة على متأخرات الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي. كما تعلّق جميع الإجراءات القنونية القضائيّة التي بوشرت أو اتخذت اعتبارا من 1/7/2020 ومهلة مرور الزمن المسقط للحق طوال مدة نفاذ هذا القانون. وقد أضيف إلى الإقتراح بشكل مفاجئ إعفاء عائلات الشهداء من رسوم الإنتقال وإعفاء المباني المتضرّرة من الضريبة على الأملاك المبنيّة.
وقد بدت هذه الإضافة (الإعفاء من رسوم الإنتقال) تكرارا لحلول تشريعية سابقة، آخرها الحل الذي انتهى عليه تعويضا لضحايا كارثة الطائرة الجزائرية بتاريخ 19/10/2016، والذي نص على إعفاء ورثة اللبنانيّين الذين قضوا فيها من رسوم الإنتقال على جميع الأموال المنقولة وغير المنقولة المتعلّقة بتركات هؤلاء الأشخاص. كما يذكر قانونين سابقين صدرا من قبل وهما القانون رقم 115/2010 بتاريخ 26 حزيران 2010 بإعفاء ورثة ضحايا الطائرة الأثيوبيّة الحاصلة في تلك السنة من رسوم الإنتقال و القانون رقم 275 الصادر في 15 نيسان 2014 والذي أعفى تركات شهداء الجيش والأجهزة الأمنية المسلحة من هذه الرسوم. ومع التأكيد على وجوب تحقيق أوسع تضامن اجتماعي مع الضحايا، فإن الذهاب في هذا المنحى غير مبرر وغير متناسب وهو حكما غير دستوري للأسباب الآتية:
– الأول، أن الإعفاء الضريبيّ من رسم الإنتقال يؤدّي إلى منح الأشخاص المستفيدين منه “تعويضاً” مختلفاً وفق قيمة التركة. وعليه، بإمكاننا أن نفترض أن يحصل بعض الورثة على منفعة ماديّة كبيرة (حال الذين يرثون من ضحايا أثرياء)، فيما يحصل آخرون على لا شيء (حال الذين يرثون مَن لا يملكون شيئاً). كذلك، يضع القانون الورثة في سلّةٍ واحدة من دون أن يميّز وفق صلة القرابة، وتالياً وفق الضرر الفعليّ الذي تكبّدوه. وعليه، يتنافى هذا القانون/الظاهرة مع مبدأ التعويض، ويفقد كلّ مبررٍ لوجوده. وقد كان من الأجدى بالمشرّع أن يحدّد تعويضاً لكلّ وريث من أن يلجأ إلى هذه الآلية التمييزيّة بطبيعتها،
– ثانياً، يتمّ التمييز بين المواطنين إزاء المشاركة في تحمّل الأعباء العامّة، بحيث يحرّر بعض الورثة من الرسوم المتوجبة عليهم والتي قد تبلغ مبالغ يكون من غير الممكن تبريرها بحقّهم بالحصول على تعويض[2].
وعليه، فإن التعويض من خلال الإعفاء من رسم الإنتقال يؤدي حكما إلى منح تعويض غير متناسب لا مع حجم الضرر ولا مع مبدأ التضامن الإجتماعي. وهو تعويض ليس من شأنه تمكين أي منهم من ترميم سكنه المدمر.
كما يشار إلى أن النائب جابر استوحى الإعفاء من رسم الإنتقال من القانون الصادر تبعا لكارثة الطائرة الجزائرية، فيما أنه تجاهل تماما الإعفاء من حق التقاضي الوارد فيه والذي قد يكون أساسيا ومركزيا في الكارثة الحاضرة.
كما يشار أخيرا إلى أن رئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان سارع إلى تأييد القانون على خلفية أن جائحة كورونا قد منعت العديد من اللبنانيين من الإستفادة من مفاعيل موازنة 2020 التي لا تزال سارية ما يعني أن هذه الإقتراحات لا تشكّل أعباء كبيرة على المالية العامة.
اقتراح قانون لإعطاء إفادات لطلّاب الشهادات الرسميّة
أخيرا صدّقّ المجلس النيابي على اقتراح قانون معجّل مكرّر بعد التصديق على صفة العجلة لإعطاء إفادات لطلّاب الإمتحانات الرسميّة تماشيا مع قرار وزير التربية طارق المجذوب عدم إجراء امتحانات رسمية بسبب جائحة كورونا وذلك بناء على اقتراح النائب علي فيّاض.
هذا كل ما تفتقت عنه مخيلة النواب لإسعاف المتضررين من الإنفجار ومعالجة ذيول الأزمة الاقتصادية، وهي تشريعات تعجز عن استجابة أي من حاجات الناس المباشرة سواء لجهة فرض ضريبة على الأثرياء من باب التضامن الاجتماعي أو ضمان حقوقهم بالتعويض أو تمكينهم على الأقل من استخدام مدخراتهم المعلقة في المصارف المتوقفة عن الدفع أو حماية الأحياء التراثية في المدينة. فلنراقب ما قد ينتجونه في الجلسات المقبلة التي وعدوا بها.