جلسة “التآمر” الأولى دون حضور المعتَقَلين: مطرقة العدالة محكومة بقبضة التعليمات


2025-03-04    |   

جلسة “التآمر” الأولى دون حضور المعتَقَلين: مطرقة العدالة محكومة بقبضة التعليمات

انعقدت اليوم الثلاثاء 04 مارس أولى جلسات ما يعرف بـ“قضيّة التآمر على أمن الدّولة”، دون حضور الموقوفين على ذمّة القضيّة، بناء على مذكّرة عمل صادرة عن المحكمة الابتدائية بتونس ووكيل الجمهورية، توصّل بها فرع هيئة المحامين بتونس يوم 26 فيفري 2025. تستند هذه المُذكّرة إلى كلّ من الفصل 73 من قانون الإرهاب الّذي يمنح لقاضي التحقيق أو رئاسة المحكمة إمكانية إجراء أعمال البحث أو الإذن بانعقاد الجلسات بغير مكانها المُعتاد، مع استنطاق المتّهمين باستعمال وسائل الاتصال السمعية البصرية، وإلى الفصل 141 مكرّر من مجلّة الإجراءات الجزائيّة الّذي يتحدّث عن إمكانية حضور المتهم المودع بالسجن عن بعد بجلسات المحاكمة والتصريح بالحكم الصادر في شأنه، باستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري المؤمنة للتواصل بين قاعة الجلسة المنتصبة بها المحكمة والفضاء السجني المجهز للغرض، بقرار من المحكمة، أو بطلب من النيابة العمومية أو من المتّهم نفسه.

 رفض مبدئي لعدم حضور المعتقَلين

واجه هذا القرار رفضًا واسعًا من عائلات الموقوفين في قضيّة التآمر وهيئة الدّفاع وعَدد من المنظّمات غير الحكومية، اعتبارًا لما في هذه المذكّرة من إخلال بأُسُس المحاكمة العادلة، المتمثّلة أساسًا في مبدأ المواجهة، وفق ما ذكره المحامي وعضو هيئة الدّفاع عن الموقوفين في قضيّة التآمر، أحمد صواب، في تصريح للمفكرة القانونية، واصفًا سير الجلسة بأنّه “وصمة عار” و”جريمة في حق المحاكمات”.

وقد نظّمت الشبكة التونسية للحقوق والحريات وقفة احتجاجيّة أمام المحكمة الابتدائية بتونس ورفعت شعارات رافضة لقضاء التعليمات وتدخّل الجهاز التنفيذي في السلطة القضائية، داعيةً إلى جلب الموقوفين وتأمين بثّ حي لأطوار الجلسة. “الشبكة أصدرت بيانا وطالبت بأن تكون محاكمة علنية وحضورية. السلطة ترتبك لأن من الواضح أن القضية أصبحت قضية رأي تشغل الرأي العام الوطني والدولي. نحن على علم بالقضية وخلل الإجراءات التي شابت كل مسار القضية. والسلطة إلى الآن لم تقدّم أي سردية تثبت جدّية الاتهامات الموجودة، ونعلم أن القضاء التونسي بحكم المراسيم الصادرة بمقتضى الأمر 117 أصبح راضخًا للسلطة التنفيذية وليس له الاستقلالية الكافية كي يوفّر شروط المحاكمة العادلة خاصة فيما يتعلّق بالقضايا السياسية”، يقول حسام الحامّي منسّق ائتلاف صمود وعضو الشبكة التونسية للحقوق والحريات، في تصريح للمفكرة القانونية، مُعتبرًا أنّ هذه القضية ليست قضية جدية بل تندرج في إطار تصفية الخصوم السياسيين. ويضيف محدّثنا بأنّ السلطة ورّطت نفسها في قضيّة التآمر، لأنّها منعت في السابق التداول الإعلامي في هذا الملفّ وهي الآن تدعو إلى انعقاد جلسة دون حضور المُتّهَمين. 

رفض المحامين ضرب أسس المحاكمة العادلة

داخل قاعة المحكمة، كان الحضور مُكثّفًا من عائلات الموقوفين والمحامين والصحافيين والناشطين السياسيّين. واستنكر أعضاء الدّفاع بشدّة عدم حضور المُتّهمين وأكّدوا فراغ الملفّ من أي قرينة تُدين الموقوفين، مؤكّدين أنّ أغلبهم لا يستمعون إلى أطوار الجلسة ولا يمكنهم متابعتها. وذكّر عبد العزيز الصيد بأنّ قاضي التحقيق كان قد رفض الإفراج عن المعتقَلين السياسيّين، بين 18 و19 أفريل 2024، رغم انقضاء آجال الإيقاف التحفّظي الّتي أقرّها المُشرّع بمدّة لا تتجاوز 14 شهرًا، فيما ذكّرت دليلة بن مبارك مصدّق عضو هيئة الدفاع وشقيقة جوهر بن مبارك المُعتقَل في قضيّة التآمر، بأنّ ما اعتبرته السلطة “تآمرا” هو وثيقة تمّ تحريرها من أجل الإعداد اللوجستي لحوار وطني يجمع المعارضة لإيجاد منفذ من الأزمة السياسية الخانقة. وتساءلت: “هل يُعقل في قضاء مستقل أن يُسمَع من يُتّهم بقضايا تؤدي إلى الإعدام، دون أن يُجابهَه قاضي التحقيق بأي جريمة أو فعل مجرّم؟”، بخاصّة وأنّ المعتقَلين لم يُسأَلوا عمّا جاء في الشهادتَين الواردتَين في قرار ختم البحث، والتي تتعلّق إحداهُما برجل أعمال يقبع في السجن منذ 2017.  

من جهته، طالب أمين محفوظ أحد أعضاء هيئة الدّفاع بمحاكمة علنيّة، مُستنكرًا حالة الفوضى والاكتظاظ التي كانت في قاعة المحكمة، مُشيرًا إلى الخطأ الإجرائي في اعتماد الفصل 141 مكرّر من مجلة الإجراءات الجزائيّة الّذي تمّت إضافته بمقتضى مرسوم صادر عن حكومة إلياس الفخفاخ في 27 أفريل 2020، وهو بمثابة ترتيب لا يرتقي إلى مستوى القانون لأنّه صدر في ظرف استثنائي، ولم يتمّ تمريره للتصويت في البرلمان ليُصبح قانونًا نافذًا. فيما قال أمين بوكر عن هيئة الدفاع إنّ المحامين لم يشهدوا جلسة تسير بمثل هذا الارتباك. أمّا سمير ديلو، فيقول إنّ من اتخذ قرار عدم جلب الموقوفين “منتحل صفة المحكمة”، مشيرًا إلى أنّ هيئة المحكمة لا تملك سلطة القرار الفعلية ويضيف: “الخطر الحقيقي لا يُبيح لرئيسة المحكمة عقد جلسة عن بُعد وإنّما إقرار مُحاكمة سريّة. المحكمة وجدت حلا وحيدًا، هو التعتيم والترهيب”، وأكّد أنّ هيئة الدّفاع لن تشارك في مسرحيّة ولن تكون شاهد زور، في إشارة إلى عدم احترام إجراءات المحاكمة العَلَنيّة.  

وقد أودع المحاميان سمير ديلو وأحمد صواب قضيَّتَيْن استعجاليّتَيْن لدى المحكمة الإدارية، يوم 27 فيفري، تتعلّق الأولى بإلغاء قرار انعقاد المحاكمة عن بُعد، فيما تتعلّق الثانية بوقف تنفيذ المحاكمة. وكان من المنتظر أن تُصدر المحكمة الإدارية قرارَها بخصوص هاتين القضيّتَين يوم الاثنين 03 مارس، إلا أنّ قراراتها لم تصدر بعد، إلى حدود كتابة هذا المقال. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني