هيلا يا واسع..
هيه ليصّا.. هيه ليصّا..
هيا يا إليسّا..
لا يزال بحّارة صور حتى اليوم يردّدون هذه الأنشودة الميمونة وهم يجذّفون مراكبهم ويلقون شباك الرزق والبرَكة..
كان المرحوم والدي يدندن:
يا حبيبتي يا مصر، يا مصر..
ثمّ يُتبِعها بعبارته المعهودة: لا أعرف أيّة عروس أعشقُ أكثر، صور أم مصر؟
يا حبيبتي يا صور، يا صور..
حتى إذا اضطرّ لِـ “السفر” إلى منطقة البصّ، يوصينا: احلفوا بغربتي..
ولا يزال هذا حال معظم أهالي المدينة الوفيّة لنفسها: وفاء السمكة للبحر..
لعلّ أوّل ما يلفت انتباه الداخل إلى مدينة صور- وأقصد الانتباه البصريّ – هي تلك اللافتات حديثة الصنع التي ثبّتتها البلدية للاستدلال على مواقع وأمكنة موغلة في القدم. سوف أبدأ بساحة العلَم: لافتة كُتب عليها “ساحة اليسار”. كان همّ البلدية استدراج زوّار المدينة إلى اسم فينيقيّ عظيم هو: أليسار Elisar . إنما يبدو أنّ اللاوعي الجمعيّ في نفوس معظم أهالي صور الأقحاح قد غلب على وعي صانع اللافتة. يساريّو المدينة هم يساريّون في الصميم وفي الاقتناع، رغم أنف الأمر الواقع. هذا من دون أن نغفل تميُّز صور باسم “مدينة الإمام موسى الصدر”..
لقد درَج الأهالي، بأطيافهم وفئاتهم وطوائفهم المتنوّعة واللذيذة، على تسمية أحيائهم وشوارعهم وساحاتهم بأسلوبهم الخاصّ: ساحة الملّاح، شارع الجعفرية، حيّ الجهمي، شارع أبو وليد عوض، حيّ الريفولي، دوّار كمال جنبلاط (حيث أقيم نصبٌ تذكاريّ بعد اغتيال “المعلّم”. ثمّ أُزيلَ أواخر الثمانينيات. غير أنّ الصوريّين، كعادتهم، ولو بعد انقضاء دهر، لا يزالون يعتمدون هذه التسمية).
غداة أحداث عام 1958، وبعد أن قصف الجيش اللبناني، بقنبلة صغيرة، “نادي التضامن” الذي أسّسته حركة القوميين العرب، وإثرَ استشهاد العديد من ألمعِ شبّان صور في تظاهرات سياسية وطلّابية، قرّر بعض المتموّلين والمتمكّنين ماديًّا من بناء بيوت جديدة لهم في ما سيُعرَف لاحقاً بِـ “حيّ الرمل” الذي شمل المدينة “الجديدة”. في مطلع الستّينيات، شيّد آل بُرجي مبنًى من طبقتيْن فسيحتيْن. وسرعان ما استأجرته وزارة التربية (والفنون الجميلة، آنذاك)، لتجعل منه مدرسة رسمية متوسّطة. فحوّلت غرفه إلى صفوف متشابكة متداخلة مثيرة للسخرية. فهو في الأساس قد شُيّد ليكون منزلًا ذا غرف للسكن والمعيشة.
في الستّينيات، أيضًا، شيّد ع. حديد مبنى من ثلاثة طوابق يتميّز بالشرفات الدائرية والأبواب والنوافذ الكثيرة ذات “الأباجور” الأخضر الأخّاذ.. عام 1972، استأجر أهلي بيتًا في هذا المبنى حيث لا يزالون يقطنون. غير أنّ صلاتِ جيرة الرضا بالحيّ الآخر لم تنقطع، بل غدتْ أمتن وأصدق..
عند الزاوية التي تفصل شارع سينما الحمرا عن شارع أبو وليد، تفرّدت غرفة واحدة بسُلّم خاصّ بها، تغطّي سطحها عريشة نضرة.. يعيش فيها رجل بمفرده. لم يكن يتواصل مع أيّ كان.. ولَطالما أثار فضول أولاد حارتنا.. يغادر الغرفة وحده، معتمرًا قبّعة مستديرة من القشّ، وممسِكًا بِرفْش مخصّص لأعمال البناء. وغالبًا ما كان يصغي بتركيز قلّ نظيره إلى راديو ترانزيستور أكل عليه الدهر وشرب.
كنا نسأل الكبار عنه وعن نمط حياته الانعزالية (ذات مرّة، استفسرت من عمّي عن معاني مصطلحات شائعة يومها، من مثيل: الرجعية، التقدّمية، الماركسية، الانعزالية… إلخ، فضرب لي مثلًا عن انعزاليّة هذا الرجل). كان كمَنْ يحمل ثقل العالم؛ لا يصبّح على أحد، ولا يتحدّث حتى إلى ظلّه: وحيدًا صامتًا يذهب؛ ووحيدًا صامتًا يؤوب.
- ما عندو مرا ولا ولاد، ليش بيضلّ حزين ومهموم؟
كنا نسأل الكبار، فيجيبوننا: ما خصّكن فيه. هو حرّ بحياتو.
- ليش إسمو ق. العراق؟ حدا بالدنيا إسمو هيك؟
فيأتي ردّ أبي: ق. العراق لَأنّو كان مع البعث العراقي..
- شو يعني البعث العراقي؟
- هيدا حزب كان حاكم العراق.. وهيدا ابن مدينتنا، ممنوع تزعجوه أو تتخبثنوا عليه..
- ليش عايش لوحدو؟
يجيب أبي بأسلوبه الفكاهي: تزوّج قضية البعث وعبد الكريم قاسم. أحسن ما يتزوّج مَرا. وما بقى تطوشونا بالأسئلة عنو. إنسان معتّر لقمتو حلال، تعبو عرق جبينو..
كنّا حتى إذا صعدنا درج غرفته لِنناور حول العريشة نقطف منها خصلات العنب، نحاول التلصّص إلى تفاصيل الغرفة، فلا نبصر سوى فراش ملقى على الأرض الرطبة، وجدرانًا معلّقةً عليها الأعلامُ والصور..
ومرّت الأيام والسنون مرور الحلم.. وكبرنا بسرعة. فالحرب الأهلية، والاجتياحات وجولات القصف الإسرائيلي، كما المناوشات بين الفصائل الفلسطينية المتواجدة في جنوب لبنان يومئذٍ كأنّها سلطة أمر واقع، جميعها ظروف متراكمة أرغمتنا على تجاوز طفولتنا، وهجر ملاعبنا في الأزقّة والحارات..
في 7 حزيران 1982، وعلى إثر الاجتياح الإسرائيلي، ونحن تحت زخّ الرشّاشات الفلسطينية والقصف الإسرائيلي، سمعنا نداء: يا أهالي مدينة صور، إنّ جيش الدفاع الإسرائيلي يطلب منكم جميعًا: رجالًا ونساءً وأطفالًا التوجّه فورًا والتجمّع عند الشاطئ الرمليّ الجنوبيّ.
فجأة استكان كلّ شيء. إنّه صمت الموت. أو الخيبة والخذلان. أطياف الخوف. يستجلبوننا إلى الشاطئ كي يقتلونا دفعة واحدة، فيتخلّصوا منا إلى الأبد..
رأيت وجومًا وتوجّسًا في ملامح أمي – وهي كما اعتدناها أشدّ صلابة من أبي في ظروف الحرب.
أما أبي فقد طفرت عيناه بالدموع والأسئلة: كيف يعني عم يؤمرونا كَئنّنا غنم؟ وين فصائل المقاومة واللاندات؟ ليش مش عم يتصدّوا؟
خرج أهالي صور من “الملاجئ”، بل هي بالأحرى مخابئ شكّلوها بأنفسهم اتّقاءً للقصف.. بعد أيام قليلة سوف يتساءل الأهالي: من كلّ عقلنا كنّا مفتكرين إنو هالكم كيس من الرمل حا يحمونا من قصف الطيران؟ ولكْ لو بقينا بمطابخنا كان أفضل وأشرف، ع القليلة ما كنّا مننقطع من الأكل والشرب!
هناك على الشاطئ الرمليّ، في تلك البقعة من البحر المتوسّط، في ذلك الركن الضئيل والحزين من هذا الشرق المنكوب دائمًا وأبدًا، كان الصوريون يعانق بعضهم البعض الآخر مطمئنًا إلى سلامته، وسلامة عائلته وبيته..
فيجيب أحدهم: البيت راح. جنى العمر اختفى، لكن المهم إنو كلنا بخير الحمد لله..
حلّ المساء الكئيب حاملًا معه شكوكًا مفزِعة: أين سنبيت الليلة؟ أننام على الرمل؟
فتصرخ إحداهنّ: غير ربّ العالمين ما بيخلّيني نام ع الرمل..
توجّه وفد من الأهالي إلى إحدى دبّابات العدوّ، ففوجئ ببندقية ضخمة مصوّبة نحوه: ابقى مكانك. ما تقرّب وإلا بَطُخّك!
يبدو أنّ أحد الجنود حدسَ طبيعة السؤال المنْويّ طرحه، فاستخدم المذياع وصرخ بلهجة فلسطينية مألوفة: يا أهل صور، اللي بيتو قريب كتير عا الشطّ، يفلّ. لكن ممنوع تدخلوا الشوارع والحارات بقلب المدينة، لأن جيشنا عم ينظّف..
وبين رمشة عين وانتباهتها، تأمّل الأهالي وجوههم الغاضبة. مالوا بحنان لا يوصف إلى أولادهم، غمروهم كما لم يغمروهم من قبل: حا تناموا بأحضانّا. ما تخافوا. اللي ناطرنا مش أصعب من اللي مرق علينا من قصف وشُهَدا ودمار..
لكن، ق. العراق، وينو؟ حدا شافوا؟ حدا اتطمّن عليه هاالمسكين المعتّر؟ عم فكّر غامر، وفوت عاللسّ اللسّ ع شارع أبو وليد، بلكي بقنعو يجي لهون.
- إيه، حرام.. بلكي شافوه وقوّصوه..
قالت إحداهن.
- كبّروا عقلكن يا جماعة.. منيح اللي زمطنا.. هلق أي حدا بيقرّب باتجاه الأحياء الداخلية يعني حا يموت..
- بدّي خبّركن خبر حزين. ق. العراق حدّنا بالحيّ. قذيفة صابت “بيتو” واستشهد.. الله يرحمو..
استحال الليل مَنْدبةً من النشيج الصامت إنّما الحارق.. مشاعر لاذعة لأنّها كُتِمت على مدى سنوات.. أحاسيس الذنب تجاه إنسان فريد بوحدته. لم يبقَ أحد إلّا وذرف دموعًا مخلصةً على روح ق. العراق..
ليته كان جارًا، أو صديقًا، أو أبًا.. ليته كان يتواصل مع الآخرين.. وحيدًا عاش، ووحيدًا مات..
لم يترك في الدنيا شيئًا غير ذكرى انطوائه الاجتماعي، وعزلته الغريبة التي لا يحبّذها الصوريّون المنفتحون على البحر الشاسع، والعاشقون شتّى أنواع التواصل مع الآخرين وإنْ بِـ “الشوْبرة” التي تطبع شخصيّتهم. إسألوا عنهم. يخترعون الكلمة المناسبة، والإشارة المناسبة، والشتيمة المتهكّمة المُرّة، والنكتة “المهضومة” في الزمان والمكان المناسبين.
بيْدَ أنّهم، في حالة ق. العراق احترموا خصوصيته إلى أبعد حدّ.. لدرجة أنّ الأهل كانوا يهدّدون أولادهم الأشقياء بالضرب والتعنيف إذا ما تسبّبوا بأذيّة ولو معنوية لشخص ق.
(بعد أيام قليلة على الاجتياح، أخذت الحياة تدبّ ببطء في شرايين المدينة. فتداعى إخوة ق. وأهالي الحيّ إلى مجلس عزاء عن روحه الطاهرة).
لماذا تذكّرتُ ق.؟ صدفةً. فالذاكرة لعينة غالبًا.
ربما كي أوقظ موج البحر النائم على صخرة “الجمل”، وأؤنس ما علِق في الوجدان من تجارب صُور وأحداثها..
كي أحرّك ذاكرتي وأحييها بالكتابة.
شكرًا يا ق. ففي النهاية، كلّ منّا هو خيط من نسيج هذه المدينة البسيطة والمعقّدة؛ السهلة والممتنعة؛ الهادئة والمنتفضة..
هل يعنيكم قراءة المزيد من سورة “صور” الهانئة؟
سوف أتجاوز الكلام على مدينتي تاريخًا وحضارة.. سوف أنطلق من تجاربي الشخصية، وممّا كنت أسمعه من أبي وأعمامي القوميين العروبيين حتى العظم، سيّما في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.. حوله دارت صولات وجولات من النقاش المحتدم بيني وبين والدي. كنتُ مغتاظة من اتفاق القاهرة عام 1969، معتبرة إيّاه بوّابة الجحيم التي شُرّعت على لبنان. وكان أبي يجيبني: هل كنّا لنتخلّى عن القضيّة الفلسطينية؟ بأيّة طريقة إمبريالية تفكّرين؟
ثمّ أسأله: ما معنى “الإنبريالية”؟ فيغضب ظنًّا منه أنني أتهكّم.. وهكذا تطول الجلسات و”الخناقات”!
من شيم أهل مدينتي انفتاحهم الفكري والاجتماعي. لمعلوماتكم، في الستّينيات سجّلت صور بين مدن لبنان أعلى نسبة في الزواج المختلط.
فأبي، مثلًا لا حصرًا، الجنوبيّ الشيعيّ، مدير مدرسة البازورية الرسمية، وقع في غرام أمّي المعلّمة القادمة برفقة عدد من زميلاتها، من مدينة طرابلس – لم يتوافر يومها عدد كافٍ من المعلّمين في محافظة الجنوب، الأمر الذي يثبت موضوعيًا حالة التهميش والحرمان في تلك البقعة من الوطن. تقدّم أبي لطلب يد أمي. لكن جدّي المتزمّت (من جيل العهد العثماني) رفض الطلب.. سوف تندهشون إذا أخبرتكم عمّن ساهم في إقناع جدّي.
إنّه الإمام موسى الصدر نفسه. ذهب مع وفد من آل جهمي خصّيصًا إلى طرابلس كي يحاجج جدّي أبا أحمد بأننا جميعًا مسلمون. فما كان من أبي لحظتئذ إلّا أن علّق بظُرفه المعتاد: لكنني علمانيّ، ولا أؤمن بهذه المفاهيم الدينية.
ردّ عليه الإمام الصدر: روّقها يا حجّ اسماعيل، بدنا نزوّجك.
هؤلاء هم أبناء صور وأهلها العفويون. لا يداهنون أحدًا، ولا يتدخّلون في شؤون أحد وإنْ يكن غريبًا عنهم. ينتظرون صحوة الآخر ليكتشف مصداقيّتهم ومحبّتهم.. يذودون بعضهم عن البعض الآخر. يساندون ويدعمون قدر مستطاعهم، بيْد أنّهم لا يمنّنون أو يتبجّحون أو يراوغون. ملء قلوبهم حبّ وفرح ونشوةُ حرّية: أَلا إنّ معلّمهم الأوّل هو البحر، مؤنسُهم في كربهم وطمأنينتهم؛ في قصص حبّهم؛ في صيفهم وشتائهم.. هو مكمن أسرارهم وخالق خيالاتهم.. البحر الصوريّ طفل جامح عنيد، لا يشبهه أيّ بحر آخر.
لسنا نحن الصوريون أغنياء. حتى الذين هاجروا وتغرّبوا إلى بلدان أفريقية أو أميركية لم يصنعوا ثروة. ابن صور “صرّيف كيّيف بيحبّ يتعب ويعيش. استحلينا حدا منكن يعمل ثروة”. هذه المقولة شاعت عنّا. وربّما بها نعتزّ.
في الوقت نفسه، فإنّ الفجوة الطبقيّة السحيقة داخل مجتمع مدينة صور- وأعني المدينة بحدّ ذاتها – باتت مخيفة في العقود الثلاثة الأخيرة.
أهالي المدينة الأصليّون أصبح أغلبهم يسكن في الضواحي، لأنّ المغتربين من أبناء القرى المحيطة هم وحدهم المتمكّنون من شراء البيوت في الأبنية الفارهة التي شبّت فجأةً في المدينة منذ تسعينيّات القرن العشرين.
أهالي صور معظمهم بحّارة أو صنائعيون أو موظّفون، وأمّا الطبقة الوسطى منهم، فقدْ سُحقت بفعل الأزمة المالية والمعيشية التي تسبّبت بها منظومة الفساد.
إنك اليومَ إذا قصدتِ السوق الشعبي والتجاري القديم في صور، ستلاحظين أنّ عدد أصحاب المحلّات من أبناء المدينة لا يتجاوز أصابع اليدين، وهؤلاء في أغلبهم من السنّة والمسيحيين ممّن رفضوا بيع دكاكينهم ومحلّاتهم ومطاعمهم الصغيرة رغم المغريات المادية الفائقة.. تجدر الإشارة إلى أنّ أغلب الصاغة المحترفين، بحكم وراثة المهنة، هم من السنّة، في حين يستحوذ المسيحيون على النشاط السياحي، بشكل عام.
لكنك ستنتبهين أيضًا إلى أنّ النسبة المرتفعة من متسوّقي السلع الاستهلاكية والألبسة والأحذية، ناهيك عن الساعات والمجوهرات الفاخرة، بخاصّة في المناسبات والأعياد، هي من أهالي الريف. وهؤلاء لا يقصدون سوى متاجر يمتلكها أقرباؤهم من قراهم.. فيكون الخاسر، والحال هذه، هو التاجر الصوريّ الأصيل.
وبكلّ صراحة وموضوعية، وبدون مواربة، ثمّة من الصوريّين من انتسب إلى “حركة أمل” أو “حزب الله”، فصار محظيًّا، بحيث ضمِن له ولأسرته ولو الحدّ الأدنى من المعونات المالية والصحية، وغالبًا التوظيفية. وفي بعض العائلات، هناك إخوة يبدو أنّهم تعمّدوا أن ينقسموا بين “حركة” و”حزب” سعيًا إلى مزيد من الانتفاع – على قاعدة: زيادة الخير خير.
بخلاف ذلك، يبقى القسم الأعمّ من أهل المدينة فقراء مساكين مهمَّشين. لا أحد يعتني بهم، أو يلتفت إليهم، اللهمّ باستثناء بعض أيادي الخير الصوريّة التي تعمل على توفير بدلِ رسمٍ لتسجيل تلميذ في مدرسة رسمية هنا، أو دواء لمريض معوز هناك.
يكفي الصوريين نعمةً أنّ بعضهم لا يزال يحبّ البعض الآخر، ويتعاطف ويهتمّ، ويكسو طفلًا تعثّرَ أهلُه، كسوةَ العيد، ويربّت على كتفه تربيتة حانية ولو من وراء البحار..
* ملاحظات مهمّة جدًّا:
– التعايش والتسامح وقبول الآخر خطّ أحمر في تربية أبناء صور وفكرهم ووجدانهم. ليسوا عنصريين تجاه أحد. يكفيهم فخرًا أنّهم أول من احتضن القضية الفلسطينية، إنسانيًا وأخلاقيًا وسلوكيًا.
– في الانتخابات النيابية الأخيرة، أيار 2022، لم تتجاوز نسبة الاقتراع في مدينة صور 29%.
وهذا خطأ جسيم ارتكبه الصوريون بحقّ أنفسهم ومدينتهم. فبدل المقاطعة، كان بإمكانهم الاقتراع للتغييريين أيًّا كانوا.
– ليس مِن مدينة صور اليوم أيّ نائب يمثّلها.
– في المؤسّسات الرسمية، ما من مدير أو رئيس دائرة من صور (مثلًا، الثانويات والمدارس، ودوائر المالية والداخلية… إلخ). حتى في القطاع الخاص، يندر أن يحظى الصوريّ بمنصب رفيع. الأموال الاغترابية الأفريقية فعلت فعلها النافذ في هذا المجال، للأسف.
– أخيرًا، وحدها حالة بيروت العاصمة تشبه حالة صور على امتداد لبنان.
وللبوح عن صور تتمّة لفيض عذب.