من أبرز القضايا البيئية والاجتماعية، قضية إنشاء سدّ بسري وآثاره التدميرية. وكان مجلس الإنماء والإعمار أعلن بتاريخ 31 أيار 2019 مباشرة الأعمال لبناء السدّ، وقد بدأت الأعمال فعلا هنالك وكان أبرزها قطع أكثر من مائة وخمسين ألف شجرة في المرج. بمعزل عن الانتقادات الكثيرة الموجهة للمشروع لجهة أنه واقع في منطقة معرضة للزلازل، وأن المنفعة التي قد تنجم عنه أقل بكثير من الضرر الناجم عن تدمير المرج بما فيه من معالم طبيعية وأثرية وبما يتيحه من قطاعات إنتاجية في الزراعة والسياحة فضلا عن تلويث مياهه الجوفية، فإن بدء الأعمال على هذا النحو يشكل جرما على ضوء قانون حماية البيئة 444/2002 معطوفة على المرسوم 8633/2012، لعدم اكتمال دراسة الأثر البيئي وبأية حال لعدم تجديدها وفقا للأصول. وهذا ما يتحصل من الوقائع الآتية:
عدم اكتمال شروط دراسة الأثر البيئي
عند الاطلاع على مستندات سد بسري، يتبين الآتي:
- أن وزارة البيئة لم تعطِ موافقة نهائية على دراسة الأثر البيئي المقدمة في 2014، إنما علقت موافقتها على تنفيذ الشروط الواردة في كتابها رقم 652/ب تاريخ 5/6/2014 ومنها إنجاز إعداد دراسة التعويض الإيكولوجي بالسرعة القصوى كي يتم تنسيق الجدول الزمني الخاص بتنفيذ الأعمال الهندسية وبالتالي تحقيق الهدف المرجو من دراسة التعويض الإيكولوجي.” (الكتاب رقم 3917/ب تاريخ 5/08/2019).
- أن صاحب المشروع وضع دراسة التعويض الإيكولوجي المفصّلة في تشرين الأول 2019 وسلّمها لوزير البيئة فادي جريصاتي في 14/10/2019 وفق ما جاء في تصريحه باستلامها لقناةOTV في اليوم نفسه. وحتى اللحظة، لم يعلن وزير البيئة موافقته على هذه الدراسة.
تبعا لذلك، يكون من البيّن أن دراسة الأثر البيئي لم تكتمل طالما أنها ما تزال تنتقص إلى جزء لا يتجزأ منها، وهو دراسة التعويض الإيكولوجي (وهو الجزء الذي كانت وزارة البيئة اشترطت إكماله منذ 2014) وأن اكتمالها لا يتم تاليا إلا بعد إعلان وزارة البيئة موافقتها على هذه الدراسة، وانقضاء مهل الاعتراض عليها وهي 15 يوما بعد هذا التاريخ. وهذا ما يتحصّل من الأحكام الآتية:
- المادة 2 من مرسوم 8633/2012 والمادة 2 من قانون 444/2002 مفهوم “خطة الإدارة البيئية” كما يلي:
“خطة الإدارة البيئية: مجموعة التدابير التخفيفية ووسائل الرصد والمراقبة والاجراءات المؤسساتية المتخذة خلال إنشاء أو تشغيل أوتفكيك المشروع والتي من شأنها إلغاء الآثار البيئية السلبية أو تخفيفها الى المستويات المقبولة محليا ان وجدت وإلا وفقاً لمعايير الأمم المتحدة. تعتبر “خطة الإدارة البيئية” جزءاً لا يتجزأ من تقرير ” تقييم الأثر البيئي ” وتقرير “الفحص البيئي المبدئي” ” (Environmental Management Plan).
- الفقرة (1) و (2) من المادة 11 من مرسوم 8633/2012 على أنه:
“1- يلتزم صاحب المشروع بآلية “خطة الادارة البيئية” خلال أعمال الانشاء والتشغيل والتفكيك. 2- تتولى وزارة البيئة مراقبة تطبيق آلية “خطة الإدارة البيئية” للمشروع خلال أعمال الإنشاء والتشغيل والتفكيك”.
كما أن الملحق رقم 7 يحدد المعلومات المطلوبة بشكل إلزامي في التقرير المتعلق بتحديد نطاق تقييم الأثر البيئي. ومن ضمن المعلومات التي يجب أن يتضمنها التقرير وصف المشروع المقترح، وصف البيئة المحيطة بالمشروع، والآثار البيئية المحتملة له، وخطة الإدارة البيئية.
ويتأكد ذلك على ضوء معنى دراسة التعويض الإيكولوجي وأهميتها. ففيما تظهر دراسة تقييم الأثر البيئي ما قد ينتج عن المشروع المنوي تنفيذه من تأثيرات سلبية، ثمة ضرورة تبعا لذلك من استشراف السبل والتدابير الكفيلة للحد من هذه التأثيرات، عبر وضع “خطة الإدارة البيئية”، والتي تشكل دراسة التعويض الإيكولوجي جزءا أساسيا منها. وبالفعل، تتضمن هذه الدراسة بشكل عام مجموعة التدابير التي يجب اعتمادها للمحافظة على البيئة خلال عملية الإنشاء ومن ثم التعويض على الخسائر البيئية الحاصلة بعد إكمال الإنشاء، بهدف السعي لإعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل قيام المشروع. وتصبح هذه الضرورة أكثر إلحاحا في حالة مشروع سد بسري، والذي يزمع إنشاؤه في منطقة شديدة الحساسية بيئيا لاحتوائها على مجاري أنهر وينابيع وكونها موطناً لأصناف نباتات وحيوانات مهدّدة بالإنقراض على مستوى لبنان. ولا نبالغ إذا قلنا أن هذه الدراسة تشكل في هذه الحالة الجزء الأهم من خطة الإدارة البيئية، حيث أن عدم إكمالها يعني عدم وجود أي تدابير بيئية واضحة وفعّالة للتقيد بها في أثناء تنفيذ المشروع.
في مطلق الأحوال، في وجوب تجديد دراسة الأثر البيئي
مع تمسكنا بعدم اكتمال دراسة الأثر البيئي للأسباب المبينة أعلاه، يبقى أن صلاحية دراسة الأثر البيئي محددة بسنتين فقط بموجب المادة 13 من مرسوم 8633/2012، بحيث يكون على صاحب المشروع الحاصل على دراسة بيئية وضع دراسة جديدة بعد انقضاء هذه المدة في حال لم تتم المباشرة بتنفيذ المشروع، وهو واقع الحال. وفي هذه الحالة، يتوجب على صاحب المشروع إبلاغ وزارة البيئة برغبته بمتابعة المشروع فتقوم الوزارة بالتحقق من نشوء عناصر جديدة تدعو لإجراء دراسة «تقييم الأثر البيئي» مجددا أم لا. وخلافا لهذه الأحكام، ورغم بروز عدد من التقارير العلمية المحذرة من المخاطر البيئية لإقامة السد، لم يصدر عن وزارة البيئة ما يؤشر إلى قيامها بأي تحقيقات للتأكّد من نشوء عناصر جديدة خلال السنوات الخمس الفائتة أو عدمه، وهو أمر لم يكن أصلا بمقدورها القيام به جديا قبل تلقيها دراسة التعويض الإيكولوجي وفق ما سبق بيانه.
في كون مباشرة الأعمال قبل اكتمال الدراسة البيئية جرما جزائيا
مما تمّ عرضه أعلاه، نستنتج أنّ مجلس الإنماء والإعمار بدأ بالأعمال التمهيدية للمشروع منذ شهر أيار من هذه السنة رغم أنه لم يتم استكمال دراسة الأثر البيئي على الوجه القانوني حتى يومنا هذا، ولم تتخذ الاجراءات اللازمة لتمكين وزارة البيئة من إعمال رقابتها.
وعليه، يشكل أي عمل في هذا الخصوص جرما جزائيا بموجب المادة 15 من المرسوم 8633/2012 معطوفة على المادة 58 من قانون حماية البيئة رقم 444 /2002، حيث ورد الآتي:
” يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من خمسة عشر مليون إلى مئتي مليون ليرة لبنانية، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من:
– ينفذ مشروعا يستوجب دراسة فحص بيئي مبدئي أو تقييم الأثر البيئي من دون إجراء هذه الدراسة مسبقا أو إخضاعها لرقابة وزارة البيئة والوزارات والإدارات المختصة.
– ينفذ مشروعا يستوجب دراسة فحص بيئي مبدئي أو تقييم الأثر البيئي خلافا لمضمون الدراسة المقدمة منه والتي تكون قد حازت على موافقة وزارة البيئة والوزارات والإدارات المختصة.”