ينظر خالد جعفر، ابن وادي فيسان، وأحد وجهاء العشيرة، إلى المصباح الكهربائي في سقف داره ويقول: “علاقتنا بالدولة مقتصرة ع الكهربا، برغم التقنين. بس تروح بتنقطع أي علاقة لنا بالدولة”.
يضيف مدير مدرسة جوار الحشيش، في جرد آل جعفر، علي مهدي جعفر، بعداً آخر لهذه العلاقة: “ما تبقّى من مدارس رسمية في جردنا، هو استمرار لعلاقتنا بالدولة أيضاً”. مدارس لا تشبهها أي من مدارس لبنان “نحن مميّزون”، يضيف ساخراً، لكن التميُّز سلبي “ما في مدرسة بكل لبنان بتدمج صفّين بصف واحد. يعني تاني وتالت ابتدائي بغرفة وحدة، رابع وخامس بالصف ذاته، والرّوضات أولى وتانية وأوّل ابتدائي بغرفة وحدة كمان”. هذه الحال تحسّنت عمّا كانت عليه قبل 1994 تاريخ تشييد الدولة مبنى للمدرسة “بالأوّل كان الأهالي مقدّمين غرف وكانوا كلّ الصفوف بغرفة وحدة”. وبرغم علل دمج التلامذة واقتصار حصّتهم التعليمية على ثلث ساعة لكلّ صف، فإنّ تلامذة جوار الحشيش ينجحون بنسبة 100% في الشهادة الرسمية المتوسطة “والناس باقية بالضّيعة لأنّه في مدرسة”، وفق علي مهدي جعفر. المدير نفسه قلق على مصير المدرسة كونه الأستاذ الوحيد المتفرّغ فيها “والباقي تعاقد”، وهو سيحال إلى التقاعد في 2021-2022 “ما بعرف يمكن يسكّروا المدرسة لأنّهم بدهم أستاذ متفرّغ ليعينّوه مدير”.
يمتدّ جرد عشيرة جعفر المعروف بوادي فيسان، من مراح العين في الجرد الأعلى، فوق فيسان، من حدود قلعة عروبة غرباً على الحد مع فنيدق في عكار، ومن كرم شباط على حدود عكار العتيقة، مروراً بالنعناعة وجورة النجاصة ومصاطب الجوز والسويسة ومراح الزعرور، ثمّ نزولاً نحو الأودية الوسطى في الحريقة والميدان والزكبة والهوشرية وقلد السبع وحدودها وادي العرايس ثم جرماش في سوريا، وصولاً إلى سهلات المي. مع تمدّدهم إلى السهل على الحدود الشرقية الشمالية مع سوريا، صار الجعافرة يدرجون بلدة القصر من ضمن مناطق انتشارهم. يحدّهم في الأعلى الشمالي جبل أكروم من ناحية فيسان ورأس الحرف، فيما يصلون القبيات من البستان والمخزن.
يتقاسم آل حعفر هذا الجرد، وهو من أوسع جرود العشائر في السلسلة الغربية في البقاع الشمالي، مع آل الرشعيني الذين أتوا إلى المنطقة في 1700، أي قبلهم بنحو 20 عاماً، كما يؤكد أستاذ التعليم الثانوي سهيل الرشعيني لـ”المفكرة”. وكونهم، أي الرشعيني، أقلّ عدداً ولا يُحسبون على العشائر، نجد انتشارهم محصوراً في الحريقة وراس الحرف. وكان للجعافرة شركاء آخرون هم آل خير الدين وآل عبيد ممّن هجّرتهم المشاكل. فقد رحل آل خير الدين بعد وقوع إشكال ذي طابع اجتماعي مع الجعافرة، فيما تهجّر آل عبيد بعد معركة مع عشيرة ناصر الدين وسقوط قتلى في صفوف الأخيرة. وبرغم عقد مصالحة بينهما، إلّا أنّ العبيديين فضّلوا الرحيل نهائيا تجنّباً لأي ثأر، فباعوا أراضيهم وكان تمركزهم الأساسي في قنافذ وأعاليها.
مثلّث الاسترزاق
هذا المثلّث الحدودي مع عكّار من أربع جهات (قلعة عروبة والقبيات وعكار العتيقة وجبل أكروم)، ومع سوريا من قلد السبع والقصر وإبش على حد بلوزة وحاوييك السوريتين، ومن القصر نحو الهرمل ثمّ القاع، منح الجعافرة الذين يتجاورون مع عشيرة ناصر الدين في حدود الأودية، آفاقاً متنوّعة للاسترزاق الاقتصادي، تفتقده عشائر أخرى وخصوصاً علوه ودندش (حيث تنفتح أراضي آل ناصر الدين على الحدود السورية في الحوش والقصر). فقد حماهم هذا المثلث من النزوح نحو أحزمة البؤس والمدن البعيدة، ورماهم في حضن التجارة على أنواعها، وأبعدهم بنسبة محدودة عن مشاكل العشائر الشائعة والمستمرة. التجارة بشقّيها الشرعي – بين الشمال والبقاع حيث لعبت عشيرة جعفر بحكم موقعها بين المحافظتين صلة الوصل لتبادل السلع – وغير الشرعي أي التهريب من سوريا وإليها منذ الثمانينيات لغاية اليوم. وفرضت هذه التجارة على جعافرة الشمال (لتمييزهم عن أولاد عمومتهم في دار الواسعة والشروانة في قضاء بعلبك) سلوكيّات الأمر الواقع ومرونته. فالأعمال هنا ليست بالنيّات، بقدر ما هي تفاعل و”أخذ وعطا”، كما يقول ناصر جعفر، أحد وجهاء العشيرة. “لذا لم يُعرف عن جعافرة الحدود السوريّة ومع عكار انخراط كبير في مشاكل عشائر المنطقة”. يقول الرجل إن “مشكل إبن جعفر مش براس منخاره”، كما بعض أبناء العشائر “وهذا طبعٌ عوّدته عليه مصلحته المرتبطة بالتجارة، فصار طويل البال أكثر من غيره، ومشكله بعيد”.
وللجعافرة وجردهم ميزة جميلة تتمثّل باستمرار عيشهم في الجرود الوسطى صيفاً شتاء. ووسطى هنا لا تقلّ أحياناً عن ارتفاع 1400 متر عن سطح البحر، كجوار الحشيش مثلاً التي تستقطب مدرستها العديد من أبناء القرى من حولها وصولاً إلى سهلات المي التي تبعد عنها 17 كيلومتراً، والحميري التي تقع على الارتفاع نفسه، كما يؤكّد مختارها حسن جعفر لـ”المفكرة”. ولا يترك الجعافرة جردهم العالي شتاء إلّا بسبب الصقيع والثلوج التي تعيق حركتهم وكي يتزوّدوا بالحاجيّات.
الأخوة الخمسة
أتى آل جعفر جرود الهرمل، كما “أولاد عمومتهم من العشائر من جبيل في جبل لبنان”، كما يسمّي نافذ جعفر، عشائر علوه وناصر الدين ودندش وزعيتر. ووصل خمسة أخوة مع عائلاتهم من الجعافرة من جبيل إلى دار الواسعة في بعلبك بداية. “بقي واحد من بينهم واسمه جعفر في دار الواسعة، فيما قصد بقية أخوته قاسم وعلي موسى وأحمد وحمّود الحاج جرود الهرمل”، وفق الأستاذ الثانوي علي كاظم جعفر. وتوزّع هؤلاء على “جباب” (وهي فروع من العشيرة وتقسيماتها) وصاروا “جبّ قاسم وجبّ علي موسى وجبّ الحاج وجبّ أحمد”. ونظراً لطبيعة عيشهم من المواشي والزراعة والفحم “فتّشوا عن الغابات والأحراج وعاشوا فيها”.
يصل عدد ناخبيهم اليوم، وفق نافذ جعفر إلى نحو 5600 ناخب، و”يُعَدّ آل جعفر مع آل زعيتر أكبر العشائر عدداً”. والأهم، بالنسبة لآل جعفر تمركزهم في منطقة واحدة تنساب عامودية من قلعة عروبة على ارتفاع 1800 متر وصولاً إلى القصر في السهل، وعدم تشتّتهم على مناطق لبنانية عدّة، “إذ لا تتجاوز نسبة نزوح جعافرة جرد الهرمل إلى خارج المنطقة 10%”.
فقر ونزوح متأخّر
من ساحة القصر صعوداً نحو سهلات المي التي قصدها الجعافرة طلباً للعلم كونها أقرب إلى الهرمل التي يرسلون أبناءهم إلى مدارسها، تبدأ طريق آل جعفر عبر الانعطاف نحو الطريق الدولية التي تربط البقاع بالقبيّات في عكار. يزدان الجرد بالاخضرار، إذ يعجّ بأنواع الأشجار الحرجية كافة وبعضها معمّر، خصوصاً في كرم شباط التي جرت مساعٍ كبيرة ولم تزل لإعلانها محميّة طبيعية نظراً لغناها الكبير باللّزاب والأرْز والشوح والملّول وكذلك السنديان في الجزء المنخفض منها.
هذا الاخضرار في الوادي الجميل يكشف عن جرد وعر تتخلّله بعض الأودية، ومنها الوادي الفارغ، وإن كان في مجمله يسمّى بوادي فيسان. وعورة لم تمنح الجعافرة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية كون كلفة الاستصلاح كبيرة من جهة، ولأنّ طبيعة الأرض صخرية تصلح للرعي أكثر منها للزراعة. وباستثناء زراعة الحشيشة التي درجت في المنطقة منذ الثلاثينيات، كان المزارع النشيط بين آل جعفر من يستطيع تأمين احتياجات منزله من الخضار، وعليه، لم نجد إنتاجاً زراعياً تجارياً عندهم إلّا لمن تملّكوا أراضٍ فسيحة في السهل، أو من يمتلكون حقولاً في الداخل السوري حيث يعيش جزء من العشيرة في وادي العرايس وجرماش السورية على الحدّ مع قلد السبع اللبنانية.
في ظلّ هذه المعطيات، شكّل الرعي وتربية المواشي أحد المداخيل الرئيسية، وخصوصاً تربية قطعان الماعز الذي يتعايش بطبيعته مع المراعي الوعرة على عكس الأغنام والأبقار، إضافة إلى صناعة الفحم من أحراج السنديان. وعليه، ما زالت مظاهر الحياة البدائية والحرمان فجّة تبيّن حجم إهمال المنطقة الجردية إلى درجة تستغرب معها قدرة الناس على تحمّل ظروفها، وخصوصاً في منطقة راس الحرف والنعناعة والحميرة وغيرها في الجرد العالي من 1400 متر وما فوق.
آل الرشعيني جيران الرضا
يتحدّث مهدي الرشعيني الذي يقضي الشتاء في الحريقة والصيف في مقلب (خلف) راس الحرف، عن الحياة الصعبة وتدنّي المدخول من زراعة القمح والكرسنة (نوع من علف المواشي) والعدس “ما بيطلّعوا كلفة زراعتهم وحصادهم ودراستهم” (أي فصل الحبوب عن التبن والقش). يصف الرشعيني الحياة في مناطق الرعيان بتلك التي كانت سائدة في العصر الحجري “حتّى طرقات ما في، وما عنّا إلّا نبع مي بعيد، منسقي منّه الطرش” (المواشي). ويؤكّد أنّه نظراً إلى القرب من سوريا، كان سكان الجرد يستعينون بها لتأمين احتياجاتهم بسعر مقبول “كنّا نشتري ربطة الخبز بـ500 ليرة لبناني، ووزنها كيلوغرامين، يعني قد الربطة اللبنانية ع مرتين وزيادة 200 غرام”. وبينما يتحدّث مهدي، تصل شقيقته نوال ومعها ابنتها المراهقة وقد أتتا بـ”حمل” ماء على ظهر الدابّة. تبدأ نوال بالشكوى “صوّروا للعالم حياتنا ليعرفوا إنّه في ناس بلبنان بعدها بتزقّ (تنقل) المي ع ضهر الدبّة بالقرن 21”. يبعد نبع الماء عن خيمة نوال نحو كيلومترين “وبدنا 4 نقلات مي باليوم، للشرب والجلي والغسيل والطبخ”. أحياناً تحمل نوال صرّة الملابس المتّسخة على رأسها وتقصد النبع لغسلها هناك “أحسن ما زقّ مي لحدّ الخيمة، بغسّلهم وبعصرهم وبيجيبهم إنشرهم هون وبجيب معي نقلة مَي للبيت”.
تقول ابنة نوال، ماجدة (14 عاماً) “بساعد أمي، بفلش النكّوب (براز الماعز أو الغنم يستعمل سماداً في الزراعة) بأرض صيرة الماعز وبخضّ الحليب لشيل سمنة بلدية وبروح ع العين بجيب مي ع الدبّة”. صارت ماجدة في صف الثاني متوسط في مدرسة الحريقة الرسمية “ببقى بالجرد لتشرين وبعدين بروح ع المدرسة”. تحلم ماجدة أن يتمكّن أهلها من إرسالها إلى الهرمل “بحبّ إتعلّم كوافيرة، وما في صفوف بالحريقة إلّا للبريفيه بس أنا مش حابّة ضلّ هون، بدي فلّ، بدي إتعلّم، بدّي حياة أحسن”.
كان أبو سهيل الرشعيني من الميسورين في بيئته حيث كان يملك نحو 500 رأس ماعز، “من ستّين سنة كان أبي من أوائل الذين بنوا بيوتاً من الباطون” يقول الأستاذ سهيل الرشعيني “ما كان متعلّم، بس رجع تعلّم الكتابة”. كان أبو سهيل يحبّ العلم. ولذا استضاف في منزله القديم مدرسة الحريقة واستقبل أستاذ المدرسة في بيته. لاحقاً أرسل ابنه سهيل إلى الهرمل وأسكنه لدى صديقه أبو عبدالله الجوهري “وبعتو معي دجاج بلدي ومونة من برغل وحمص وأجبان وقمح للخبز”. بعدها بعام، نزل أخواله إلى الهرمل للدراسة فأرسل والده شقيقته لتهتمّ به، و”انتقلت للعيش معهم في المنزل نفسه”. يتذكّر الأستاذ سهيل بدايات النزوح الرشعيني نحو بيروت “بالسبعينات صاروا يروحوا شاب ورا التاني يشتغلوا ببيروت بالفاعل وياخدوا 7 ليرات باليوم، ويشتغلوا ساعات إضافية فيطلّعوا 10 ليرات يعني ما بين 25 إلى 30 ليرة بالشهر”. كان هذا المبلغ كبيراً بالنسبة لأولاد الجرد “كان معاش الأستاذ 150 ليرة”. وكان العمال ممن نزحوا إلى بيروت “يجوا من بيروت لابسين طقومة وصبابيط وصارت الناس تتشجّع وتلاقي الشغل بالعاصمة أسهل من التعب بالجرود”. فارتفعت وتيرة الهجرة إلى بيروت بين آل الرشعيني “ما اشتغلوا شباب العيلة بالتهريب أو الحشيشة”.
إنماء الشهابية
نموذج الحياة هذا كان يعمّ كل جرد الجعافرة “كان عنّا بئر عربي لتجميع مياه الشتاء ونبعة صغيرة، وكانت كلّ المنطقة تجي تعبّي منها ع الدواب”، يقول المختار حسن جعفر. شهد الجرد المشروع الأوّل “أيام الشهابية” حيث تمّ بناء خزّان لتجميع مياه النبع و”صارت الناس تجي تعبّي من الخزان، ويومها انتشرت المدارس في جردنا”.
أما الطريق فلم يعرفها الجعافرة لغاية 1975: “قبل ذلك، ما كان في طريق إلّا قادومية” (على الأقدام). يومها توافق الأهالي باعتماد إطلاق النار في الهواء ليعلِموا بعضهم البعض بوقوع حادث “إذا في مشكل كانت الناس تقوّص خمس رصاصات، فيقطع الجعافرة الطريق في الأعلى لتوقيف المعني بالإشكال”، وفق ناصر جعفر.
مع شقّ الطريق وتعبيدها، بدأت الحركة التجارية بين الشمال والبقاع، ونزل الجعافرة ليكونوا أقرب إلى المدارس والمستشفيات حيث يخلو كلّ جردهم الذي يعيش فيه نحو 12 ألف نسمة من مستوصف أو عيادة طبيب، يؤكّد خالد جعفر الذي رزق بابنة تعاني من الصفيرة (اليرقان) وبما أنّه لا يوجد غرفة عناية بالأطفال وحاضنة خاصّة بالأطفال، أصيبت الفتاة بتأخّر ذهني.
“أخي مات ع الطريق بعدما أصيب بنوبة قلبية وما لحّقناه ع زحلة”، يقول البائع المتجوّل عارف محمود جعفر لـ”المفكرة” “ومتله كتار” يضيف. مرّت سنوات صعبة طويلة على الستّيني عارف جعفر “ربّيت أربع بنات لخلّصوا جامعات”. عمل سائق حافلة في بيروت “قلت ما بدّي إشتغل بالتهريب أو بالحشيشة”، ولكنّه لم يتمكّن من إرسال بناته إلى مدارس العاصمة “كانت مكلفة عليي”. ولذا عاد إلى الجرد بعد 3 سنوات “وحطّيتهن بالمدرسة الرسمية”، وبدأ العمل كبائع متجوّل يبيع السلع لمحلات المواد الغذائية، “وفتحت محل بتقعد فيه مرتي”. من مشتريات الدكاكين الجردية يقيس وضع الناس “المهربين والتجار وضعهم منيح، بس في كتير ناس فقيرة”. حتى أصحاب الدكاكين لا يشترون منه الكثير “لأنّه ما عندهم بيع إلّا للأساسيات من رز وسكر وشاي وحبوب “حتى علبة الحمص في ناس مش قادرة تشتريها”، يقول.
أثناء التجوّل في جرد آل جعفر نجد في كلّ بلدة تقريباً مسجداً، فقد وصلت المساجد قبل الإنماء والمستوصفات والماء: “لو بيفتحو مستوصف مع كلّ جامع، كانوا بيخدموا الناس أكتر”، يقول أحد شبان العائلة الذي يرى أن علاقة الجعافرة بالدين كانت بـ”الفطرة، ولم تكن التزاماً بالمعنى الذي يحاول مشيّدو المساجد تكريسها اليوم”.
الرزق ع التهريب
لم يكن في العام 1975 بين القصر ووادي فيسان سوى بيت يتيم على الطريق التي نبتت عليها قبل 20 سهلات المي، كبرى بلدات الجعافرة، على الحد مع بلدة القصر “العالم بتروح ع محلّات الشغل وطبعاً ع المدارس والطبابة”، يقول مدير مدرسة جوار الحشيش علي مهدي جعفر “كان العلم سلطان ويعطي قيمة للإنسان”، يؤكّد. ولذا “ركّز كلّ حياته لكي يعلّم أبناءه الخمسة “كلّهم تخرّجوا من الجامعات”.
بعد سهلات المي التي نمت في الثمانينيّات واشتهرت بمنازلها الحديثة وبالعديد من الفيلّات وخصوصاً بعد نشاط تهريب المازوت الذي نشط في تلك الحقبة “بيت جعفر مدينون ببعض اليُسر للتهريب بالدرجة الأولى، ولتجارتهم بين الشمال والبقاع ثانياً”، يقول أحد الجعافرة، ليرى أنّ التهريب غيّر في سلّم القيم: “صار الشباب يستسهلوا مصاري التهريب، ويلاقوا طريق الربح والرزق أسهل وأقصر من العلم”.
اليوم ما زال جزء من الجعافرة يعمل في التجارة الحدودية الناشطة بين لبنان وسوريا “باتّجاه واحد حيث أنّ سوريا تحتاج لكي شيء في ظل عقوبات قيصر”. وضع شكّل فرصة أخرى للجعافرة لممارسة المهنة التي يتقنون “التجارة حدودية كانت أم داخلية”. مهنة لم يكن لهم غيرها في زمن بخلت به دولتهم عليهم بكل شيء، ممّا قسّم مجتمعهم إلى فقراء يعتاشون من الأرض وعدد محدود من الوظائف خصوصاً في التعليم، وميسوري حال يستفيدون من فرص تصنّفها الدولة في خانة مخالفة القانون، وهي تدري أنّ أكبر مخالفة للقانون تكمن في إدارة الظهر لحقوق ناسها.
نُشر هذا المقال في العدد 1 من “ملف” المفكرة القانونية | الهرمل