مؤخرا، ثار جدل قانوني وحقوقي جديد بالمغرب متعلق بأطوار محاكمة الصحفي توفيق بوعشرين مدير نشر جريدة “أخبار اليوم” الورقية وموقع “اليوم 24” الإلكتروني المتابع من طرف النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتهم عديدة، وبدأت محاكمته من أجلها أمام غرفة الجنايات بنفس المحكمة وتحظى محاكمته بمتابعة إعلامية كبيرة ومن طرف الرأي العامّ.
ويتعلق جديد القضية بظهور نتيجة الخبرة التي سبق للمحكمة أن قررت إجراءها بناء على طلب دفاع المشتكيات وتأخر إنجازها لأزيد من شهرين. وبغض النظر عن نتيجة الخبرة، فإنّ الجدل الدائر حاليا يتعلق بنقطتين أساسيتين، أولهما مرتبط بخروج دفاع الأطراف جميعا في هذه القضية بتصريحات صحفية حول مضمون الخبرة، والثانية متعلقة بتسريب صور مضمنة بتقرير الخبرة منسوبة لبوعشرين وبعض المشتكيات للرأي العام.
أولا: هل خرقت تصريحات الدفاع حول تقرير الخبرة سرية المحاكمة؟
ما أن أعلنت المحكمة إنجاز الخبرة وتسليم دفاع الأطراف نسخا منها قصد التعقيب عليها، حتى خرج دفاع كل طرف أو بعضهم على الأقل ليصرح للصحيفة بخلاصتها. فدفاع المتهم اعتبر أن الخبرة لم تجب عن تساؤل أساسي للمحكمة وهو هل يتعلق الأمر بالسيد توفيق بوعشرين بخصوص الشخص الذي يظهر بالفيديو أم لا؟ وبالتالي اعتبر الدفاع أن تقرير الخبرة ما دام لم يجب عن هذه النقطة فإنها تعتبر في صالح موكله وتعين بالتبعية الحكم ببراءته من المنسوب اليه. أما دفاع المشتكيات فاعتبر أن تقرير الخبرة يدين بما لا يدع مجالا للشك المتهم على اعتبار أن التشكيك في الفيديوهات انصبّ على كونها مفبركة من طرف الأجهزة الأمنية وما دام أن الخبرة أكدت بأنه لم يتم أي تغيير أو تحريف في هذه الفيديوهات، فإنها تعتبر صحيحة[1].
ولكن، وبموازاة هذه التصريحات، طرأ نقاش قانوني بين رجال القانون والحقوقيين حول خرق الدفاع لقرار سرية المحاكمة الذي سبق للمحكمة أن قررته، لكون هذا القرار جاء لحماية المشتكيات والمتهم من تعريض سمعتهم للتشهير على حد سواء. مما يفيد أن الخروج بهذه التصريحات من طرف الدفاع والكشف عن مضمون الخبرة إنما هو خرق للقرار القضائي وضرب لكرامة وسمعة أطراف القضية. وفي هذا الصدد، ردّ المحامي محمد الهيني أحد أعضاء فريق دفاع المشتكيات في تصريح له للمفكرة القانونية” أن تقرير الخبرة العلمية في قضية بوعشرين هو عبارة عن وثيقة قانونية وقضائية فصلت في معطى تقني حول صحة الفيديوهات صورا وصوتا ولم تتطرق لأي فعل فاضح أو صورة فاضحة بالنشر مشمولة بالسرية”، مؤكدا على “أن الاخبار والإعلام بإجراءات المحكمة وقراراتها، ويندرج ضمنها اجراءات. الخبرة ونتائجها لا تكتسي طابعا سريا.“
فيما هاجم المحامي عبدالصمد الادريسي وهو من دفاع المتهم دفاع المشتكيات متهما إياهم بكونهم “يسيئون أولا للضحايا المفترضات، ثم لمهنة وتقاليد وأعراف مهنة المحاماة وللمحاكمة العادلة”[2].
وجدير بالذكر هنا أنه سبق لجمعية هيئات المحامين بالمغرب ونقابة المحامين بالدار البيضاء أن نبّهت “ورفضت التصريحات التي صدرت عن بعض المحامين المعينين بملف الصحافي بوعشرين. ودعت كل هيئات المحامين في مختلف دوائر محاكم الاستئناف إلى تحمل مسؤوليتها في تطبيق القانون والتعامل مع كل مخالفة مهنية” في هذا الموضوع[3].
ثانيا: استهجان تسريب صور فاضحة منسوبة للمتهم وإحدى المشتكيات
وقد شهدت القضية مباشرة بعد جلسة يوم 10-09-2018 التي ظهرت فيها نتائج الخبرة تسريب مجموعة من الصور (تتوفر المفكرة القانونية على نسخ منها) يظهر فيها شخص وامرأة في أوضاع جنسية مختلفة داخل مكتب ونسبت للصحفي توفيق بوعشرين وإحدى العاملات معه في الجريدة، وهي التسريبات التي أغضبت جمعيات وشخصيات حقوقية معتبرة إياها غير أخلاقية. فقد أصدرت جمعية “عدالة” والمنظمة المغربية لحقوق الانسان بلاغا أدانتا فيه نشر صور منتقاة من تقرير الخبرة المتعلقة بهذه المحاكمة. وإذ دعا البيان إلى الحفاظ على كرامة المتهم وكرامة الضحايا، فهو ذكر بالقرار الصادر عن هيئة الحكم والقاضي بعرض شرائط الفيديوهات في جلسات سرية، وهو ما يتماشى مع المعايير الدولية، في مثل هذه القضايا، المتعلقة بالاعتداءات الجنسية المفترضة. وقد اعتبر البيان أن تسريب مثل هذه الصور في عدة مواقع إلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي فعل مشين، يضرب في العمق بقيم حقوق الإنسان والأخلاقيات والقوانين الجاري بها العمل، مطالبة بفتح تحقيق جاد لتحديد المسؤوليات في هذه التسريبات، مع ربط المسؤولية بالمحاسبة لكل من تورط في ذلك. ختاما، دعا البيان مختلف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي إلى التقيد بأقصى ضوابط الاحترام، مع الالتزام بأخلاقيات المهنة، وعدم جعل المرافعات في الشوارع وفي ردهات المحكمة، بل داخل جلسات المحاكمة.[4]
وجدير بالذكر ختاما أن الخبرة في هذه القضية أنجزها المختبر العلمي التابع للدرك الملكي المغربي وقد سلمتها المحكمة لدفاع الأطراف وحددت جلسة يوم 24-09-2018 قصد تعقيب الدفاع على تقرير الخبرة، فيما رفضت المحكمة طلب السراح الذي تقدم به توفيق بوعشرين يوم الجمعة 14-09-2018 بجلسة خاصة عقدت لهذا الغرض.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.