على الرغم من مُصادقة الحكومة السابقة على تعديلات جديدة على القانون الجنائي، وإحالتها على البرلمان في 24 يونيو 2016، أي حوالي سنتين تقريباً، ما زالت لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، لم تصادق على هذه التعديلات، في حين لم تشرع في مناقشتها إلا قبل أسابيع قليلة، ما أثار جدلاً في صفوف البرلمانيين والحقوقيين. في موازاة ذلك، يتحدث بعض السياسيين عن وجود "جهات" تعمل على "عرقلة" المصادقة على هذا النص القانوني.
جدل..
بعد سنتين على إحالته، شرع البرلمان قبل أقل من أسبوعين في مناقشة مشروع تعديل القانون الجنائي، إلا أن هذه الجلسة، قد خيم عليها الجدل بشكل ملحوظ، خاصة بعد تهديد فريق حزب الأصالة والمعاصرة، (حزب معارض، يحتل المركز الثاني من حيث عدد المقاعد)، بالانسحاب من أشغال اللجنة، معللا ذلك ب "رفضه فرض الأمر الواقع" على النواب، من خلال إصرار وزارة العدل وبعض الفرق الأخرى على الشروع في مناقشة المشروع.
وكان البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، قد طالب بتأجيل مناقشة مشروع القانون، وذلك "بغرض فتح مشاورات مع الجهات المعنية الأخرى"، بحسب قوله، في حين شدد على أن حزبه لا مشكل له مع مضامين القانون أياً كانت.
في المقابل، شدد محمد أوجار، وزير العدل المغربي، على ضرورة عدم "إهدار الوقت"، معتبرا أن "الزمن التشريعي له أهمية فائقة"، في حين أكد أنه من الضروري أن تخرج الفرق البرلمانية بتوافق معين بخصوص الموضوع، على اعتبار أن "الأحزاب التي هي في المعارضة اليوم، قد تصبح في الحكومة يوم غد"، على حد تعبيره.
واتهمت البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، آمنة ماء العينين، فرق المعارضة في الولاية السابقة، بـ "وقف أشغال اللجنة المخصصة لمناقشة المشروع، دون ذكر أي مبرر معقول"، بحسب تعبيرها. وأكدت ماء العينين في تصريح للمفكرة القانونية، أن هناك تأخر في المصادقة على مشروع القانون منذ إحالته من طرف الحكومة السابقة على البرلمان. وقالت ماء العينين إن "فرق المعارضة آنذاك أصرت على عدم استكمال مسطرة المصادقة، ولجأت للعرقلة بل ووقف أشغال اللجنة المختصة دون أن تذكر أي مبرر معقول". مضيفة أنه "خلال الولاية الحالية تكرر نقاش عدم إمكانية مناقشة القانون الجنائي بمعزل عن المسطرة الجنائية خاصة وأن الوزراء أكدوا أن مشروعها جاهز منذ مدة للارتباط الوثيق بين القانونين حرصا على انسجام السياسية الجنائية". ولفتت المتحدثة إلى أن هناك توافقا حصل بين فرق الأغلبية ونظيرتها في المعارضة على استمرار المناقشة، وذلك بعد تقديم عرض من طرف وزارة العدل يتضمن الخطوط العريضة لمقتضيات مشروع المسطرة الجنائية التي نتمنى الإفراج القريب عنها، تورد المتحدثة.
قلق حقوقي..
خلّف تأخر المصادقة على مشروع التعديل على القانون الجنائي، قلقاً في أوساط الحُقوقيين المغاربة، داعين البرلمان والحكومة على حد سواء، إلى تسريع مناقشته والمصادقة عليه، مع الاستجابة لمختلف التعديلات التي طالبوا بها في وقت سابق.
وفي هذا الصدد، سجلت رئيسة جمعية أيادي حرة، ليلى أميلي، وجود تأخر كبير في "ورش إصلاح القانون الجنائي، والمسطرة الجنائية".
وقالت في تصريح للمفكرة القانونية إن "ورش إصلاح مشروع القانون الجنائي وأيضا المسطرة الجنائية له أولوية كبيرة الآن"، معلقة بالقول "لقد تأخرنا كثيرا في هذا الورش". وهي تضيف: "نؤمن إيمانا راسخا أن كل إرادة سياسية لوضع المغرب على سكة التحول نحو الاختيار الاستراتيجي من أجل مجتمع حداثي ديمقراطي مرتبطة أولا بضرورة إرساء دعائم هذا الاختيار السياسي والعمل على ملاءمة القوانين (مدونة الأسرة والقانون الجنائي، المسطرة الجنائية)، مع مقتضيات دستور 2011. فهذا الدستور نص على "التشبث بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، وسمو ما صادق عليه من اتفاقيات دولية على التشريعات الوطنية وملاءمة هذه الأخيرة مع التزاماته الحقوقية الدولية وحظر جميع أشكال التمييز ومكافحتها. كما أكد الدستور على مساواة الجميع أمام القانون (الفصل 6) مما يضمن مساواة فعلية للنساء وحقوقهن الإنسانية غير القابلة للتجزئة، ويكرس المساواة بين الرجال والنساء في "الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، على حد تعبيرها.
وطالبت أميلي بمراجعة شاملة وجذرية للقانون الجنائي الحالي، وذلك بشكل يحظر العنف ضد المرأة بجميع أشكاله ومعاقبة مرتكبيه، ويلغي ضمن مقتضياته كل أشكال التمييز بين النساء والرجال بسبب النوع الاجتماعي.
وعلقت: "سنرفع مذكراتنا باعتبارنا قوة اقتراحية ونطالب بتفعيل مواد الدستور والمتعلقة بالمقاربة التشاركية من أجل نص جيد متكامل وشامل"، معتبرة أن المغرب أمام "فرصة تاريخية لتحقيق إصلاح شامل ومتناغم".
وشددت على ضرورة إعطاء الجرائم المرتكبة ضد النساء/ الفتيات، عناية خاصة، مع رفع مستوى العقوبات حتى نحد من تفشي ظاهر العنف والاغتصاب والتحرش، بحسب تعبيرها.
وطالبت أميلي أيضا بتغيير ما وصفته بـ"المصطلحات التمييزية والمهينة"، وتعويضها بأخرى حديثة محترمة ومعززة لحقوق الانسان والحريات الأساسية، ومبادئ الكرامة والحرية والسلام والمساواة وعدم التمييز وحماية النساء من العنف المبني على النوع، بالإضافة إلى تخصيص جزء من القانون للجرائم المبنية على أساس الجنس باعتبارها انتهاكا للحقوق والحريات.
وأكدت المتحدثة على ضرورة "إيجاد حلول أساسية لمشاكل الإجهاض وما يترتب عنه خصوصا السري بتعميق النقاش ورفع الجرمية عن الإجهاض في حالات الحمل الناتج عن الاغتصاب أو زنا المحارم، وأيضا في حالات التشوه الخلقي، مع التأكيد على الإجهاض الطبي (الممارس من قبل الأطباء في المستشفيات أو العيادات).
وفي مقابل المطالب التي تقدمها جمعية أيادي حرة، والكثير من الجمعيات الأخرى، هناك منظمات حقوقية تعيب على التعديلات التي جاءت بها وزارة العدل عدم رفعها التجريم عن مجموعة من الممارسات التي تدخل في إطار الحريات الفردية. مثل الإفطار العلني في رمضان، والعلاقات الجنسية الرضائية بين البالغين خارج إطار الزواج، والعلاقات الجنسية المثلية، بالإضافة إلى تغيير تأطير عملية تغيير الدين، إلى جانب احتفاظه بعقوبة الإعدام.
وسبق لأحمد الهايج، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الانسان أن انتقد في تصريحات صحافية لموقع هسبريس، ما جاءتْ به مسوّدة مشروع القانون الجنائي بخصوص تجريم الإساءة إلى الأديان، قائلا أنها تتعارض مع حرّية الضمير، وأضاف الهايج أنَّ ما نصّت عليه مسوّدة مشروع القانون الجنائي يمكن أن يكون سببا "لممارسة الرقابة على النوايا والغايات، ويُمكن تلفيقُ التهمة للمبدعين والفنانين".
كما تنادي الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية، المعروفة اختصارا بـ ”مالي”، برفع التجريم عن العلاقات الجنسية الرضائية بين البالغين، والإفطار العلني في رمضان.
من جهة أخرى، ربط محمد أوجار، وزير العدل، ممارسة الحريات الفردية بعدم مصادمة المجتمع، داعيا في حوار مع موقع هسبريس، إلى الانتصار "للحرية دائما واحترام الحياة الخاصة والشخصية، لأن ممارسة هذه الحريات لا يجب أن يتجاوز الفضاء العام". وقال: "إذا كانت اختيارات المواطنين هي ممارسة الحريات، فإنه لا يجب أن تمارس في الفضاء العام"، موردا أن "العلاقات الجنسية الرضائية مثلا بين راشدين بدون عنف لا تعني المجتمع، ولكن يجب احترام الآخرين عند ممارستها".
وزاد "من جهة ثانية، من يريد أن يفطر رمضان فهذا شأنه مع الله، ولكن لا يجب أن يستفز مشاعر الناس، ومن يريد ممارسة حريته هذا شأنه؛ لكن عليه أن يحترم الآخرين.. إن قراءتي منفتحة وإيجابية؛ فلكل الحق في حياته الخاصة، وأن يفعل ما يشاء.. فقط يجب احترام الآخرين؛ لأننا، في النهاية، أمام ممارسات لا تحظى بإجماع المجتمع".
وشدد على أن "الحرية منظومة مقدسة، وللجميع أن يمارسها بقناعته؛ ولكن يجب أن نستحضر أننا مجتمع مسلم ومحافظ، وأن نحترم الفضاء العام".
سبب التأخير المُفترض..
وأوضحت المتحدثة أن "هناك جهات حرصت على عرقلة مشروع القانون وأصرت على عدم المصادقة عليه في الولاية السابقة مستعملة فرق المعارضة"، مشددة على أن اعتراضا سبق وبرز على "تضمين القانون تجريما للإثراء غير المشروع مع التفصيل فيه".
سبق للمصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان، والذي أشرف على إعداد المشروع خلال الولاية الحكومية السابقة، التي شغل فيها منصب وزير للعدل والحريات. أن صرح بكون السبب في تأخر المصادقة على المشروع، هو وجود جهات "منزعجة" من تضمنه مقتضيات تجرم الاغتناء (الإثراء) غير المشروع، متهما إياها بـ"عرقلة مسطرة المصادقة في البرلمان".
بدوره، شدد وزير العدل الحالي، المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار، محمد أوجار، في تصريحات لموقع "هسبريس" على أن الإرادة السياسية للدولة تكمن في اتخاذ كل المبادرات والتدابير التشريعية لمحاربة ومقاومة كل أشكال الفساد؛ من بينها نقطة الإثراء غير المشروع.
وأكد أن هذه المقاربة يجب أن "تتحصن بما هو حقوقي لكي تضمن للمجتمع حقه في أن يحاسب بصرامة كل أشكال الفساد والإثراء غير المشروع"، موردا أن "هذا الموضوع يجب تخليصه من كل المزايدات السياسية لمقاربة تشريعية وقانونية تستحضر كل تجارب الدول الراسخة في الديمقراطية وإرادة المغاربة في محاربة الفساد".
وينص الفصل 8-256 من مشروع تعديل القانون الجنائي على ما يلي "يُعدّ مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع، ويُعاقب بغرامة من 100.000 إلى 1.000.000 درهم، كل شخص مُلزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات طبقا للتشريع الجاري به العمل ثبُت بعد توليه للوظيفة أو المهمة أن ذمّته المالية أو ذمّة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح عرفت زيادة كبيرة وغير مبرّرة، انطلاقا من التصريح بالممتلكات الذي أودعه المعني بالأمر".
تعديلات لا تغييرات..
لا يتعلق الأمر بتغيير القانوني الجنائي بشكل كامل، بل هي مجرد تعديلات لمجموعة من الفصول، وإضافة لأخرى، إذ تتحدث وزارة العدل والحريات، التي أشرفت على إعداد هذا المشروع القانوني، عن مجموعة من المستجدات في النص الجديد الذي تمت إحالته على البرلمان قبل سنتين.
وبحسب وثيقة تواصلية، أصدرتها وزارة الاتصال المغربية، فإن مشروع تعديل القانون الجنائي، يعكس "مراجعة شاملة لهذا القانون تهدف إلى إصلاح سياسة التجريم والعقاب وملاءمة أحكام القانون الجنائي مع مبادئ الدستور والاتفاقيات الدولية بهدف وضع قانون جنائي حديث وعصري"، بحسب تعبيرها.
وبحسب نفس المصدر، فإن المشروع أدرج جرائم جديدة، كـ "جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وتجريم الاختفاء القسري، والإتجار بالبشر، وتهريب المهاجرين، والتحريض على الكراهية، بالإضافة إلى إعادة تنظيم مقتضيات التعذيب".
وتقول الوزارة إنه قد تم تخفيض عدد المواد التي تنص على عقوبة بالإعدام من 31 مادة إلى 11 مادة فقط، بالإضافة إلى تحويل 13 مادة من أصل 27 تعاقب بالسجن المؤبد إلى السجن المحدد، مع تجنيح 10 جرائم كانت تعتبر جنايات وحذف الاعتقال في المخالفات، بالإضافة إلى "تشجيع العدالة التصالحية وتبسط مسطرة التنازل عن الشكاية".
وضم مشروع تعديل القانون الجنائي أيضاً، مجموعة من المقتضيات التي تنص على "تجريم ترك وإهمال الواجبات الزوجية، وتجريم الامتناع عن إرجاع الزوج المطرود من بيت الزوجية، وتجريم تبديد الزوج لأمواله للتحايل على مستحقات النفقة أو السكن، وكذا حذف الحرمان من المعاشات كعقوبة نظرا لأثر ذلك على الأسرة والأطفال". بالإضافة إلى "تجريم الإكراه على الزواج وتشديد عقوبة السب والقذف إذا استهدف المرأة بسبب جنسها والنص على تدبير وقائي جديد في جرائم التحرش أو الاعتداء أو الاستغلال الجنسي أو الاتجار بالبشر ضد المرأة، بالإضافة إلى توسيع مفهوم التحرش الجنسي".
وتضمن المشروع، مجموعة المقتضيات الجديدة المتعلقة بمحاربة الفساد، إذ نص على تجريم استفادة الغير بسوء نية من الجرائم المالية المتعلقة بالاختلاس والغدر والرشوة واستغلال النفوذ، مع استثناء هذه الجرائم من تطبيق العقوبات البديلة، وتشديد العقوبة في جريمة الرشوة عبر اعتبارها جناية.
كما نص على تشديد العقوبة الحبسية والغرامة المالية في جرائم التأثير على مقررات القضاة أو المساس بسلطة القضاء أو باستقلاله، وتجريم التسبب في تأخير المساطر القضائية بسوء نية وكذا تجريم تأخير أو الامتناع عن تنفيذ مقرر قضائي.
في المقابل، وعلى الرغم من تأطيره باب الإجهاض، الذي كان في السابق ممنوعاً. لم يضم المشروع أي تعديلات على الفصول القديمة التي تجرم الإفطار العلني في رمضان، والعلاقات الرضائية بين الطرفين، كما لم يضم أي فصل ينظم عملية تغيير الدين.