“
تتميز “ثورة 17 تشرين 2019” بلامركزيتها. تظاهر اللبنانيون في ساحات المدن والمناطق كافة، وكان لافتاً نزول الحشود الى الشارع في ساحل جبيل وكسروان، حيث قُطع منذ صباح اليوم الثاني (18/10/2019) أوتوستراد البلد الحيوي الذي يربط بيروت بطرابلس.
في اليوم التاسع بتاريخ 25/10/2019 عند الساعة الثالثة بعد الظهر، تمركز أهالي المدينة وقرى القضاء وجرده على الأوتوستراد في النقطة المعروفة ب”صيدلية الرحباني”، بهدف عرقلة المواصلات لإقامة عصيان مدني.
بدأ التجمع بنحو مئة شخص وكأنهم من حراس الساحة، صامدون فيها منذ أيام وليال طويلة، يرتدون البنطلونات الواسعة والجزم ويجلسون تحت الخيم التي نصبت على جهتي الطريق يمينا ويسارا. أتى المتظاهرون الى مركز التظاهر تباعا، الى أن أصبح عددهم بالمئات بعد خطاب الأمين العام ل”حزب الله” السيد نصرالله عند مغيب الشمس.
رفعت الأعلام اللبنانية بكثافة وعلقت لافتات طبع عليها “كلنا نبطية”. في وسط الساحة منصة رسم عليها مئذنة وجرس وفي الخلفية على احدى بنايات الشارع الموازي للأوتوستراد ما زالت صورة كبيرة للنائب الحواط (ممثل حزب “القوات اللبنانية” في جبيل) معلقة حتى يومنا هذا.
أعمار المعتصمين متفاوتة يغلب عليها سن الشباب وبينهم عدد كبير من النساء. أما الهتافات، فتردد بين الحين والآخر “ثورة، ثورة، ثورة” و”كلن يعني كلن” و”الشعب يريد اسقاط النظام”. إلا أن الجو كان هادئا لا يشبه جو الاعتصام العادي، فغالبية الحضور كانوا يجلسون على الكراسي تحت الخيم يستمعون الى الأناشيد الوطنية (مثل “نحن الثورة” لجوليا بطرس) ويغنون من دون هتافات أو التعبير عن مطالب معينة. فيما كان البعض يحضر الأركيلة. كما حضر بائع الأعلام اللبنانية والزمامير وبائعة المناقيش على الصاج.
لماذا أنتم هنا؟ تأتي الأجوبة على السؤال مختلفة : بعضهم شارك في مظاهرات 14 آذار 2005 أو في مظاهرات ذات طابع مماثل لها . وفاق عدد الذين يشاركون للمرة الولى في تظاهرة عدد الذين اعتادوا على التظاهر. وهناك فتاة شاركت في مظاهرات ال2015 حول أزمة النفايات المعروفة.
ترد الغالبية مشاركتهم في التظاهرة إلى رغبة شخصية وعفوية وليست استجابة لدعوة جهة سياسية معينة. وأكدت الغالبية أن التظاهرة هذه يمكنها تحقيق آمالهم المرجوة. يطالبون بإسقاط الحكومة ، وتشكيل حكومة جديدة حيادية أي بعيدة عن أحزاب السلطة الحاضرة. كما المطالبة بإسقاط النظام كاملا، من حكومة ومجلس نواب ورئيس جمهورية وفرض تغيرات جوهرية مثل الإنتهاء من ثقافة الزعامات أو الغاء الطائفية السياسية وكذلك احترام الحقوق وتأمين الخدمات، اذ طالب قسم من المشاركين بتحسين الوضع المعيشي، وإيجاد فرص عمل، التوظيف حسب الكفاءة وحدها، الاعتراف بحقوق المرأة وإقرار الزواج المدني. أخيرا، من اللافت أن أقلية فقط من المتظاهرين تحدثوا عن محاربة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة، بالرغم من اعتبار هذه المطالب أساسا ل”ثورة 17 تشرين” وتداولها بكثرة في الساحات الأخرى (أبرزها بيروت) وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
في جبيل نفسها، نظم مناصرو “التيار الوطني الحر” تظاهرة مضادة في المدينة، مؤيدة لرئيس الجمهورية، أمام مركز هيئة قضاء جبيل التابعة لهم ، في المكان المعروف بال”centrale“.
كانت الأعداد متقاربة لكن المشهد مختلف تماما: يحمل المتظاهرون أعلام حزب “التيار الوطني الحر” البرتقالية ويرددون الأناشيد الحزبية (مثل “الله، لبنان، عون وبس”) كما يرفعون لافتات دونوا عليها مقتطفات من خطاب رئيس الجمهورية، أكبرها “قانون استعادة الأموال المنهوبة” ومنها “قانون رفع السرية المصرفية” و”كلن يعني كلن عالقضاء”. واللافت أنهم لم يستمعوا لخطاب السيد نصرالله الذي كان يلقى في الحين نفسه، وسرعان ما أخذ نائب “التيار الوطني الحر” في جبيل أبي رميا الميكروفون لإلقاء كلمة بدوره.
بدأها ب”تحية للثوار الشرفاء، الأحرار، الوطنيين”، فحيى الثوار الشرفاء معتبرا أنهم يتكاملون مع “التيار” الذي يفخر به. قال إنهم أصروا أن يكون لون الorange (البرتقالي) معهم بسبب فخرهم بانتمائهم الى “التيار”. وصرح بأن مبادئ الحزب ليست بعيدة عن مطالب الثوار الأصليين مع الاختلاف في آلية التطبيق: قال النائب إن التيار و”ساحات الثوار الشرفاء” يتكاملون وإن “كلن يعني كلن قدام (أمام) القضاء”. احترم أيضا حق التظاهر ووجه الثوار الى “الالتحاق بالمتظاهرين أمام مصرف لبنان” أو التظاهر أمام قصور العدل أو مجلس النواب.
ورأى بعض متظاهرو التيار أن “بعض المتظاهرين في الجهة المقابلة محقون في مطالبهم وبعضهم الآخر حزبيون تابعون لأحزاب فاسدة ينبغي محاكمة قادتها. أما هم فقد نزلوا دفاعاً عن رئيس الجمهورية و “التيار الوطني الحر” الذي يتعرض للشتائم والإتهامات بالفساد منفردا. فشدد محازبو “التيار” على أحقية مطالب الثورة ورحبوا بها، لكنهم طالبوا بعدم تسييسها ضد رئيس الجمهورية أو حزبهم وممثليه من وزراء دون الأحزاب الأخرى المشاركة في السلطة منذ الحرب الأهلية اللبنانية.
“