بتاريخ 2 نيسان 2019، أصدر القاضي المنفرد الجزائي في زحلة محمد شرف حكمين، ليصبح في سجل ملف الليطاني ثلاثة أحكام قضائية نهائية منذ بداية محاكمة المؤسسات الصناعية في شهر تشرين الأول 2018.

كلا الحكمين استندا إلى الكشف الميداني الذي قام به وفد مشترك من وزارات البيئة والصحة والصناعة والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني بمؤازرة الشرطة القضائية، وذلك بناء على إشارة النائب العام الاستئنافي في البقاع. ويُشار إلى أن هذا الكشف حصل على إثر إخبارات تقدمت بها المصلحة الوطنية لنهر الليطاني في أواخر الصيف الماضي.

 

معمل ألبان وأجبان غير مرخص

الحكم الأول صدر بحق معمل ألبان وأجبان “جذور تعنايل” الذي قام بإغلاق معمله نهائياً بإشارة من النيابة العامة. فبتاريخ 6 أيلول 2018، جرى الكشف على المعمل، وتبين من المعاينة التي قام بها الخبراء على كيفية صرف النفايات الصلبة والسائلة، أن المياه الناتجة عن معمل المدعى عليه تذهب مباشرة إلى الصرف الصحي ومن ثم إلى النهر الليطاني. وقد قُدّرت مياه الصرف الصناعي التي تخرج من معمله بحوالي عشرة آلاف ليتر. كما وأن “المياه الصناعية التي تخرج من المعمل تذهب إلى الصرف الصحي ومن ثم إلى نهر الليطاني”. كذا وتبين خلال التحقيق الأولي أن صاحب المعمل لا يحوز على التراخيص اللازمة لتشغيل معمله، وطلب مهلة شهرين للحصول على ترخيص. عوضاً عن ذلك، أمهلت النيابة العامة الاستئنافية صاحب المعمل أسبوعاً واحداً من أجل تصريف البضاعة الموجودة لديه، وتعهد بعدم التصنيع مجدداً، وأقفل معمله بعد مهل تصريف إنتاجه. وبناء على إشارة النيابة العامة الاستئنافية في البقاع، أقفل المدعى عليه المعمل وقام بإخلائه بتاريخ 31 كانون الأول 2018.

الحكم استند على مبدأ أن النشاط الاقتصادي إن كان صناعيا أو زراعياً أو سياحياً يكون له الأثر على البيئة إن لم يراعِ الموجبات البيئية، ما يُثبت ضرورة المواءمة بين المصلحة الاقتصادية والبيئية بالتوازن ضمن المعايير القانونية. وإنطلاقاً من مبدأ “الملوث يدفع”، يُعتبر المدعى عليه مسؤولا جزائيا نتيجة تسييله لحوالي عشرة آلاف ليتر (ألفي ليتر يومياُ) من الصرف الصناعي الناتجة عن معمله، إلى مياه الصرف الصحي دون أي معالجة. وبذلك، يترتب على المدعى عليه مسؤولية جزائية على أساس المادتين 9 و10 من قانون المحافظة على البيئة رقم 64/19881، والمادتين 58 و59 من قانون حماية البيئة رقم 444/20022، والمادة 95 من قانون المياه3 رقم 77/2018 والمادة 748 من قانون العقوبات4.

بالتالي، خلص الحكم إلى إدانة المدعى عليه على أساس المواد المذكورة، والحكم عليه بالعقوبة الأشد أي بحبسه لمدة 3 أشهر (تم استبدالها تخفيفا بغرامة مليون ليرة) وتغريمه مبلغ 5 ملايين ليرة، بحيث بلغ مجموع العقوبة 6 ملايين ليرة. وقد برر الحكم تخفيض العقوبة بأن المدعى عليه أوقف التلوث وأزال أسبابه. إضافة إلى ذلك، حدد الحكم قيمة مبلغ مليون ليرة لبنانية يدفعها المدعى عليه للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، وذلك تعويضاً عن العطل والضرر الذي أصابها. واللافت أن الحكم ألزم المدعى عليه أن يزرع مئة غرسة من أشجار الصنوبر على ضفتي النهر وفي المنطقة الموازية لمعمله.

 

معمل باطون 2000 ليتر يومياً من التلوث

الحكم الثاني الذي صدر بحق معمل، تابع لشركة نيو فانسي فانس ش.م،م. وهو مخصص لصنع أحجار الباطون، والجبس، والبرانق والتصاوين الجاهزة، وبلاط الأرصفة، والديكورات. وقد بيّن كشف الخبير البيئي عليه أنه قام بإنشاء وحدة معالجة للنفايات الصناعية الخارجة عن معمله، بعد الإدعاء عليه. كذا بيّن أن المياه التي تخرج من المعمل المذكور قُدرت بحوالي ألفي ليتر يومياً، وأن المدعى عليه أفاد بأنه يحمل ترخيصا من وزارة الصناعة. كما يوجد في داخل المعمل قناة ترابية مخصصة للمياه غير المعالجة، تخرج إلى عبارة ترابية خارج المصنع. ومن جهتها اعتبرت المصلحة الوطنية نفسها متضررة جراء “أعمال رمي النفايات والصرف الصحي، بشكل منظم ومتكرر في مجرى النهر مما أدى إلى أضرار هائلة بالمزروعات التي يأكلها المواطنون”.

وفي تقرير للجنة الخبراء التابعة للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، لوحظ أنه “قام بإقفال القناة التي تصل المصنع بالمجاري الطبيعية، واعتمد النظام المغلق في ترشيد استخدام المياه”، أي أن المياه المعالجة  أصبحت قابلة لإعادة الاستخدام بحسب إفادة منظم التقرير أمام المحكمة.

وفيما لم يُشِر الحكم إلى أن صاحب المعمل هو ملوث مباشر لنهر الليطاني، فهو اعتبره بالمقابل “تسبب بصورة أكيدة بجزء من التلوث الحاصل في مياه الليطاني والمياه الجوفية”. لذا يرى الحكم أن فعل المدعى عليه لجهة تسييله مياه الصرف الصناعي الصادرة عن معمله (ألفي ليتر) التي تحتوي على تسريبات ناتجة عن مواد البناء وعن الصبغات المستعملة لتلوين الأحجار والبرانق، يكون مستجمعاً لعناصر المواد الواردة في الحكم الأول المشار إليها أعلاه.

وعليه، خلص الحكم إلى إدانة المدعى عليه وبالحكم عليه بالعقوبة نفسها الواردة في الحكم الأول الوارد أعلاه أي ما مجموعه 6 ملايين ليرة، بعدما اعتبر أنه هو أيضا أوقف التلويث وأزال أسبابه. وتماما كما فعل في الحكم الأول، أُلزم صاحب المعمل بأن يزرع على ضفتي النهر، في المنطقة الموازية لمعمله، مئتي غرسة من أشجار الصنوبر، وبأن يسدد مبلغ مليون ليرة كتعويض وضرر للمصلحة.

ملوث مباشر: دماء وبقايا حيوانية في النهر

حتى الساعة، يكون القاضي شرف أصدر ثلاثة أحكام قضائية. وفيما تطابقت المواد الجرمية والعقوبات والتعويضات المحكوم بها في الحكمين الأخيرين، فإن الحكم الثالث الصادر قبل شهرين (تاريخ 31 كانون الأول 2019) بحق مسلخ دجاج، اختلف عنهما إلى درجة معينة. فالتلوث الذي تناوله هذا الحكم حصل بشكل مباشر على النهر، حيث تذهب المياه غير المعالجة “إلى قسطل الصرف الصحي الذي يصب مباشرة في النهر، الذي يبعد 300 متر عن المسلخ”. كذا، وقدرت المياه الصناعية الخارجة من المسلخ بحوالي ثمانية آلاف إلى عشرة آلاف ليتر، وتتضمن “الدماء والبقايا الحيوانية”.

وكان المحكوم عليه قد تعهد بإقفال المنشأة والتوقف عن الذبح والسلخ أو تقطيع الدجاج إلى حين تركيب محطة تكرير خلال مهلة ثلاثة أشهر. وعليه، نص الحكم على حبس المحكوم عليه لمدة سنة وبتغريمه خمسة عشر مليون ليرة لبنانية. وبخلاف الحكمين الصادرين في نيسان حيث استبدل القاضي عقوبة الحبس بالغرامة، تشدد القاضي في الحكم المذكور بحيث أبقى عقوبة الحبس كضمانة للالتزام باتخاذ تدابير المعالجة وتنظيف النهر وزرع أشجار الصنوبر (التدابير المشار إليها أدناه)، بحيث يبرأ المحكوم عليه من تنفيذ هذه العقوبة فقط في حال القيام بما توجب عليه في هذا الخصوص ضمن مهلة ثلاثة أشهر من تاريخ اكتساب الحكم الصفة القطعية.

كما اٌلزم الحكم المحكوم عليه سنداً للفقرة الثالثة من المادة 102 من قانون المياه بتنظيف مجرى النهر على طول ستماية متر، تبدأ من النقطة الموازية لمعمله وتنتهي على بعد ستماية متر منها جنوباً. وعلى خط مواز، ألزم المحكوم عليه بأن يزرع 300 غرسة من أشجار الصنوبر على ضفتي النهر. كذا وقضى الحكم، بالإبقاء على الأعمال موقوفة في المنشأة لغاية إجراء التصليحات اللازمة، والمطابقة للمعايير الفنية والبيئية والآيلة إلى إزالة المخالفة التي تم توقيف المعمل لأجلها. ويفسر الحكم الأمر بـ “معالجة التلوث الناتج عن المعمل وفق ما هو مدرج في متن الحكم”. أما التعويضات المحكوم بها لصالح مصلحة الليطاني فقد حددت بمبلغ 10 ملايين ليرة لبنانية.

 

خلاصة:

تظهر الأحكام الثلاثة توجهاً واضحا للقضاء لدعم جهود الدولة وبخاصة مصلحة الليطاني في تأهيل نهر الليطاني، بدليل تغليب اعتبارات وقف التلوث وتأهيل ضفاف النهر (زرع غرسات من أشجار الصنوبر) على اعتبارات المعاقبة بحيث تبقى العقوبات متدنية بالنسبة إلى خطورة الجرائم المرتكبة. هذا مع العلم أن القاضي يتساهل في التعويضات والعقوبات بقدر ما تكون الجهة المحكوم عليها قد اتّخذت الخطوات الضرورية لوقف التلوث. بالمقابل، تراه يتشدد وفق درجة التلوث وبالأخصّ في حال حصوله بشكل مباشر.

 

جلسات محاكم الليطاني

القضاء أمام اختبار إحياء الليطاني: الملوّثون يمثلون للمرة الأولى أمام قوس المحكمة

الليطاني يواجه ملوثيه أمام القضاء: 43 ملفاً أمام المنفرد الجزائي في زحلة

استكمال محاكمة ملوثي الليطاني: سياسيون ونافذون أمام قوس المحكمة

ملوثو الليطاني أمام القضاء وسط أصداء ميموزا: هل بدأ العد العكسي لمحاسبة ملوثي البيئة في لبنان؟

إرجاء دعاوى تلويث الليطاني بانتظار تقارير الخبراء: الطقس العاصف حال دون إنجازها

“الليطاني” تتسلح بالقانون لمحاربة المهل الإدارية للملوثين

قضايا تلويث الليطاني بانتظار تقارير الخبراء: النيابة العامة لا تصحح ادعاءها ضد شركة النائب ميشال ضاهر للمرة الثانية

تقدم في محاكمة ملوثي الليطاني: أحكام قضائية قريباً

1-  9 و10 من قانون المحافظة على البيئة رقم 64/1988، تتصل أولاً بتعريف الجريمة البيئية “كل من يرمي في الأنهار والسواقي وسائر المجاري المياه أو أي مكان آخر المواد المختلفة مباشرة أو بنتيجة تفاعلها، بالإنسان أو الحيوان أو بسائر عناصر البيئة. أما المادة العاشرة فتتعلق بالعقوبة التي حُددت بـ “الحبس من 3 أشهر إلى 3 سنوات، وبالغرامة من خمسة آلاف حتى خمساماية ألف ليرة لبنانية…”.

2- قانون البيئة 444/2002،

المادة 58:

  1. يعاقب بالحبس من شهر الى سنة وبالغرامة من خمسة عشر مليون الى مئتي مليون ليرة لبنانية ، او باحدى هاتين العقوبتين ، كل من:
    – ينفذ مشروعا يستوجب دراسة فحص بيئي مبدئي او تقييم الأثر البيئي من دون اجراء هذه الدراسة مسبقا او اخضاعها لرقابة وزارة البيئة والوزارات والادارات المختصة. – ينفذ مشروعا يستوجب دراسة فحص بيئي مبدئي او تقييم الأثر البيئي خلافا لمضمون الدراسة المقدمة منه والتي تكون قد حازت على موافقة وزارة البيئة والوزارات والادارات المختصة. – ينفذ مشروعا لا يستوجب دراسة فحص بيئي مبدئي او تقييم الاثر البيئي وغير متطابق والمعايير الوطنية.- يعارض أو يعرقل اجراءات المراقبة والتفتيش والتحاليل المنصوص عليها في هذا القانون و/او نصوصه التطبيقية.

  2. في حال تكرار المخالفة تضاعف العقوبة.

 

المادة 59:
مع مراعاة احكام القانون رقم 64/88 تاريخ 12/8/1998 ، يعاقب بالحبس من شهر الى سنة وبالغرامة من من مليوني الى عشرة ملايين ليرة لبنانية ، او باحدى هاتين العقوبتين، كل من يخالف احكام هذا القانون ونصوصه التطبيقية المتعلقة بحماية البيئة الهوائية او البحرية او المائية او الارضية وجوف الارض .

3-  القوانين ذات الصلة
تبقى سارية المفعول، احكام القرار رقم 320 تاريخ 26 أيار 1926 والقرار رقم 144 تاريخ 10 حزيران 1925، والمواد 745 الى 749 من قانون العقوبات العائدة للجرائم المتعلقة بنظام المياه، والقانون المنشور بموجب المرسوم رقم 8735 تاريخ 23 آب 1974 المتعلق بالنظافة العامة، والقانون رقم 64 تاريخ12 آب 1988 المتعلق بالنفايات السامة والمضرة والخطرة والقانون رقم 623 تاريخ 23 نيسان 1997 المتعلق بتشديد العقوبات على التعديات على الشبكات الكهربائية والهاتفية والمائية والباب السادس من القانون رقم 444 تاريخ 29  تموز 2002 المتعلق بحماية البيئة

4-  المادة  748 من قانون العقويات (حسب ما ورد في الحكم) يقضي بالعقوبة المنصوص عنها في المادة 747  أي بالحبس سنتين وبالغرامة 500 ألف ليرة، على من: 1 -سيل في المياه العمومية الممنوح بها امتياز أم لا أو سكب أو رمى فيها سوائل أو مواد ضارة بالصحة أو الراحة العامة أو مانعه من حسن الانتفاع بهذه المياه. ً في الأراضي الداخلة ضمن النطاق الذي حددته السلطة لحماية نبع 2 -ألقى أسمدة حيوانية أو وضع أقذارا تنتفع منه العامة. 3 -أجرى أي عمل من شأنه تلويث النبع أو المياه التي يشرب منها الغير.