في إطار متابعتها للقضية الجنائية التي يحاكم فيها أكثر من 40 شخصية حقوقية وسياسية تونسية والمصطلح على تسميتها في الوسط الحقوقي والقضائي التونسي بملف التآمر عدد 1، أو محاكمة القادة السياسيين المعارضين، يهمّ المفكرة أن تواصل الجهد الذي باشرته منذ أول جلساتها والمتمثل في صياغة نصوص توثّق مختلف الأحداث التي وقعت بمناسبتها والمرافعات التي تمت فيها.
وتقدر المفكرة أن عملا كهذا مهم في كتابة تاريخ المحاكمات السياسية بتونس. وقد يكون مفيدا في مستقبل الأيام في كل صياغة لتصورات غايتها بناء قضاء مستقل وتطوير درجات الالتزام بقيم المحاكمة العادلة (المحرّر).
الصورة للصحفية خولة بوكريم ( من صفحتها على الفايسبوك )
الزمان الساعة الثامنة صباحا وثلاثين دقيقة من يوم 11-04-2025، المكان شارع باب بنات بالعاصمة تونس قبالة قصر العدالة. حواجز أمنية تقيد الحركة، أعوان أمن يفوق عددهم ما كان عند الجلسة الأولى لذات المحاكمة يرقبون كل من يدخل المكان. غير بعيد عنهم وعلى الرصيف المقابل للمحكمة، عشرات تجمعوا، كثيرون منهم يحملون صورا للمتهمين في القضية ويرتدون قمصانا عليها صور للموقوفين منهم وبيد أحدهم مكبر صوت.. إنهم عائلات المعتقلين في القضية وناشطون حقوقيون سياسيون. حقوقيون وسياسيون حضروا لإسنادهم.
هذه المرة وخلافا للوقفات السابقة التي انتظمت بذات المكان ومن أجل نفس القضية، لم ينقسم الداعمون حسب اللون السياسي كما لم تكن الشعارات التي رُفعت مما يميز بينهم. ويمكن للملاحظ المُتابع للساحة السياسية والحقوقية التونسية أن يلاحظ أن كثيرا من الجليد بمناسبتها اتجه للذوبان بين يحسبون على اليسار أو الدستوريين ومن يصنفون في خانة الإسلاميين. وربّما كان لقدماء قيادات الحركات النسوية الحاضرات بقوة من أمثال سناء بن عاشور وخديجة الشريف ونائلة الزغلامي دور في ذلك.
شيماء عيسى وهي من المتهمات في القضية توسطت المحتجين وإلى جانبها وقف ابنها. أمسكت بيدها مكبر صوت وألقت كلمة حماسية قالت فيها: “جوهر بن مبارك 14 يوما الآن وهو يخوض إضراب جوع، 14 يوما في زنزانة مغلقة ورغم الجوع والبرد لا زال مضربا، لماذا هو مضرب لأنه لم يعد له من وسيلة للنضال عن حقه وحريته غير جسده. أصدقاؤنا الآخرون الستة المعتقلون يخوضون أيضا إضراب جوع منذ أربعة أيام. اليوم معركة الأمعاء الخاوية عوض معركة الأفكار. نحن، من نحن؟ نحن سياسيون معارضون لم نفعل أي شيء. حلمنا ببلاد حرة. لكن هذا كله تبخر. وجدنا أنفسنا ملاحقين بتهمة الإرهاب”.
تحيل شيماء مكبر الصوت ومعه الكلمة لنعيمة بن عاقلة القاضية الإدارية وزوجة المتهم في القضية والمعتقل على ذمتها المحامي رضا بالحاج. تتعالى الأصوات بشعارات منها “حريات حريات كثرتو من الإيقافات”.
تحدثت نعيمة باسم عائلات من سمّتهم المعتقلين. فقالت: “نحن كعائلات معتقلين اليوم من أمام قصر العدالة نطالب بكشف الحقيقة. وبالنسبة لنا كشف الحقيقة لا يكون إلا بمحاكمة حضورية، المحاكمة عن بُعد هي طمس للحقيقة.. نحن نحبّ الحقيقة ونحبّ الحقّ وإعلاء كلمة الحقّ واليوم انشاللّه حضور الصحافة بهذه الأهميّة يساهم في كشف الحقيقة”.
تاليا ولمدّة تجاوزت العشر الدقائق، ردّد المحتجّون شعارات من قبيل: “هايلة البلاد قمع واستبداد” و”حريات حريات لا قضاء التعليمات” و “حقّ مش مزية محاكمة علنية” و”حق مش مزية محاكمة حضورية” و”شادين شادين في سراح المساجين (أو المحتجزين)” و”لا قضاء لا قانون شرفاء في السجون” و”الحرية الحرية للمعارضة التونسية” و”لا خوف لا رعب الشارع ملك الشعب” و”جيب الباقة [2]عبي نتكلم على حقي” و”تونس تونس حرة حرة الاستبداد على برة”.
في ذلك التوقيت وغير بعيد عن المحتجين يقف زعيم جبهة الخلاص المعارضة المحامي أحمد نجيب الشابي موجها حديثه لصحافيين التفوا حوله: “يراد التعتيم على القضية وأنا متهم فيها.. المتهم في هذه القضية هي المعارضة.. أرفض المثول أمام المحكمة تضامنا مع أخواني المسجونيين وطلبا للمحاكمة العادلة. أرفض ان أكون جزءًا من محاكمة صورية”.
يعود صوت شيماء ليعلو ويجذب لها ومن معها نظر الأمنيين ومعها من كانوا بالشارع ويجذب صوبها الإعلاميين…”بعد لحظات ستنطلق الجلسة الثانية من أم القضايا: القضية التي لا وجود لها إلا في ذهن من خطّ محاضرها. أريد أن أذكّركم أن ستة معتقلين في المرناقية وبلي[3] يخوضون معركة الأمعاء الخاوية، ليس لأنهم يرفضون أن يحاكموا. ليس لأنهم يقاطعون الجلسة. لا بالعكس لأنهم يريدون أن يكونوا حاضرين. يريدون أن ينظروا في عيون القاضي. نحن لا زلنا نؤمن بالعدالة. والآن أحيل الكلمة للسيدة منية لتتحدث عنا”.
تخطب منية إبراهيم زوجة المتهم عبد الحميد الجلاصي في الحاضرين بصوت مرهق ولكنه صارم فتقول: “أيها القضاة، أيها القضاة أنتم تحكمون بالقانون وبالوجدان. أين وجدانكم متى لم يكن المتهم واقفا أمامكم وتنظرون في عيونه وتتفاعلون معه. هذه المحاكمة الصورية. هم منعوا محاكمة صورية بالأمس واليوم يريدون محاكمة صورية. تونس تستحق ما أفضل من هذا. تونس تستحق العدالة والحرية”. يعود المحتجون لرفع شعارات وهم يتجهون صوب باب المحكمة والمتحدثة تردد محذرة: “إنشالله وما يمنعوناش من الدخول لدينا أخبار تقول أنهم سيضيقون علينا..”
يتوقف جمعهم بطلب من أحدهم عند مدخل الحاجز الذي يسبق البوابة لينشدوا النشيد الوطني التونسي. قبلهم كان قد دخل المحكمة ممثلو سفارات الأجنبية المعتمدة بتونس ليحضروا الجلسة التي قرروا أن يكونوا ملاحظين لها ومعهم ممثلي وكالات الأنباء الدولية ووسائل الإعلام الغربية والمنظمات الحقوقية الدولية. لكن مع حضورهم غابت التسهيلات وحضرت التضييقات. الأمنيون بالبوابة يتجمعون والمسؤول عنهم يقول لمن وقفوا أمامه: “لا يسمح بدخول أكثر من شخص واحد عن كل عائلة لمتهم موقوف. ولن يسمح بدخول أي كان من عائلات المتهمين المحالين بحالة سراح أو فرار. سيدخل من تسمح التعليمات بدخوله”.
ترفع الشعارات مجددا. يناقش أهالي المعتقلين والمتهمين ومعهم محامين ومتهمين الأمنيين. تمنع شيماء عيسى المتهمة في القضية من الدخول لأنها رفضت أن تدخل المحكمة من دون أن تكون مصحوبة بابنها. ويرفع النشيد الرسمي وسط فوضى وخصومات مع أفراد لهم قضايا ويرغبون في دخول المحكمة حملوا المساندين والمتهمين في قضية التآمر مسؤولية ما طالهم من تعطيل وما قد ينجر عنه من تغيب منهم عن محاكماتهم.
بعيدا عن ذلك المشهد، من أذن لهم بدخول مقر المحكمة من بوابتها الأولى فوجئوا بوصولهم للبهو الكائن بطابقها الأرضيّ والمقابل لقاعة الجلسة عدد 6 حيث ستعقد الجلسة، بحاجز أمني جديد عند باب هناك يفصل قاعة الجلسة عن الباحة الداخلية وتعليمات جديدة تتعلق بأشخاص لن يسمح لهم بدخول قاعة الجلسة.
رفض الأمنيون ان يدخل القاعة عدد من السياسيين من دون تبرير، منهم حمة الهمامي[4] وهشام العجبوني[5] وعدد من الجامعيين والناشطين الحقوقيين البارزين ومنهم سناء بن عاشور ومنية بن جميع ونجاة عرعاري [6]وعدد من الصحفيين التونسيين ومنهم خصوصا زياد الهاني ولطفي الحاجي وخولة بوكريم ومنية العرفاوي وجهان علوان[7].
داخل المحكمة …
في الساحة الداخلية وأمام باب موصد يسود التوتر، يرفع الصحافيون شعارات مندّدة وهم يشهرون عاليا بطاقاتهم المهنية: “الحرّية الحرّية للصحافة التونسية”. ويواصل عدد منهم تغطية الحدث من مكان تواجدهم. يتوسط جمعهم زياد الهاني، يبرز صورة باللونين الأبيض والأسود ويقول. هذا عبد الجليل الزاوش الذي كان كاتبا صحفيا سنة 1911 وبمناسبة محاكمة المتهمين في قضية الجلاز الاستعمار الفرنسي يسمح للصحفي أن يصوروا. في نفس القاعة.. في القاعة عدد 06 صوروا واليوم يريدون منعنا من القيام بواجبنا”. تتحدث بعده نجاة عرعاري باستنكار عن سلطة تحاصر المجتمع المدني التونسي وتميز عليه السفارات الأجنبية وتحاول محامية شابة أن تحدث الأمني الواقف على الباب عن الأستاذتين سناء بن عاشور ومنية بن جميع ومكانتهما المرموقة في عالم القانون ومنهم القضاة والمحامين، فيجيبها: أنا اطبق التعليمات. يتوجه نحوه حمة الهمامي ويقول “حضرت محاكمات سياسية عديدة لكن مثل هذه التجاوزات لم أشاهد قبل الآن”.
داخل قاعة الجلسة
داخل القاعة وفي تمام الساعة التاسعة صباحا و42 دقيقة، يقرع الجرس وتدخل هيئة المحكمة ومعها ممثل النيابة العمومية. يشرع من حينه رئيس الجلسة في المناداة عن قضايا عيّنت في نفس الجلسة. جميعها أرجئت لعدم إحضار المتهمين إلى قاعة البثّ في السجن، بما أن قضاياهم مشمولة بقرار المحاكمة عن بعد. كان الإرباك كبيرا والمحامون في عجز كامل عن التواصل مع المحكمة لكثرة عدد الحاضرين وغياب الوسائل التقنية اللازمة لتحقيق حسن وصل الصوت. حينها كان الحديث الذي يدور همسًا بين المحامين يكشف عن وعي منهم بكون إدخال تلك القضايا للجلسة مجرد ديكور غايته إبراز أنها غير مخصصة لقضية التآمر والتي لم يطل انتظار المناداة عليها.
ينادي الرئيس على القضية وفي صرامة ينبه الحضور إلى أن تصوير المحكمة وهيئتها يمسّ بسلامتها وهي جريمة تستوجب العقاب. يتدخّل المحامي أحمد صواب لإبداء ملاحظة. يتوجه نحوه بحدة: “لا تخاطبني رافعًا يديك”. يتدخل رئيس الفرع الجهوي للهيئة الوطنية للمحامين بتونس العروسي زقير بصفته تلك وبوصفه منسّقا لهيئة الدفاع ليقول: “سيد الرئيس نريد تقديم طلباتنا من دون تشنّج”. عندئذ يدخل محام إلى قاعة الجلسة ويقول بصوت عالٍ: “هذا غير معقول. يتم منعنا من الدخول”. وتلتحق به المحامية دليلة بن مبارك قائلة “عنفّونا. ومنعوا العائلات والمتهمين بحالة سراح من الدخول في سعي لسريّة..”. من جهته، الرئيس السابق للفرع الجهوي للمحامين بتونس محمد الهادفي يقول في نبرة احتجاجية “يجب فتح باب القاعة”. فيهتف الحضور “نريد محاكمة حضورية”. ينظر إليهم بغضب رئيس الدائرة قبل أن يقول في تمام الساعة العاشرة صباحا من دون أن يبرر موقفه: “ترفع الجلسة”. يغادر والقضاة خلفه القاعة.
ما بعد الاستراحة الأولى
بعد أن غادرت المحكمة، زاد التشنّج داخل القاعة. حديثٌ عن منع المتهمين من الدخول وعائلاتهم وتخوّف من صرامة القاضي التي قد تخفي ما لا يرغب فيه الحضور. محامٍ يحاول طمأنتهم: “رئيس الفرع سيتواصل مع المحكمة لضمان تجاوز الإخلالات”. يصرخ أحد الحاضرين: “لماذا لم يحضر العميد؟ أليس من بين المتهمين الذين يحاكمون وينتهك حقهم في حضور محاكمتهم محامون؟ ألم يبلغه أنه يمثّلهم ويتحدث باسمهم. لماذا لم يحضر؟” يجيبه المحامي: “رئيس الفرع يتكفل بالقيام بالواجب ومعه الأستاذ طاهر يحي.. لست هنا للحديث باسم العميد ولا لتبرير مواقفه”. يرد المحامي وهو يعود مسرعا للصفوف الأولى داخل القاعة بعدما رنّ الجرس المنبئ بعودة القضاة.
كانت الساعة تشير إلى العاشرة و36 دقيقة صباحا حين أعلن الرئيس افتتاح الجلسة الجديد. ودون انتظار، يتكلّم رئيس الفرع ليقول: “مرافعاتنا ستتمحور في الشكل بخصوص المحاكمة عن بعد. ولكن يتم منع زملائنا من الدخول وأيضا المتهمين في حالة سراح والعائلات”. يقاطع المحامي لزهر العكرمي وهو متهم في القضية ويتحدث محتجّا: “منعت من دخول المحكمة والآن تمنع شيماء”.
غابت هذه المرة الشدة عن الرئيس الذي قال ببعض لين: “كلنا أسرة واحدة ونحن نسعى لمحاكمة عادلة. لا إشكال في دخول المحامين والمتهمين في حالة سراح. عدا ذلك يتجاوز اختصاص المحكمة”. مجدّدًا تحتجّ زوجات المعتقلين بالهتاف بعد سبق منع أبنائهم من الدخول للقاعة.
يتجاهلهم القاضي فينشدون احتجاجا منهم النشيد الوطني. ينتظر انتهاءهم ثم يشرع في المناداة على المتهمين: كمال اللطيف ومحمد خيام التركي. وليقول: “وردت مكاتيب من إدارة سجن المرناقية تتضمّن أنه رغم إعلامهما شخصيًا بالاستدعاء للجلسة فقد امتنعا عن الحضور دون ذكر الأسباب”. تحتج المحامية دليلة بن مبارك: “بل توجد أسباب. يريدون الحضور شخصيًا في قاعة الجلسة”. يتشنّج رئيس الجلسة: “لن أعطي الكلمة حتى إتمام المناداة”. طلب رئيس الجلسة من الكاتب تدوين أن محمد خيام التركي لم يحضر للجلسة. تعالى صراخ المحامين “بل لم يتم إحضاره. هذه الصيغة الصحيحة”. يتراجع الرئيس ويطلب من الكاتب استعمال تلك الصيغة.
هيفاء الشابي، محامية المحامي والمتهم في القضية نجيب الشابي، تقدّم تقريرًا للمحكمة حول سبب رفض موكلها حضور هذه الجلسة لتكون ورقة من أوراق الملف. سمير ديلو يعلّق: “نجيب الشابي يرفض الحضور لأن في ذلك تزكية للمحكمة الصورية. نحن أمام عملية توظيف للقضاء ودوس للمحاكمة العادلة. الوثيقة المقدّمة هي شهادة على استعمال القضاء لضرب المعارضة”.
يواصل الرئيس المناداة ليبلغ محمد الحامدي. يستوقفه المحامي عبد العزيز الصيد ملاحظًا أن الحامدي لم يبلغه الاستدعاء وليس له علم قانونًا بهذه الجلسة. يرد الرئيس “سنتثبّت”.
حضر الجلسة ستة متهمين محالين في حالة سراح هم شيماء عيسى والعياشي الهمامي ولزهر العكرمي ونورالدين بوطار وكريم القلاتي وشكري بحرية. وفي قاعة البث عن بعد، حضر فقط حطاب سلامة،
محامي مصطفى كمال النابلي توجه، للمحكمة بعد إتمام المناداة بقوله “أريد تسجيل طلبي في سماع منوّبي الموجود في الخارج عن طريق وسائل الاتصال السمعي والبصري”. يلاحظ غيره من المحامين “لم تتم المناداة على جوهر بن مبارك ورضا بالحاج وغازي الشواشي”. يتدارك رئيس الجلسة ويتلو أسماءهم ليسجّل “عدم إحضارهم”.
كان القاضي يتحدث باستعمال مصدح لم يكن متوفرًا في الجلسة الأولى. رئيس الفرع يتوجه: “نحن نريد مصدحا لنا أيضًا لنسمع بعضنا البعض”. في الأثناء يسلّمه رئيس الجلسة المكاتيب الواردة من إدارة سجن المرناقية للاطلاع الحيني، ويعطي المصدح لزقير: “نحن نجدد طلبنا برفض المحاكمة عن بعد. رافعنا طيلة 7 ساعات في الجلسة الفارطة حول هذه المسألة”.
عبد العزيز الصيد يتسلم المصدح ويقول: “نحن نريد معاملة ملفنا كبقية الملفات. من لم يتم إحضاره يتمّ التأخير. نحن نريد حضور المتهمين وتلقي استنطاقهم ولنترافع في الأصل. كيف لا يحضر المتهم في وجه القاضي؟ هم لم يقابلوا أي قاضٍ منذ عامين؟ تريدون منا أن نكون شهود زور؟”. في الأثناء، في قاعة البث بسجن المرناقية، لم يعد يظهر المتهم الوحيد الحاضر الحطاب سلامة. يلاحظ المحامون ذلك ليعود للظهور على الشاشة وسط تصفيق. رئيس الجلسة متشنجًا يطلب من رئيس الفرع تطويق ما ظهر انفلاتًا. زقير يختصر ردّه “أنت الرئيس تسيّر الجلسة أما نحن نسيّر الدفاع”. ويطلب، في الأثناء، تسجيل أسماء زميلين من المغرب في ظهر الملف.
محامي المتهم رضا شرف الدين يلاحظ أن منوبه موقوف في غير هذه القضية ولا علم له بالجلسة. رئيس الدائرة يتفاوض حينيًا لوقت لافت مع أعضاء الدائرة يمنة ويسارًا، ثم يعود للاستفسار من المحامي “في أي سجن منوبك”؟. الجواب “في مرناق وهو لا علم له بالجلسة”.
تمت ملاحظة أنه كان يوجد مصدح ثان عادة ولكن قام أحد الأمنيين بتخبئته بشكل مقصود. تجاهل القاضي ذلك. وكان في كل مرة يسلم مصدحه لرئيس الفرع دون سواه ويطلب منه صراحة إعادته له وعدم تسليمه لمحامٍ آخر. واستمرّ الحال كذلك إلى تمام الساعة 12.13، متى أعلن مجددا رفع الجلسة للاستراحة.
الاستئناف الثاني للجلسة: إجماع على مبدأ الحضور الشخصي للمتهمين
اُستأنفت الجلسة مجددًا بعد ساعة واستهلّها رئيسها بالتأكيد مجددًا على عدم التصوير وطالبًا من المحامين الاختصار وعدم إعادة نفس الدفوعات. تتالت المرافعات بحسب قائمة يمسكها رئيس الفرع زقير. بسام الطريفي رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان استهل مرافعته بقوله: “هذه المحاكمة لا تندرج ضمن المحاكمات العادلة. تمّ منع الناس بمن فيهم عائلات المساجين من الدخول للقاعة. واكبت جلسات قضايا الحوض المنجمي وقضية سليمان وباردو غيرها وتمّ تأمين المحكمة من الأمن وحضر المتّهمون بما في ذلك من رفع السلاح في وجه الدولة ولكن الصورة معاكسة في هذه القضية. المتهم هو أول من يجب أن يحضر اليوم”.
سمير ديلو، من جهته، تحدّث عن إضراب الجوع الذي يخوضه المعتقلون في سجني المرناقية وبلي تمسكًا بحقهم في الحضور بقاعة الجلسة ومشيرًا بالخصوص لمرور ثلاثة عشر يومًا منذ بدء جوهر بن مبارك إضراب جوع وحشي.
من جهتها، أدلت دليلة بن مبارك في مرافعتها بأن المتهمين “لا يطلبون الإفراج ولا البراءة ولكن يريدون رفع القهر وليس الظلم. هم لم يقابلوا أي قاضٍ منذ 26 شهرًا”. وإذ تسأل القاضي إن كان منزعجًا، يردّ عليها: “لا لا أنا غير منزعج”. تواصل بن مبارك: “أنا اليوم أحاول رفع القهر لكن محاولتي يائسة. يبدو أنّ الإنسانية انتهت في هذا العهد السّعيد”. الرئيس يقاطعها: “الدائرة سيّدة نفسها وستنظر في الطلبات”. دليلة تتفاعل: “أنت قلت بنفسك أن قرار منع دخول القرار ليس قرارك. كيف ستحكم في ملف أنت لا تتحكّم فيه”؟. يصفق الحضور. يتشنج رئيس الدائرة متوجها لزقير “لا تصفيق كل من يصفّق يخرج”. يردّ زقير فيما بدا من باب السخرية أكثر من الجدّ “أنا مسؤول عن تنسيق الدفاع وليس عن التصفيق”.
الطاهر يحيى الذي قال إنه يترافع باسمه وباسم مجلس الهيئة يطلب فرض علنية الجلسة، واستدعاء المتهمين وتهيئة قاعة جلسة مناسبة وضمان وصول الصوت. يختم: “أطلب تأخير القضية لعقد جلسة في ظروف ملائمة”. المحامية منية بو علي تتلقّى المصدح وتتوجه لرئيس الدائرة بخصوص منع الصحفي زياد الهاني من الدخول ليجيبها: “نحن لسنا مسؤولين عن تأمين الجلسة” لتردّ “بل الأمن يقول أنكم من أعطيتهم تعليمات”. وتتساءل إن كانت النيابة أعطت هكذا تعليمات. ممثل النيابة يومئ برأسه كأنه يريد أن يؤكد نفي صدور أيّ قرار عنه، فيما يطلب رئيس الجلسة استعادة المصدح معاتبًا زقير: “أنا أعطيت المصدح لك ولكن بات يتم توزيعه”.
خلال مرافعات المحامين، مسؤول أمني بلباس مدني، والمكلف عادة بتأمين قاعة الجلسة في المحاكمات السياسية في ابتدائية تونس، يتحدث في كل مرة مع رئيس الجلسة. اقترب منه للحديث مليًا والساعة وقتها تشير للساعة الثانية بعد الزوال. تواصلت المرافعات في الأثناء، شرف الدين القليل ساخرًا “هذه محكمة أم ثكنة؟. ديلو يؤكد أن وزيرة العدل التي عيّنت رئيس الجلسة في ظلّ تجميد المجلس الأعلى للقضاء هي من طلبت من النيابة إثارة الدعوى في هذا الملف أي أنها الخصم والحكم. والمحامي أمين بوكر يتوجه للمحكمة: “اصدروا الحكم الذي تريدون لكن ستبقى أحكامكم غير قانونية بسبب الخلل في تسميتكم. هذه المحكمة ستعاد مرّتين بعد عودة الشرعية”. رئيس الدائرة وبصفة مباغتة ودون تبرير أو شرح يرفع الجلسة ويعتقد الحضور أن المرافعات أزعجته.
الاستئناف الأخير لسير الجلسة: معركتنا ليس معك
بعد حوالي نصف ساعة، أي في حدود الثالثة والنصف بعد الزوال، تُستأنف الجلسة لاستكمال قائمة المرافعات. هيفاء الشابي، تتوجه بمرافعة حازمة ملؤها الغضب لرئيس الجلسة بخصوص منع عائلات المساجين من دخول القاعة ليردّ رئيس الجلسة: “نحن لم نمنع أحد” لتردّ “أنا أتحدث معك ليس كمحامية فقط بل كعضو من العائلات، أختي وأبناء عمي الآن خارج المحكمة تحت لهيب الشمس وهم ممنوعون من دخول المحكمة”. تواصل “معركة المعتقلين ليست معك بل مع رئيس الدولة. هم اعتبروه منقلبًا وهو اعتبرهم متآمرين ووضعهم في السجن”. خلال مرافعة أمان الله مورو، تمّ التشديد على طلب تكليف عضو من الدائرة للتحرير على المعتقلين في سجن إيقافهم بخصوص مسألة الحضور. وعمومًا، بدا لافتًا تصاعد الحديث الجانبي بين رئيس الجلسة والأعضاء يمينًا ويسارًا. وكان المسؤول الأمني بلباس مدني يأتي في كل مرّة ليتهامس مع رئيس الدائرة.
المحامي علي منصور في مداخلته استعاد تصريحات رئيس الدولة حول هذه القضية مثل “من يبرؤهم فهو شريك لهم” وأنه “أدانهم التاريخ قبل أن تدينهم المحاكم”. يقاطعه هنا رئيس الجلسة “دعنا من هذا”. ويطلب الاختصار بحجّة أنّ المتهمين في حالة سراح الماثلين أمامه قد تعبوا بسبب طول الجلوس على المقاعد. جاء المسؤول الأمني ليتهامس مع رئيس الدائرة. ثم بعد برهة وبينما كان أحد المحامين يترافع، توجه رئيس الجلسة بصفة مباغتة للنيابة العمومية لتقديم طلباتها فتطلب النيابة رفض مطالب الافراج وتفوض للمحكمة النظر فيما تعلق بإحضار المتهمين الموقفين للجلسة. عادت الكلمة للسان الدفاع لاستكمال مرافعته. لكن مجددًا بعد لحظات وبدون مقدّمات، يعلن الرئيس رفع الجلسة للنظر في المطالب الشكلية. الساعة تشير وقتها للخامسة و10 دقائق. وبعد ذلك بساعات قليلة ينشر في الاعلام أن موعد الجلسة القادمة سيكون بعد أسبوع فقط أي بتاريخ 18-04-2025. فلنراقب.
[1] الصورة للصحفية خولة بوكريم ( من صفحتها على الفايسبوك )
[2] مصطلح باللجهة المحلية التونسية تعني سيارات نقل المعتقلين
[6] حول وقائع يوم الجلسة كتبت نجاة العرعاري نصا نشرته بصفحتها للتواصل الاجتماعي فايسبوك تحت عنوان ” عن مسرحية الأمس ” جاء فيه ” بين بوابة قصر العدالة وبوابة قاعة المحكمة، في الواقع مشهد لم اجد له وصف هل كان مشهد درامي حزين يجسد ما آلت اليه الأمور في مؤسسة موكول إليها بتطبيق القانون وإرساء العدالة وانصاف الضحايا، ام هو مشهد هزلي سيء الإخراج فيه عدة صور تهريج دون جوهر.
المشهد الاول،
توجهت مع الساعة التاسعة ونصف الى بوابة قصر العدالة، كانت عائلات الموقوفين تصارع من أجل الدخول لحضور الجلسة، وكان نشطاء وناشطات المجتمع المدني وبعض منهم عن الجمعيات الدولية، و الجامعيين والباحثين في مجال القانون والتاريخ بالإضافة الى المحامين والمحاميات.
وطبعا كان هناك الأمن الذي وجد لتأمين المرفق العمومي من الخطر الداهم الذي قد يمثله كل هؤلاء.
بدأت عملية الفرز منذ البداية، حيث يقرر الأمن من مسموح له بالدخول ومن لا، وكأنهم يطبقون قاعدة من دخل بين عمر فهو آمن.
أمام وجع ابن غازي الشواشي وابن عصام الشابي الذان وجدا أنفسهما مضطران للتنازل عن حقهما في حضور الجلسة لفائدة امهاتهما، وأمام مشهد زوجة الجلاصي التي كانت تصرخ من الجهة الأخرى لتطالب بحقها في للدخول. تهافتت كل الأصوات لمناصرة مطلب العائلات، تضامن تلقائي وحقوقي لانه مازالت هناك ضمائر انسانية لم تمت بعد ومازال صوت الحق يعلو خارج أسوار بوابة العدالة.
المشهد الثاني،
مشهد مؤلم وموجع فيه تطبيق أعمى للقانون ان لم يكن سلوك يراد منه التنكيل ومزيد من الوجع وكأن العائلات لا يكفيها ما تعانيه من ألم، يتجسد المشهد في محاولة عز الدين الحزقي حين أراد الدخول وهو يقول انه والد جوهر بن مبارك، ليأتي الرد من عون الأمن ويقول ” ما عندكمش نفس اللقب” اي قهر واي ظلم هذا والحال انه غير مخفي عن الجميع طبيعة العلاقة بينهما.
محاولة رديئة لمنع الاب وحرمانه من حضور جلسة يقال انها علنية” وهو الرجل الذي يحترق في داخله قهرا وظلما وووجعا على ابنه الذي يصارع الجوع وراء قضبان السجون، فلا بأس أن نزيد قهره قهرا.
المشهد الثالث،
توجهت انا وصديقتي الى قصر العدالة من البوابة الأخرى اي من شارع 9 افريل و وتمكننا من الدخول وتوجهنا الى قاعة الجلسة وهنا كان مشهد سريالي آخر،
كانت زوجة بوطار، وكان ابن غازي الشواشي واخت شيماء عيسى وعدد من أفراد عائلات الموقوفين الذين تم إدخالهم الى بهو المحكمة حتى يتم هفت الأصوات بالخارج وليتم منعهم من دخول قاعة الجلسة. كانو يحاولون اقناع الأمن بالدخول مستعملين كل الحجج وكل الأساليب، بين لغة العقل، ولغة الحق ولغة الضمير الانساني والوجداني والتعاطف ولكن دون جدوى، كانت إجابة الأمن اننا نطبق التعليمات.
تهافتت اصواتنا كمدافعي حقوق الإنسان ومدافعات ومدافعي عن مبدأ علنية المحكمة والحق في معرفة الحقيقة كركيزة اساسية في المحاكمة العادلة وان رئيس الجلسة لم يصرح بأنها جلسة سرية ، ولكن دون جدوى .
فجأة خرج بعض المحامين ليعلموننا ان رئيس الجلسة سمح بحضور أفراد العائلة بعد جدل قام بينه وبين محامي الدفاع، ولكن تعنط الأمن ورفض السماح لمن هم أمام قاعة الجلسة بالدخول.
إجراءات وإجراءات، حتى يتم هفت الأصوات، وجد الأمن اسلوب جديد “اعطوني بطاقة تعريف واستنى اذا سمحو لك تو ندخلك” وبامكانك ان تنتظر ساعات وساعات مثل ما حدث مع الصحفي زياد الهاني ، كان زياد جالسا أرضا جنب الحاجز الامني أمام قاعة المحكمة و قد أنهكه التعب كما انهكته اتعاب هذا الوطن وانهكته مهنة قدرها ان تكون سلطة رابعة واهدافها كشف الحقيقة وتعرية الواقع، كما انهكه الانتظار.
كان الزعيم حمه الهمامي واعني هذه الكلمة لانه بالفعل مواقفه بالأمس تجعله زعيم وبامتياز، حمه الذي سمح له الأمن بالدخول من البوابة الكبيرة ومرة اخرى حتى يتم كتم أصوات من يصرخون بالخارج ليتم منعه بالداخل من دخول قاعة الجلسة.
حمه الذي كان في الباب و لم يسمح للأمن باهانة اي مواطن، كان في كل ” مرة الأمن اما بأسلوب ساخر ومستفز يحاول استفزاز الموجودين والا ووجد صوت حمه امامه ليقول له ” ما عندكش الحق تتعامل مع مواطن بالاسلوب هذا” موش من حقك احنا في مؤسسات الدولة وانت احترم روحك باش المواطن يحترمك” حمه البارح اللي قعدت ساعات وساعات وهو يحاول الدخول وساعات وساعات وهو يدافع على حق عائلات الموقوفين ولكن لم يتم السماح له بالدخول لقاعة الجلسة.
المشهد الرابع
بينما كانت المجموعة تحاول أن تفهم من أتخذا قرار المنع ولماذا تم السماح لمنظمات و جهات اجنبية بالدخول في حين منعنا نحن من الدخول انها المنظومة التي تناقض نفسها،
جائت المتهمة شيماء عيسى وهي تمسك بيد ابنها ومعها اختها فاوقفها الأمن وتوجه لها بالسؤال من أنت، أخبرته انها متهمة ومن المهازل ان تصبح التهمة هي صك الدخول للقاعة ففسح لها وحاول منع ابنها فتمسكا بيد بعضهما البعض ورفضا ان يتم فصلهما وكانها تقول لهم انه سندي في هذا الحياة وانني داخلة الى هذه القاعة ولا اعرف مصيري فلا تحرموني من وجوده معي، وكان هو صامدا ليقول لها لن اتركك، شيماء كما عرفتها شجاعة وقوية وتتحمل ولا تخضع فتمسكت بحق وجد ابنها معاها، حينها تعالت الأصوات من ورائها وقالو للأمن ابنها لا يمكنم منعه، ودفع به الجميع، فتم السماح له بالدخول ومنعت اختها من الاتحاق بها.
فردت غاضبة ” حسبي الله ونعم الوكيل فيكم” ، فجاء رد الأمني مستفز وقال لها ” ما تمسش الزي ، ما تمسش الزي” وكانه اراد ان يقوم بتهمة كيدية لها وهنا تدخل مرة اخرى حمه همامي للدفاع عنها قائلا ” ما مستكش، ما مستكش احنا شاهدين ، واذا انت تقدرو الزي عدل سلوكك مع المواطن “.
المشهد الخامس
بين هذا الاخذ والرد ، أصبحت اصواتنا خرساء كحقوقين وحقوقيات كنا فقط ندافع عن حقوق العائلة للدخول لانه لهم الاولوية وحين التحتقتا بنا كل من الصحفية منية عرفاوي وخولة بوكريم، واخرجتا بطاقات مهنية وحاولتا الدخول وجاء الرد من الأمن desolage possibilité 0، تمسكتا الاثنتين بحقهما في النفاذ للمعلومة وان رئيس الجلسة أعلن ان المحاكمة علنية وليست سرية وبالتالي من حق الصحافة والاعلام تغطيتها، ولكن باتت كل المحاولات بالفشل بما في ذلك محاولة زياد الهاني مع وكيل الجمهورية فاستجاض غضبا رافعا صوته ومن معه ” الحرية الحرية. للصحافة التونسية، الصحافة سلطة رابعة موش خاضعة”
وكان الكل يدافع عن الحق في المعلومة وان مثل هذه المحاكمات تخضع الى الرقابة التي يقوم بها المجتمع المدني والى مبدأ معرفة الحقيقة التي تلعب فيه الصحافة دور كبير. فنحن هنا نتحدث عن قضية تآمر على آمن الدولة والمسألة تهم الشأن العام، وتهمنا كمواطنات ومواطنين.
يبقى السؤال المطروح اذا تم منع الموقوفين من الحضور لأسباب أمنية وبسبب الخطر الداهم الذي لا نعرف الى اليوم ماهي اسسه، واذا قمنا بالرصد في الجلسة الفارطة وكانت آمنة فلماذا كل هذا الارتباك ولماذا هذا المنع؟
المشهد السادس
وهو متعلق بي اساسا ، غادرت بهو المحكمة نحو الجامعة لان واجب التدريس ينادني ، كنت في وضعية بائسة ، بائسة بؤس هذه الأرض وما تعيشه، امتلئت بالحسرة وبوجع في داخلي ، كانت كل الصور تدور في ذهني بين وجه يوسف الشواشي ، ووجه الحزقي ووجه ابن شيماء واختها، ووجه زياد الهاني وهو مقهور ، وبين ملامح اليأس الذي كانت على وجوه الحاضرات والحاضرين، كنت اتسائل كيف لمكان موكول له بانصاف الناس وتحقيق العدالة وبتكريس العدل ان يتحول إلى زنزانة تقتل الأمل فينا. كنت اتسائل عن كل المنظومة وما تنتجه، لأننا نعيش في أزمة قيم وازمة ضمائر انسانية قد تاهت بين طيات الزمن.”
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.