الحراك الذي شهدته البلاد مؤخراً في قضية العنف ضد المرأة، هو بالواقع نتيجة عمل نضالي تراكمي نستعيد باكورة فصوله في حوار أجرته “المفكرة القانونية” مع الناشطة تينا نقاش. ترجع نقاش بدء عملها على هذه القضية الى سنة 1993: آنذاك وثقت نقاش شهادة إحدى النساء التي كانت تتعرض للتعنيف من قبل طليقها، في أول كتاب نشره تجمع “باحثات”[1]. من ثم، سعت نقاش في سنة 1994 الى تأسيس أولى الجمعيات اللبنانية المعنية بموضوع العنف ضد المرأة، تحت تسمية “الجمعية اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة”. وإذ قدمت مع آخرين بياناً للجمعية في 8 آذار 1994 الى وزارة الداخلية والبلديات، طلب المدير العام للوزارة السابق عطاالله غشام (1995)، حذف عبارتين من النظام الأساسي للجمعية، كشرط لمنح العلم والخبر. واللافت أن هاتين العبارتين تمثلتا بعبارتي “داخل منزلها” و”العنف”، اللتين تشكلان اللبنة الأساسية لإنشاء جمعية مماثلة. وتنقل نقاش عن غشام “أنه لن يسمح لها ولأصدقائها بالتدخل بين رجال ومرته”[2] و”أن لا حق لهن بالكلام عن العنف المنزلي” وأنه لو نُشر علم وخبر إنشاء الجمعية في الجريدة الرسمية “بتخربي الدني”.
من جهة أخرى، تذكر نقاش في حديثها، أن أول اقتراح قانون لمناهضة العنف المنزلي، قدمه النائب الراحل منوال يونس في 27 تموز 1995، وقد أشار فيه الى “تفاقم موجة أعمال العنف التي تمارس ضد القاصرين والأطفال والزوجات والمسنين في كنف بعض العائلات والمنازل”. وقد اعتبر يونس في مشروعه أن “حرمة المنزل” لا يمكن أن تصلح “غطاءً أو ذريعة للاعتداء في داخله على القاصرين والنساء أو الشيوخ، سواء كان هذا الاعتداء نفسياً أو جسدياً”، وطالب الحكومة بأن تضع بالتعاون مع لجنتي التربية وحقوق الإنسان في المجلس النيابي مشروع قانون جديد لتحمي هذه الفئة من العنف الممارس عليها[3].
وتذكر نقاش أن مؤتمر بيجينغ الذي عُقد خلال شهر أيلول من العام 1995 والذي دارت أعماله حول التمييز والعنف ضد المرأة، حفّز الناشطات والناشطين في لبنان على تكثيف أعمالهن حول العنف الممارس ضد المرأة. كما تذكر أن أول حلقة تلفزيونية خُصصت للموضوع جرى بثها مباشرة من منزلها خلال شهر آذار من العام 1996، وذلك في إطار البرنامج التلفزيوني للمقدم (زافين قيومجيان) على قناة تلفزيون لبنان، وقد شارك في الحلقة بشارة مرهج، وزير الداخلية والبلديات آنذاك، وطبيب شرعي.
تقول نقاش إنه، نظراً لرفض وزارة الداخلية والبلديات إعطاء علم وخبر لتمكين الجمعية من العمل على موضوع العنف ضد المرأة، ارتأت مجموعة من الجمعيات التي كانت حائزة علماً وخبراً، في 1997 “التحايل” على الرفض، عبر إنشاء “الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد النساء” التي حددت أولويتها بالعمل على تطوير القوانين اللبناني لتكفل حماية للمرأة “لا سيما في ما يتعلق بجرائم الشرف”، مع إقرارها بأن “الإصلاح القانوني وحده، على الرغم من أهميته الفائقة، لا يوفر الضمانة الكافية للمرأة المعرّضة للعنف، خاصة على مستوى التطبيق. فإذا ما تحقق ذلك الإصلاح، لا بد من استكماله بعمل دؤوب على صعيد المجتمعات المحلية لتغيير تلك المفاهيم الخاطئة والمتوارثة جيلاً عن جيل”[4]. لم يستمر عمل نقاش ضمن الهيئة اللبنانية طويلاً. فتبعاً لرفض الهيئة لاقتراحها بإدراج العنف الممارس ضد العاملات المهاجرات من ضمن نطاق عملها، قررت الانسحاب من الهيئة والاستمرار بنشاطها خارج هذا الإطار.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.