أجابت السلطات الرسمية في تونس على الانتقادات الموجهة إليها بشأن إعفاء القضاة بأن كلّ ما اتّخذته من إجراءات في حقّ هؤلاء “كان وفق القانون وليس وفق إجراءات موجزة” وأن غايته هي الإصلاح قبل أن يخلص إلى أنّ “النظام القضائي التونسي مستقل بدليل صدور أحكام لفائدتهم عن المحكمة الإدارية.” أعلنت الدولة التونسية عن موقفها هذا في ردّ كتابي في إطار الاستعراض الدوري لسجلّها في حقوق الإنسان أمام مجلس حقوق الإنسان بجنيف بدورته عدد 51 وتُليَ موجزٌ منه علنا بالجلسة العامة يوم 13-09-2022 من قبل سفيرها بمجلس حقوق الإنسان صبري باش طبجي. وقد أتى الردّ على التحديث الشفاهي للمفوضة السامية لحقوق الإنسان بالنيابة ندى النَّاشف[1] الذي تقدمت به يوم 12/09/2022 وانتقدت صلبه إعفاء سلطتها السياسية قضاة بإجراءات مستعجلة وإثارتها تتبعات جزائية في حقهم. يستدعي هذا الحدث ملاحظات عدة أبرزها الآتية:
انفصامٌ بين التفاخر بقرارات قضائية في جنيف ورفض وزارة العدل تنفيذها في تونس
يعكس هذا الموقف انفصاما لدى الدولة التونسية، انفصاما تمثل في المفاخرة في جنيف في استقلالية القضاء في إيقاف تنفيذ قرارات الإعفاء (بحق 49 قاضيا معفيا)، مقابل تشبث وزارة العدل في عدم تنفيذ هذه القرارات. للتذكير، كانت وزيرة العدل ليلى جفال عمدت فور تبلغها قرارات المحكمة الإدارية، إلى إثارة تتبعات جزائية في حق هؤلاء (غالبها استند حصرا على بطاقات إرشادية أمنية) لتصدر بعدها بلاغا أعلنت فيه ذلك وذكرت صلبه أنها راسلت مجلس القضاء في الموضوع. وقد فهم آنذاك أن وزارة العدل ترفض الإذعان لقرارات إيقاف التنفيذ وأنها تتمسك بوجوب إعفاء هؤلاء مهما بلغت أسبابه واهية. وقد تأكّدت هذه النيّة بعدما طلبتْ الوزيرة جفّال من المصالح الإدارية للوزارة تغيير أقفال أبواب مكاتب القضاة المعفيين ومنع الدخول لها. وما يزيد هذا الانفصام عمقا هو لزوم رئاسة الجمهورية صمتا مطبقا في هذا الشأن.
انفصامٌ يخفي انقساما داخل الأوساط التونسية المعنية؟
ولربما يعكس هذا الانفضام انقساما داخل الأوساط الرسمية التونسية حيال هذه المسألة. وخير تعبير عن ذلك هو ما تداوله الإعلام لجهة أن المجلسين المؤقتين للقضاء العدلي والقضاء الإداري يتّجهان لإدماج من شملتهم قرارات إيقاف تنفيذ الإعفاءات بهما ضمن الحركتين القضائيتين.
رئاسة الجمهورية أمام استحقاق تبيان موقفها
يمنح المرسوم عدد 11 لسنة 2022 المنظّم لعمل المجلس المؤقت للقضاء رئيس الجمهورية حقّ الاعتراض على المقررات التي يتضمنها مشروع الحركة القضائية كما يقدمه له مجلس القضاء المؤقت. وعليه، يثور السؤال بشأن التوجه الذي سيتخذه رئيس الجمهورية: فهل سيعترض على إدماج المعفيين بالحركة القضائية التي قدّمت له تأكيدا على موقف وزيرة العدل وتغليب قوة الأمر الواقع على دولة القانون؟ أم أنه سيختم الحركة ويؤكد أن خطاب جنيف المفاخر باستقلالية القضاء والمزدهي بقرارات أوقفت تنفيذ أوامره ليس مجرد شعارات دعائية تعدها حكومته للاستهلاك الدولي؟ هذا ما ستوضحه الأيام القادمة. فلنراقب.
[1] ورد في الإحاطة الشَّفويَّة التي قدمتها لمفوَّضة الأمميَّة السَّامية لحقوق الإنسان بالنيابة ندى النَّاشف حول تونس بتاريخ 12/09/22: “في تونس، تتزايد المخاوف بشأن تدخل السلطة التنفيذية في القضاء، بما في ذلك حالات الفصل بإجراءات موجزة وبدء إجراءات جنائية ضد القضاة.تتم إحالة المدنيين، بمن فيهم الصحفيون، بشكل متزايد إلى المحاكم العسكرية ، التي لا تفي بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة. ومما يثير القلق أيضًا فرض حظر السفر التعسفي ولا سيما أعضاء المعارضة. ومع الإحاطة علما باعتماد دستور جديد، تحثُّ المفوضية السامية لحقوق الإنسان تونس على إجراء انتخابات برلمانية ذات مصداقية ومُدمجة وشاملة، بمشاركة هادفة من وسائل الإعلام والمجتمع المدني، وهي على استعداد لتقديم الدعم من خلال وجودها في تونس.”
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.