أدى اعتداء مجموعة من المحامين بالعنف على قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس على خلفية رفض مطلب افراج تقدموا به في حق زميلة لهم اتهمت بالاستحواذ على اموال أحد موكليها الى تفجير ازمة حادة وغير مسبوقة بين القضاة والمحامين بتونس. اذ حيت الهيئة الوطنية للمحامين بتونس في بلاغ صدر عنها بتاريخ 22/02/2014 "وقفة المحامين الحاسمة التي أكدت وحدة المحامين وتضامنهم"، وبررت التحرك بكون قاضي التحقيق "خرق القانون لسماعه المحامية دون حضور رئيس فرع المحامين"، وكشف عن توجه قضائي لاستسهال اصدار بطاقات الايداع في حق المحامية بما يؤشر "عن فهم خاطئ لبعض القضاة لاستقلالية القضاء".
اعتبر القضاة في الجهة المقابلة ان الاعتداء بالعنف على قاض اثناء مباشرته لمهامه وبمناسبتها سابقة خطيرة، الا انه لا يمكن عزلها عن تعدد الاعتداءات على القضاة من محامين استعملوا الضغط النفسي كوسيلة لترهيب القضاة وتوجيه اعمالهم. واعتبر القضاة أن ادعاء خرق زميلهم للقانون مخالف للواقع: فقد ثبت في ملف قضية المحامية ان القاضي تولى استدعاء ممثل فرع المحامين للحضور مرتين، غير ان ممثل المحامين امتنع عن الحضور وحضرت المحامية المتهمة رفقة محاميتها ومكنت من كامل ضمانات الدفاع خصوصا وقد تم تأجيل استنطاقها في مرة اولى بطلبها وتم سماعها لاحقا والاستجابة لطلبها في سماع بينتها. وانتهى القضاة الى ان ادعاء وجود خلل في الاجراءات على فرض صحته (وهو غير صحيح من وجهة نظرهم) لا يمكن بأية حال ان يبرر انتهاك حرمة المحكمة والاعتداء على القضاة ومباركة ذلك من قبل هياكل المحاماة.
استحال الصراع الى مواجهة اعلامية مفتوحة بين الطرفين بعد ان استغل القضاة وجود تسجيل لبعض فصول واقعة الاعتداء على زميلهم ليردوا انكار المحامين للوقائع وادعاءاتهم ان ما تم لم يخرج عن نطاق التعبير السلمي عن رفضهم لقرارات قاضي التحقيق. وحاول المحامون من جهتهم ابراز قراءتهم للوقائع التي تقوم على اعتبار ان اتهام زميلتهم بالاستيلاء على اموال حريفها "خطأ مهني على فرض صحة وقائعه يكون موجبا للمؤاخذة التأديبية لا غير اعتبارا لمبدأ حصانة المحامي". وإزاء ذلك، رأى القضاة بأن ما يطلبه المحامون في تفسيرهم لحصانتهم انما يشكل سعيا الى تحويل حصانة المحامي الى امتياز امام القانون، تزداد خطورته مع استعمال القوة في فرض علوية المحامين على القانون.
كان تدخل الاعلام في المواجهة بين جناحي العدالة حاسما في مرحلة اولى اذ ادى الى طرح اعادة فتح ملف الفساد بشكل بين ان المحاماة لم تعد بمنأى عن المحاسبة رغم دورها التاريخي في مواجهة الاستبداد وانجاز الثورة. غير ان حدة الاصطفاف القطاعي ووحدة شق هام من المحامين خلف هياكلهم في الدفاع عن مهنتهم ادى لاستعادة أطراف النزاع الاصليين لمجريات المبادرة في المواجهة. وكانت مؤسسات الدولة قد نأت بنفسها عن الدخول في الصراع بعد فشل محاولات وزير العدل التونسي لعقد توافقات ومصالحات بين هياكل المحامين والقضاة تبعا لرفض جمعية القضاة الامضاء على اي بيان مشترك لا يدين صراحة الاعتداء ولا يضمن المحاكمة العادلة لمن تولوا ممارسة العنف بقطع النظر عن صفاتهم المهنية.
واجه القضاة سعي المحامين لتحويل النظر عن وقائع الاعتداء وملابساته من خلال استعمال "شعار فساد القضاء" وادعاء سعيهم لتطهير القضاء. وقد انطلقت المواجهة مع اتخاذ قضاة المحكمة الابتدائية بتونس قرارا ب"تعليق العمل بمحاكم العاصمة تونس لمدة ثلاثة ايام للمطالبة بفتح بحث تحقيقي في حق من تولوا الاعتداء على زميلهم وتوفير الحماية اللازمة للمحاكم لمنع تكرر الاعتداءات"، وتولوا دعوة عموم القضاة لحضور اجتماع عام يوم 1/3/2014 للتداول في المستجدات، فيما دعت جمعية القضاة التونسيين مجلسها الوطني لاجتماع عاجل يوم 28/2/2014.
ودعت من جانبها الهيئة الوطنية للمحامين التي تمسكت برفض الاعتذار عما بدر منها من مباركة للاعتداء الى جلسة عامة للمحامين بوم الاحد 02/3/2014. وانتهت الاجتماعات العامة الى ابراز اصرار الطرفين على مواصلة خوض المواجهة بعد أن "أعلن القضاة عن مواصلة تعليق العمل بالمحاكم لمدة اربعة ايام بداية من يوم 3/3/2014 لحين ضمان انهاء محاولات الضغط لمنع محاكمة المحامين المتهمين بالاعتداء" فيما اعتبر المحامون قرار فتح بحث تحقيقي في حق زملائهم ممن يتهمون بالاعتداء تصعيدا". ودعت جلستهم العامة "المحامين الى وقفة احتجاجية امام المحكمة الابتدائية بتونس ومحاكم مقرات الفروع الجهوية للمحامين يوم 5/3/2014 "
ورغم ظاهر التصعيد المتبادل، فان حدة الصراع في ظل التكتل الفئوي والخشية من أن يؤدي استمراره لتعطيل مرفق العدالة وحديث أطراف من الشقين عن "سعي جهات سياسية لتغذية الصراع لغاية افشال الانتقال الديموقراطي" بينت أن الطرفين باتا يرفضان المضي قدما في مواجهة غير محسوبة العواقب ويحرصان على ارسال رسائل تهدئة في انتظار تدخل طرف ثالث قد يكون الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي لصياغة توافقات تنهي المواجهة. الا انه يخشى ان يكون الثمن المعروض للصلح تكريس قانون صمت يمنع من التطرق للفساد ويؤكد واجب حمايته تحت عنوان التضامن القطاعي.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.