“
صادقت الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب في 18 جوان 2019 ب128 صوتا على مشروع القانون الأساسي عدد 63/ 2018 بتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في26 ماي 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء والذي كان تضمن في صيغته الأصلية فصلا وحيدا يتعلق بإدراج عتبة انتخابية (5%) في الانتخابات التشريعية. وقد اتسمت هذه الجلسة بحضور واسع بلغ 170 نائبا وهي نسبة لم يتم تحقيقها إلا في بعض المرات القليلة خلال هذه السنة الأخيرة لعمل المجلس. وفيما تم رد المقترح الأساسي برفع العتبة، فإن الجلسة العامة انتهت إلى إقرار العديد من التعديلات الهامة على القانون المذكور.
وللتذكير، فإن الحكومة، صاحبة المبادرة قامت بإيداع مشروع هذا القانون منذ 26 سبتمبر 2018. وقد عقدت لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية عديد الاجتماعات لمناقشته انتهت بصدور تقريرها في 31 جانفي 2019 والذي تضمّن أيضا ملاحظات اللجنة حول مقترح القانون الأساسي عدد 2018/19 المتعلق بتنقيح نفس القانون والذي تضمّن أيضا مسألة واحدة وهي حذف التنصيص القاضي بإقصاء التجمعيين من عضوية مكاتب الإقتراع الوارد بالفقرة الخامسة من الفصل 121.فقد ارتأت اللجنة ضمّه إلى مشروع القانون إذ أنه يتعلق بتنقيح أحكام نفس القانون. إلا أن مشروع القانون الأساسي لم يتعرّض بتاتا إلى المسألة التي يطرحها مقترح القانون المقدم من قبل النواب وهو ما يمكن أن يمثل خرقا للفصل 62 من الدستور التونسي حسب ما أقرته الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين “للاختلاف البيّن بينهما”1.
وقد أثارت مسألة إدراج العتبة عند اقتراحها موجة رفض واسع خاصة من قبل المعارضة الممثلة في مجلس نواب الشعب وكذلك الأحزاب غير الممثلة فيه. ومع اقتراب الفترة الانتخابية وتحديد موعد كل من الانتخابات التشريعية (6 أكتوبر 2019) والرئاسية (10 نوفمبر بالنسبة للدورة الأولى) ونشر عدد من نتائج عمليات سبر الآراء بخصوص نوايا التصويت في كلا المرحلتين الانتخابيتين، التي أشارت إلى وجود قوى سياسية جديدة خارجة عن المشهد السياسي الممثل بالمجلس التشريعي، بدأت الحكومة، مع موفي شهر ماي أي بضعة أشهر قبل موعد الانتخابات، في التفكيرفي إدخال تعديلات من أجل مزيد ضبط شروط الترشح وتحديدها.
وقد أثارت المقترحات المطروحة، خاصة منها التي تتعلق بتعديل شروط الترشح، منذ العلم بها جدلا واسعا انقسم على إثره الرأي العام بين مؤيد ورافض لها. فالحكومة ترى أن هذه التعديلات تهدف إلى ضمان نزاهة العملية الانتخابية وضمان حد أدنى من “الشروط الأخلاقية” للمترشحين، حسب أحد نواب كتلة الائتلاف الوطني المساندة للحكومة. بينما يرى الرافضون لها،من فاعلين سياسيين وجمعيات، أن هذه التعديلات تهدف أساسا إلى إقصاء الفاعلين السياسيين الذين برزوا في نتائج سبر الآراء والذين لا ينصّ القانون الانتخابي صراحة على منعهم من الترشح في كل من الانتخابات الرئاسية والتشريعية، حسب النواب والفاعلين السياسيين المعارضين له.
ومن الناحية الشكلية، لم تقم الحكومة بتقديم هذه التعديلات في شكل مشروع قانون أساسي جديد بهدف تنقيح شروط الترشح الواردة بالقانون الانتخابي وإنما قامت بتقديمها في شكل مقترحات تعديل مشروع القانون عدد 36 لسنة 2018 المتعلق بتنقيح العتبة الانتخابية وذلك تجنبا للإجراءات المطولة التي يستوجبها الدستور والنظام الداخلي لمجلس نواب الشعب الذي يستوجب آجالا مطولة نسبيا للنظر في مشاريع القوانين الأساسية2.
التنقيحات التي تمّ اقتراحها من أجل تعديل القانون الانتخابي
تقدمت الحكومة والنواب بعديد المقترحات من أجل تنقيح أحكام القانون عدد 16 لسنة 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء بمناسبة النظر في مشروع القانون الذي يهدف لتنقيح قانون الانتخابات والاستفتاء. وقد قامت الجلسة العامة بإقرار عدد من التعديلات المقترحة من الحكومة. وقد احتوت مقترحات التعديل المصادق عليها ما يلي :
- إلغاء الفقرة الثالثة من الفصل 110 من القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء التي كانت تنصّ على عدم احتساب الأوراق البيضاء فقط في احتساب الحاصل الانتخابي وإضافة عدم احتساب الأصوات الراجعة للقائمات التي تحصلت على أقل من 3% من الأصوات كذلك عند احتساب الحاصل الانتخابي.
- إلغاء الفقرة الخامسة من الفصل 121 من القانون الانتخابي التي كانت تقضي بمنع من كانوا ينتمون إلى حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل من عضوية مكاتب الاقتراع. وهو ما كان يتضمنه مقترح القانون المقدم من قبل كتلة نواب الحرة قبل دمجه مع مشروع القانون الأساسي المقترح من قبل الحكومة.
- إضافة الحكومة لفصلين جديدين (يدرجان تباعا إثر الفصل 20 وإثر الفصل 42 مكرر) “ترفض الهيئة ترشحات كل من يثبت لديها قيامه بشكل صريح ومتكرر بخطاب: – لا يحترم النظام الديمقراطي ومبادئ الدستور والتداول السلمي على السلطة أو يهدد النظام الجمهوري ودعائم دولة القانون، -أو يدعو للعنف والتمييز والتباغض بين المواطنين، -أو يمجد انتهاكات حقوق الإنسان”. وينسحب هذا الفصل على كل من الانتخابات التشريعية والرئاسية. لكن من بين المؤاخذات الكبرى التي طالت هذا النص تأسيسه لمفاهيم واسعة وفضفاضة يمكن أن لا توفّقالهيئة العليا المستقلة للانتخابات فيتحديدها في غياب تعريفات قانونية لها. وهو ما سيضع الهيئة ثم القضاء أمام ضرورة تعريفها وهو الشيء الذي يمكن أن لا توفق الهيئة فيه بل سيجعلها تخوض في مسائل سياسية عميقة قد تمسّ من صورتها بين الفاعلين السياسين.
- اقترحت الحكومة كذلك إضافة مطة جديدة إلى الفصل 21 وفقرة أخيرة إلى الفصل 40 من القانون المتعلق بالانتخابات والاستفتاء تستوجب توفير “بطاقة عدد 3 خالية من السوابق العدلية في الجرائم القصدية، أو وصل الاستلام على أن تتولى الهيئة في هذه الحالة التثبت من خلوها من السوابق” بملفات المترشحين سواء للانتخابات الرئاسية أو التشريعية.إضافة هذا الشرط مهم لإضفاء حد أدنى من “الشروط الأخلاقية” التي يجب أن تتوفر في المترشحين لمجلس نواب الشعب. لكن يبقى التساؤل هنا عن مدى قدرة الهيئة من الناحية العملية من التثبت في السوابق العدلية في صورة توصّلها بوصول استلام دون البطاقة عدد 3 ومدى قدرتها على التنسيق مع وزارة الداخلية بخصوص ذلك.
- إضافة الحكومة لشروط أخرى بالفصل 40 من القانون تتضمن ضرورة أن يتضمن ملف الترشح للانتخابات الرئاسية وجوبا”-بطاقة عدد 3 خالية من السوابق العدلية في الجرائم القصدية أو وصل الاستلام على أن تتولى الهيئة في هذه الحالة التثبت من خلوها من السوابق ، -ما يفيد التصريح بالمكاسب والمصالح، في الآجال المنصوص عليها بالقانون عدد 26 لسنة 2018 المؤرخ في 1 أوت 2018 المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، بالنسبة للأشخاص الخاضعين لواجب التصريح بالمكاسب والمصالح وفق أحكام الفصل 5 من هذا القانون، -ما يفيد التصريح بالضريبة على الدخل للسنة المنقضية”، دون أن ينسحب هذا الشرط على المترشحين للانتخابات التشريعية.
- إضافة فصلين جديدين (الفصل 20 مكرر والفصل 42 مكرر) من اقتراح الحكومة واللذين ينصان على عدم قبول “الترشح للانتخابات التشريعية لكل شخص أو قائمة تبيّن للهيئة قيامه أو استفادته خلال الاثني عشر شهرا التي تسبق الانتخابات بأعمال تمنعها الفصول 18 و19 و20 من المرسوم عدد 87 لسنة 2011 المؤرخ في 24 سبتمبر 2011 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية أو مسيريها أو تبيّن قيامه أو استفادته من الإشهار السياسي كما يعرفه الفصل 2 من المرسوم عدد 16 لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 المتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري وبإحداث هيئة عليا مستقلة للاتصال السمعي البصري. وتقرر الهيئة إلغاء نتائج الفائزين في الانتخابات التشريعية إذا ثبت لها عدم احترامهم لأحكام هذا الفصل. وتتخذ الهيئة قرارها بناء على ما يتوفر لديها من إثباتات بعد الاستماع إلى المعنيين بقرار رفض الترشح أو إلغاء النتائج. وتكون قراراتها قابلة للطعن أمام القضاء وفق الإجراءات المنصوص عليها بهذا القانون”.
هذا الفصل ينطبق على كل القائمات المترشحة دون استثناء حزبية كانت أم مستقلة، إلا أن تطبيقه ممكن على القائمات الحزبية أكثر من القائمات غير الحزبية. فالقائمات غير الحزبية ليس لها وجود قانوني إلا بعد قبول ترشحها وبالتالي فإنه لا يمكن من الناحية العملية مراقبتها لمدة سنة سابقة لوجودها على عكس الأحزاب. وهو ما يمكن أن يتعارض مع دور الهيئة في “ضمان المعاملة المتساوية بين جميع الناخبين وجميع المترشحين وجميع المتدخلين خلال العمليات الانتخابية والاستفتائية”3.
ولذلك فإن انطباق هذا الفصل يمكن أن يغطي السنة السابقة للترشح، إذ يتم إلغاء القائمة المخالفة له عند تقديمها لترشحها ولكنه يمكن أن ينسحب أيضا على الفترة اللاحقة للترشح بما فيها مرحلة الحملة الانتخابية وهو ما يوجد وضعية تضارب داخل القانون الانتخابي الذي ينص فصله 154 على تسليط عقوبة مالية على كل من يعتمد الإشهار السياسي خلال الحملة الانتخابية. وهو ما يتضارب مع الفقرة الثانية من هذا الفصل المصادق عليه. كما من شأنه أيضا إغراق الهيئة والقضاء المختص بالطعون المؤسسة على أساس هذا الفصل خاصة مع الآجال المختصرة للبت في الملفات الانتخابية.
وقد رفضت الجلسة العامة عدداً من المقترحات الأخرى التي تقدّم بها النواب والتي تهدف بصفة واضحة وجلية لتحسين أخلاقيات العمل السياسي داخل مجلس النواب الشعب من خلال التصدي لظاهرة السياحة الحزبية التي ضربت بشدة عمل المجلس المنتهية ولايته وهو ما يمكن أن يدعم الرأي القائل بأن هذه التعديلات ليس الهدف منها إضفاء نزاهة على الانتخابات وإضفاء حد أدنى من “الشروط الأخلاقية” إذ تقدم بعض من النواب4 بمقترح تعديل الفصل 34 من القانون ينص على أن “يفقد العضو المنتخب آليا عضويته في الهيكل المنتخب، إذا استقال من الحزب أو الحركة أو الائتلاف الذي ترشح ضمن قائمته أو كذلك عند الاستقالة من الكتلة النيابية للحزب أو الحركة آوالائتلاف الذي ينتمي إليه”. وقد تم تقديم هذا المقترح مرة أخرى في صيغة فصل جديد و تم رفضه أيضا. وهو ما ينم عن عدم رغبة النواب الحاليين لظاهرة السياحة الحزبية خاصة مع وجود مشروع قانون يتطرق مباشرة لهذه المسألة ولم يتم إلى اليوم النظر فيه5.
أهم الاشكاليات التي تطرحها التعديلات
هدفت هذه التعديلات في جزء كبير منها إلى تغطية النقص الحاصل بمرسوم الأحزاب لسنة 2011 والذي لا يرتّب أي أثر انتخابي على الأحزاب التي تخالف القانون. كما أولت هذه التعديلات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات صلاحيات لمراقبة الأحزاب قبل الحملة الانتخابية الشيء الذي لم تكن الهيئة تتمتع به. إلا أن الإجراءات المتبعة في إقرار هذه التعديلات ومحتواها طرح عديد الإشكاليات.
الإشكاليات القانونية :
شابت عملية النظر في مشروع القانون المتعلق بتنقيح القانون المتعلق بالانتخابات والاستفتاء بعض الخروقات القانونية منها الإجرائية ومنها ما تعلق بالمضمون. أما من الناحية الإجرائية، فإن مجلس نواب الشعب لم يحترم الاستشارات المسبقة لمناقشة مشروع القانون وذلك سواء بالنسبة لاستشارة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أو بالنسبة لاستشارةالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. فقد نص القانون المنظم للهيئة العليا المستقلة للانتخاباتفي الفصل الثالث منه على أن “تتولي الهيئة العليا المستقلة للانتخابات القيام بجميع العمليات المرتبطة بتنظيم الانتخابات والاستفتاءات وإدارتها والإشراف عليها وتقوم في هذا الإطار خاصة بـ… ـ إبداء الرأي في جميع مشاريع النصوص ذات العلاقة بالانتخابات والاستفتاء”6. وهو ما لم يحصل إذ لم يتسنّ للهيئة إبداء رأيها المعارض للقانون المصادق عليه والذي يختلف جذريا عن مشروع القانون المودع بمجلس نواب الشعب إلا من خلال وسائل الإعلام7.
كما تهدف بعض التعديلات المضمنة بمشروع هذا القانون (أغلبها من قبل الحكومة وبعضها من قبل النواب) لنزاهة وشفافية الانتخابات ومكافحة استعمال المال السياسي المشبوه وهي مسائل يمكن أن تكون لها صلة مباشرة بمجال تدخل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد حسب القانون المنظم لها8 وكذلك حسب الفصل 130 من الدستور التونسي الذي ينص على”… تستشار الهيئة وجوبا في مشاريع القوانين المتصلة بمجال اختصاصها”. وهو ما لم يتم كذلك.
وتجاوز مجلس نواب الشعب عند تنقيحه للقانون المعايير الدولية لنزاهة وشفافية الانتخابات وذلك لعدم احترامه مدونة حسن السلوك في مجال الانتخابات التي أصدرتهااللجنةالأوروبية للديمقراطية عن طريق القانون(لجنة البندقية) عدد 190/2002 الصادر في 9 أكتوبر 2002 والذي نص على عدم جواز (وهنالك حالات يمنع فيها منعا باتا) المسّ بالقانون الانتخابي خلال سنة الانتخابات من بينها “شروط الترشح وموانعها … بما لها من تأثير على الحقوق والحريات ومنها حق الترشح والاقتراع والتصويت وكذلك العتبة التي تؤثر بصورة واضحة على النتائج”. ويتضح أنه استنادا للمعايير الدولية لنزاهة وشفافية الانتخابات طبقا لآراء لجنة البندقية ومبادئ باريس المتعلقة بحقوق الإنسان ومنها الحق في المشاركة السياسية أنه لا يجوز تغيير قواعد الانتخاب عند انطلاق العملية الانتخابية تحت أي مسمى كان لما في ذلك من ضرب لمبدأ المنافسة النزيهة .
كما يمكن أن يطرح مشروع القانون المصادق عليه من ناحية الأصل إشكالا دستوريا يتعلق بالمهمة التشريعية لمجلس نواب الشعب وصلاحية اقتراح القوانين والمصادقة عليها. إذ أن الموضوع الأساسي لمشروع القانون كان تغيير العتبة الانتخابية ولم يكن يتضمّن أي فصل في علاقة مباشرة بالتعديلات التي مست شروط الترشح والتي تمت المصادقة عليها دون مضمون المشروع الأولي المتعلق بالعتبة، إذ لم يتم إقرار عتبة 5% التي تضمّنها مشروع القانون. وعلى هذا الأساس، فإن هذه التعديلات يمكن أن تدخل ضمن صنف “الخيول التشريعية” Les cavaliers législatifs وهي تنقيحات ترد بالجلسة العامة على مشروع قانون ليس لها علاقة مباشرة بمحتواه الأولي9 والتي أكّد المجلس الدستوري الفرنسي على عدم دستوريتها10. فصحيح أن التعديلات كلها في علاقة بتنقيح القانون الانتخابي، لكن التعديلات المقترحة التي تهدف إلى تعديل شروط الترشح قد تم تقديمها في إطار النظر في مشروع قانون ينقّح القانون الانتخابي ولكنه لا يتطرق بتاتا إلى شروط الترشح.
أثار عديد المتابعين لمحتوى القانون المصادق عليه مسألة رجعية الأحكام التي تضمنها في الزمن. إذ أنها ستنسحب على الأعمال التي قام بها المترشحون للانتخابات القادمة قبل دخول هذا القانون حيز النفاذ. وهو ما يمكن أن يتعارض مع مبدأ عدم رجعية القوانين والذي يعني أن القانون لا ينطبق على الحالات التي سبقت دخوله حيز النفاذ. ولئن لم يؤسس الدستور التونسي لهذا المبدأ إلا في علاقة بالمادة الجزائية إلا أنه مبدأ عام يجب احترامه من قبل جميع السلطات11 حتى بالنسبة للقوانين الانتخابية وهو ما لم يتم احترامه من قبل عدد من الفصول المصادق عليها التي تنسحب على أعمال سابقة لدخولها حيز النفاذ. كما يمكن لمشروع هذا القانون أيضا أن يمس، في صيغته المصادق عليها، من الطابع العام للقاعدة القانونية لكونه لا يضع شروطا تتعلق بطبيعة المترشحين وإنما بأعمال صدرت عنهم يتطلب تكييفها سلطة تقديرية واسعة والذي يعتبر من الخصائص الأساسية للقاعدة الأساسية12.
الإشكاليات العملية :
سيتسبب مشروع القانون في صيغته النهائية في عديد المشاكل العملية التي تتعلق بسير العملية الانتخابية. فتنقيح القانون الإنتخابي في هذا الوقت سيؤدي إلى عديد المشاكل التنظيمية داخل الهيئة خاصة فيما يتعلق بالانتدابات التي سيتوجب على الهيئة القيام بها لتغطية حجم العمل الذي أصبح على عاتقها خاصة فيما يتعلق بالتثبت في الترشحات كما سيؤدي أيضا إلى “لخبطة” على مستوى تكوين أعوانها بمحتوى التعديلات الجديدةوما يمكن أن يؤديه ذلك من تأثير على ميزانيتها. كما أن هذه الإشكاليات يمكن أن تمتد إلى قبول الترشحات وعدم معرفة المترشحين بشروط الترشح حتى آخر فترة لقبول الترشحات التي تنتهي يوم 29 جويلية 2019 حسب الرزنامة التي وضعتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أي حوالي أربعين يوما من المصادقة على مشروع القانون.
وما يفاقم من ذلك هو أن العديد من النواب أعلنوا نيتهم في الطعن بعدم دستوريته وهو ما سيزيد من تأخير آجال دخوله حيز النفاذ. حيث لن تقل آجال الطعن صدور القانون بالرائد الرسمي عن 20 يوما حتى في صورة استعجال النظر في الطعن وثبوت دستوريته من قبل الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين13. وهو ما سيجعل الآجال ضيقة جدا للأحزاب والقائمات حتى يتمكنوا من اختيار المرشحين وتقديم ترشحاتهم طبقا للشروط.
1قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين عدد 02/2015 بتاريخ 8 جوان 2015 يتعلق بمشروع القانون الأساسي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء.
2 النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، الذي تمت المصادقة عليه في في 2 فيفري 2015.
3القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المؤرخ في 20 ديسمبر 2012 المتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
4المنتمين خاصة إلى كتل نداء تونس، الولاء للوطن، الكتلة الديمقراطية…
5 مقترح القانون الأساسي عدد 2019/33 المتعلق بشفافية وأخلاقيات الحياة السياسية.
6القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المؤرخ في 20 ديسمبر 2012 المتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
7وهو رأي تم تقديمه في المقال المنشور بجريدة المغرب بتاريخ 14 جوان 2019. رابط متوفر أعلاه.
8 ينص القانون الأساسي عدد 59 لسنة 2017 مؤرخ في 24 أوت 2017 يتعلّق بهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد على: الفصل 6 “تعمل الهيئة على نشر ثقافة الحوكمة الرشيدة وقيمها وأخلاقياتها وتعميم المعارف المتصلة بها ونشر الوعي المجتمعي بمخاطر الفساد وضرورة التصدي له. كما تتعاون الهيئة مع كل الأطراف الفاعلة ومختلف مكونات المجتمع المدني ووسائل الإعلام بهدف دفعها إلى المشاركة الفاعلة في مكافحة الفساد”.
الفصل 7 ” تسهم الهيئة في إرساء المبادئ العامة للحوكمة الرشيدة في القطاعين العام والخاص ومنها على وجه الخصوص سيادة القانون والمساءلة والشفافية والنزاهة والإنصاف والمشاركة والنجاعة وذلك من خلال:
ـ اقتراح الآليات والتدابير الضامنة لاحترام هذه المبادئ وتعزيزها.
ـ السعي إلى إرساء الممارسات الفعّالة لتكريس مبادئ الحوكمة الرشيدة وتعميمها.
ـ الاقتراح والمساهمة في سياسات الحوكمة الرشيدة والوقاية من الفساد اعتمادا على المعايير الدولية المنطبقة في المجال ومتابعة تنفيذها وتقييم آثارها.
ـ نشر ثقافة الحوكمة الرشيدة وقيمها وأخلاقياتها باعتماد جميع آليات التواصل.
ـ إعداد دراسات استراتيجية وهيكلية تساهم في برنامج الإصلاح الإداري لإرساء منظومة الحكومة المفتوحة.
ـ إرساء منظومة رصد للحوكمة الرشيدة وفق مؤشرات تضبطها الهيئة وتقوم بنشرها على موقعها.
ـ المساعدة والمشاركة في إعداد استراتيجية وبرنامج عمل تقييم وإدارة المخاطر المتعلّقة بالفساد”.
9 Raphaël Déchaux, « L’évolution de la jurisprudence constitutionnelle en matière de « cavaliers » entre 1996 et 2006 ». Disponible sur : https://www.conseil-constitutionnel.fr/sites/default/files/as/root/bank_mm/pdf/Conseil/cavaliers.pdf
10 Conseil Constitutionnel, décision n° 2006-535 DC du 30 mars 2006.
11قرار محكمة التعقيب عدد 36971 مؤرخ في 26 ديسمبر 1996 “هذا المبدأ هو من المبادئ الأساسية التي تتقيد بها المحاكم لأنه يتماشى مع المنطق و العدل”.
12 وهو رأي الأستاذ حاتم قطران. كتوفر على الرابط التالي : https://www.leaders.com.tn/article/27314-hatem-kotrane-la-tunisie-sans-loi-a-propos-du-projet-de-loi-organique-portant-amendement-de-la-loi-electorale
13قانون أساسي عدد 14 لسنة 2014 مؤرخ في 18 أفريل 2014 يتعلق بالهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين.
“