افاقت مصر في 17-5-2015 على خبر تنفيذ حكم الإعدام بحق المحكوم عليهم وعددهم 6 في القضية المعروفة ب”قضية عرب شركس”. وكانت تمت محاكمة هؤلاء أمام القضاء العسكري، على خلفية اتهامهم بقيادة وعضوية خلية تابعة لأنصار بيت المقدس، وتورطهم في هجمات نفذها التنظيم ضد أهداف عسكريةفي مارس 2014[1]. وقد أصدر القضاء العسكري حكمه في أكتوبر 2014 بالاعدام على 7 متهمين، والسجن المؤبد على اثنين. وأصبح الحكم باتا بعدما ردّت المحكمة العسكرية العليا الطعن في مارس 2015. وكان البعض قد أشار الى افتقار هذه المحاكمة لشروط المحاكمة العادلة: فالمتهمون مدنيون يتم محاكمتهم أمام القضاء العسكري وهو المبدأ الذي يرفضه الكثيرون معتبرين أنه ينافي مبدأ “القاضي الطبيعي”، بالإضافة الى أن اثنين من المتهمين كانوا قيد الاحتجاز أثناء الاحداث وهو الأمر الذي يتنافى مع واقعة اشتراكهما فيها[2]. ويستدعي تنفيذ هذا الحكم بما رافقه من ظروف ملاحظات عدة، أبرزها الآتية:
أولا، أنه يشكل مؤشرا الى الانتقال من مرحلة استصدار أحكام بالاعدام الى مرحلة تنفيذها
الى جانب أن الحكم يندرج ضمن سلسلة أحكام صدرت في مصر في الفترة الأخيرة، حيث تمت إحالة أوراق 529 متهم الى المفتي في 2014، بالإضافة الى إحالة أوراق الرئيس الأسبق محمد مرسي و121 متهم آخرين الى المفتي في شهر مايو 2015، فان تنفيذه بسرعة كبيرة وفي ظروف ملتبسة انما يظهر درجة متقدمة تخرج فيها الدولة من مرحلة استصدار أحكام الإعدام الى مرحلة تنفيذها. وكانت هذه المرحلة بدأت مع تنفيذ حكم الاعدام بالمحكوم عليه بالقاء الأطفال من أعلى عقار في الإسكندرية في مارس 2015، وشهدت مع تنفيذ هذا الحكم تطورا لافتا.
ثانيا: أن تنفيذه حصل بشكل مستعجل ومفاجئ في مخالفة للقانون وللأعراف المتبعة في هذا المجال
وهذا ما نتبينه من مجموعة من المعطيات الثابتة في هذه القضية.
فمن جهة أولى، حصل تنفيذ الحكم رغم وجود طعن قدمه محامو بعض المحكوم عليهم أمام القضاء الاداري ضد مصادقة وزير الدفاع عليه، على خلفية أنه لا بدّ أن تتم المصادقة من قبل رئيس الجمهورية[3]. وكانت المحكمة أجلت النظر في الدعوى الى يوم 19-5-2015، فأتى تنفيذ الحكم قبل يومين من هذا الموعد لينسف طعن هؤلاء ويفرغه من موضوعه. واللافت أن محكمة القضاء الإداري قررت في جلسة 19-5 تأجيل الدعوى لجلسة 2-6 لاعادة المرافعة[4]. ورغم ان الطعن على القرار الإداري بالتصديق على الحكم لا يؤدي بحد ذاته الى وقف تنفيذ الحكم، ولكن يبقى التريث في أحكام الإعدام واجبا عند وجود طعون كهذه، احتراما لهؤلاء بالتقاضي بشأن حقوق أساسية لا تقل عن حقهم بالحياة. ومن هذه الزاوية، بدا القضاء العسكري مستعجلا في تنفيذ الحكم وذلك منعا لأي تعطيل لنفاذ حكمه قد يصدر عن المحكمة الادارية.
كما نذكر في السياق نفسه أن التنفيذ حصل رغم محاكمة المتهمين في تهم أخرى منها الاعتداء على منشآت مدنية أمام المحاكم الجزائية العادية، مما يعزز التساؤل بشأن أسباب تنفيذ الحكم بهذا الاستعجال وحول دوافع الدولة في فرض هيبتها بمعزل عن الحقوق الأساسية كالحق في المحاكمة العادلة، والحق في الحياة، وغيرها من الحقوق.
وما يزيد من هذا التخوف من جهة ثانية، هو أنه تم تنفيذ الأحكام من دون إخطار ذوي المحكوم عليهم؛ وهو ما يعد مخالفا لقانون الإجراءات الجنائية. فقد نص هذا القانون في مادته 472 منه على أنه “لأقارب المحكوم عليه أن يقابلوه في اليوم الذي يعين لتنفيذ الحكم، على أن يكون ذلك بعيدا عن محل التنفيذ”؛ وهو الأمر الذي لم يحدث اذ لم يتم ابلاغهم بيوم وموعد تنفيذ الحكم، وعرفوا به من وسائل الاعلام من دون أن يتسنى لهم مقابلتهم ولم يتأكدوا الا من محامين حضروا جلسة محاكمة امام القضاء العسكري في هذا اليوم[5]. وهو الأمر الذي يعد ليس فقط مخالفة للقانون، ولكن أيضا أمر غير انساني خصوصا وان أهالي بعض المتهمين لم يتمكنوا من زيارتهم منذ ثلاثة أشهر. وفي الاتجاه نفسه، لم يتم ابلاغ محامي المحكوم عليهم بموعد تنفيذ الحكم وهو الأمر المخالف للمادة 474 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على ضرورة الاذن لمحامي الدفاع بحضور تنفيذ الحكم[6].
فضلا عن ذلك، أشار بعض المحامين مثل فاطمة سراج ومحمد عادل[7] أن ما حدث “يخالف الأعراف المستقرة في تنفيذ أحكام الإعدام عادة”، وان الامر قد يستغرق سنوات بين صدور الحكم وتنفيذه وذلك لأن الحكم “يأخذ دوره في طابور الإعدام وهو طابور القضايا التي أصبح حكم الإعدام نافذا فيها ويستحق التنفيذ”. وتشير فاطمة سراج أن هذا العرف الذي استقرت عليه مصلحة السجون يرجع الى الرغبة في إعطاء المتهمين فرصة لاحتمال ظهور أدلة جديدة تتسبب في إعادة المحاكمة أو الغاء الحكم.
بأية حال، فان مجمل هذه المعطيات انما تثبت أن قرار تنفيذ الحكم قد تم اتخاذه بصورة مفاجئة واعتباطية، ومن دون أي تخطيط مسبق، الأمر الذي يدفع الى التساؤل حول أسباب ذلك. وهذا ما يجرّنا الى ملاحظتنا الثالثة التي نبديها على شكل سؤال.
ثالثا: الاستعجال في الثأر لمقتل ثلاث قضاة؟
هذه الملاحظة ترتبط بالملاحظة السابقة وهي تتصل بتوقيته بعد يوم واحد من اغتيال قضاة في مدينة العريش في مصر من قبل مجموعة من المنتمين لاحدى التنظيمات الإرهابية المنتمية لما يسمى “تنظيم داعش-ولاية سيناء”. فازاء توقيت مماثل لتنفيذ أحكام اعدام بشكل فجائي ومن دون أي مراعاة للأصول، ليصبح التساؤل مشروعا فيما اذا كان تنفيذ حكم الإعدام ضرورة حصل كردة فعل سريعة على اغتيال قضاة العريش.
وينذر تغليب النزعة الثأرية للدولة على نزعة تحكيم العقل والاحتكام الى القانون بانزلاقة خطيرة في اتجاه اعتماد طريقة عمل المنظمات الإرهابية، فتصبح الدولة والمنظمات الإرهابية في موضع خصومة مباشرة وكلا منهم يستهدف أعضاء الفريق الأخر لقتله والأخذ بالثأر لشهدائه. فتصبح الدولة أداة ثأرية أكثر مما هي أداة لاعمال العدالة.
دعوات لوقف تنفيذ عقوبة الإعدام في مصر: كي لا ينتصر الارهاب على قيم الدولة
بعد أحكام الاعدام الأخيرة الصادرة منذ عام 2014، وخصوصا ان معظمها يتعلق بقضايا لها طابع سياسي، طالب العديديون في مصر بتوقيف تنفيذ عقوبة الإعدام لعدة سنوات بسبب المناخ الحالي والشعور بغياب إجراءات المحاكمة العادلة[8].
وقد أصدرت حملة “ضد الإعدام” بيان على صفحتها على فيسبوك بتاريخ 19-5-2015 يطالب بالمحاكمة العادلة لأي متهم بلا تمييز، مؤكدة أن “التهليل لاعدامات تفتقر للحد الأدنى من الإجراءات القانونية هو انتصار للارهاب على المجتمع والدولة ومؤسساتها”. وأشار البيان الى أن الجرائم التي يعاقب عليها بالاعدام في مصر تخطت الثمانين جريمة. وأكدت الحملة في هذا البيان ان استخدام حكم الإعدام بهذا الشكل لا يحقق الردع بل يفتح الطريق امام المجرمين الحقيقيين، وطالبت الدولة بتعليق حكم الإعدام لمدة لا تقل عن خمس سنوات. ولعل ردود الفعل على هذه الدعوات خير تأكيد على مخاوف هؤلاء. وهذا ما نقرؤه مثلا في تصريح حافظ أبو سعدة، عضو المجلس القومي لحقوق الانسان بتاريخ 21-5-2015، لجهة أن “دعوات الغاء عقوبة الإعدام ليست مناسبة للظرف السياسي التي تشهده مصر حاليا”[9]. فخطاب كهذا، انما يشكل تأكيدا على توجه جديد للنظام السياسي السائد: توجه الى استخدام عقوبة الإعدام ليس فقط في التلويح بها أو لفظها انما بالأخص في تنفيذها كسلاح دامٍ ضد خصومه السياسيين. فتكون عبرة لمن اعتبر.
[3] راجع محمد حمامة، “هل سبق السيف العدل؟ لماذا تعجلت الدولة في تنفيذ حكم اعدام متهمي عرب شركس قبل يوميين من نظر دعوى وقف تنفيذ الحكم؟” نشر على الموقع الالكتروني لمدى مصر بتاريخ 18-5-2015.
[4] نشر الخبر في مختلف الصحف المصرية بتاريخ 19-5-2015.
[5] راجع محمد حمامة، “هل سبق السيف العدل؟ لماذا تعجلت الدولة في تنفيذ حكم اعدام متهمي عرب شركس قبل يوميين من نظر دعوى وقف تنفيذ الحكم؟” نشر على الموقع الالكتروني لمدى مصر بتاريخ 18-5-2015.
[6] تنص المادة 474 من قانون الإجراءات الجنائية على:”يجب أن يكون تنفيذ عقوبة الإعدام بحضور أحد وكلاء النائب العام ومامور السجن وطبيب السجن أو طبيب أخر تندبه النيابة العامة ولا يجوز لغير من ذكر أن يحضروا التنفيذ الا باذن خاص من النيابة العامة ويجب دائما أن يؤذن للمدافع عن المحكوم عليه بالحضور.”
[7] راجع محمد حمامة، “هل سبق السيف العدل؟ لماذا تعجلت الدولة في تنفيذ حكم اعدام متهمي عرب شركس قبل يوميين من نظر دعوى وقف تنفيذ الحكم؟” نشر على الموقع الالكتروني لمدى مصر بتاريخ 18-5-2015.
[8] راجع “دعوات لالغاء عقوبة الإعدام في مصر”، نشر على موقع المصريون بتاريخ 25-5-2014.
[9] نشر الخبر على موقع جريدة الشروق بتاريخ 21-5-2015.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.