“
خلال الأسبوع الماضي، ناشدت المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) وزير التربية والتعليم العالي اللبناني أكرم شهيب التراجع عن “قرار فصل الطلاب الفلسطينيين من المدارس الرسمية”. وقد جاءت هذه المناشدة تبعا للبلاغات التي تلقتها المؤسسة من أهالي تلاميذ فلسطينيين تم فصلهم فعليا من مدارس رسمية لبنانية، في منطقة صور تحديداُ، والطلب منهم العودة إلى مدارس الأونروا. وقد استهجنت “شاهد” “القرار الذي صدر في منتصف العام الدراسي الحالي، والذي يقضي بفصل الطلبة الفلسطينيين المسجلين في المدارس الرسمية”.
المؤسسة التي اتهمت الوزير أكرم شهيب باتخاذ القرار عادت وتراجعت عن بيانها الأول. فيما نشر اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني بياناً أعلن فيه عن قيام رئيسه، يوسف أحمد، بإجراء اتصالات شملت مكتب الوزير شهيب ومستشاريه وقيادة الحزب التقدمي الإشتراكي، وأن هؤلاء جميعهم أكدوا له عدم صدور هذا القرار. كما نقل الإتحاد عن المسؤولين في وزارة التربية مطالبتهم الطلاب الفلسطينيين كافة مراجعة الوزارة في حال تعرض أي منهم لأي إجراء.
وأصدر مكتب خدمات الطلبة الفلسطينيين أيضاً بياناً قال فيه إن مديره، عاصف موسى، أجرى اتصالات بعدد من المرجعيات التربوية اللبنانية ونقل عنها أن بعض المدارس الرسمية تقوم بتطبيق قرار أصدره وزير التربية السابق مروان حمادة في شهر أيلول من العام 2018 ويحمل الرقم 1049، وينص على عدم استقبال أو تسجيل الطلبة الفلسطينيين الذين جاؤوا من مدارس الأونروا وإعادتهم إليها. وبأن كافة الطلبة الفلسطينيين المسجلين حسب الأصول في المدارس الرسمية يتابعون دراستهم بشكل طبيعي.
في ظل هذا التضارب في المعلومات الواردة في البيانات وتراجع شاهد عن بيانها الأول، يقول مسؤول العلاقات العامة والإعلام فيها، محمد الشولي، في حديث لل “المفكرة” أنه وبعد الاستفسار عن الأمر والتواصل مع المعنيين في الوزارة تبين أن ما يجري هو تنفيذ للقرار الذي صدر في عهد وزير التربية السابق. ويؤكد الشولي أن القرار لا يشمل كل الطلاب الفلسطينيين في المدارس الرسمية، وإنما فقط أولئك الذين انتقلوا إلى المدارس الرسمية في هذا العام الدراسي 2018-2019. وأن الأمر حصل الآن لأن المدارس الرسمية رفعت إلى وزارة التربية لوائح بأسماء تلامذتها لتصادق عليها، لكن الوزارة رفضت المصادقة وأعادت اللوائح إلى المدرسة بحجة أن بعض التلامذة ينطبق عليهم القرار 1049 فتم فصلهم من المدرسة. ويتحدث الشولي عن حوالي 15 حالة تبلغ بها.
من جهته ينفي أنور ضو، مستشار وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيب، في اتصال مع المفكرة، أن يكون أي من الوزيرين، السابق والحالي، قد أصدر أي قرار بفصل تلامذة فلسطينيين أو بمنع تسجيلهم. وقال: “إن هذا القرار غير موجود وليس له أي أساس ولا يمكن لأحد أن يتعرض للفلسطينيين ولحقهم بالتعليم كغيرهم. حاول البعض تحريك قرار كهذا مع الوزير السابق مروان حمادة لكنه لم يوافق عليه”. ينفي ضو علمه بأي حالات فصل لطلاب فلسطينيين. ويقول إن ما حصل هو قيام مديرة في إحدى المدارس بفصل تلميذين انتقلا هذا العام من مدارس الأونروا بسبب عدم تأمين إفادة، فطلبت منهم إكمال تعليمهم في مدارس الأونروا”. وعن المعلومات عن قيام إحدى المدارس في صور بطرد ثمانية تلاميذ فلسطينيين، يجيب ضو: “فلنفترض أنه تم فصل ثمانية تلاميذ، فهذا لا يعني وجود قرار بقلع كل الفلسطينيين من المدارس الرسمية وإعادتهم إلى مدارس الأونروا. هناك نوع من التجني والتشويش رافق تشكيل الحكومة الجديدة في وزارة التربية”. ورداً على سؤال حول تدخل الوزارة لإعادة التلامذة الفلسطينيين إلى مدارسهم في حال ثبت خبر فصلهم، يجيب ضو: “لا نقبل أن يساء لأي طالب فلسطيني وبالتأكيد سنتابع معهم”.
يظهر نفي مستشار هذا الوزير محيّرا، ولا سيما أن “المفكرة” اطّلعت على نسخة من القرار رقم 1049 الصادر عن وزير التربية السابق مروان حمادة بشأن قبول تسجيل غير اللبنانيين في المدرسة الرسمية. وينص التعميم على أمور عدة أبرزها، حصر قبول التلاميذ الفلسطينيين بالتلاميذ الذين لا تتوافر مدارس الأونروا في النطاق الجغرافي لإقامتهم والذين لم يتابعوا الدراسة العام الماضي في مدارس الأونروا.
يؤكد والد إحدى التلميذات الفلسطينيات لل “المفكرة” أن ابنته طردت من متوسطة صور الرسمية للبنات، وبأن ناظر المدرسة أخبره أن القرار سيشمل كل التلاميذ الفلسطينيين الذين كانوا في مدارس الأونروا. يروي الوالد أنه نقل ابنته إلى المدرسة الرسمية هذا العام بسبب سوء حال المدرسة التي كانت تدرس فيها، ولأن المدارس الرسمية اللبنانية أفضل منها. وفي هذه الأثناء، يترقب الوالد ما سيحصل آملاً بتراجع المعنيين عن قرارهم في ظل عدم قدرته على تسجيل ابنته في مدرسة خاصة.
مديرة متوسطة صور الرسمية للبنات تمنعت عن الرد على أسئلة المفكرة، كونها تحتاج إلى إذن من الوزارة. ولكن مصدرا موثوقا في المدرسة أكد لل “المفكرة القانونية” وجود القرار المشار إليه أعلاه. وقد جرى اتخاذ قرار بإعادة تلميذة من الصف السادس من متوسطة صور إلى مدارس الأونروا بقرار من وزير التربية مؤرخ في 2018 (أي أيام الوزير مروان حمادة) ويعتبر أن ليس من حق التلميذة التسجيل في المدرسة. ويعود الأمر إلى صدور تعميم في بداية العام الدراسي يمنع تسجيل الطلاب القادمين من مدارس الأونروا. وكانت المدارس قد سجلت بعضهم كونها في العام الماضي لم تواجه أي مشكلة في تسجيلهم. أما التلميذة التي طُلب إليها العودة إلى مدارس الأونروا فقد “تم تسجيلها بالخطأ، ولدى إرسال ملفها إلى المنطقة التربوية في صيدا تبين من إفادتها أنها كانت في إحدى مدارس الأونروا فطلب إرجاعها إليها”.
تشير المديرة إلى تسجيل تلامذة آخرين قادمين من مدارس الأونروا دون اتخاذ إجراء بحقهم، “لأن ملفاتهم لم ترفق بإفادات من مدارس الأونروا”. ويذكر المصدر أن قراراً آخر صدر بنقل ثماني تلميذات سوريات من الدوام الصباحي إلى دوام بعد الظهر كونهن نازحات، رغم أنهن مسجلات في المدرسة منذ سنتين أو ثلاثة. ويبدو هذا التدبير أيضا مبررا بمقتضيات القرار حيث حصر تسجيل التلاميذ السوريين بالذين تابعوا الدراسة النظامية في المدارس الرسمية (دوام صباحي) منذ أكثر من ثلاث سنوات.
يعبر بعض مدراء المدارس عن معارضتهم القرار، لكنهم يؤكدون اضطرار المدارس للمضي به كونه صادرا عن وزير التربية. ويقول مدير فضل عدم ذكر اسمه: “اقترحنا على الأهل أن يتقدموا بطلب استرحام ليتمكن أبناؤهم من إكمال عامهم الدراسي، على أن يقرروا في العام المقبل ماذا سيفعلون. وهناك طلاب مجتهدون من المفترض أن يسمح لهم بإكمال العام الدراسي الحالي. فنحن لا نرفض التلاميذ لكننا مضطرون للسير في التعميم، فحتى إن اتخذنا قراراً بإبقائهم لدينا، فلن نتمكن فيما بعد من منحهم إفادات لأن المنطقة التربوية لن تقبل”.
مقالات ذات صلة:
اللاجئون الفلسطينيّون في لبنان: أيّ استراتيجيّات لتحسين حقوقهم من خلال القضاء؟
“