بخلاف الأفواج السابقة، يضم فوج السنة الحالة بالمعهد العالي للقضاء، مجموعة من الملحقين القضائيين. وكشفت مصادر مطلعة لـ"المفكرة القانونية"، أنه يتم حاليا تكوين عدد من الملحقين القضائيين العسكريين بالمعهد العالي للقضاء ضمن الفوج 42 من الملحقين القضائيين. وأرجعت ذات المصادر هذه الخطوة إلى "تطبيق الإصلاحات الجديدة التي أدخلت على قانون القضاء العسكري، والتي تروم أساسا تقريب المساطر المتبعة أمامه من مثيلتها في المحاكم العادية".
تعيين القضاة العسكريين قبل دستور 2011
قبل صدور دستور 2011، إبان المظاهرات التي عرفتها عدد من المدن المغربية تزامنا مع أحداث الربيع العربي. كان القضاء العسكري بالبلاد، منظما بواسطة النظام الأساسي للقضاة العسكريين الصادر بتاريخ 12/07/1977، وهو نظام خاص يختلف عن النظام الأساسي للقضاة المطبق في المحاكم العادية والمتخصصة. وبحسب نفس النظام، فإن القضاة العسكريين، يتم اختيارهم وفقا لمباراة تنظمها الأركان العامة للقوات المسلحة، وليس وزارة العدل، كما لم يكن يشرف عليها أساتذة للقانون. وكانت السلطات المعنية تشترط في المتبارين بلوغهم ثلاثين سنة على الأقل، والحصول على الإجازة في القانون، بالإضافة إلى تمتعهم بالقدرة البدنية. ويعين القضاة العسكريون في درجة مماثلة مع الاحتفاظ بنفس الأقدمية بعد قضائهم لتدريب مدته سنتين لدى المحكمة العسكرية.
وأثارت هذه المقتضيات آنذاك، انتقادات الكثير من الحقوقيين، وفي هذا الصدد، اعتبر المحامي حسن البوعيسي: "أن قضاء سنتين من التمرين بالمحكمة العسكرية وفي نظام خاص ومحكم يجعل المتمرنين يتعلمون المهنة عن طريق التقليد". وأضاف "تقتصر معرفة هؤلاء القضاة على معرفة النصوص الرديئة جدا"، وذلك بسبب "عدم تلقيهم لدروس نظرية تجعل آفاقهم المعرفية واسعة، وتجعلهم أيضا على دراية كاملة بمختلف المبادئ والنظريات القانونية"، يضيف المتحدث. ويوضح البوعيسي: "أن قانون العدل العسكري والقضاء العسكري لا يمكن فصلهما عن باقي شعب القانون، فمن لا يجيد فهم القانون المدني ومبادئه وتقنياته، لا يمكنه أن يجيد فهم القانون الجنائي أو قانون العدل العسكري… فتخرّج القضاة العسكريين من المعهد العالي للقضاء، سيمكنهم من تكوين واسع تليه فترة تمرين بالمحكمة العسكرية، ويصبحون بذلك قضاة بما في الكلمة من معنى، لا مجرد حرفيين".
تعيين القضاة العسكريين بواسطة مباراة ولوج سلك التكوين القضائي
بعد صدور دستور 2011 الذي ألغى المحاكم الاستثنائية، أدخل المغرب إصلاحات وصفت بـ"الجريئة"، و"غير المسبوقة" على القوانين المنظمة للشأن العسكري. وصدر قانون القضاء العسكري الجديد، والقانون المتعلق بالضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين، كما صدر النظام الأساسي الجديد الخاص بالقضاة العسكريين الذي أعاد تنظيم الولوج إلى القضاء العسكري. ونص القانون على أن القضاة العسكريون يعينون من بين ضباط القوات المسلحة الملكية الذين اجتازوا بنجاح مباراة ولوج سلك التكوين القضائي ونجحوا في امتحان نهاية التكوين بهذا السلك. وتفتح مباراة ولوج سلك التكوين القضائي في وجه ضباط القوات المسلحة المرتبين في درجة قائد على الأقل، والحاصلين على الإجازة في الحقوق على الأقل، أو ما يعادلها.
كما تنظم المباراة المذكورة، عندما تقتضي حاجة المصلحة ذلك، من قبل المصالح المختصة بالقوات المسلحة الملكية، وفق الشروط والكيفيات المحددة بقرار للقائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية.
ووفق الإصلاح الجديد الذي أدخل على النظام الأساسي للقضاة العسكريين، أصبح ضباط القوات المسلحة الملكية الناجحون في المباراة يتلقون –ولأول مرة- تكوينا قضائيا، مدته سنتين يشتمل على تكوين قضائي عام بالمعهد العالي للقضاء، يتضمن نفس وحدات التكوين المخصصة للملحقين القضائيين المدنيين بالمعهد المذكور، فضلا عن تكوين قضائي خاص، يتضمن تدريبا تطبيقيا بالمحكمة العسكرية.
تشكيلة مختلطة للمحكمة العسكرية وحضور كبير للقضاة المدنيين
بتخرج الملحقين القضائيين العسكريين بنجاح، سيعينون قضاة بالمحكمة العسكرية التي عرفت تشكيلة هيئاتها تغييرا جذريا بصدور قانون القضاء العسكري الجديد الذي ألغى محاكمة المدنيين أمام المحكمة العسكرية، وعمل على تحويلها من محكمة استثنائية إلى محكمة متخصصة، كما كرس تمثيلية أكبر للقضاة المدنيين في هيئات الحكم، خاصة على مستوى الاستئناف حيث أصبح عددهم يفوق عدد القضاة العسكريين زيادة على ترؤسهم لجميع هيئات الحكم. في نفس السياق، عمل القانون الجديد على تقريب المساطر المتبعة أمام المحكمة العسكرية من مثيلتها في المحاكم العادية وذلك بالإحالة إلى أحكام القانون الجنائي والقانون المتعلق بالمسطرة الجنائية فيما لم يرد به نص خاص في القانون المتعلق بالقضاء العسكري، فضلا عن تبني مبدأ تعليل القرارات القضائية عوض مسطرة الأسئلة والأجوبة التي كانت متبعة في ظل قانون القضاء العسكري السابق.
وبفضل هذه الإصلاحات الجديدة، أصبح القضاء العسكري في المغرب بحسب مجموعة من المراقبين، "قريبا جدا" من القضاء العادي في بنائه، بتوفره على محكمة ابتدائية واستئناف، وعلى غرفة قضائية للجنح، وعلى غرفة قضائية للجنايات، إعمالا لمبدأ الحق في التقاضي على درجتين.
وهذا أول "إصلاح شامل"، يخضع له القضاء العسكري المغربي، ليواكب مشروع "إصلاح العدالة" كما "يستجيب مع نداءات المنظمات الحقوقية غير الحكومية، التي "رفعت صوتها" مطالبة بـ"إعادة النظر" في هذا النوع من المحاكم.
ومن جهته، وصف الحقوقي المغربي عبد العزيز النويضي، الخطوة بـ"المحمودة". واعتبر النويضي في تصريح للمفكرة القانونية، أن تكوين الملحقين العسكريين إلى جانب زملائهم المدنيين واحدة من خطوات أكثر يجب تفعيلها حتى نصل إلى ضمانات أكبر للمحاكمة العادلة. وبدورها، رحبت سهام قشار، محامية وعضو المكتب المركزي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، بالخطوة. مُشيرة إلى أنها تأتي "استكمالاً للإصلاحات التي عرفها قانون القضاء العسكري مثل استبعاد محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية". وأوردت أن "المغرب قد عمل على ملائمة هذا القانون مع مقتضيات الدستور ومع المعاهدات والاتفاقيات الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان التي سبق له أن صادق عليها"، مشددة على أن في هذه الخطوة "تكريس لشروط ومبادئ المحاكمة العادلة، وتعزيز قضاء متخصص ومستقل وضامن للحقوق والحريات، خصوصا بعد إحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية". ولفتت إلى أن "قانون القضاء العسكري عرف انتقادات دائمة من طرف المنظمات الحقوقية باعتباره قانونا يكرس التمييز بين المواطنين أمام القضاء وأن القضاة بالمحكمة العسكرية قاصري المدارك وغير مطلعين على باقي فروع القانون ولا يعللون أحكامهم مما يجعلهم بعيدين عن المحاكمة العادلة".
وعبرت عن أملها في أن تتم معالجة هذه الانتقادات من خلال تكوين الملحقين العسكريين إلى جانب زملائهم المدنيين، في المعهد العالي للقضاء.
يذكر ختاما أن تونس كانت اعتمدت منذ 2011 تعيين القضاة العسكريين من بين خريجي المعهد الأعلى للقضاء.
– ظهير رقم 1.14.187 صادر بتاريخ 10 كانون الأول 2014، بتنفيذ القانون رقم 108.13 المتعلق بالقضاء العسكري، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6322، بتاريخ 01 كانون الثاني 2015، ص 05.
-لمزيد من المعلومات حول إصلاح القضاء العسكري بالمغرب يراجع المقال التالي المنشور بموقع المفكرة القانونية:
– منشور بالجريدة الرسمية عدد 3376، بتاريخ 1977/07/13، ص 4042.
– الحسن البوعيسي: الوسيط في قانون القضاء العسكري، الطبعة الأولى 2011، ص 35 و36.
– ظهير رقم 1.14.187 صادر بتاريخ 10/12/2014 بتنفيذ القانون رقم 13-108، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6322 بتاريخ 01/01/2015، ص 5.
-ظهير رقم 1.12.23 صادر بتاريخ 04/09/2012، المتعلق بتنفيذ قانون رقم 12/01 المتعلق بالضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين بالقوات المسلحة الملكية.
– ظهير رقم 1.15.80 صادر بتاريخ 04 أغسطس 2015، يتعلق بالنظام الأساسي الخاص بالقضاة العسكريين وبالنظام الأساسي الخاص بالضباط كتاب الضبط وضباط الصف مستكتبي الضبط وبسن أحكام خاصة، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6398 الصادرة بتاريخ 24 أيلول 2015.
– المادة 6 من النظام الأساسي الخاص بالقضاة العسكريين.
– المادة 7 من النظام الأساسي الخاص بالقضاة العسكريين.
– المادة 8 من النظام الأساسي الخاص بالقضاة العسكريين.
– بحسب المادة 10 من النظام الأساسي للقضاة العسكريين فان الملحقين القضائيين العسكريين يجتازون على إثر تكوينهم القضائي، امتحان نهاية التكوين. وعلى ضوء نتائجه يدمج الضباط العسكريون الذين اجتازوا بنجاح امتحان نهاية التكوين في سلك القضاء العسكري بنفس الرتبة العسكرية التي يحملونها مع احتفاظهم بنفس الأقدمية. ويعينون، بهذه الصفة، قضاة عسكريين بالمحكمة العسكرية بظهير شريف. أما الضباط العسكريون غير الناجحين في الامتحان المذكور، فيعاد إدماجهم في سلكهم الأصلي. المادة 11.
– المواد 14 و15 و16 من قانون القضاء العسكري.
-المقصود به القانون رقم 2.71 بتاريخ 26/07/1971، يغير ويتمم ظهير رقم 270.56.1 بتاريخ 10/11/1956 المتعلق بقانون العدل العسكري، منشور بالجريدة الرسمية عدد 3065، بتاريخ 28 يوليوز 1971، ص 1730.
– من بين هذه المبادرات مذكرة 10 جمعيات حول إصلاح القضاء، يونيو 2010.