إثر الانتخابات النيابية سجلت ثلاث هيئات رقابية محلية، على رأسها الجمعية اللبنانية لأجل ديمقراطية الإنتخابات (لادي)، وقوع نحو 950 مخالفة في يوم الإقتراع في 6 أيار 2018، بينما إنحازت هيئتان رقابيتان دوليتان هما بعثة الإتحاد الأوروبي والمعهد الديمقراطي الوطني إلى لحظ الأجواء الإيجابية التي جرى فيها الإستحاق الديمقراطي في لبنان بعد تسع سنوات على أخر إنتخابات جرت في البلاد (2009) مدد مجلس النواب خلالها لنفسه مرتين.
وفيما اقتصر تقرير أولي لبعثة الإتحاد الأوروبي على ملاحظات عامة بانتظار إصدارها تقريراً مفصلاً بعد نحو شهرين، لم يخل تقرير المعهد الديمقراطي الوطني NDI من البعد السياسي في التقييم، ومن بينها إشارته إلى حزب الله كإحدى "المجموعات المسلّحة التي يقيّد حضورها ومشاركتها في العمل السياسي حصول تغييرات جذرية أو تحوّلات في السلطة"، مع القول أنه، أي حزب الله "أبدى استعداده لاستخدام القوة بمثابة تقويض للعملية السياسية"، وهو ما لم تذكره أي من الهيئات الرقابية الأخرى. كما أن المعهد ذكر منطقة الجنوب تحديدا كإحدى المناطق التي شهد فيها المراقبون على حصول عمليات شراء أصوات، مع العلم أن اللادي لم تعلن عن حالات الرشى المشكوك بحصولها(نحو 13 حالة) نظراً لإستمرار التحقق من صحتها.
واعتبرت كبيرة مراقبي بعثة الإتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات في لبنان لعام 2018 إيلينا فالنسيانو أن الإنتخابات "جرت على نحو جيد لكنها تحتاج إلى إصلاحات". وأشارت إلى عدم تضمين تدابير إيجابية في قانون الإنتخاب الذي أتفق عليه في 2017 لجهة تسهيل مشاركة المرأة في السياسة في لبنان، معتبرة أنه وبرغم وصول ست نساء إلى البرلمان وترشح 86 "هناك مجال لمزيد من التمثيل".
ودعت فالنسيانو وهي عضوة في البرلمان الأوروبي من إسبانيا، إلى "تعزيز صلاحيات هيئة الإشراف على الإنتخابات في مجالي الرقابة والمعاقبة" واعدة بتوصيات "يمكن أن تحسن القوانين وتنفيذها والتحكم بالإنفاق على الحملات مما يجعل الميدان أكثر عدالة للجميع".
ووافق رئيس بعثة البرلمان الأوروبي خوسيه إغناسيو سالافرانكا، على مجمل ملاحظات فالنسيانو ومن بينها "ضمان شفافية تمويل الحملات الانتخابية وتحديد إطار يجنب تضارب المصالح ويسمح بالتوازن الإعلامي". وأثنى على سير الإنتخابات بشكل جيد وهادئ برغم إنخفاض نسبة المشاركة عند الشباب مقارنة بالعام 2009. وسلط سالافرانكا الضوء على إيجابيات عدة يتعلق بعضها بدور القوى الأمنية، مشدداً على أهمية "تمثيل المرأة لا سيما في البرلمان، وعلى إصلاح القانون المتعلق بنقل نساء لبنان للجنسية اللبنانية والذي لم يتم النظر به حتى الآن".
المعهد الديمقراطي الوطني NDI
كما بعثة الإتحاد ألأوروبي، رأى المعهد الديمقراطي الوطني، المقرب من الحزب الديمقراطي الأميركي، في مؤتمر صحافي عقده في 7 أيار 2018، أن الإنتخابات جرت بشكل سليم وهادئ.
يعمل المعهد في لبنان منذ العام 1998. وصار له مكتب دائم في بيروت منذ العام 2000 ويعرّف عن نفسه أنه يلعب دوراً في تقديم المساعدة التقنية لمراقبي الإنتخابات المحليين، ومجالات إستطلاعات الرأي للأحزاب السياسية كافة، ومشاركة المرأة في الحياة السياسية. شكل المعهد هذا العام لجنة مؤلفة من 32 فرداً، من قادة وسياسيين ومدنيين وخبراء في شؤون الإنتخابات، جاءوا من 13 بلداً من الشرق الأوسط، وأفريقيا وأميركا الشمالية. إنضم هؤلاء إلى وفد بعثة المعهد لمراقبة الإنتخابات من آذار 2018. ووزع المعهد 15 فريقاً بين مختلف الدوائر الإنتخابية، لمراقبة عمليتي التصويت وإحتساب الأصوات في أكثر من 150 قلم إقتراع.
استنتاجات الوفد وملاحظاته في يوم الاقتراع
لحظ المعهد إيجابيات عدة ومنها التحسينات التي رافقت إقرار النظام النسبي ومنها بطاقات الإقتراع المطبوعة مسبقاُ. بالمقابل، إعتبر أن نظام الإقتراع في لبنان لا يحتمل تغييرات جذرية أو تحولات في السلطة، بسبب التوزيع الطائفي للمقاعد النيابية وبسبب وجود جماعات مسلحة تشارك في العمل السياسي. وبالنسبة لمراقبيه، فأن القانون بصيغته النهائية قد جمع بين التمثيل النسبي والطائفي، وتم إعتماد الصوت التفضيلي على نحو يحافظ على إستمرار الوضع السياسي الراهن. لذا يرى المعهد أن بعض اللبنانيين وجدوا أنفسهم خارج اللعبة السياسية لغياب نقاش وطني موسع يفسر مضامين القانون.
سير العملية الانتخابية:
وبرغم تقييمه لعملية الاقتراع بأنها "جرت بشكل هادئ عموماً"، يشير تقرير المعهد إلى بعض الإشكالات التي حصلت بين مناصري الأحزاب والمرشحين، وبعض الخروقات أثناء عملية الاقتراع والتي تتصل باستعمال الهواتف الخليوية داخل أقلام الاقتراع، والتقصير في التحقق من صحة بطاقات الإقتراع، ومن خلو أصابع الناخبين من الحبر قبل السماح لهم بالتصويت". في حالات أخرى، رصد المعهد عدم الطلب من الناخبين التوقيع على لوائح الشطب في حين تخلف المسؤولون أحياناً من التحقق من عدد بطاقات الإقتراع والمغلفات قبل فتح الصناديق.
وفي حين سجلت جمعيات محلية ملاحظات على التأخر في إفتتاح صناديق الإقتراع في الصباح، يلفت المعهد إلى "أن حالات التأخر المسجلة كانت بسيطة". في المقابل، يسجل حالات نقص ببطاقات الإقتراع مقارنة بعدد الناخبين المسجلين، بالإضافة إلى النقص بالمعدات الإنتخابية اللازمة لإحتساب الأصوات، وإلى إرسال صناديق غير مرمزة أو مختومة لبعض أقلام الإقتراع.
ويرى في تقريره أنه تم، بشكل عام، الحفاظ على أمن اللوازم الانتخابية، لكنه عاد وسجل ملاحظات على موظفين تخلفوا عن الحفاظ على أمن اللوازم أثناء عملية إحتساب الأصوات.
إضافة إلى ذلك، رصد المعهد ملاحظات أخرى وهي: النقص في الثقافة الإنتخابية اللازمة لتطبيق إجراءات فتح صناديق الإقتراع، وعملية إحتساب الأصوات، كما إختارت بعض الأقلام عدم إستخدام الكاميرات والشاشات لعرض بطاقات الإقتراع أثناء عملية إحتساب ألأصوات، وحصول إشكالات بشأن صحة بعض بطاقات الإقتراع في العديد من الأقلام، تدخل أفراد في عملية الإقتراع أو تقديم التوجيهات بشأنها بالرغم من أنهم غير مفوضين بذلك، خرق سرية الإقتراع حيث وضعت المعازل بطريقة لا تضمن خصوصية الناخب، وفي حالات أخرى كشف الناخبون عن خياراتهم بملئ إراداتهم، وقد تكررت ظواهر وجود أكثر من ناخب وراء العازل. ومما عزز القلق أكثر أنه تمت الإستعانة بالشخص نفسه أكثر من مرة لمساعدة ذوي الإعاقة والمسنين في الإقتراع. إضافة إلى ذلك، رصدت محاولات تأثير على خيارات الناخبين من قبل مندوبي الأحزاب.
كما يؤكد المعهد على النقص في التجهيزات اللازمة لوصول الأشخاص المعوقين إلى أقلام الإقتراع، الأمر الذي قلص من نسبة مشاركتهم.
تنظيم الحملات
لاحظ مراقبو المعهد وجود مواد الحملات الإنتخابية على المباني المقابلة لمراكز الإقتراع، بالإضافة إلى مكبرات الصوت التي تصدر من السيارات خارج مركز الإقتراع مباشرة مرفقة بوجود أعلام حزبية وشعارات كثيفة. ويلفت التقرير إلى وجود مندوبي مرشحين يقومون بتوجيه الناخبين للتصويت لإسم معين، كما حصول حالات رشاوى إنتخابية لشراء الأصوات.
التوصيات
يوصي المعهد ب:
– تنظيم مشاورات شاملة بين المعنيين بمن فيهم السلطات والسياسيون وأفراد من المجتمع المدني والإعلاميون، لأجل تحليل الإنتخابات وتعزيز الشفافية في العمليات الإصلاحية المقبلة. كما أنه على القادة السياسيين في المجلس الجديد مضاعفة الجهود من أجل فهم مخاوف المواطنين ومعالجتها.
– تعزيز الإطار الإنتخابي عبر تعزيز إستقلالية هيئة الإشراف على الإنتخابات بما يخدم تعزيز الثقة في إدارة الإنتخابات دون انحياز سياسي، وتحقيق تمثيل متساو بين الناخبين في البرلمان، وإعادة التوازن بطريقة توزيع الناخبين لكل مقعد، وتحسين القواعد المتعلقة بتنظيم الإنتخابات كي لا تكون سهلة للخرق، وإدخال إصلاحات لتأمين وصول الأشخاص المعوقين والمسنين دون عوائق إلى مراكز الإقتراع.
– تحسين قدرات هيئة الإشراف على الإنتخابات من حيث مراقبة الإنفاق الإنتخابي، وملاحقة المرشحين الذين ينتهكون القانون. وأيضاً، لناحية دورها بالتثقيف الإنتخابي للناخبين، وتدريب المدققين الماليين في فترة الحملة الإنتخابية وتشجيع المرشحين على التقيد بها.
– وضع كوتا نسائية لتشجيع المرأة على الدخول إلى الصرح السياسي، كما تشجيع مشاركة الشباب وخفض سن الإقتراع والعضوية في البرلمان.
– تعزيز ثقة المواطنين في المؤسسات السياسية، ووضع الحلول المناسبة لمعالجة مخاوف المواطنين وتمكنهم من تقييم اداء السياسيين. بالإضافة إلى تعزيز دور النواب في صياغة السياسات والقوانين، ودعم مبادرات التوعية المدنية الموجهة إلى الشباب، وأخذ المجتمع المدني دوره بالإستفادة من الفرصة لإحداث التغيير بعد الإنتخابات نظراً لإنجازاته المتواضعة المتمثلة بالقانون الجديد.