بتاريخ 7/7/2015، أصدرت المؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الانسان (لايف) التقرير الثاني لها حول الأوضاع القانونية والحقوقية للاجئين السوريين في لبنان خلال مؤتمر صحافي عقد في فندق الرمادا بلازا-بيروت. يأتي هذا التقرير بعد مرور قرابة العامين على اصدار تقريرها الأول حول أوضاع اللاجئين السوريين القانونية والحقوقية في لبنان الذي نشر بتاريخ 15/1/2013. وقد اعتبرت المؤسسة أن السوريين "وقعوا في كماشة مميتة بين واقع خطير في سوريا هربوا منه وواقع مرير في لبنان لا يستطعون تركه بسبب معوقات قانونية عديدة ليس أقلها انتهاء صلاحية جوازات سفرهم أو عدم امتلاكهم لجواز سفر من أصله يمكنهم من ترك هذا البلد الى مكان آخر يجدون فيه الأمن والحماية لأنفسهم ولعائلاتهم".
وينقسم التقرير الى قسمين: (1) الانتهاكات التي يتعرض لها السوريون في لبنان و(2) التوصيات الموجهة للسلطات اللبنانية والمجتمع الدولي. وقد اعتمدت المؤسسة في تقريرها على عدد من المصادر منها "الشكاوى التي تلقتها من الضحايا أو ذويهم أو أقاربهم. مندوب المؤسسة في المحافظات ومناطق تواجد اللاجئين. سجلات المحاكم اللبنانية. التقارير الامنية والبيانات العسكرية. التقارير الصحافية الخاصة فضلا عن البيانات والتصريحات الصادرة عن الحكومة الللبنانية وأجهزتها الرسمية".
وقد قام المدير التنفيذي للمؤسسة المحامي نبيل الحلبي بتقديم موجز عن التقرير فبدأ بعرض العناوين العريضة منطلقاً من الأقل جسامة كالعنصرية الى الأكثر جسامة كالقتل خارج القانون والخطف والإخفاء القسري.
يرى التقرير أن العنصرية تنامت تجاه اللاجئين "بعد هجوم المسلحين السوريين على مواقع الجيش اللبناني في بلدة عرسال (البقاع الشمالي)، مطلع آب2014 وعملية أسر عناصر للجيش وقوى الأمن اللبناني". وتجلّى هذا الامر من خلال التدابير التي اتخذتها عدد من البلديات في المناطق اللبنانية التي فرضت على السوريين حظر تجوال في ساعات معينة ناهيك عن رفض تسجيل عقود ايجار شقق سكنية كانوا قد استأجروها. ورأت المؤسسة أنه منذ اندلاع الازمة في سوريا اعتمدت الحكومة اللبنانية سياسة النأي بالنفس عن هذا الموضوع. الا انها فتحت أبوابها للاجئين وعندما شعرت ان الامور تفلت من يدها بدأت بإتخاذ سلسلة من القرارات والتدابير الصارمة وأحيانا غير انسانية ضد اللاجئين السوريين بشكل عام.
الا ان "لايف" تجد ان ما انتهجته الحكومة اللبنانية من سلوك وأصدرته من قرارات لا يقف عند حدود التدابير اللاإنسانية وانما يندرج ضمن اطار التمييز المبني بالدرجة الاولى على أساس سياسي. فقد اعتبرت المؤسسة ان الحكومة اللبنانية بمختلف أجهزتها "تستهدف اللاجئين المعارضين للنظام الحاكم في بلدهم دون نظرائهم الموالين للحكومة السورية". ومن دون استبعاد صحة هذه الفرضية ولو بنسبة معينة، فانه تجدر الاشارة الى أن التقرير لا يعطي أسنادا كافية لها. وقد اقتصرت الأدلة المعطاة في التقرير لذلك على أنه "منذ نيسان 2011 تقوم الأجهزة الأمنية اللبنانية لاسيما جهازيّ مخابرات الجيش والامن العام بإعتقال اللاجئين السوريين على خلفية دخولهم الأراضي اللبنانية عبر المعابر غير النظامية". وكأنما التقرير يفترض ان جميع الداخلين عبر المعابر غير النظامية هم من مناصري المعارضة للنظام السوري. كما يلفت في غير مكان الى وجود تواطؤ ما بين أجهزة الدولة اللبنانية وأجهزة تابعة للنظام السوري من أجل قمع النشطاء السوريين المعارضين.
ومن أبرز الانتهاكات التي تناولها التقرير، انتهاك الحق في العمل. فالحكومة اللبنانية "أوعزت الى جهاز الامن العام اللبناني بإلزام أي لاجئ سوري يريد تجديد إقامته في لبنان بالتوقيع على تعهد بعدم العمل تحت طائلة عدم تجديد إقامته في لبنان وترحيله". وفي هذا السياق يتحدث الحلبي قائلاً: "نحن امام خطاب من قبل الحكومة اللبنانية يقول بأننا نحمي اليد العاملة الوطنية وهذا حق سيادي ولكن نحن في موضوع اللاجئين السوريين لا يمكننا ان نضع جانباً ان هذا اللاجئ لا يملك أدنى مقومات الرزق والصمود والامن الغذائي في حين انه تصدر كل فترة عن منظمة الأغذية العالمية والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين بتخفيض المساعدات والتقديمات الى النصف فماذا سيفعل اللاجئ؟".
وفي موضوع الحق بالعناية الطبية، يشير التقرير الى ان المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لا تغطي سوى 75% من فاتورة الاستشفاء فيما الباقي يقع على عاتق اللاجئ السوري. كما أن هذه التغطية لا تشمل جميع السوريين ولا تشمل الأمراض المستعصية كالتلاسيميا والسرطان وغسيل الكلى. ويلفت الحلبي الى ان: "بعض اللاجئين كانوا يقصدون سوريا لتلقي العلاج حيث الطبابة هي في معظم الاحيان مجانية او اقل كلفة. ولكن بعد قرار الامن العام في 31/12/2014 والشروط القاسية التي وضعها لم يعد بمقدور اللاجئ الخروج من لبنان خوفا من عدم العودة. وينسحب هذا الامر على طلاب الشهادات الرسمية الذين لم يعد بإمكانهم الذهاب الى سوريا لإجرائها. وبالتالي، بات لدينا انتهاكات مركبة وتتضاعف دون العثور على حل لا من المجتمع الدولي ولا من الحكومة اللبنانية".
وبالنسبة للانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها اللاجئ اللاحقة بالسلامة الجسدية، يذكر التقرير مسألة القتل خارج القانون. ويشير التقرير الى أن مؤسسة "لايف" قد تلقت شكاوى عن حالات قتل عمداً للاجئين. الا انه لم يتم نشرها لعدم قدرة الشهود السوريين على تقديم إفاداتهم وشهاداتهم بشكل علني. لكن المؤسسة تؤكد "ان عمليات انتقام جماعية حصلت على يد القوات المسلحة اللبنانية وبعض الاجهزة الامنية اللبنانية ضد اللاجئين السوريين في مناطق مختلفة بعد أحداث عرسال تراوحت بين القتل خارج القانون وحملات اعتقال عشوائية وتفكيك للمخيمات وعمليات ضرب وتعذيب لم تستثن نساء وأطفالاً وكبار سن ومرضى".
وفي موضوع الخطف والإخفاء القسري، جرى الحديث عن عمليات خطف تمت بالتعاون والتنسيق بين السفارة السورية في لبنان وعناصر امنية لبنانية. وقد أسفرت هذه العمليات عن خطف معارضين سوريين وعناصر منشقين عن القوات الحكومية السورية. وأشار الحلبي أن مؤسسة "لايف" "سجلت خطف عشرات اللاجئين السوريين من قبل ميليشيات لبنانية موالية للحكومة السورية بهدف تبادل هؤلاء مع مقاتلين لهم سقطوا أسرى لدى المعارضة السورية المسلحة".
ويرى التقرير ان الحكومة اللبنانية أخلت بإلتزاماتها حين تعهدت بعدم إجبار اللاجئين السوريين على العودة قسراً الى سوريا لأن الامن العام اللبناني "قام بعمليات تسليم نشطاء سوريين لاجئين الى الامن السوري كما قام بعمليات ترحيل قسرية للاجئين الى ما بعد نقطة المصنع الحدودية" وفي ذلك مخالفة للمادة الثالثة من اتفاقية مناهضة التعذيب التي تنص على انه "لايجوز لاية دولة طرف ان تطرد أي شخص او تعيده او ان تسلمه الى دولة أخرى اذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو الى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب".
كما يتناول موضوع التعذيب الذي يتعرض له الموقوفون السوريون على ايدي الأجهزة الامنية فيذكر ان "جهاز مخابرات الجيش اللبناني يحتل المرتبة الأولى في هذا المجال حيث يمارس التعذيب الممنهج ضد الموقوفين" كما يعرض لصور تظهر أشخاصا تبدو على أجسادهم علامات تعذيب. وفي هذا السياق، يستطرد الحلبي ليتحدث عن فيديوهات التعذيب التي انتشرت مؤخرا عبر مواقع التواصل الإجتماعي فيقول: "ان التعذيب الذي حصل داخل سجن رومية لم يكن ضد لبنانيين وحسب وانما ايضاً كان هناك تعذيب للاجئين سوريين خالفوا قواعد وشروط الاقامة وهم موجودون داخل سجن رومية وتعرضوا للتعذيب والتنكيل". ولفت الى ان "تعذيب اللاجئ السوري له شقّان: التعذيب لانتزاع الاعترافات أثناء التحقيق الأولي والتعذيب من أجل التشفي والانتقام السياسي وهذه أخطرها".
وفيما خص الاعتقال التعسفي، يشير التقرير الى انه "تستند الاستخبارات العسكرية اللبنانية والأمن العام اللبنانين في عملية الاعتقال على ما يسمى بـ"وثائق الاتصال" أو "مذكرات الاخضاع"، على الرغم من قرار مجلس الوزراء اللبناني بتاريخ 24 تموز 2014 والذي ألغى بموجبه العمل بوثائق الاتصال وإخضاع أعمال الأجهزة الامنية للقانون. الاّ ان جهازي الأمن العام اللبناني ومخابرات الجيش اللبناني بقيا يستندان عليها من أجل اعتقال الأشخاص". ويقول الحلبي"ان وثيقة الاتصال هي اخبارية وقد تكون صحيحة او غير صحيحة وهي خارج نطاق القضاء وهذا يعني انه بمجرد القول ان هذا اللاجئ يتبع منظمة ارهابية فورا يتم اعتقاله خارج نطاق القضاء والتحقيق معه تحت التعذيب ومن ثم قد تمتد الفترة لأشهر وقد تدعي عليه النيابة العامة وفقاً للتحقيق الأولي الذي استخرج تحت التعذيب".
ختام التقرير كان بمجموعة من التوصيات الموجهة الى السلطات اللبنانية الثلاث الحكومية والتشريعة والقضائية فضلا عن توصيات الى المجتمع الدولي بإعتبار ان ملف اللاجئن السوريين بات أزمة عالمية. ومن أبرز التوصيات "ان تقوم الدول القادرة على تقاسم أعداد اللاجئين السوريين مع دول الجوار السوري والعمل على تعزيز حماية اللاجئين وعدم تعريضهم للخطر ان كانوا في داخل سوريا أو في دول اللجوء المجاورة او من خلال استغلالهم من قبل عصابات الاتجار بالاشخاص وعصابات تهريب الاشخاص".
ورداً على سؤال "المفكرة" حول عدد الشكاوى التي قدّمت الى المؤسسة وان تم التثبت من صحتها او شهدت فروقات واضحة، أجاب الحلبي: "ان تدفق اللاجئين السوريين شهد ارتفاعاً منذ 16/1/2013 وقد رافق ذلك بطبيعة الحال ارتفاع في عدد الشكاوى من انتهاكات كبيرة قمنا بوضعها في التقرير اتخذت شكلا ثأريا وانتقاميا ضد مجتمع اللاجئين السوريين كما كنا أمام عقوبات جماعية. نحن لا نأخذ كل الشكاوى التي نتلقاها بجدية قبل ان نقوم بالرصد واجراء التحقيقات الخاصة. فهناك العديد من الشكاوى التي نعتقد بصحتها ولكن أحيانا الضحية لا تتعاون في عملية الشهادة واعطاء الافادة. فنفضل عدم ذكرها في التقرير ولكن هذا لا يعني انها لم تحصل".
واكد الحلبي ان:"ما ذكر في التقرير هي شهادات موثقة جرى التحقق منها من قبل المكتب القانوني للمؤسسة اضافة الى انه تم أخذ إفادات من الضحية نفسها وأقربائها كما ان المؤسسة تعتمد على ما يسمى "بشهود الرابطة" الذين يكونون من موظفي الامن نفسهم الذين يعطوننا الأخبار فليس كل الأمن سيئا وهناك عناصر لديها انضباطية وتعتبر ان التعذيب مرفوض".
وعن الصعوبات التي رافقت اعداد التقرير وان تم التعاون مع جهات حكومية في هذا الأمر أجاب: "ان كون المكتب القانوني لمؤسسة "لايف" مؤلفا من محامين يتمتعون بحصانة معينة ويمكنهم الاطلاع على سجلات معينة في المحاكم ولدى مراكز الشرطة دون ان يتعرض لهم أحد او يكونوا عرضة للاعتقال او التهديد يسهل الأمر". تابع:" بالنسبة الى السلطات اللبنانية فقد كان تعاطيها معنا سلبيا فقد كنا نحمل اليها الشكاوى دون ان يتم اجراء تحقيقات حولها. ففيما خص التعذيب في سجن رومية لقد عقدنا مؤتمرا في نيسان 2015 تحدثنا فيه عن 57 حالة تعذيب داخل هذا السجن وطالبنا السلطات المعنية بإجراء التحقيق فأاطل وزير الداخلية ونفى الأمر ثم ليعود منذ فترة ويقدم اعتذاره".
وختم:" ان هذا الامر يشير الى ان الحكومة اللبنانية لا تعير موضوع الحقوق الانسان بشكل عام الأولوية بل تعده من الكماليات وهذا الأمر يأتي من نظرة وخلفية عنصرية للحكومة اللبنانية".