منذ مؤتمر نصرة سوريا الذي اقيم في استاد القاهرة يوم 15 يونيو/حزيران 2013، بدأ الحديث عن اللاجئين السوريين في مصر تزداد حدته، ويأخذ طابعا "سياسيا". فقد ادعى البعض أن اللاجئين السوريين في مصر يقفون بجانب جماعة الاخوان المسلمين ضد رغبة الشعب المصري، وقد روج الاعلام المصري لهذه الفكرة خاصة بعد القبض على بعض السوريين في مظاهرات مؤيدة للرئيس السابق محمد مرسي[1].
ولكن، في الآونة الأخيرة، تعدى الموضوع كونه مجرد حديث في وسائل الاعلام الى انتهاكات تمارسها قوات الأمن المصرية فعليا في حق اللاجئين السوريين. وهذا الأمر يدعونا للتساؤل: هل تقوم الدولة المصرية بإنزال عقاب جماعي بحق اللاجئين السوريين بسبب انتماءات بعضهم السياسية أو بسبب انتماء الاخوان المسلمين في سوريا للمعارضة السورية؟ وهل تدفع الأقليات والفئات المهمشة في مصر ثمن الصراع السياسي؟
تخبط القرارات المصرية بشأن دخول واقامة اللاجئين السوريين على الأراضي المصرية.
مع اندلاع الأزمة السورية وبدء تدفق اللاجئين السوريين على البلاد المجاورة ومنها مصر، لم تجر الدولة المصرية في ظل حكم الأخوان أي تغيير بشأن إمكانية دخول هؤلاء الى مصر من دون حاجة الى تأشيرة. ولكن بعد مظاهرات 30 يونيو وعزل الرئيس السابق محمد مرسي، أصدرت الحكومة المصرية في 8 يوليو/تموز 2013 قرارا يشترط حصول المواطن السوري على تأشيرة دخول قبل قدومه الى مصر. الجدير بالذكر أن هذا القرار صدر بشكل مفاجيء وتم تطبيقه على ركاب طائرة الخطوط السورية القادمة من اللاذقية الى مصر في نفس يوم والتي كانت في الجو عند صدور القرار[2].
وهنا نتساءل، كيف للسلطات المصرية أن تطبق قرارا على سوريين لم يبلغوا بالقرار لصدوره بعد مغادرتهم الأراضي السورية؟ لقد تجاهلت السلطات المصرية مبادئ القانون الخاصة بضرورة نشر القرار وتبليغه قبل تطبيقه. بالاضافة الى ذلك، رفضت السلطات المصرية دخول ركاب الطائرة لعدم حصولهم على تأشيرة دخول، أى انها قامت بترحيلهم واعادة الطائرة الى اللاذقية[3]! أى انها قامت بعقاب المواطنين السوريين بسبب خطأ ارتكبته هى!
كما أنها خالفت التزامتها الدولية كونها موقعة على الاتفاقية الخاصة باللاجئين لعام 1951[4] والاتفاقية الخاصة بمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللانسانية أو المهنية لعام [5]1984. فقد قامت مصر باعادة الركاب السوريين الى سوريا مخالفة بذلك مبدأ عدم الاعادة القسرية المنصوص عليه في المادة 33 من اتفاقية اللاجئين والمادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب.
فقد نصت المادة 33 من اتفاقية اللاجئين لعام 1951 على :"1-لا يجوز لاى دولة متعاقدة أن تطرد لاجئا أو ترده باية صورة من الصور الى حدود الاقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه الى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية." ونصت المادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 على "1-لا يجوز لأى دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده (أن ترده) أو أت تسلمه الى دولة أخرى، اذا توافرت لديها أسباب حقيقة تدعو الى الاعتقاد بانه سيكون في خطر التعرض للتعذيب."
أما فيما يخص اقامة اللاجئين السوريين على الأراضي المصرية، فقد أصدر الرئيس السابق محمد مرسي قرارا بالسماح للاجئين السوريين بالاقامة في مصر دون الحاجة الى أى اجراءات رسمية، ولكن بعد مظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013، قررت السلطات المصرية الغاء هذا القرار والعودة الى الاجراءات المعتادة. وقد أدى صدور هذا القرار الى تعريض الالاف من السوريين في مصر الى الترحيل في أى وقت بتهمة الاقامة غير الشرعية، وقد قامت فعلا السلطات المصرية بترحيل 20 سوري في أغسطس/أب 2013 بسبب انتهاء أذن الاقامة أو منع تجديده أو عدم الحصول عليه[6].
وللمرة الثانية، تقوم السلطات المصرية بمحاسبة اللاجئين السوريين على التخبط في قراراتها.
وهنا نشير الى أن السلطات المصرية بررت اتخاذ هذه القرارات لحفظ الأمن والاستقرار لمواطنيها، ولكننا نتساءل، هل كل الاجراءات التي اتخذها الرئيس السابق محمد مرسي من شأنها الاضرار بالأمن المصري؟ أم هكذا تريد السلطات المصرية الحالية أن تصور الوضع؟
الحشد الاعلامي ضد اللاجئين السوريين: اداة السلطة لتبرير قراراتها
منذ اتخاذ السلطات المصرية قرار اشتراط الحصول على تأشيرة دخول للسوريين، بدأت وسائل الاعلام المختلفة بانتهاج خطاب عنصري تحريضي ضد اللاجئين السوريين في مصر. فقد اتهمت وسائل الاعلام المختلفة السوريين المقيمين في مصر بدعم الرئيس السابق محمد مرسي، وبأنهم هم المعتصمون بميدان رابعة العدوية، كما اتهموا النساء السوريات بتطبيق فتوى "جهاد النكاح" في ميدان رابعة العدوية لتشجيع المعتصمين على مواصلة الاعتصام ودعم الرئيس السابق محمد مرسي[7]. وقد جاء هذا الخطاب الاعلامي وسط تحشيد اعلامي ضد المعتصمين برابعة العدوية والمناصرين لعودة الرئيس السابق محمد مرسي ووصفهم بالارهابيين والمخربين وغيرها من الصفات، مما أدى الى تعرض بعض اللاجئين السوريين في مصر الى اعتداءات جسدية ولفظية[8].
تزامن هذا الخطاب الاعلامي مع قرارات السلطات المصرية المقيدة لدخول واقامة اللاجئين يجعلنا نعتقد أن الاعلام كان وسيلة السلطة لتبرير قراراتها أمام الرأى العام، بل وتشجيع الرأى العام لقبول هذه القرارات وتأييدها.
والدليل على ذلك أنه لم يصدر اى ادانة رسمية أو من نقابة الصحفيين لهذا السلوك التحريضي في الاعلام[9]، ونعتقد أن السبب في ذلك هو الصراع السياسي الدائر في مصر حاليا والذي يجعل الأشخاص المدافعين عن الحقوق والحريات لفئات معينة في وضع اتهام ب"تهمة مناصرة جماعة الأخوان المسلمين".
فعلى سبيل المثال تم اعتقال 72 سوري يومى 19 و20 سبتمبر/أيلول 2013 عشوائيا؛ فقد تم انزالهم من الأتوبيسات وميكروباصات، دون أى تهمة ودون أمر بالقبض عليهم، في كمائن لقوات الأمن المصرية[10]. كما تم القبض على أطفال استغلتهم جماعة الأحوان المسلمين في أحداث اعتصام رابعة العدوية مقابل اعطاء أسرهم مقابل مادي لتوفير حاجاتهم الأساسية، وبدلا من أن تقوم السلطات المصرية بحماية هؤلاء الأطفال من الاستغلال ومعاقبة من يقومون بالاتجار بهم، قامت باحتجازهم في مؤسسة المرج العقابية وكانت تنوي ترحيلهم الى لبنان، الأردن أو تركيا[11] في انتهاك واضح لحقوق الطفل. وقد حصل كل ذلك، من دون أن تدين وسائل الاعلام هذه الممارسات بل أن البعض اعتبرها ضرورية في الوقت الحاضر، وقد طالب الائتلاف المصري لحقوق الطفل، على أثر هذه الواقعة، الاعلام المصري برفع الوعي المجتمعي تجاه وضع السوريين في مصر.
احتجاز اللاجئين السوريين دون أمر قانوني: اعتقال تعسفي على اساس الجنسية!
كما أشرنا أعلاه، قامت السلطات المصرية باعتقال بعض اللاجئين السوريين دون أى تهم موجهة إليهم ودون أمر بالقبض، ولكن بسبب جنسيتهم.
بالاضافة الى ذلك، فقد تم في شهر سبتمبر/ايلول 2013، احتجاز عدد من السوريين دون أمر قانوني وبعضهم مسجل لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين[12]. كما لم تسهل السلطات المصرية مقابلة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين معهم.
ونظرا لكل هذه الانتهاكات السابق ذكرها، حاول عدد من السوريين الهرب من مصر عن طريق الهجرة غير الشرعية، فقامت السلطات المصرية بالقبض عليهم واحتجازهم يومى 11 و27 سبتمبر/ايلول 2013[13] بتهمة الهجرة غير الشرعية. وبعد عرضهم على النيابة العامة، قررت النيابة العامة الافراج عنهم لعدم ثبوت أى جريمة في حقهم، ولكن، طبقا للمحامين التابعين للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، استمر احتجازهم بسبب صدور قرار من الأمن الوطني باستمرار حبسهم وترحيلهم الى سوريا أو لبنان أو تركيا. جاء هذا القرار من الأمن الوطني دون أى سند قانوني واضح، فقرار النيابة العامة يقضي بالافراج الفوري عنهم، كما أن بعضهم يحمل اقامة قانونية داخل مصر. بالاضافة الى ذلك تنتهك السلطات المصرية أبسط حقوق الانسان الخاصة بحق الدفاع والمحاكمة العادلة؛ فقد تم التضييق على مقابلة المحامين للمحتجزين كما تم منعهم من الاطلاع على المحاضر[14]، كما تتقاعس مصر عن تنفيذ التزاماتها الدولية طبقا لاتفاقية اللاجئين لعام 1951، كما تخالف مبدأ عدم الاعادة القسرية كما ذكرنا أعلاه.
وهنا نتساءل، ما هى سلطات الأمن الوطني حتى يخالف أمر صادر عن النيابة العامة؟ وهل تشهد مصر العودة الى حقبة أمن الدولة؟ خصوصا، وأن المعلومات والتسريبات تشير الى أن الأمن الوطني هو من يتولى ملف اللاجئين السوريين بالكامل بما يتضمنه من تاشيرات الدخول، التي تعد من اختصاص وزارة الخارجية، والموافقة على منح الاقامات وتجديدها وما الى ذلك[15].
كما نتسائل عن دور المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في حماية اللاجئين السوريين خصوصا وأن التقارير والبيانات الصادرة عن منظمات المجتمع المدني المختلفة تؤكد خضوع المحتجزين من السوريين الى ظروف احتجاز قاسية وغير انسانية.
[1] راجع "بين شقي رحى..تقرير عن أوضاع اللاجئين السوريين بالأسكندرية"، صادر عن المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بتاريخ 5 أكتوبر/تشرين أول 2013.
[2] راجع اللجنة السورية لحقوق الانسان، "تقرير عن أوضاع اللاجئين السوريين في مصر"، نشر في 13 أغسطس/أب 2013.
[3] راجع نادر العطار، "اللاجئون السوريون في مصر: مأساة وطن وشعب"، نشر في "المنشور-المنتدى الاشتراكي"، بتاريخ 16 سبتمبر/أيلول 2013.
[4] مصر منضمة لاتفاقية اللاجئين لعام 1951، وكذلك لبروتوكول 1967 حسب الموقع الرسمي للمفوضية العليا لشئون اللاجئين.
[5] تم نشر القرار الجكهوري بشأن الموافقة على اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1967 في العدد الأول من الجريدة الرسمية بتاريخ 7/1/1988.
[6] راجع البيان الصادر عن المنظمة العربية لمعلومات حقوق الانسان في 3 أغسطس/اب 2013.
[7] راجع اللجنة السورية لحقوق الانسان، "تقرير حول أوضاع اللاجئين السوريين في مصرط، نشر بتاريخ 13 أغسطس/أب 2013.
[10] راجع نادر العطار، "اللاجئون السوريون في مصر: مأساة وطن وشعب"، نشر في "المنشور-المنتدى الاشتراكي"، بتاريخ 16 سبتمبر/أيلول 2013.
[11] راجع البيان الصادر عن الائتلاف المصري لحقوق الطفل، نشر على موقع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان يوم 28 يوليو/تموز 2013.
[12] راجع اللجنة السورية لحقوق الانسان، "تقرير حول أوضاع اللاجئين السوريين في مصرط، نشر بتاريخ 13 أغسطس/أب 2013.
[13] راجع "بين شقي رحى..تقرير عن أوضاع اللاجئين السوريين بالأسكندرية"، صادر عن المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بتاريخ 5 أكتوبر/تشرين أول 2013.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.