تفويض رئيس الوزراء بشأن حالة الطوارئ: هل هو تمهيد لإعلان حالة الطوارئ في مصر؟


2013-08-05    |   

تفويض رئيس الوزراء بشأن حالة الطوارئ: هل هو تمهيد لإعلان حالة الطوارئ في مصر؟

أصدر رئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلى منصور قراراً جمهورياً فى 22 يوليو 2013 برقم 496 لسنة 2013 بتفويض رئيس مجلس الوزراء فى بعض الاختصاصات المسندة لرئيس الجمهورية فى القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ، وشمل التفويض الاختصاصات المنصوص عليها فى المواد أرقام 4، 15، 16 من القانون المذكور دون غيرها من المواد.
وتنص المادة 4 على تولى قوات الأمن أو القوات المسلحة تنفيذ الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه (بعد التفويض رئيس الوزراء)، وإذا تولت القوات المسلحة هذا التنفيذ يكون لضباطها ولضباط الصف ابتداء من الرتبة التى يعينها وزير الحربية (الدفاع) سلطة تنظيم المحاضر للمخالفات التي تقع لتلك الأوامر. وعلى كل موظف أو مستخدم عام أن يعاونهم فى دائرة وظيفته أو عمله على القيام بذلك، ويعمل بالمحاضر المنظمة فى إثبات مخالفات هذا القانون إلى أن يثبت عكسها.
ويضيف هذا النص اختصاصاً إلى أفراد القوات المسلحة ليس لهم فى الأحوال العادية التى تتولى فيها قوات الأمن، أى الشرطة المدنية، تنفيذ الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية أو من يفوضه فى إصدار تلك الأوامر بعد إعلان حالة الطوارئ. وعند تولى القوات المسلحة تنفيذ الأوامر الصادرة أثناء سريان حالة الطوارئ، فمن المنطقى أن يكون لممثليها المفوضين بهذا التنفيذ طبقاً لما يقرره وزير الدفاع سلطة تحرير محاضر بالجرائم التى ترتكب بالمخالفة لتلك الأوامر. كما يلتزم كل موظف أو مستخدم عام فى الدولة أيا كان موقعه بمعاونة قوات الأمن أو القوات المسلحة كل فى دائرة وظيفته أو عمله على القيام بواجبهم فى ضبط الجرائم وتحرير المحاضر الخاصة بها، سواء من تلقاء نفسه أو بناء على طلب يوجه اليه من قوات الأمن أو القوات المسلحة، وإلا عُد الامتناع عن تقديم العون جريمة يتعرض مرتكبها للجزاءات المقررة فى تلك الأوامر، وذلك دون إخلال بتوقيع الجزاءات التأديبية المقررة في قوانين العاملين المدنيين.
ويكون للمحاضر التى يحررها رجال الأمن أو رجال القوات المسلحة المفوضين قانوناً حجية فى إثبات ما ورد بها من مخالفات للأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء المفوض إلى أن يثبت عكسها، ولا يكون إثبات عكسها إلا بالطعن عليها بطريق التزوير بوصفها محررات رسمية. لذلك يجب أن تستوفى هذه المحاضر الشكل الذي نصت عليه المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية، فيكون موقعاً عليها ممن حررها ويبين بها وقت اتخاذ الإجراء ومكان حصوله، كما يجب أن يوقع عليها الشهـود والخبراء الذين سمعوا.
والأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء المفوض يعاقب على مخالفتها بالعقوبات المنصوص عليها فى تلك الأوامر على ألا تزيد العقوبة على السجن المشدد وغرامة قدرها أربعة آلاف جنيه، وذلك دون الإخلال بأى عقوبة أشد تنص عليها القوانين المعمول بها. وإذا لم تكن تلك الأوامر قد بينت العقوبة على مخالفة أحكامها، فيعاقب على مخالفتها بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز خمسين جنيهاً أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وتقرر المادة 15 من قانون الطوارئ التى شملها التفويض الصادر لرئيس الوزراء أنه يجوز لرئيس الجمهورية (وبعد التفويض لرئيس الوزراء) بعد التصديق على الحكم بالإدانة أن يلغى الحكم مع حفظ الدعوى أو أن يخفف العقوبة أو أن يوقف تنفيذها كلها أو بعضها، وذلك كله ما لم تكن الجريمة الصادر فيها الحكم جناية قتل عمد أو اشتراك فيها.
ويلاحظ أن نص المادة 15 يجيز لرئيس الجمهورية استثناءً المساس بحجية الحكم النهائى الصادر بالإدانة عن طريق إلغائه أو تخفيف العقوبة أو وقف تنفيذها كلها أو بعضها. وهذا ما يعرف فى القانون بحق رئيس الدولة فى العفو عن العقوبة الذي يقرره الدستور (م 149 من دستوري 1971، 2012، ومادة 24/7 من الإعلان الدستورى الصادر فى يوليه 2013) وتنظمه المادة 74 من قانون العقوبات المصرى بنصها على أن العفو عن العقوبة المحكوم بها يقتضي إسقاطها كلها أو بعضها، أو إبدالها بعقوبة أخف منها مقررة قانوناً.
والأصل أن حق العفو عن العقوبة من اختصاصات رئيس الدولة التى لا يجوز فيها التفويض، بل هو اختصاص يستأثر به رئيس الدولة دون غيره. لذلك قصر نص المادة 15 من قانون الطوارئ هذا الاختصاص على رئيس الجمهورية ولم يرد فيه تعبير " أو من يقوم مقامه " كما نصت بعض المواد الأخرى من القانون. لكن نص المادة 17 من قانون الطوارئ أورد حكماً عاماً يجيز لرئيس الجمهورية أن ينيب عنه من يقوم مقامه فى اختصاصاته المنصوص عليها فى هذا القانون كلها أو بعضها وفى كل أراضى الجمهورية أو فى منطقة أو مناطق معينة منها. كما أن المادة 24 من الإعلان الدستورى الصادر فى يوليه 2013 والنافذ حالياً تجيز لرئيس الجمهورية أن يفوض فى أي من اختصاصاته الواردة فيها ومنها حق العفو.
وفى جميع الأحوال ليس لرئيس الجمهورية أى اختصاص فى العفو عن عقوبة جناية القتل العمد أو الاشتراك فيها متى صدر الحكم بهذه العقوبة من القضاء المختص طبقاً لصريح نص المادة 15 ذاتها، ومن ثم لا يكون لرئيس الجمهورية أن يفوض غيره فى العفو عن عقوبة لا يختص هو قانوناً بالعفو عنها. ونرى أن حق العفو عن العقوبة أو تخفيفها هو استثناء من حجية الحكم الجنائي، ويمثل تدخلاً من السلطة التنفيذية ممثلة فى رئيس الجمهورية فى شأن قضائي وفيه مساس باستقلال القضاء وعدوان على مبدأ الفصل بين السلطات. لذلك إذا رؤي فى الدستور الجديد الإبقاء عليه، كان من الواجب عدم التوسع فى هذا الاستثناء وقصره على رئيس الجمهورية دون سواه، فيكون النص الدستورى على النحو التالي "لرئيس الجمهورية دون غيره العفو عن العقوبة أو تخفيفها، ولا يكون العفو الشامل إلا بقانون".
أما المادة 16 التى شملها التفويض الصادر لرئيس الوزراء فتنص على أن يندب رئيس الجمهورية بقرار منه أحد مستشارى محكمة الاستئناف أو أحد المحامين العامين على أن يعاونه عدد من القضاة والموظفين وتكون مهمته التثبت من صحة الإجراءات وفحص تظلمات ذوي الشأن وإبداء الرأي. ويودع المستشار أو المحامى العام فى كل جناية مذكرة مسببة برأيه ترفع إلى رئيس الجمهورية قبل التصديق على الحكم. وفى أحوال الاستعجال يجوز للمستشار أو المحامى العام الاقتصار على تسجيل رأيه على هامش الحكم.
وتفويض رئيس الوزراء يكون فى إصدار القرار بندب أحد مستشاري محكمة الاستئناف أو أحد المحامين العامين الذي يقوم بالتثبت من صحة الإجراءات وفحص التظلمات وإبداء الرأي وإعداد مذكرة مسببة برأيه فى كل جناية ترفع إلى رئيس الوزراء قبل التصديق على الحكم.
والمادة 16 تتعلق بإجراءات مراجعة الحكم الصادر فى جناية من الجنايات التى تنص عليها الأوامر الصادرة من رئيس الوزراء المفوض من حيث الشكل والموضوع، سواء بناء على تظلم يقدم من ذوي الشأن أو من دون تظلم، وذلك تمهيداً لقيام رئيس الوزراء بالتصديق على الحكم كى يكون نهائياً. فمن المعلوم أنه طبقاً للمادة 12 من قانون الطوارئ لا يجوز الطعن بأى وجه من الوجوه فى الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة الجزئية أو العليا طوارئ ولا تكون أحكامها نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية أو من رئيس الوزراء المفوض من رئيس الجمهورية.
وجدير بالذكر أنه طبقاً للأحكام الخاصة بتفويض الاختصاص، يقتصر التفويض على الاختصاصات الواردة فى المواد التى شملها قرار رئيس الجمهورية رقم 496 لسنة 2013 بتفويض بعض اختصاصاته المسندة إليه فى قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958، وهي فقط الاختصاصات التى تضمنتها المواد 4، 15، 16 من قانون الطوارئ دون غيرها من الاختصاصات الواردة في باقي مواد قانون الطوارئ. وينبنى على ذلك أن اختصاصات رئيس الوزراء فى مجال الطوارئ تتقيد قانوناً بما يأتي:
أولاً: أن الاختصاصات التى فوضت إلى رئيس الوزراء لا مجال لممارستها إلا إذا أعلنت حالة الطوارئ فى البلاد طبقاً لما يقرره قانون الطوارئ. وقد حددت المادة الأولى من هذا القانون موجب إعلان حالة الطوارئ، بنصها على أنه " يجوز إعلان حالة الطوارئ كلما تعرض الأمن أو النظام العام فى أراضى الجمهورية أو فى منطقة منها للخطر، سواء أكان ذلك بسبب وقوع حرب أو قيام حالة تهدد بوقوعها أو حدوث اضطرابات فى الداخل أو كوارث عامة أو انتشار وباء".
ثانياً: إن رئيس الوزراء المفوض ببعض اختصاصات رئيس الجمهورية المنصوص عليها فى قانون الطوارئ لا يختص بإعلان حالة الطوارئ، لأن تفويضه لم يشتمل على المادة 2 من القانون التى تحدد الجهة المنوط بها إعلان حالة الطوارئ وإنهاؤها. فطبقاً لهذه المادة " يكون إعلان حالة الطوارئ وإنهاؤها بقرار من رئيس الجمهورية … ". لذلك لا يختص رئيس الوزراء بإعلان حالة الطوارئ، وإنما يقتصر اختصاصه على ممارسة السلطات المنصوص عليها فى المواد الواردة حصراً في قرار التفويض. كما أنه طبقاً للإعلان الدستورى الصادر فى يوليه 2013 لا يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ إلا بعد موافقة مجلس الوزراء.
ثالثاً: لا يختص رئيس الوزراء متى أعلنت حالة الطوارئ من رئيس الجمهورية، طبقاً للإجراءات الدستورية النافذة وقت إعلانها، باتخاذ أى تدبير من التدابير المنصوص عليها فى المادة الثالثة من قانون الطوارئ، فهذه الإجراءات المقيدة للحقوق والحريات بقيود شديدة لا يختص باتخاذها إلا رئيس الجمهورية للمحافظة على الأمن والنظام العام، كما لا يختص رئيس الوزراء باتخاذ غيرها من الإجراءات المماثلة لها فيما تتضمنه من قيود على حقوق الأفراد وحرياتهم. فالتفويض الصادر بالقرار الجمهورى لرئيس الوزراء لم يشتمل على ما تقرره المادة الثالثة من تدابير مناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام ورد ذكر أهمها فى النص.
رابعاً: لا يختص رئيس الوزراء بعد إعلان حالة الطوارئ، بما تقرره المادة 9 من القانون لرئيس الجمهورية أو لمن يقوم مقامه بإحالة الجرائم التى يعاقب عليها قانون العقوبات أو غيره من القوانين العادية إلى محاكم أمن الدولة طوارئ. فعلى الرغم من أن المادة التاسعة من قانون الطوارئ تجيز التفويض فى هذا الاختصاص، إلا أن القرار الجمهورى الصادر بتفويض رئيس الوزراء فى بعض اختصاصات رئيس الجمهورية فى قانون الطوارئ لم يتضمن التفويض فى هذا الاختصاص لا صراحة ولا ضمناً، فلم يرد ذكر للمادة التاسعة ضمن المواد التي شملها قرار التفويض.
ويثار التساؤل عن جدوى إصدار القرار الجمهورى بتفويض رئيس الوزراء فى بعض الاختصاصات المقررة لرئيس الجمهورية فى قانون الطوارئ، فهل هو مقدمة أو تمهيد لإعلان حالة الطوارئ من جديد فى مصر؟ المتابع للشأن المصرى فى الوقت الحاضر قد يميل إلى الاعتقاد بأن التفويض فى هذه الظروف الصعبة التى يمر بها الوطن هو نذير بقرب إعلان حالة الطوارئ. فالحرب الأهلية لم تقع ونتمنى ألا ينزلق المصريون إليها طوعاً أو كرهاً، لكن الحالة التى تهدد بوقوعها قائمة فى نظر البعض، كما أن الاضطرابات الحادثة منذ 30 يونيو 2013 تبرر فى نظر البعض الآخر فرض حالة الطوارئ.
وانتظاراً لما سوف تسفر عنه الأيام القادمة من أحداث، لا نملك إلا التضرع إلى الله أن يقى بلادنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، مصر ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني