تعيينات كلية العلوم الطبية: أطباء لا تعرفهم الجامعة اللبنانية


2020-03-12    |   

تعيينات كلية العلوم الطبية: أطباء لا تعرفهم الجامعة اللبنانية

تتجاوز خطورة تعيينات رؤساء الأقسام ورؤساء الخدمة في كلية العلوم الطبية في الجامعة اللبنانية، مسألة كون معظمهم أطباء في مستشفى الزهراء ومستشفى الجعيتاوي ومن المحسوبين في انتماءاتهم السياسية على حركة أمل والتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بحسب مصادر من داخل كلية العلوم الطبية. فقد شملت التعيينات التي أجراها رئيس الجامعة فؤاد أيوب، بالاستناد إلى اقتراح عميد الكلية بيار (بطرس) يارد، عدداً من الأطباء الذين لا تعرفهم الجامعة اللبنانية ولم يدرّسوا فيها نهائياً، مما يشكّل ضرباً فاضحاً لكل المعايير الأكاديمية التي من شأنها المحافظة على مستوى الكلية.  

ففي 18 شباط الفائت، أحال يارد لوائح بالأسماء المقترحة لرئاسة الأقسام ورئاسة الخدمات في كلية العلوم الطبية، ليختار رئيس الجامعة من بينها، وهي لائحة أعدّها يارد منفرداً، متجاوزاً مجلس الوحدة، رغم أنّ المادة الثالثة من قانون تنظيم الجامعة اللبنانية (القانون 66/2009) تنصّ على أن تدار الكلية من قبل رئيس ومجلس.

وقد أصدر رئيس الجامعة اللبنانية بياناً أشار فيه إلى أنّ دوره اقتصر على التدقيق في الأسماء، وأنّه عدّل إسماً واحداً (في خدمة جراحة الأنف والأذن والحنجرة)، حيث أمضى الطبيب نبيل مكرزل في مركزه ما يتجاوز الفترة المسموح بها قانونياً (أمضى أكثر من 4 سنوات في رئاسة الخدمة)، مما يجعل إعادة تكليفه تتعارض مع المادة 81 من قانون تنظيم الجامعة اللبنانية التي نصّت في الفقرة (‌ج): على أنّ "مدة ولاية رئيس القسم ومجلس القسم سنتان، قابلة للتجديد مرة واحدة". وهذه القاعدة، بحسب أيوب، قد أقرّ مجلس الجامعة سريانها على كافة المراكز.

لكن ما لم يأت بيان أيوب على ذكره، أن البديل المعيّن عن مكرزل هو سامر سبيتي، طبيب لم يدرّس أي سنة في كلية العلوم الطبية. كما أنّ أيوب نفسه وافق على ترك رئيس خدمة جراحة الأطفال فادي اسكندراني في رئاسة خدمة جراحة الأطفال، بالرغم من مشابهة حالته لحالة مكرزل نظراً لكونه قد أمضى أكثر من 4 سنوات في رئاسة الخدمة، ويؤكد الأطباء وجود بديل عنه. أما القاسم المشترك بين سبيتي واسكندراني فهو أنّ كلاهما يعملان في مستشفى الزهراء.

وهذا يعني أنّ حرص رئيس الجامعة على تطبيق القانون في حالة رئاسة خدمة جراحة الأنف والأذن والحنجرة لم ينسحب على رئاسة جراحة الأطفال حيث خالف المعايير الأكاديمية المنصوص عليها في القانون نفسه.

في البيان أيضاً يشير رئيس الجامعة إلى عدم إجراء انتخابات لرؤساء الأقسام في كلية العلوم الطبية مردّه إلى أنّ القانون رقم 66 تاريخ 4/3/2009 قد تطلبّ شروطاً غير متوافرة حالياً، ولذلك لجأت كلية العلوم الطبية إلى تطبيق المادة 83 من القانون المذكور التي تنصّ على ما يأتي: "في حال وجود حالات خاصة في بعض الكليات ترفع هذه الحالات إلى مجلس الجامعة للبتّ بها، بناءً على توصية مجلس الوحدة".

مخالفة واضحة لشروط تولّي المناصب الأكاديمية

صحيح ما ورد في البيان بأنّ الشروط التي تتيح إجراء انتخابات رؤساء الأقسام لا تتوفّر في الكلية خصوصاً وجود عدد قليل جداً من الأطباء المتفرّغين في الكلية الذين يسمح لهم انتخاب رؤساء الأقسام. ولو اعتبر غياب الانتخابات عن الكلية من بين "الحالات الخاصة" كما وصفها البيان، فهذه الحالات ترفع له من قبل مجلس الوحدة وليس العميد منفرداً، وهذا لا يمكن أن يبرر لرئيس الجامعة وعميد الكلية مخالفة معايير أكاديمية منصوص عليها لتولّي هذه المناصب الأكاديمية، والواردة في المادة القانونية نفسها التي يستند إليها أيوب. فالفقرة الثانية والثالثة من المادة 13 تشترط في المرشح لرئاسة القسم أن يكون في ملاك الجامعة اللبنانية، او متفرغاً في إحدى كلياتها من الرتبتين الأعلى في القسم، وأمضى عشر سنوات على الأقل في التعليم الجامعي. وفي حال عدم وجود متفرّغين في الاختصاص، يجوز اختيار أحد المتعاقدين بالساعة من الفئات الموازية، أي الفئة الأولى أو الثانية، بنصاب تدريسي لا يقل عن 200 ساعة، ومضى على قيامه بالتدريس عشر سنوات على الأقل. كما يشترط لتولّي رئاسة الخدمة (وهم يعتبرون من بين أعضاء المجالس الأكاديمية في الكلية) توفّر الشروط نفسها لرؤساء الأقسام، باستثناء شرط مدة التدريس الذي يبلغ 5 سنوات في الحالة الثانية.

رئيس الجامعة لم يخالف القانون فقط في الاسمين المذكورين أعلاه، بل أيضاً في تعيين عدد من رؤساء الأقسام ورؤساء الخدمة ممن لا تعرفهم الجامعة، ولم يدرّسوا فيها. ومن بين هؤلاء سعدى علامة (وهي طبيبة تعمل في مستشفى الزهراء) التي عُيّنت في رئاسة قسم طب الأطفال، علماً بأنّ من بين الأسماء الأخرى المرفوعة من العميد للمنصب نفسه طبيبان يستوفيان الشروط القانونية والأكاديمية، وكلود غرّة (وهي طبيبة في مستشفى الجعيتاوي) في رئاسة قسم علم الباثولوجيا.

وعلى غرار ذلك في رئاسة الخدمة، عيّن أيوب 7 أطباء ممن لم يدرّسوا في الجامعة اللبنانية أيضاً، أو درّسوا فيها لمدة لا تتخطى السنتين، وهم طبيبان من مستشفى الجعيتاوي و5 أطباء من مستشفى الزهراء (أحدهم رئيس قسم الجراحة في المستشفى المذكورة). 

رئيس الجامعة يوضّح

ويبرر رئيس الجامعة فؤاد أيوب في اتصال مع "المفكرة القانونية" عدم التزامه بالنصوص القانونية بأنّ استبداله لنبيل مكرزل في خدمة جراحة الأنف والأذن والحنجرة بسامر سبيتي، والإبقاء على فادي اسكندراني في خدمة جراحة الأطفال، بالرغم من تجاوزه ومكرزل للفترة المسموح بها قانوناً، يعود إلى غياب بديل عن اسكندراني داخل الكلية.

ورداً على تعيين أساتذة  من خارج الجامعة اللبنانية أو لم يمض على تدريسهم في الجامعة المدة المطلوبة بحسب الشروط الأكاديمية المنصوص عليها في القانون 66/2009، يورد أيوب تفسيراً "خاصاً" للنص القانوني إذ يعتبر أنّ احتساب سنوات التدريس لا يرتبط حصراً بالتدريس في الجامعة اللبنانية، بل يمكن احتساب سنوات التدريس في الكليات النظيرة في الجامعات الخاصة، إضافة إلى أنّ الاختصاص نفسه في حالة رئيسة قسم الباثولوجيا غير متوفر بين الأطباء في كلية العلوم الطبية، ما دفع برئيس الجامعة إلى تعيين الطبيبة كلود غرّة في هذا المنصب حيث كانت المرشحة الوحيدة المرفوع اسمها من قبل العميد. وعن سبب عدم اختياره للبدائل المتوفرة لرئاسة قسم طب الأطفال، يقول أيوب بأنّ أسماء المرشحين تصله من عميد الجامعة، ويلتزم بدوره في اختيار من هو على رأس قائمة الأسماء الثلاثة المرشحة لكل منصب، على اعتبار أن هذا هو الاسم الذي يفضلّه عميد الكلية، إلّا في حال كان المرشح مخالفاً للمعايير الواردة في شروط الترشيح. ولكن هذه القاعدة المفترضة لم يطبقها رئيس الجامعة في حالة رئاسة قسم الجراحة، حيث اختار رياض الساحلي، رئيس قسم الجراحة في مستشفى الزهراء، بدلاً من يوسف قمير، مبرراً بأن الأخير قد تخطى الفترة القانونية المسموح بها (هو رئيس قسم منذ أكثر من 4 سنوات)، الّا أنّ الساحلي نفسه لم يدرّس هذا العام في الكلية ولا تتوافر فيه الشروط الأكاديمية. والمفارقة أنّ أيوب لم يعيّن قمير في رئاسة قسم الجراحة لمخالفته شرط المدة القانونية، ولكنه عيّنه في رئاسة خدمة جراحة الأعصاب والدماغ. ويبرر ذلك بالقول إنّ "وطأة المخالفة أخفّ في رئاسة الخدمة فهم أعضاء مجالس أكاديمية وليسوا كرؤساء الأقسام".

معظم المعيّنين من مستشفيين

ولكن السؤال مشروع حول أسباب كون غالبية رؤساء الأقسام ورؤساء الخدمة المعيّنين هم من مستشفى الزهراء ومستشفى الجعيتاوي فقط. والإجابة قد نجدها في كون عميد الكلية بيار يارد هو مدير مستشفى الجعيتاوي، ونائبه يوسف فارس (وهو منصب مستحدث غير منصوص عليه في أي قانون من القوانين التي تنظم عمل المجالس الأكاديمية في الجامعة) هو مدير مستشفى الزهراء.

وقد حاولت "المفكرة القانونية" الاتصال بعميد الكلية لسؤاله عن ملف كلية العلوم الطبية، الا أنه لم يجب على الاتصالات المتكررة.

بالاضافة الى ذلك، يؤكد مصدر من داخل الكلية لـ "المفكرة القانونية" أنّ عميد الكلية ونائبه، كما رئيس الجامعة، يرفضون غالبية ملفات الأطباء الذي يريدون التدريس في الكلية في حال كانوا من مستشفيات غير الزهراء والجعيتاوي، بحجة انتفاء الحاجة رغم أنّ الكلية تطلب بشكل دوري أساتذة متعاقدين. وينفي أيوب ذلك أيضاً.

ويقول رداً على أنّ التعيينات جاءت بمعظمها من مستشفيين دون غيرهما، بأنه في رئاسة القسم 5 تعيينات من أصل 9 كانت من هذين المستشفيين فيما التعيينات الباقية كانت من مستشفيات أخرى (والتعيينات الخمسة التي تحدث عنها أيوب فيها 4 أطباء لا يستوفون الشروط الأكاديمية والقانونية). ويعتبر أيوب بأن سبب اعتراض البعض على هذه التعيينات يأتي على خلفية "عدم إعادة تعيينهم من جديد في رئاسة قسم أو خدمة، علماً أن غالبيتهم في مناصبهم منذ أكثر من ثماني سنوات"، معتبراً بأن جزءاً أساسياً من هذه الأزمة هو "عدم معرفة الأطباء بشكل معمق لقوانين الجامعة"، مشدداً على أهمية التزام المعايير القانونية والأكاديمية واعتماد مبدأ المداورة لحسن تسيير كليات الجامعة اللبنانية.

وقد أثارت هذه التعيينات سخط العديد من الأطباء داخل الكلية ومن رؤساء الأقسام (السابقين)، خاصة في وجود بدائل أكفّاء يلبّون كافة المعايير الأكاديمية والقانونية داخل الكلية. وقد علمت "المفكرة" بأنّ اجتماعاً عقد مساء الخميس الماضي بين رئيس الجامعة اللبنانية فؤاد أيوب ورؤساء الأقسام (السابقين) وعدد من الأطباء بحضور عميد الكلية، في محاولة لحل القضية، وقد اقترح الطبيب منير أبو عسلي (العميد المؤسس لكلية العلوم الطبية) على رئيس الجامعة إلغاء القرار والإبقاء على رؤساء الأقسام ورؤساء الخدمة الحاليين حتى تشرين الأول المقبل، الى أن يتم وضع آلية جديدة تتوضح فيها المعايير الأكاديمية للتعيينات.

إلّا أنّ رئيس الجامعة رفض الاقتراح مقدماً اقتراحاً آخر يقضي باستحداث منصب جديد في الكلية اسمه مدير القسم، ليصبح في الكلية هناك مدير ورئيس لكل قسم. أما عن دور كل منهما، فقال أيوب بأن الأول يكون مسؤولاً عن طلاب السنوات السادسة والسابعة والثاني مسؤول عن طلاب الاختصاص. إلّا أنّ الاقتراح الأخير لم يلق ترحيباً من الحاضرين، بخاصة بعد إشارة رئيس الجامعة بأن اقتراحه غير قابل للتطبيق قبل شهر ونصف الشهر على الأقل، وانتهى الاجتماع بدون التوصل لأي نتيجة.  

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني