تعويضات ضحايا الاستبداد في تونس: حديث المبادئ على مذبح الفعل القاصر


2020-01-13    |   

تعويضات ضحايا الاستبداد في تونس: حديث المبادئ على مذبح الفعل القاصر

لم يكن دور شهداء الثورة وجرحاها في تحقيق الثورة موضع سؤال كما لم يكن كذلك من خلاف حول حجم الظلم الذي تعرض له جانب من الشعب بفعل استبداد سلطة دولة الاستقلال. آل الوعي بالحقيقتين لأن كان الحديث عن ضرورة جبر ضرر هؤلاء من مسلمات الخطاب. كما كان من نتيجته أن بادرت حكومات السنوات الثلاث الأولى من عمر الانتقال الديمقراطي لاتخاذ إجراءات هدفها جبر جانب من ضرر هؤلاء. تؤشر سرعة التدخل الحكومي في هذا الاتجاه ومن بعدها إلى تضمين مشرع الجمهورية الثانية لاستحقاق جبر الضرر ضمن تصوره للعدالة الانتقالية التونسية على أن هذا الاستحقاق سيكون نفاذه المدخل الحقيقي لنجاح مسار ينتهي بتعبيد السبيل لمصالحة وطنية تطوي صفحة الماضي بعد أن تداوي جانبا من جراحها.

سنوات قليلة بعد الثورة كانت كافية لأن يستدعي السّاسة في اتجاه يعاكس جميل الظن ملف جبر الضرر إلى نطاق صراعهم. فقد اتهم شقّ من الساسة الضحايا بالتسبب في كل أزمات البلاد الاقتصادية ما بعد الثورة بداية من إغراق الوظيفة العمومية بالعمالة الزائدة وصولا لاستنزاف أموال الدولة في التعويضات. لم يمنع هذا من آمن بعدالة القضية من التمسك بالمسار ظنا منه أن الجدل الدائر لن يغير شيئا في حقيقة أن الدولة قد أقرت في تشريعاتها بحقهم واستحدثت مؤسسات تضمن توصلهم به. سنوات أخرى بعد ذلك كانت كافية لتبين أن المؤسسات والتشريعات خيبت بدورها هذا الظن بعدما انتهى عملها لطرح سؤال لم تقدم له جوابا عن الضحية وآخر عن إمكانية تنفيذ مقررات جبر الضرر من عدمها.

عكس التعاطي في ملف “إنصاف” ضحايا الحقبة الاستبدادية في فرعه المتعلق بجبر ضررهم مسار العدالة الانتقالية التونسية في حماسة انطلاقتها والعراقيل التي اعترضت مسارها وانتهائها للأزمة بفعل تقصير من تحمل أمانة العمل عليها ووجب نظر كل محطة من تلك المحطات بحثا عن فهم للواقع وطلبا لحلول تعيد الحياة لمسار تحتاجه تونس قبل أبنائها ممن ظلمت.

1- حديث البدايات: خطوات في الاتجاه الصحيح وسقف عال للوعد

أسند المرسوم عدد 01 لسنة 2011 وهو أول نص تشريعي يصدر بعد الثورة وبروحيتها عفوا تشريعيا لكل من حكم عليه أو كان محل تتبع قبلها من أجل جرائم على أساس نقابي أو سياسي[1]. وفرض في الفصل الثاني منه حقا لكل من شملهم “بالحق في العودة للعمل وفي طلب التعويض”، فكان أن حدد النص المؤسس للحق في جبر الضرر مسلكين لتحقيق تلك الغاية أولهما التشغيل في الوظيفة العمومية وثانيهما التعويض المادي.

الانتداب في الوظيفة العمومية: إجراء تعويضي

بداية من تسعينات القرن الماضي، عمدت السلطة  السياسية إلى التضييق على معارضيها في معاشهم في سياق سياسة تجويع انتهجتها في مواجهتهم. فكان من يشتبه في معارضتهم للنظام وخصوصا منهم الإسلاميين يمنعون من العمل في القطاع العام وتخشى مؤسسات القطاع الخاص توظيفهم خوفا من الإجراءات العقابية التي قد تطال من يقدم على ذلك. حوّل هذا الواقع واستفحال أزمة البطالة بتونس المطالبة بمورد رزق إلى استحقاق عاجل كان أول ما تمسك به ضحايا الحقبة الاستبدادية بعد الثورة. فيما أدى ما يميز العمل في القطاع الخاص من هشاشة في مقابل ما يميز القطاع العام من استقرار وظيفي لأن يكون حق الشغل مرادفا في تصور من يطالبون به للانتداب في الوظيفة العمومية في حده الأدنى وفي المؤسسات العمومية التي تتميز بشروط أفضل في الامتيازات الاجتماعية والتأجير في حدوده المثلى.

حصر مرسوم العفو العام هذا الحق فيمن فصلوا عن عملهم بسبب تتابعات قضائية بأن مكّنهم من “العودة للعمل”. تاليا وسعت الأغلبية النيابية بالمجلس الوطني التأسيسي مجال استعمال التوظيف كجبر ضرر. فبموجب القانون عدد 4 لسنــة 2012 مؤرخ في 22 جوان 2012 والذي يتعلق بأحكام استثنائية للانتداب في القطاع العمومي، تم التنصيص صراحة على إسناد “أسر شهداء الثورة وجرحاها ومن تمتعوا بالعفو التشريعي العام” حق انتداب في الوظيفة العمومية أو بالمؤسسات العامة خارج شروط الانتداب القانوني وسحب لاحقا القانون الخاص بضحايا “براكة الساحل”[2] هذا الامتياز على العسكريين الذين شملتهم أحكامه.

وإذ قدرت قيادات اليسار التونسي أن امتياز الانتداب الاستثنائي استفاد منه الإسلاميون، طالب هؤلاء ابتداء من سنة 2015 بأن تشمل هذه الآلية ناشطيه من قدماء المنظمة النقابية الطلابية أي الاتحاد العام لطلبة تونس المصطلح على تسميتهم “بالمفروزين أمنيا”. وكان أن ساند الاتحاد العام التونسي للشغل هذا الطلب وفرض على الحكومة أن تستجيب له. وأدى استعمال التشغيل كتعويض إلى انتداب 6839 شخصا ممن تمتعوا بالعفو التشريعي وأسرهم زيادة على 2929 عضوا من أسر شهداء الثورة ومن جرحاها وأسرهم وما يتجاوز 500 شخص من المفروزين أمنيا.

التعويض المالي: البحث عن جبر عادل للضرر

اتجهت تشريعات ما بعد الثورة لتحقيق جبر ضرر ثلاثة فئات هي تباعا: ضحايا الاضطرابات الأمنية التي ميزت فترة الحراك الثوري أولا وجرحى الثورة وعائلات شهدائها ثانيا والمتمتعين بالعفو التشريعي العام ثالثا.

ضحايا الاضطرابات الأمنية التي ميزت فترة الحراك الثوري

سنت السلطة السياسية أشهرا قليلة بعد الثورة مرسوما[3] يمكن من تضرروا بدنيا أو تضررت أملاكهم خلال أحداث الثورة وحالة الانفلات الأمني التي تلتها من تعويضات تجبر جانبا من ضررهم المالي. ويلاحظ هنا أن مبدأ التعويض الذي تم إرساؤه لم يلتفت لتصنيف المتضررين باعتبار مشاركتهم في الثورة أو بعدهم عنها بقدر توجهه لإيجاد صيغة تكافلية تحقق للمؤسسة الاقتصادية الصغرى والمتوسطة[4] فرصة لمعاودة نشاطها وللمتضررين تعويضات تساعدهم في مواجهة ما لحقهم من ضرر[5].

منع التدخل الاستعجالي للدولة ذي الصبغة التعويضية من تشكيل فئة يمكن أن تصنف “ضحايا الثورة” وجسد مسؤولية الدولة عن أمن إقليمها. فكان من هذا المنظار التعويض من مداخل استعادة الدولة للأمن الاجتماعي.

التعويض لجرحى الثورة وعائلات شهدائها

أقر المـرسـوم عدد 97 لسنة 2011[6] حقا لجرحى الثورة وعائلات شهدائها في التعويض. وحدد الدولة كجهة مطالبة بذلك. كما فصل التعويض إلى حق في جرايات نص عليه الفصلان 08 و09 منه[7] وحق في تعويض إضافي ترك للسلطة السياسية أمر ضبطه مع التأكيد على كونه لا يلغي الحق في مطالبتهم بجبر ضررهم أمام الجهات القضائية المختصة. وتولّت السلطة السياسية في إطار تنزيل هذه الصلاحية  إصدار عدد من المقررات التي خولت بمقتضاها من رسموا في قوائمها كجرحى الثورة أو كعائلات لشهداء الثورة الحصول على تعويضات في سياق مناسبات عامة[8] أو بعنوان تسبقة عن مستحقاتهم[9].

التعويض للمتمتعين بالعفو التشريعي العام

ترك العفو التشريعي العام أمر ضبط التعويضات للمنتفعين بأحكامه “لإجراءات وصيغ يحددها إطار قانوني خاص”.

2- في نصف الطريق: الحق بات تهمة

كشفت قوانين المالية التي تعهد بنظرها أول مجلس تشريعي منتخب ديمقراطيا عن اختلال في موازنة الدولة يعود جانب منه لتضخم غير مبرر في مصاريفها مقابل تقلص مواردها. تم استغلال هذا المعطى في سياق الصراع السياسي بين حزب حركة النهضة الذي كان حينها حاكما ومعارضيه. اتهم انتداب من تمتعوا بالعفو في الوظيفة العمومية بكونه من تسبب في تطور كتلة التأجير العام فيما ذكر أن التعويضات التي تمتعوا بها استنزفت مدخرات الدولة[10].

خلافا لما أشيع حينها لم تكن أي من التعويضات قد صرفت من الموازنة العامة للسجناء السياسيين. فجلّ ما توصل به هؤلاء، وعددهم 2600، كان “مساعدة اجتماعية” بحساب 6 آلاف دينار لكل واحد منهم تم تمويلها من منحة أسندتها دولة قطر للدولة التونسية سنة 2012 لهذه الغاية. لم تمنع هذه الحقيقة من أن تعطّل الحملة ضد التعويضات كل حديث عنها –أي  التعويضات – لحين إرساء منظومة مؤسساتية.

3- نهاية العمل: نصوص تكرس وفعل يضيع

في سياق التعاطي المؤسساتي مع حقوق الضحايا، كان لجرحى وشهداء الثورة مسار خاص بهم. كما كان لهم ولضحايا الاستبداد مسار عام أمنته هيئة الحقيقة والكرامة، كما كان لكل آلية معتمدة أزمتها.

قائمة شهداء وجرحى الثورة

أحرج الحديث حول استفادة عدد ممن استغلوا أحداث الثورة للنهب والسرقة من الامتيازات التي منحت لشهداء الثورة وجرحاها القائمين على الدولة ودفعهم  لسن المرسوم عدد 97 لسنة 2011 الذي استحدث لجنة شهداء وجرحى الثورة[11] وعهد لها مسؤولية ضبط قوائم “شهداء الثورة ومصابيها”، والذين عرفهم “في فصله السادس “بكونهم الأشخاص الذين خاطروا بحياتهم من أجل تحقيق الثورة ونجاحها واستشهدوا أو أصيبوا بسقوط بدني من جراء ذلك ابتداء من 17 ديسمبر 2010 إلى 19 فيفري 2011.” باشرت اللجنة مهامها بداية من يوم 23-07-2013 لتعلن بتاريخ 2-04-2018 نهاية عملها بضبط القائمة الموكول لها إنجازها والتي لم تنشرها بالموقع الرسمي للهيئة العليا لحقوق الإنسان كما يفرض قانونها ذلك إلا بتاريخ 08-10-2019.

انطلقت اللجنة في عملها وكما يفرض عليها ذلك قانونها مما انتهت إليه لجنة تقصي الحقائق حول أحداث الثورة[12] التي أثبتت حصول 338 حالة وفاة منهم 86 بمؤسسات سجنية و14 من قوات الأمن و5 من الجيش وأن 60% من الوفيات كانت نتيجة لطلق ناري كما أثبتت أن عدد الجرحى يبلغ 2147 منهم 62 من بين السجناء و14 من قوات الأمن لتنتهي لإصدار قائمتها التي حصرت عدد شهداء الثورة ب 158 وعدد مصابيها ب 634.

واجهت القائمة بمجرد الإعلان عنها رفضا عاما قد يكون سببا في إسقاط ما انتهت إليه، فيما ينذر تعارض مضمونها مع قائمة هيئة الحقيقة والكرامة التي تعلقت بذات الفئة بأزمة قد تمس بحقوق الضحايا في عمومهم.

وقد رفضت اللجنة اطلاع المعنيين على مخرجات عملها قبل نشر قائمتها النهائية بالجريدة الرسمية. بالمقابل، رفضت الحكومة أن تأذن بذاك النشر وبررت موقفها بكون “اللجنة” لم تطلع المعنيين أي آل الشهداء ومن قدّموا ملفاتهم كجرحى ثورة والرأي العام بنتائج عملها في أي مرحلة منه ولم تحترم بالتالي حق هؤلاء في الاعتراض على القائمة التي تطلب نشرها[13]. وقد دفع الصراع بين اللجنة والحكومة  ناشطي جمعيات الجرحى والشهداء إلى طرق باب القضاء الإداري طلبا لرفع السرية عن القائمة وهو ما تم بفضلهم، ليتضح تبعا لذلك أن اللجنة أقصت من قائمتها “الأمنيين” وشهداء وجرحى آخرين دون أن تقدم تفسيرا لموقفها فكان أن رفضتها الجهات الرسمية كما المجتمع المدني.

لم تسند اللجنة لأي أمني صفة شهيد ثورة أو مصابها. وقد إحتجت وزارة الداخلية في بيان صدر عنها  بتاريخ 11-10-2019 على ذلك، مؤكدة أنها ستعمل على حماية حقوق منظوريها. كما تولت اللجنة إسقاط الصفة عن عدد هام ممن كانوا يتمتعون فعليا بها واستفادوا من تعويضات بفضلها دون أن تقدم تفسيرا لموقفها. تبعا لذلك، التقت جمعيات أهالي الشهداء وجرحى الثورة على رفض مخرجات عملها[14]، مما سيعرض القائمة المعلن عنها لمجموعة من المنازعات القضائية ويؤدي بالنتيجة إلى إرجاء استحقاق تخليد ذكرى صناع  الثورة لسنوات طوال أخرى. كما قد تؤدي هذه المنازعات عمليا إلى تعطيل تحصيل أصحاب الحقوق للتعويضات التي حددتها هيئة الحقيقة والكرامة.

قائمة اللجنة في مواجهة قائمة الهيئة: مؤسسات لا تتواصل فتتضارب

أسندت هيئة الحقيقة والكرامة 892 مقرر جبر ضرر فردي لجرحى ثورة وذوي شهدائها ممن تولوا تقديم ملفات في هذا الخصوص لها. وتكشف مقاربة أسماء هؤلاء بالأسماء الواردة بقائمة اللجنة عن كون قائمة الهيئة ضمت جانبا ممن لم تتضمنهم قائمة اللجنة كما أن عددا ممن كانوا في قائمة اللجة ولم يقدموا ملفات للهيئة لم ترد أسماؤهم في قائمة الهيئة. ويتبين من ذلك أن الهيئة تمسكت باختصاصها العام في مجال العدالة الانتقالية ولم تنسق في عملها مع اللجنة التي يسند لها نص قانوني خاص مسؤولية ضبط تلك القائمة. انتهى هذا الاختيار لأن تمتع بمقررات جبر ضرر أشخاص تتمسك اللجنة بكونهم ليسوا ذوي صفة ولأن يستنى من هذه المقررات من لم يودعوا ملفات لدى الهيئة، ومنهم أصحاب حقوق ظنوا أن اللجنة هي صاحبة الاختصاص للنظر بملفه. آل بالتالي تداخل عمل اللجنة والهيئة لكشف ضعف في الأداء العام على هذا الملف وهو ضعف لازم ملف التعويضات في عمومه.

قبض التعويضات: من متاهة المقررات إلى معضلة الصندوق

كشف سبر آراء أجرته هيئة الحقيقة والكرامة في سنة 2015 وشمل عينة ممثلة للضحايا أن 91% من الضحايا يعتقدون أن تعويضهم وجبر ضررهم يمثل الأولوية في كل حديث عن العدالة الانتقالية. كان ينتظر من مجلس الهيئة وقد تبين هذا الأمر أن يولي مسألة جبر الضرر الأولوية في عمله. خلافا لهذا الأمر، اختارت الهيئة أن يكون ملف جبر الضرر آخر مخرجات عملها وقد يكون مبرر موقفه حاجتها لدعم مجتمع الضحايا لها  والذي قد يفتر متى انتهت حاجتهم من الهيئة وباتوا قادرين على نقد أدائها.

فرضت الحسابات التكتيكية للهيئة ومعها اضطراب أدائها المهني أن ينطلق توزيع مقررات جبر الضرر الفردي على الضحايا بداية فترة تصفيتها وأن يستمر بعد نهاية تلك الفترة نصف سنة كاملة أي لغاية يوم 15-09-2019[15]. ومؤدى هذا الاختيار:

  • حرمان من تعهدت الهيئة بنظر ملفاتهم ولم تصدر لفائدتهم مقررات جبر ضرر من كل حق في منازعة مقررات الهيئة التي استحالت في مواجهتهم إلى سلطة مطلقة،
  • إمكانية المنازعة مستقبلا في مقررات جبر الضرر لجهة صفة من أصدرها في تاريخ الإعلام بها وفي تاريخ تحريرها الفعلي.

صندوق الكرامة: أمل الضحايا

حمل الفصل 11 من قانون العدالة الانتقالية الدولة مسؤولية “توفير أشكال الجبر الكافي والفعال بما يتناسب مع جسامة الانتهاك ووضعية كل ضحية” وإن ربط إضطلاعها بهذا الالتزام “بالإمكانيات المتوفرة لديها عند التنفيذ”. كما أسند الفصل 41 من ذات القانون مسؤولية إدارة هذا المسار لصندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد الذي استحدث بموجب الفصل 93 من قانون المالية لسنة 2014[16]. وصدر الأمر الحكومي الذي يضبط تنظيم الصندوق نهاية الشهر الثاني من سنة 2018 ونص في فصله الثالث عن رصد الدولة في افتتاحها له مبلغ عشرة مليون دينار[17].

أدى توسع المشرع في المدى الزمني المشمول بالعدالة الانتقالية أولا إلى تضخم كبير في عدد من يستحقون التعويض وفي الحجم المالي للتعويضات المستحقة. فبعيدا عن المؤاخذات الشكلية المشار إليها أعلاه، أسندت مقررات جبر الضرر ل لأكثر من 31 ألف  شخص[18]. وإذا افترضنا أن المعدل العام لنقاط التعويض سيكون في حدود 50%،[19] وبالنظر لما قررته الهيئة من وحدات تعويضية، فإنه يتعين لصرف مستحقات الضحايا توفير اعتماد مالي قدره ثلاثة مليارات دينار[20] تونسي بما يطرح السؤال حول قدرة الدولة على الإيفاء بهذا الالتزام زيادة عن السؤال حول جدية عزمها على ذلك. وقادت أهمية الموارد المطلوب توفيرها عديد الشخصيات العامة التونسية للمجاهرة برفضها القبول بمبدأ تعويض الضحايا[21].

يظهر هنا السعي لحجب حق الضحايا في التعويض إجهاضا لحقهم في العدالة وبالتالي استهدافا لشروط المصالحة الوطنية. ويبدو من المهم حماية لهذا الحق التفكير في آليات تؤدي لاعتماد نظام أولوية في أداء المستحقات يكون هدف اعتماده رصد الضحايا الأكثر هشاشة لإعطائهم الأولوية في التعويض والعمل بموازاة ذلك على غربلة مقررات جبر الضرر لتنقية قوائمها ممن أسندت لهم دون استحقاق حقيقي، وذلك حماية للقيمة الاعتبارية لصفة الضحية ولحقوق المجموعة.

  • نشر هذا المقال في العدد 16 من مجلة المفكرة القانونية | تونس |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

الحقيقة والكرامة في أفق جديد


[1]  باعتبار معيار من تحصلوا على شهادة في العفو العام طبق أحكام هذا القانون كان عدد من شملهم 12 ألف شخص.

[4]  نص الفصل الثالث من المرسوم على أنه تسند التعويضات “المنصوص عليها بالفصل الأول من هذا المرسوم بعنوان الأضرار المادية المباشرة التي لحقت ممتلكات المؤسسات الاقتصادية والمرتبطة بنشاطها نتيجة لأعمال حرق أو إتلاف أو نهب لفائدة المؤسسات الناشطة في كل القطاعات باستثناء المؤسسات والمنشآت العمومية والمساحات التجارية الكبرى ووكلاء بيع السيارات والمؤسسات المالية ومشغلي شبكات الاتصال كما تم تعريفها بالتشريع الجاري به العمل.” ويلاحظ بالتالي استثناء لمؤسسات الدولة والمؤسسات التي تصنف كمؤسسات كبرى من خانة من يستحقون التعويض.

[5]   ورد بالفصل الأول من المرسوم أنه ”  ـ يهدف هذا المرسوم إلى إقرار مساهمة في جبر الأضرار الناتجة عن الاضطرابات والتحركات الشعبية التي شهدتها البلاد وذلك بدفع تعويضات بعنوان: الإصابات التي لحقت الأشخاص الطبيعيين ونتجت عنها الوفاة أو أضرار بدنية أخرى وذلك بداية من 17 ديسمبر 2010،ـ والأضرار المادية المباشرة التي لحقت ممتلكات المؤسسات الاقتصادية المرتبطة بنشاطها، نتيجة لأعمال حرق أو إتلاف أو نهب المسجلة خلال الفترة المتراوحة بين 17 ديسمبر 2010 و28 فيفري 2011 وذلك قصد مساعدة المؤسسات المعنية على مواصلة نشاطها.”

[6]   المرسوم عدد 97 لسنة 2011 المؤرخ في 24 أكتوبر 2011 المتعلق بالتعويض لشهداء ثورة الحرية والكرامة.

[7]  الفصل 8 ـ تتمثل المنافع المخولة بمقتضى هذا المرسوم لفائدة شهداء الثورة في

أولا: جراية شهرية يضبط مقدارها بأمر تصرف لفائدة
* القرين ما لم يتزوج من جديد.
* أبناء الشهيد في صورة وفاة القرين أو حرمانه من الحق في الجراية إلى حين بلوغهم سن 18 سنة أو إنتهاء مزاولتهم لتعليمهم.
* أم الشهيد وأبيه إذا كان الشهيد غير متزوج.
ثانيا: الحق في مجانية العلاج بالهياكل العمومية للصحة وبالمستشفى العسكري بالنسبة للقرين والأبناء إلى حين بلوغهم سن 18 سنة أو انتهاء مزاولتهم لتعليمهم.
ثالثا: الحق في مجانية التنقل بوسائل النقل العمومي بالنسبة للقرين والأبناء إلى حين بلوغهم سن 18 سنة أو انتهاء مزاولتهم لتعليمهم.
الفصل 9 ـ تتمثل المنافع المخولة بمقتضى هذا المرسوم لفائدة مصابي الثورة في
أولا: الحق في جراية شهرية يضبط مقدارها بأمر في صورة الإصابة بسقوط بدني بنسبة تحددها اللجنة الفنية المنصوص عليها بالفصل 7 من هذا المرسوم،
ثانيا: الحق في مجانية العلاج بالهياكل العمومية للصحة وبالمستشفى العسكري .
ثالثا: الحق في مجانية التنقل بوسائل النقل العمومي بالنسبة للأشخاص الذين لهم سقوط بدني.

[10] ورد بمقال تونس- تعويضات لضحايا الدكتاتورية: جبر للضرر أم نهب للأموال؟ لحاتم الشافعي والمنشور بموقع تلفزيون –DW تصريحا لحمة الذي كان حينها أمينا عاما “حزب العمال” التونسي المعارض إتهم فيه حركة النهضة بكونها “تستغل وجودها في الحكم لتسوية أوضاع مناضليها” الذين سجنوا في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وذلك “على حساب أولويات البلاد”

[11]  تتركب  اللجنة من رئيس وثمانية أعضاء يعينون بقرار من الوزير الأول كالآتي:ـ رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية : رئيس.ـ ممثل عن الوزارة الأولى: عضو.ـ ممثل عن وزارة الدفاع الوطني : عضو.
ممثل عن وزارة الداخلية : عضو.ـ ممثلان عن وزارة الشؤون الاجتماعية : عضوان.ـ ممثل عن وزارة المالية : عضو.ـ ممثل عن وزارة الصحة العمومية : عضو.ـ ممثل عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان : عضو.

[12]  “اللجنة الوطنية لاستقصاء الحقائق” لتقصي الحقائق في التجاوزات والانتهاكات المسجلة خلال الأحداث التي شهدتها البلاد التونسية خلال الفترة الممتدة من 17 ديسمبر 2010 إلى حين زوال موجبها “

[13] بتاريخ 20-01-2019 وفي تصريح لإذاعة شمس أف أم قالت آمنة المستوري المكلفة بملف المقاومين والشهداء وجرحى الثورة والعمليات الإرهابية برئاسة الحكومة  ” أن الفصل 6 من المرسوم عدد 97 لسنة 2011 المؤرخ في 24 أكتوبر 2011 المتعلق بالتعويض لشهداء ثورة الحرية والكرامة ضبط مشمولات لجنة شهداء الثورة و مصابيها، وبذلك لا يمكن أن تكون هناك قائمة نهائية إلا بعد نشر قائمة أولية والبت في الطعون وفي الاعتراضات  ” وأضافت ” القائمة النهائية لشهداء وجرحى الثورة تمثل جزء من تاريخ تونس لذلك لا يمكن نشرها بالرائد الرسمي ثم إضافة تغييرات عليها، لذلك يجب أن تكون نهائية والأحكام باتة فيها، مؤكدة أن هناك جدل حول موعد تسليم القائمة وهو غير معلوم إلى حد الآن” .    موقع شمس أف أم  – 20-01-2019 – آمنة المستوري: قائمة شهداء وجرحى الثورة ليست نهائية وموعد تسليمها غير معلوم

[14]  يراجع التقرير الصادر عن حملة سيب القائمة بتاريخ 25-10-2019 حول القائمة والمنشور بموقع المنتدى التونسي الاقتصادي والاجتماعي

[15]  بموجب القرار عدد 12 الصادر عن الهيئة بتاريخ 03-12-2018  أعلنت الهيئة نهاية عهدتها بتاريخ 31-12-2018 وبداية أعمال تصفية تتولاها مصفيتها مدتها خمسة أشهر.

[16] قانون عدد 54 لسنة 2013 مؤرخ في 30 ديسمبر 2013 يتعلق بقانون المالية لسنة 2014

[17]  أمر حكومي عدد 211 لسنة 2018 مؤرخ في 28 فيفري 2018 يتعلق بضبط طرق تنظيم صندوق الكرامة وردّ الاعتبار لضحايا الاستبداد وتسييره وتمويله .

[18]  منهم 1533 من المقاومين ضد الاستعمار الفرنسي .

[19]   حدد   قرار مجلس هيئة الحقيقة والكرامة الصادر بتاريخ 29-05-2018 المتعلق بضبط معايير جبر الضرر  ورد الاعتبار   قواعد التعويض  عن الضرر وحدد في هذا الإطار نسب مائوية يتم اعتمادها لتقدير التعويض المستحق عن الأضرار .

[20]    تقريبا مليار دولار .

[21]   في تصريح للصباح نيوز  التونسية نشر بتاريخ  05-12-2018  قال الأمين العام المساعد للإتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري ” إذا ما فكرنا في التعويض فلا يجب أن يكون على حساب المجموعة الوطنية. التعويضات في هذه الحالة ستكون على حساب التنمية في الجهات وعلى حساب الأجراء والموظفين وغيرهم. إذا قامت الدولة بتمويل صندوق الكرامة فلماذا تتذرع بعدم قدرتها الزيادة في الأجور”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، مقالات ، تونس ، مجلة تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني