تعليق على قرار الدستورية الأردنية في قضية حق الأئمة بإنشاء نقابة: انفصام بين حيثيات موافقة للمعايير الدولية ونتائجها


2013-10-07    |   

تعليق على قرار الدستورية الأردنية في قضية حق الأئمة بإنشاء نقابة: انفصام بين حيثيات موافقة للمعايير الدولية ونتائجها

بالرغم من انه سبق للمفكرة القانونية ان عّلقت على قرار المحكمة الدستورية الأردنية الخاص بالحق بتشكيل النقابات، إلا انه بعد الإطلاع على النص الكامل للقرار الذي نشر في الجريدة الرسمية بالعدد 4113 في ايلول 2013 وجدنا ما يستحق إعادة التعليق على بعض فقراته نظرا لأهميته[1].

أولاً: القرار أشار إلى نص المادة 16[2] من الدستور الأردني التي تمنح حق تشكيل النقابات للأردنيين لتشير إلى أن كلمة "الأردنيين" مطلقة والمطلق يجري على إطلاقه وبالتالي يحق لأي أردني الانتساب للنقابة على ان يتم ذلك من خلال تشريع أو تشريعات. لكن نجد أن القرار أغفل توضيح الفقرة الثالثة من المادة التي تؤكد ان دور القانون في هذا المجال هو تنظيمي ولا يتصل بحق تشكيل نقابة. فقرات الحكم تؤكد على أنه يجب معاملة الأحزاب والجمعيات والنقابات نفس المعاملة، لكنه لم يقدم تفسيرا لسبب وجود تناقض في التشريعات الوطنية المتعلقة بهذا الخصوص، ولعل السبب في ذلك طبيعة طلب الاستفسار الموجه من مجلس الأعيان. لكن المنطق يقضي بوجود قانون ينظم إنشاء النقابات كما هو الحال بالنسبة للأحزاب والجمعيات، وليس صدور قانون مستقل لكل نقابة يزمع إنشاؤها.

ثانيا: القرار خصص فقرتين للإشارة إلى الاتفاقيات الدولية التي تناولت الحق بتشكيل النقابات؛ إذ تم الإشارة إلى المادة 23/4 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمادة 8/ب من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وبالرغم من أن هذه الإشارة كان مرحبا بها من قبل منظمات المجتمع المدني، إلا اننا نجدها محل تساؤل واستغراب؛ فمهمة المحكمة الدستورية هي تفسير نصوص الدستور أو الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة سندا لأحكام المادة 59 من الدستور[3]، فما علاقة الاتفاقيات الدولية بنصوص الدستور ولماذا تم الاعتماد عليها لتعزز المحكمة تفسيرها لنصوص الدستور المتعلقة بحق إنشاء النقابات؟

ثالثا: عندما أشارت المحكمة الدستورية إلى موقف الأردن من العهدين الدوليين أشارت إلى أنه تم المصادقة عليهما في العام 1976، وبحسب ما هو متعارف عليه في القانون الدولي العام، فان "المصادقة" تعني الإجراء القانوني الذي بموجبه تعلن الدولة وفقا لأوضاعها الدستورية قبولها والتزامها النهائي بأحكام المعاهدة، بمعنى ان التشريعات الوطنية يجب ان تكون متوافقة مع الاتفاقيات الدولية التي تم المصادقة عليها، مع العلم ان النتيجة التي توصلت إليها المحكمة تناقض الاتفاقيات الدولية المشار إليها.

رابعاً: أشار القرار إلى الاتفاقية رقم 87 بشأن حماية حق التنظيم النقابي وكذلك الاتفاقية رقم 89 بشأن حق التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية من اتفاقيات منظمة العمل الدولية، لكن الأردن لم يوقع على هاتين الاتفاقيتين، وهنا يأتي التساؤل ما هو السبب في الإشارة إلى هذه الاتفاقيات؟ وتجدر الإشارة إلى ان انضمام الاردن إلى الاتفاقية رقم 89 مطلب قديم لمنظمات المجتمع المدني كما انه سيتم إثارته في الاستعراض الدوري الشامل للأردن امام مجلس حقوق الإنسان في تشرين أول 2013.

خامساً: بعد الانتهاء من عرض النصوص الواردة في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحق التنظيم النقابي، قالت المحكمة "وحيث أنه يجب أن تقرأ هذه النصوص كافة في سياق واحد ما دام أنها تتعلق بحق تكوين النقابات والجمعيات والأحزاب السياسية على اعتبار أنها نصوص متكاملة فيما بينها ومتساندة في توجهاتها وأغراضها و أهدافها"، هذه الفقرة تعطي دلائل مهمة؛ إذ يمكننا ان نستنتج أنه لا يوجد ما يمنع من الاعتماد على المعايير الدولية المعنية بحقوق الإنسان لتفسير نصوص الدستور أو على أقل تقدير تغليب تفسير على تفسير آخر حتى لو كانت هذه المعايير الدولية واردة في اتفاقيات دولية ترفض الأردن المصادقة عليها. وبالتالي يمكن القول ان هناك توجها واضحا للمحكمة الدستورية بتفسير النصوص المتعلقة بالحقوق والحريات بطريقة مرنة ومتحركة لتواكب التطورات الدولية بهذا الخصوص.
 
الصورة منقولة عن موقع www..sawaleif.com
 



[1] صدر القرار في 23 تموز 2013.
[2] تنص المادة 16 على 1- للاردنيين حق الاجتماع ضمن حدود القانون. 2-للاردنيين حق تأليف الجمعيات والنقابات والاحزاب السياسية على ان تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف احكام الدستور. 3- ينظم القانون طريقة تأليف الجمعيات والنقابات والاحزاب السياسية ومراقبة مواردها.
[3] تنص المادة 59 من الدستور على  1-تختص المحكمة الدستورية بالرقابة علـى دستورية القوانين والأنظمة النافذة وتصدر أحكامها باسم الملك ، وتكون أحكامها نهائية وملزمة لجميع السلطات وللكافة ، كما تكون أحكامها نافذة بأثر مباشر ما لم يحدد الحكم تاريخاً آخر لنفاذه ، وتنشر أحكام المحكمة الدستورية في الجريدة الرسمية خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها . 2-للمحكمة الدستورية حق تفسير نصوص الدستور إذا طلب إليها ذلك بقرار صادر عن مجلس الوزراء أو بقرار يتخذه أحد مجلسي الأمة بالأغلبية ويكون قرارها نافذ المفعول بعد نشره في الجريدة الرسمية .
للمزيد عن قرار المحكمة الدستورية الأردنية انقر على الرابط ادناه
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، حقوق العمال والنقابات ، الأردن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني