لا يزال المجلس العدلي معطلًا منذ 22 شباط 2024 بسبب الشغور في هيئته المؤلفة من الرئيس الأول لمحكمة التمييز سهيل عبود وأربعة أعضاء يتم تعيينهم بموجب مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء. وقد ظهر الشغور في أعضائه بعدما تمّ تكليف أحد أعضاء المجلس العدلي، القاضي جمال الحجّار، بمهام النائب العام التمييزي، بعد تقاعد القاضي غسّان عويدات. ومنذ ذلك الحين، باتت الملفّات الخمسة التي ينظر فيها المجلس العدلي بحكم العالقة، ومعها مصير أكثر من 40 موقوفًا وآمال أهالي الضحايا الذين ينتظرون البتّ في قضاياهم. بذلك، يُضاف المجلس العدلي إلى لائحة المحاكم المعطّلة بفعل امتناع السلطة التنفيذية عن إصدار التشكيلات والتعيينات على غرار الهيئة العامّة لمحكمة التمييز.
حرّية الموقوفين رهينة التعطيل
ينظر المجلس العدلي حاليًا في خمس قضايا تتضّمن جميعها نحو 40 موقوفًا ينتظرون محاكمتهم. ومؤدى ذلك أنّ الحريّة الشخصيّة لهؤلاء باتتْ مرهونة بصدور مرسوم عن مجلس الوزراء، وهي: قضية انفجار التليل في عكّار الذي وقع في 14 آب 2021 ووقع ضحيته 36 شخصًا، وفيه أربعة موقوفين، ملف تفجير حارة حريك (بعبدا) الذي وقع في 2 كانون الثاني 2014 وذهب ضحيته 5 أشخاص وفيه 7 موقوفين، ملف جريمة بتدعي (بعلبك) التي حصلت في 15 تشرين الثاني 2014 وذهب ضحيتها شخصان وفيه 5 موقوفين، ملف تفجير جسر العاصي (الهرمل) الذي وقع في 23 شباط 2014 الذي ذهب ضحيته ثلاثة أشخاص وفيه 15 موقوفًا. ومؤخرًا انضمّ ملف تفجير الرويس الذي وقع في 15 آب 2013 الذي ذهب ضحيته 24 شخصًا، إلى قضايا المجلس المعلّقة بعد أن صدر القرار الاتهامي فيه في آذار 2024 وفيه أكثر من 10 موقوفين.
أضحت معاناة الموقوفين جليّة، فهم الحلقة الأضعف في هذه الأزمة. فالمحامون الموكلون الدفاع عن متهمين في ملفات ينظر فيها المجلس، يُثيرون قضية إنسانية مُلحّة إذ لا يوجد محكمة لمحاكمتهم أو للبتّ في طلبات إخلاء سبيلهم. تأسف محامية طلبت عدم ذكر اسمها، لهذا التعطيل وتخشى أن يطول أكثر. وتُشير إلى أنّ “الموقوفين وبخاصّة البريئين منهم يُعانون من عدم احترام مهل التوقيف القانونية”، مضيفةً أنّه حتّى اللحظة لم يتمّ استجواب موكّلها بسبب عدم اكتمال الخصومة في الجلسات التي انعقدت سابقًا، وهذا يؤخّر البتّ بملفه.
الضحايا ينتظرون العدالة المتأخّرة
يُعاني أهالي ضحايا الجرائم التي ينظر فيها المجلس العدلي والّذين ينتظرون تحقيق العدالة من هذا التأخير المرير. فالمحامي روبير جبّور، وكيل أبناء الضحيتين صبحي ونديمة فخري اللّذين قُتلا على يد أشخاص حاولوا سرقة سيارتهما للهروب بها خلال ملاحقتهم من الجيش في بلدة بتدعي في بعلبك، يُؤكّد لـ “المفكرة” أنّ “معاناة عائلة الضحايا وأولادهم تزداد كلّما طال أمد التأخير في هذه القضية التي مرّ عليها عشر سنوات، ستة منها قضاها الملف أمام المجلس العدلي”. ويُشير جبّور إلى أنّ التأخير يُؤثّر سلبًا على الصحّة النفسية لأبناء الضحايا، فهم “يعيشون في قلق دائم”.
أما أهالي ضحايا تفجير التليل فقد عبّر عدد منهم لـ “المفكرة” عن شعورهم بالإحباط تجاه التأجيل المستمرّ، مؤكدين أنّهم ما عادوا يتحمّلون أي تأخر في هذا الملف. ويلفت شقيق أحد الضحايا إلى أنّه “منذ انطلاق الملف أمام المجلس العدلي، تعطّلت الجلسات مرّات عدّة أحيانًا بسبب تعذّر سوق الموقوفين وأحيانًا أخرى لعدم اكتمال الهيئة، وأتى الشغور في المجلس العدلي ليكون سببًا إضافيًا لتأخّر البتّ في الملف”. وبعد أن تعذّر عقد جلسات المحاكمة في هذه القضية مرّتين في 5 نيسان و17 أيّار، يجد الأهالي أنّ كلّ جلسة تتعطّل هي “امتحانٌ لصبرنا، لكننّا نؤكد على إصرارنا وثباتنا في تحقيق العدالة للشهداء والجرحى”. ويُطالب شقيق الضحية “مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل ومجلس الوزراء الإسراع في تعيين أعضاء الهيئة”، مشيرًا إلى البيان الذي أصدره الأهالي في 22 شباط عقب تكليف الحجّار حين عبّروا عن خشيتهم من أنْ “يطول الوقت بدون تعيين قاضٍ بديل، فتذهب حقوقنا إلى أجل غير مسمى”.
استثنائية المحكمة سببًا للتعطيل
ويُثير المحامي علي أشمر، وكيل أحد المتهمين في ملف تفجير التليل، مسألة العواقب الناشئة عن طبيعة المجلس العدلي الذي هو محكمة استثنائية، لافتًا إلى أنّ “هذه الاستثنائية انعكست سلبًا على البت بالقضايا المهمّة التي أُحيلت إليه، فهو يحتاج إلى مرسوم خاص لتعيين أعضائه على خلاف المحاكم العادية التي في حال الشغور يُمكن انتداب أو تكليف قاضٍ بديل”. ويُشير إلى أنّ عدم تعيين قضاة في المجلس العدلي أدّى إلى شلل كامل في المجلس، وبشكل خاصّ انفجار التليل الذي وصل فيه المجلس إلى مراحل متقدّمة بعدما أنهى العدد الأكبر من الاستجوابات. ويؤكد أشمر أنّ “الخصوم في القضايا المحالة إليه، سواء المدّعين أو المدّعى عليهم، يرغبون في الحصول على النتيجة المتوخاة بأسرع وقت، سيّما في ظلّ المحالين أمامه بالجنح المتلازمة مع الجنايات الّذين تتراوح عقوباتهم بين 10 أيّام وثلاث سنوات فقط”. ويعتبر أشمر أنّ هذا الشلل “يهدد حقوق المتهمين الّذين يستحقون الوصول إلى العدالة بوتيرة سريعة عملًا بمبادئ المحاكمة العادلة”. ويطالب “وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى العمل على اقتراح أسماء القضاة في المراكز الشاغرة على أن تُصدر الحكومة مرسومًا بشكل سريع عملًا بالمادة 357 من قانون أصول المحاكمات الجزائية”.
فالمجلس العدلي هو محكمة جزائية استثنائية أنشئت في العام 1923 في أيام الانتداب الفرنسي، ويعتبر محكمة مشكّلة بقرار سياسي لأنّه لا ينظر إلّا في القضايا التي تحال إليه من قبل مجلس الوزراء بموجب مرسوم، وليس بموجب الإجراءات القضائية العادية. ووفقًا للمادّة 357 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، فإنّ هيئة المحكمة في المجلس العدلي تتألف من الرئيس الأوّل لمحكمة التمييز (وهو حاليًا القاضي سهيل عبّود) وأربعة أعضاء من قضاة محكمة التمييز يعيّنهم مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير العدل وموافقة مجلس القضاء الأعلى. وقد صدر آخر مرسوم لتعيين أعضائه في بداية العام 2018 (المرسوم رقم 2366 تاريخ 16/2/2018) وتضمّن تعيين 9 أعضاء (4 أصيلين و5 إضافيين في حال غياب الأصيلين). لكنّ 5 من هؤلاء الأعضاء أحيلوا إلى التقاعد منذ صدور المرسوم، فلم يبقَ لهيئة المجلس سوى 4 أعضاء هم جمال الحجّار، عفيف الحكيم، جان مارك عويس ومايا ماجد. وبما أنّ النيابة العامّة التمييزية التي يترأسها الحجّار الآن تقوم بمهام النيابة العامّة أمام المجلس العدلي، ولا يمكن للقاضي أن يشترك في آن واحد في هيئة المحكمة وفي النيابة العامّة، فقد خسر المجلس هيئته المكتملة مع تكليف الحجّار بمهام النائب العام التمييزي، مما أدّى إلى تعطيله إلى حين صدور مرسوم جديد عن مجلس الوزراء. وقد علمت “المفكّرة” أنّ محاولات رئيس مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل لإيجاد حلّ لهذا الشغور لم تصل إلى أي نتيجة لغاية اليوم.
نشر هذا المقال في الملف الخاص في العدد 73 من مجلة المفكرة القانونية – لبنان
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.