في 20 آذار 2025، أرجأت محكمة الجنايات في الشمال جلسة المحاكمة في قضية قتل الشيخ أحمد الرفاعي إلى 26 حزيران المقبل، بعد تعذّر سوق المتهمين من سجن رومية، وهم يحيى الرفاعي، وابنه علي، وابني شقيقته عبد الكريم ويحيى. وقد انتظرت المحكمة حتى آخر الدوام لإعطاء فرصة لسوق المتهمين قبل أن تقرر إرجاء الجلسة.
وكانت القوى الأمنية قد عثرت على جثة الشيخ أحمد قرب سدّ البارد في عكار في 26 شباط 2023 بعد خمسة أيام من اختفائه، وأدّت التحقيقات التي أجرتها شعبة المعلومات إلى توقيف المتهمين الخمسة. وخلص القرار الاتهامي الذي صدر في 25 كانون الثاني 2024 عن الهيئة الاتهامية في الشمال إلى اتهام هؤلاء الخمسة بجنايات الخطف والقتل وفقًا للمادتين 569 و549 من قانون العقوبات وحيازة السلاح غير المرخّص وفقًا للمادة 72 من قانون الأسلحة والذخائر.
وكانت المحكمة خلال جلساتها السابقة قد استكملت استجواب المتهمين في القضية، حيث استجوبت في جلستها الأولى في أيّار 2024 يحيى الرفاعي، رئيس بلدية القرقف السابق الذي تراجع عن إفادته الأوّلية التي أدلى بها في مرحلة التحقيق وتضمّنت اعترافه بالتخطيط والمشاركة في تنفيذ الجريمة، كما استجوبت في جلستها الثالثة في كانون الأوّل 2024 ابنه علي يحيى الرفاعي الذي اعترف بإقدامه على قتل الشيخ أحمد نافيًا التخطيط لذلك مسبقًا، واستجوبت في جلستها الأخيرة التي مُنع مراسل “المفكّرة” من حضورها الأشقاء الثلاثة عبد الكريم، ويحيى، وأحمد محمد الرفاعي.
المحكمة في انتظار الموقوفين
ترأس الجلسة القاضي داني شبلي، وعاونه المستشاران طارق صادق ولطيف نصر، وحضر ممثل النيابة العامّة الاستئنافية في الشمال القاضي طارق طربيه. وقد حضر المحامي عبد الرحمن حسن وكيل الجهة المدعية أي عائلة الشيخ المغدور أحمد الرفاعي، ولم يحضر وكلاء الدفاع عن المتهمين، فيما جلس أشقّاء الضحية بين الحضور.
وبعد أن أنجزت المحكمة النظر في قضايا الموقوفين القادمين من سجن القبة والماثلين أمامها، سألت عن حضور المتّهمين الموقوفين في سجن رومية، وهم أصحاب الملفات المتبقية في جلسة اليوم. وتوجّه القاضي شبلي بالسؤال إلى المحامين الحاضرين، حيث أبلغه بعضهم أنّهم “سمعوا بأنّه لن يحصل السوق من رومية في جلسة اليوم”. عندها طلب القاضي الانتظار قليلًا، ومن ثمّ قرّر ترك محضر الجلسة مفتوحًا، مفسحًا المجال إلى نهاية الدوام، حيث أعلن أبلغ الوكلاء والحاضرين أنّ “هيئة المحكمة ستبقى تنتظر في مكاتبها لغاية الساعة الثالثة، علّ الموقوفين يحضرون لعقد الجلسة”.
وأثار وكيل الجهة المدعية المحامي حسن مسألة تقديم الطرفين طلبات للاستماع إلى الشهود في الجلسة الماضية، إلّا أنّ المحكمة لم تقرّر دعوة هؤلاء. وأشار الرئيس إلى أنّه “في حال وجود قائمة شهود، من الضروري إبلاغهم جميعًا من دون استثناء”. وكشفت مصادر متابعة عبر “المفكرة القانونية” أنّ محامي الادعاء تقدّم بطلب سماع شاهد واحد، فيما طلب وكلاء الدفاع سماع أربعة شهود.
في نهاية الجلسة، أعلنت هيئة المحكمة أنّه “لمّ يتم سوق المتهمين، وأنّه تبيّن ورود مذكّرات سماع الشهود إلى الملف”. لذلك، قررت المحكمة طلب تكرار سوق المتهمين، والتدقيق في طلبات سماع الشهود، وإرجاء الجلسة إلى يوم الخميس في 26 حزيران 2025.
تحدّيات سوق الموقوفين إلى المحاكم
هذه المرّة الثانية في هذه القضية التي تضطرّ فيها المحكمة لإرجاء جلسة المحاكمة بسبب تعذّر سوق المتهمين، وهم موقوفون منذ أكثر من عامين، إذ كانت المحكمة قد أرجأت جلستها الثانية في تموز 2024 للسبب نفسه.
وفقًا لدراسة “المفكّرة” حول إدارة قضايا التوقيف الاحتياطي في قضايا الجنايات (2024)، تشكّل مسألة نقل الموقوفين من أماكن احتجازهم إلى قصور العدل، للمثول أمام الهيئات القضائية الناظرة في ملفّاتهم، أو ما يُعرَف بالسَوْق، أحد أبرز التحدّيات التي يواجهها الموقوفون لممارسة حقّ الدفاع، والتي تُسهم في بطء إجراءات التحقيق والمحاكمة في قضاياهم.
وقد تفاقم هذا التحدّي بشكل ملحوظ بعد الأزمة، إذ انخفضت نسبة طلبات السَوْق التي تمكّنت قوى الأمن الداخلي من تنفيذها من 77% في العام 2019 إلى 45% في العامَين 2020 و2021 اللذَين شهدا تعطيلًا واسعًا للعمل القضائي نتيجة إضرابات المحامين والقضاة والمساعدين القضائيّين، بالإضافة إلى الإقفال العام بسبب جائحة كورونا، لتصل إلى 64% في العام 2023، ثمّ إلى 57% في العام 2024 وفقًا لمديريّة السجون في وزارة العدل. وبحسب القاضي المُشرِف على مديريّة السجون في وزارة العدل رجا أبي نادر، فإنّ أكثر من 500 موقوف لم يحضروا أيّ جلسة أمام المراجع القضائية في العام 2023.
وتعود أسباب تعذُّر السَوْق، بشكل أساسي، إلى النقص الحادّ في العديد والآليّات المُخصَّصة للسَوْق لدى قوى الأمن الداخلي، والاكتظاظ في أماكن التوقيف، لا سيما في ارتفاع أعداد المُحتجَزين في نظارات القطع التي يصعب عليها تأمين سَوْقهم إلى قصور العدل، فضلًا عن اعتماد التواصل الورقي بين القضاء وقوى الأمن الداخلي من دون اعتماد نماذج لطلبات السَوْق.
فعلى صعيد العديد والآليات في سجن رومية، يوجد 80 عنصرًا من قوى الأمن موكلين مهمّة تولّي عمليّات السَوْق، إلّا أنّ 31 منهم فقط يقومون بهذه المهامّ فعليًّا نظرًا إلى تكليف الآخرين بمهمّات أخرى. كما يوجد 83 آليّة مُخصَّصة للسَوْق، ولكنّ الصالحة للاستعمال منها هي 5 فقط، بالإضافة إلى 5 آليّات أخرى يمكن إعادتها للخدمة في حال إصلاحها. وتبلغ قدرة النقل الاستيعابية القصوى لهذه الآليّات الخمس من 80 إلى 90 موقوفًا فقط يوميًّا، من الأراضي اللبنانية كافّة وإليها.
ويشكّل الاكتظاظ في أماكن التوقيف عاملًا أساسيًّا في تفاقُم هذه التحدّيات أمام سَوْق الموقوفين إلى قصور العدل، وتاليًا أمام تسريع الإجراءات القضائية للموقوفين احتياطيًّا. فكما يؤدّي بطء الإجراءات القضائية الناجم عن التحدّيات التي يواجهها القضاء (مثل الشغور في المراكز القضائية وانخفاض إنتاجية العمل القضائي) إلى إطالة آماد التوقيف الاحتياطي، وبالتالي إلى ارتفاع نسبة الاكتظاظ، من شأن الاكتظاظ أن يؤدّي أيضًا دورًا في بطء الإجراءات القضائية تبعًا لما ينتج عنه من صعوبات لسَوْق الموقوفين إلى قصور العدل (نظرًا إلى قلّة الموارد المُتاحة للسوق ولارتفاع أعداد الموقوفين لدى القطع الأمنية). وعليه، يُصبح الأمر أشبه بدوّامة تُغذّي نفسها من طرفَيها، بحيث يؤدّي الاكتظاظ إلى مزيدٍ من الاكتظاظ، بسبب ضعف قدرة المرفق القضائي على البتّ سريعًا في ملفّات الموقوفين.