تعديل قانوني في الأردن للتشهير بالمتحرشين جنسيا


2014-07-29    |   

تعديل قانوني في الأردن للتشهير بالمتحرشين جنسيا

صرح وزير العدل الأردني د. بسام التلهوني في تصريح صحفي في 20-7-2014 من أن اللجنة القانونية في مجلس النواب تعمل حالياً على مراجعة أحكام قانون العقوبات فيما يتعلق بالتحرش، مؤكداً بأنه سيتم تشديد العقوبة، والنص على نشر صورة من تثبت إدانتهم بأفعال التحرش في الصحف اليومية كنوع من الردع القانوني[1].

وبهذا الاعلان، يكون الأردن دخل رسميا على خطى مصر في نادي الدول التي تعلن نيتها في مواجهة ظاهرة التحرش الجنسي. ورغم أن للأردن ضوابط اجتماعية معنية، تتمثل في قوة المجتمع العشائري المحافظ بما يتصل بالدفاع عن "شرف" المرأة،إلا أنه لا بد من الإقرار رغم ذلك بوجود مشكلة حقيقية تتمثل “في ظاهرة التحرش الجنسي لوضع إجراءات لمواجهتها والحد منها”، في ظل عدم وجود أي أرقام رسمية عن الظاهرة، الأمر الذي يشكل عائقا أساسيا لمواجهة المشكلة. يضاف الى ذلك عزوف “الضحايا عن تبليغ الجهات الرسمية"، بحيث أن نسبة التبليغ في هذه القضاياهي (0 %)،  لوجود قناعة لدى الضحية أن التبليغ سيتسبب لها بوصمة عار اجتماعية فضلا عن إمكانية كبيرة لإفلات الجاني من العقاب. 
وفي الأردن جاءت الدراسة التي أعدها مؤخرا مركز دراسات السلام والنزاعات تحت عنوان «التحرش الجنسي جريمة بلا دليل» عن تعرض 53% من الأردنيات للتحرش الجنسي بمختلف أنواعه، لتكشف أن أكثر أنواع التحرش الجنسي شيوعاً في الأردن هو «التحرش اللفظي»، يليه «التحرش بالنظر والإيماءات»، ثم «التحرش باللمس»، ثم باستخدام وسائل الاتصال المختلفة.وعزت الدراسة أسباب التحرش إلى عدة عوامل منها: الوضع الاقتصادي الصعب والفقر والبطالة، وقلة الوعي الديني والثقافي للمتحرشين، ولباس المتحرش بها، والانتشار الواسع لوسائل الإعلام والاتصال. واستهدفت الدراسة عينة ممثلة من النساء في خمس محافظات أردنية مختلفة. وبالطبع، تشير بعض الدراسات الى ازدياد ظاهرة التحرش مع ازدياد عدد اللاجئين.[2]

وترى المحامية والوزيرة السابقة والناشطة في مجال حقوق المرأة اسمى خضر أن المنظومة العقلية تلقي اللوم على الضحية، ولذلك تفضل معظم الضحايا عدم التحدث إلى أي شخص حول هذا الموضوع. وفي حال اشتكت الضحية المتحرش بها إلى القضاء، "فإنها ستعاني، لأنها ستهدر الوقت والمال، وسوف تكون النتيجة لا شيء تقريباً". إذ إن الدليل على حدوث التحرش عادة ما يكون كلمة الضحية فقط، وهو ما يحمل القليل من الوزن في مجتمع يشكل فيه سلوك الضحية التفسير الافتراضي للتحرش أو الاعتداء، وحيث العقاب ضعيف جداً – في العادة غرامة قدرها خمسون ديناراً أو بضعة أشهر من السجن في حالة تكرار الجريمة. وتقول خضر صراحة أن القانون الأردني لا يحمي المرأة. ففي قانون العقوبات المعمول به، والذي يعود إلى العام 1966، يصنف التحرش في فئة "جرائم ضد السلوك العام القويم" بدلاً من فئة "الجرائم ضد الأفراد". وهكذا، لا يعتبر التحرش قانونياً بأنه "هجوم… على الشخص الذي تم تحرش به"، وإنما يُعتبر جريمة ارتكبت ضد المجتمع ككل. علاوة على ذلك، فإن مصطلح "التحرش" الحديث لا يظهر في أي مكان في القانون الذي ما يزال يستخدم مصطلحات من العصر العثماني، حيث يتم استخدام عبارة "فعل غير محتشم" بدلاً منه، كما تقول خضر. ومع ذلك، فإنه "ليس هناك تعريف" أو مثال ملموس على ما يعنيه ذلك. وتعمل اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة في الأردن على محاولة ضمان معالجة مسألة التحرش بشكل واضح في قوانين العمل والتعليم، وكذلك في قانون العقوبات.وترى خضر أنه في مجتمع أبوي مثل في الأردن، "يشعر الرجل بأن أي امرأة متوفرة تكون متاحة له"، وفي الأردن، لا يتحمل الرجال أي مسؤولية عن أفعالهم، في حين تعتبر المرأة مسؤولة عن كل ما يحدث لها. وقد أصبحت هذه العقلية متأصلة حتى أن 90 في المائة من الأردنيات، يعتقدن -وفقاً لإحصاءات الحكومة الأميركية المحدثة أخيراً في العام 2007- بأن " للزوج/ الشريك ما يبرر ضربه زوجته /شريكته تحت ظروف معينة".[3]

وهناك من يرى أنه يمكن النظر إلى الصمت المحيط بالتحرش في الأردن باعتباره مماثلاً للصمت الذي كان سائداً في مصر قبل عدة ست سنوات. وعندما بدأ المركز المصري لحقوق المرأة في استكشاف السبل لمعالجة التحرش، وجد "نقصاً خطيراً في المعلومات المفيدة"، بما في ذلك البيانات والإحصاءات التي يمكن أن "تحدد طبيعة المشكلة وتقدر مدى إلحاحها"، كما أشار المركز في تقرير أصدره في العام 2009. ولذلك ، قام المركز المصري بإجراء بحوثه الخاصة، وتصدر عناوين الأخبار في العام 2008 عندما وجد أن 83 في المائة من النساء المصريات واجهن نوعاً أو آخر من أشكال التحرش. وقد ساعدت السمعة السيئة التي كسبتها مصر منذئذ كعاصمة للتحرش والاعتداء الجنسي في تسليط الضوء على هذه الظاهرة وحفز العمل على مواجهتها بالتحديد[4].

وقد عادت الظاهرة في الأردن إلى الأضواء مجددا وبقوة أثر تحرش جماعي قام به مجموعة كبيرة من الأشخاص بفتاتين في محافظة اربد شمال المملكة، وذلك عقب انتهاء المباراة النهائية لكأس العالم قبل عدة أيام. وقد أجمعت ردود الفعل على فيديو التحرش الجنسي بفتاتين في اربد ليل الأحد 13/7/2014 على  رفض هذا الفعل المشين. وقد دعا هذا الأمر الكثير من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي إلى تناقل فيديو فتاتين كانتا تتابعان نهائيات كأس العالم بشارع الجامعة، وكان عدد كبير من الشباب يتابعون المباراة، وعند انتهائها تدافع الشباب بالخروج إلى الشارع وصادفوا الفتاتين، وقاموا بالتصفير والتصفيق ومتابعتهما حتى أصبح التحرش جماعيا وبأعداد كبيرة جدا رغم ارتدائهن ملابس عادية وغير فاضحة.وما أن تنبهّت الفتاتان لأمر التحرش حتى أصابهن الخوف والهلع وسارعن بالهروب من أمام العدد الكبير من الشباب لمسافة طويلة حتى هربن واستجرن بأحد أصحاب المحلات التجارية يطلبن منه النجدة والاختباء بصوت عال وخوف بالغ.وبين صاحب المحل الذي لجأت الفتاتان إليه، تفاصيل الحادثة، مؤكدا أن الفتاتين دخلتا محله، وهما تركضان، وقد بدت عليهما علامات الرعب والفزع والإجهاد النفسي، حيث طلبتا منه وهما تصرخان المساعدة على الاختباء، وأشار انه فورا قام بالاتصال برجال الأمن العام ووصف لهم ما حصل للفتاتين وحالتهن النفسية[5].
ويرى قانونيون أن الأردن خال بشكل شبه كامل من قضايا التحرش الجنسي أمام القضاء الأردني، لأنها لا تستند إلى دليل، ولا يوجد شهود لإثبات واقعة التحرش، إنما هناك قضايا هتك عرض يمكن وصفها بأنها تحرش جنسي عنيف من الرجل، الذي يقوم بوضع يده على شعر، أو جسد امرأة، أو لمس منطقة حساسة من جسدها[6].ويبدوأن المشكلة ليست كلها بقانون العقوبات. إذ أن المادة (306) من قانون العقوبات الاردني تنص على "من عرض على شخص لم يكمل الثامنة عشرة من عمره أو على أنثى مهما بلغ عمرها عملاً منافياً للحياء، أو وجّه لأي منهما كلاماً منافياً للحياء عوقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر أو بغرامة من ثلاثين ديناراً إلى مائتي دينار". وهذا ما ذكر به وزير العدل في تصريحه المشار اليه أعلاه لجهة أن المادة (306) منه تعاقب على أفعال التحرش الجنسي.الا أنه من الواضح أن هذه العقوبة غير كافية ولا تشكل رادعا خاصا للمتحرش أو عاما للمجتمع. ومن هنا الحاجة الى إعادة النظر بقانون العقوبات بحيث تعاد صياغة المادة (306) بحيث تنص صراحة على فعل التحرش كجريمة تخضع لعقوبة رادعة، على أن لا تقل عن العقوبة الجنحية كي يحرم من يدان بها من ممارسة بعض حقوقه السياسية والاجتماعية باعتبار هذه الجريمة من الجرائم المخلة بالشرف والأخلاق العامة. وهذا ما لوح اليه وزير العدل من خلال اقتراحه بتضمين العقوبة نشر صور المتحرشين بالصحف المحلية بعد إدانتهم بأحكام قضائية قطعية، على اعتبار ما قد يتبع ذلك من نبذ للمتحرش في نظر أبناء مجتمعه المحافظ.
 

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، الأردن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني