تعديل تعرفة الاتّصالات: معركة متعدّدة المصالح


2022-05-20    |   

تعديل تعرفة الاتّصالات: معركة متعدّدة المصالح

133 بنداً حُشر في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء قبل تحوّله إلى تصريف الأعمال في 22 أيار الحالي. يريد رئيس مجلس الوزراء تمرير ما أمكن من البنود العالقة وهي في معظمها بنود روتينيّة.

على سبيل المثال، يشمل جدول الأعمال 6 بنود تتعلق بالموافقة على اتفاقيات قروض وهبات و14 بنداً يشير إلى تمديد مهل تشييد أبنية (14 بنداً) و6 بنود للموافقة على طلبات سفر و46 بنداً تتعلق بنقل بإعطاء سلف ونقل اعتمادات.

البنود الأساسية حاضرة أيضاً. نائب رئيس الحكومة سيعرض استراتيجية النهوض بالقطاع المالي. ووزير المالية سيطلب إعادة النظر بكيفية استيفاء بعض الضرائب والرسوم، (بما فيها تعديل الرسوم الجمركية والطابع المالي وغيرها). كما يضمّ الجدول طلب وزارة الصحة الموافقة على دفع مصرف لبنان 35 مليون دولار شهرياً للأشهر الأربعة القادمة لزوم شراء أدوية الأمراض المستعصية والمزمنة والسرطانية… لكن الغائب الأكبر عن الجدول هو مرسوم تعرفة أسعار الإنترنت والخلوي، الذي فضلت السلطة تأجيله إلى ما بعد الانتخابات، خوفاً من أن يثير غضب الناخبين، فإذ به يغيب أيضاً عن الجلسة الأخيرة للحكومة.

مع ذلك، تؤكد المعلومات أن وزير الاتصالات جوني قرم سيعرض اليوم، من خارج جدول الأعمال، مرسوميْ التعرفة المتعلقين بالإنترنت والخلوي، في محاولة لتحميل الوزراء جميعاً مسؤولية تبعات أي قرار سيُتخذ. علماً أنه كان تردد أن رئيس الحكومة يُفضّل إقرارهما بمرسوم استثنائي خلال فترة تصريف الأعمال.

مرسوم التعرفة كان حصل على موافقة مجلس شورى الدولة، لكن شركات تقديم خدمات الإنترنت رفضته، وأبدت ملاحظاتها عليه في رسالة وجّهتها، في 10 أيار الحالي، إلى رئيس الحكومة. المُلاحظة الأهمّ تتعلّق ب “عدم احتساب الكلفة والإيرادات بشكل متوازن عند تحديد أسعار الخدمات المقدّمة للأفراد والشركات، ما يؤدي إلى هامش إجمالي سلبي لشركات القطاع الخاصّ على معظم الخدمات، وبالتالي يؤدي إلى خروج القطاع الخاصّ من السوق نهائياً”. كما اعترضت الشركات على إلغاء الحوافز الممنوحة لشركات نقل المعلومات وتوزيع خدمات الإنترنت مقابل استثناء هيئة أوجيرو، بما يؤدي إلى أعباء إضافية. وقد أبدت، تعليقاً على القسم الرابع من المرسوم والمتعلق بالإجازة للشبكات المنشأة خلافاً للقوانين التعاقد مباشرة مع الوزارة والاستمرار في تقديم خدماتها، أنه من المُستحسن ورود الموضوع في مرسوم مستقلّ يرعى كل جوانبه، وذلك لكونه موضوعا ذات حساسية سياسية عالية (أغلب هذه الشركات مدعومة من نافذين وسياسيين أو مملوكة لهم).

عملياً تقوم شركات الإنترنت غير الشرعية اليوم بشراء خطوط E1 من أوجيرو، ثم تعمد إلى بيع المشتركين سعات إنترنت عبر شبكات محليّة ومن دون المرور بشبكة الدولة، في حين أن الشركات المرخّصة يُفترض أن تدفع عن كل مشترك لديها مبلغاً من المال لأوجيرو عند فتح الخطّ وبشكل شهري. علماً أن مصادر الوزارة تؤكد أن الإنترنت غير الشرعي لا يقتصر على موزعي الأحياء بل تعدّاه إلى الشركات المرخّصة والتي تملك شبكات توزيع غير شرعية أيضاً. ففي ردّ الوزارة على ملاحظات الشركات، الصادر في 12 أيار، إشارة إلى أن شركات القطاع الخاص قامت برفع أسعار خدماتها وتحصيل قسم منها بالعملة الأجنبية. وعليه، اعتبرت الوزارة أن من مصلحتها عدم السير بالمرسوم المطروح للإبقاء على الرسوم المتدنيّة التي تُسدّدها للوزارة مقابل استئجار السعات الدولية ومُقابل استعمال شبكة الوزارة لإيصال الخدمة إلى مشتركيها. كما اتهمت الوزارة هذه الشركات بأنها “قامت ولا تزال تقوم بزيادة عدد مشتركيها على الشبكات المنشأة خلافاً للقانون، ما حرم وسيحرم الخزينة العامة من عائدات هذه الخدمات”.

الاقتراح الوارد في طلب قرم ينصّ على ضبط شبكات التوزيع والربط المخالفة أو المنشأة من دون ترخيص والمستعملة لنقل وتوزيع خدمات الإنترنت ونقل المعلومات وتوضع في تصرف وزارة الاتصالات لإداراتها إلى حين اتخاذ القرار بشأنها من قبل القضاء المختص. لكن الوزارة نفسها لتضمن استمرار الخدمة من خلال الشبكات المضبوطة، اقترحت أن يُجاز للوزير وخلال فترة ستة أشهر من تاريخ نفاذ المرسوم التعاقد لصيانة الشبكات المضبوطة لمدة لا تتجاوز 3 سنوات، على أن تحصل الشركات المتعاقد معها على 30% من مشتركي الوزارة في خدمات الإنترنت المحددة في هذا المرسوم و50% عن اشتراكات Bitstream لمزودي خدمة الانترنت ISPs المؤمنة من قبل الوزارة.

في المقابل، وبالرغم من أن مصادر مطلعة تعتبر أن المرسوم يتضمن إشكالات كثيرة ليس أولها تحويل صلاحيات مجلس الوزراء إلى الوزير أو حتى التعدي على صلاحيات مجلس النواب، إلا أنها تشكك في أن عدم وضع المشروع على جدول الأعمال بالرغم من أن الوزير قدّمه في بداية نيسان، يعود إلى أن مافيا الشركات غير المرخّصة قرّرت المواجهة وهي تستعمل نفوذها داخل مجلس الوزراء للحؤول دون تمرير مشروع يضرب مصالحها التي تحقق منها أموالاً طائلة على حساب الخزينة العامة.

وكما لم يوضع مرسوم تعرفة الإنترنت على طاولة مجلس الوزراء، كذلك لم يوضع مرسوم تعرفة قطاع الخلوي. ومن دونه، تؤكد شركتا الخلوي، على ما تردّده الوزارة، من أن القطاع لن يستطيع الصمود إذا لم تزدْ التعرفة. ففي بيان لشركتي ألفا وتاتش صدر أمس، اعتبرتا أن إعادة النظر في الأسعار تُشكّل المدخل الوحيد لتأمين استمرارية الخدمة. وأملتا أن تشكّل جلسة مجلس الوزراء محطة إنقاذية بما يعيد وضع قطاع الخلوي على المسار السليم.

الاقتراح المُقدّم لتعرفة الخدمة يدعو مجلس الوزراء إلى الاختيار بين تخفيض أسعار خدمات الخلوي 75٪ أو 66.7% بالدولار النقدي حسب سعر صيرفة (تزيد الأسعار أكثر من 6 أضعاف عملياً). وتوضّح الوزارة أنها تُفضّل الخيار الثاني الذي يسمح بالحد من المخاطر وتحويل 960 مليار ليرة للخزينة، تماشياً مع الموازنة المقترحة، بينما يُشير الوزير في اقتراحه إلى أن التخفيض بنسبة 75% لا يأخذ بالاعتبار عدداً من المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها القطاع.

وبالنتيجة، ستكون الأسعار بحسب الاقتراح كالتالي:

  • بدل الاشتراك الشهري للخطوط لاحقة الدفع سينخفض من 15 دولار إلى 3.75 دولاراً على سعر صرف صيرفة (تخفيض 75%) أو 5 دولارات (تخفيض 66.67٪) أو بشكل أوضح ومع افتراض أن سعر صيرفة هو 25 ألف ليرة، فإن بدل الاشتراك سيرتفع من 22500 ليرة إلى 125 ألف ليرة.
  • سعر الدقيقة سيتراوح، بحسب نسبة التخفيض، بين 3 و5 سنتات.
  • سعر الدقيقة للخطوط مسبقة الدفع سيتراوح بين 6 و8 سنتات للدقيقة (أي بين 1500 و2000 ليرة).

من جهته قال الوزير قرم أمس إن “غدا هو آخر فرصة أمام مجلس الوزراء لمنع انهيار القطاع من خلال إقرار رفع التعرفة بشكل مدروس للقطاع الثابت والخليوي”. وأضاف: “الانتخابات انتهتْ والموضوع لم يعد يحمل تسييساً، ولا يظنّ أحدٌ أنني أطالب بزيادة التعرفة ولا أشعر بوجع المواطن، ولكن من شأن عدم إقرار التعرفة أن يرتد الوجع أكبر على الناس”. وكشف أنهم “قالوا لي إقطع الانترنت والاتصالات ليقبلوا بالزيادة ولكن هذه ليست طريقتي، فأنا لا أرضى للناس بهذه البهدلة”. وقال: “اذا لم يقرّ المرسومان بالصيغتين التي قدّمتها فخيار الاستقالة مطروح[1] وسيعرض الموضوع على دولة الرئيس ميقاتي، لأنني لا أريد أن يقولوا أنه خلال تولي الوزارة بات قطاع الاتصالات مثل الكهرباء”.


[1]  يذكر أن الحكومة تعتبر مستقيلة حكما فور انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي. ولا تكون الاستقالة على الاستقالة جائزة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

سياسات عامة ، سلطات إدارية ، تشريعات وقوانين ، إقتراح قانون ، لبنان ، مقالات ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني