تعديل الساعة القانونية في المغرب: مبررات اقتصادية تصطدم بمقتضيات الساعة البيولوجية


2018-11-01    |   

تعديل الساعة القانونية في المغرب: مبررات اقتصادية تصطدم بمقتضيات الساعة البيولوجية

صادق مجلس الحكومة المغربية يوم الجمعة 26-10-2018  في خطوة مفاجئة وغير مسبوقة على مرسوم[1] قررت بموجبه استمرار العمل بالتوقيت الصيفي بشكل دائم والذي هو توقيت جرينيتش الدولي مضافا اليه 60 دقيقة بعدما ظل المغرب ولسنوات يزاوج بين توقيت صيفي وآخر شتوي (توقيت جرينيتش الدولي). وقد خلف هذا القرار ردود فعل مجتمعية غاضبة في أغلبها، بينما دافعت عنه الحكومة بمبرر المصلحة الاقتصادية العامة واعتمادها على دراسة أجريت بهذا الخصوص.

فما هي مبررات ردود الفعل المجتمعية وأساليبها الجديدة في الاحتجاح؟ وما هي مبررات الحكومة حتى أخدت هذا القرار الذي يوصف بالقرار اللاشعبي في المغرب؟

مبررات ردود الفعل

في رده على معارضة طبقات كبيرة من الشعب المغربي، قال أحد فقهاء الإسلام السياسي ومنظره بالمغرب أحمد الريسوني الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية المغري، “إن قرار الحكومة هو قرار متحرر من ضغط الغوغائية والرفض الارتجالي”، وأنه “رغم ارتفاع الصراخ والزعيق والتحريض العبثي (…)، مضت الحكومة في قرارها المدروس علميا ومصلحيا”[2].

ولم يساير أحد من مختلف الطبقات المغربية رأي الدكتور أحمد الريسوني بل تعرض هو الآخر لوابل من النقد جراء موقفه هذا. وقد برر المواطنون المغاربة موقفهم الرافض لهذا التوقيت بأن له انعكاسات سلبية على حياة الأسر المغربية وأطفالها كما له انعكاسات صحية خطيرة، بحيث سيضطرون إلى الاستيقاظ مبكرا جدا قبل طلوع النهار في بعض الفترات مع العلم أن المغاربة ولا سيما التلاميذ والطلبة ينامون بشكل متأخر بفعل عدة أسباب منها عامل (الإدمان) على شبكات التواصل الاجتماعي وعادات السهر لأسباب مختلفة وإيصال الأطفال في وقت مبكر للمدراس وغير ذلك.

وقد اجمل أحد الأستاذة الجامعين المحللين المعروفين بالمغرب ذلك في تدوينة له على صفحته بالفايسبوك ذلك بقوله :

 Omar Cherkaoui

 السيد رئيس حكومة الانصات، انا مواطن مغربي اعمل كاستاذ جامعي اضطر كل صباح لايقاظ ابنائي على الساعة السادسة يعني الخامسة بالتوقيت العالمي حتى يتمنكوا من قضاء حوائجهم والاستعداد للتوجه للمدرسة. اخبركم السيد رئيس حكومة الانصات اني اضطر لاخراج ابنائي يوميا في حدود السابعة اي السادسة بالتوقيت العالمي وسط ظلام دامس حتى يتمكنوا من الوصول للمدرسة في حدود 7.45 دقيقة. هذا بالنسبة لي وانا اقطن بالقرب من العاصمة واملك سيارة لنقل ابنائي فما بالك بالملايين من الاطفال يدرسون بالقرى ومضطرون لقطع الكيلومترات من اجل الوصول لمدارسهم ليلا ووسط تهديدات امنية وطقسية. السيد رئيس حكومة الانصات ليست كل القرارات تتحكم فيها ماكينة الحساب والموازنات الوهمية هناك حقوق للمواطن وللاطفال وللاسر ولدافعي الضرائب عليكم اخذها بعين الاعتبار، استمرار الساعة الاضافية يعني سرقة ساعة نوم وراحة وصحة من حياة المواطن وهذا ليس من حقكم ولم ننتخبكم لمعاقبتنا” .

وأما الاضرار الصحية لهذا القرار فيرون أنه يتمثل في عدم توافق الساعة القانونية مع الساعة البيرولوجية وما ينتج عنه من قلة النوم.

أساليب جديدة في المعارضة الشعبية والاحتجاج

بمجرد أن أعلنت الحكومة إصدار هذا القرار الذي يوصف بكونه قرارا غير شعبي حتى ظهرت في وسائل التواصل الاجتماعي دعوات للاحتجاج عن طريق إصدار عريضة إلكترونية وصلت في غضون يوم واحد إلى رقم عشرات الآلف. وقد ذهبت دعوات أخرى للاحتجاج في الشارع العام. كما اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي تعليقات ساخرة من الحكومة التي وصفوها بأنها حكومة الزيادة في كل شيء حتى في “ساعة” المواطنين في إشارة منهم إلى الزيادة في أسعار المواد الغدائية والمحرقات التي عرفها المغرب في السنتين الأخيرين وأثرت على حياة المواطنين. كما انتشر  في الواتساب ووسائل التواصل الاجتماعي هاشتاغ مقطع فيديو لممثل مغربي اسمه نورالدين بكر يقدم فيه النصح  في مشهد درامي للممثل رشيد الوالي في مقطع من مسلسل مغربي يعود لسنة 1998 عنوانه “سرب الحمام” بالدراجة المغربية “راك غادي- في الخسران- آ حمادي” قاصدين باسم حمادي سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية[3].

ويعيب المواطنون على القرار كونه لم يستند على استشارة شبيعة بل فرض عليهم بشكل مفاجئ ولم يخضع للنقاش العام  بل تم اتخاذه في مجلس حكومي استثنائي دون بيان سبب هذا الاستثناء، كما فعلت دول الاتحاد الأوروبي التي لجأت إلى الاستفتاءات الشعبية ولم تستطع حتى اتخاد القرار إلى اليوم. كما أن العديد من الدول كانت قد عملت بهذا التوقيت وتراجعت عنه مؤخرا[4].

مبررات الحكومة: المصلحة العامة أولى ولا مجال للتردد…

في ردها على غضب الشارع، أكدت الحكومة في شخص الناطق الرسمي باسمها الوزير مصطفى الخلفي وكذا وزير اصلاح الوظيفة العمومية محمد بن عبدالقادر، على أن هذا القرار كان من اللازم اتخاذه منذ مدة لمزاياه العديدة وأن هذه الحكومة كانت لها الجرأة لاتخاذه رغم تضحيتها بشعبيتها. ومن أهم هذه المزايا ما يتعلق بالجانب الاقتصادي حيث البلد في أمس الحاجة إلى تقوية الاقتصاد، ذلك أن قرار تغيير الساعة القانونية بالمغرب سيمكن من ربح الطاقة الكهرباء بأرقام كبيرة جدا. كما أن هذا التوقيت سوف يقترب من التوقيت المعتمد مع الشركاء الاقتصاديين للمغرب وهو ما يترجم أيضا إلى ربح مادي. كما أن هذا التغيير استند إلى دراسة قامت بها الحكومة وأكدت أهمية القرار الحكومي قبل الاقدام عليه. وعن التأثرات السلبية على المواطنين فقد قللت منها واعتبرتها ظرفية وأنها سوف تعتمد مقاربة مصاحبة لتطبيق المرسوم ومنها اعتماد توقيت جديد لدخول الأطفال للمدراس يراعي الفترات الزمنية المختلفة وكذا دخول الموظفين إلى الإدارات العمومية [5].

 


[1] – يتعلق الأمر بالمرسوم رقم 855-18-2 الصادر في 26-10-2018 منشور بالجريدة الرسمية عدد 6720 مكرر بتاريخ 27-10-2018 متاح في  الموقع الالكتروني الرسمي  للأمانة العامة للحكومة المغربية على الرابط الآتي : http://www.sgg.gov.ma/Portals/1/BO/2018/BO_6720-bis_Ar.pdf?ver=2018-10-27-101217-477

[2] – تصريحه نقلته عدة مواقع إعلامية مغربية ن منها موقع هسبريس الاخباري المغربي ، متاح على الرابط الآتي : www.hespress.com/societe/410148.html

[3] – للتفاصيل ومشاهدة الفيديو انظر الموقع الالكتروني الآتي : https://zaiocity.net/2018/10/29/%D8%B1%D8%A7%D9%83-%D8%BA%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D8%AD%D9%85%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%82%D8%B7%D8%A9/

[4] – انظر ملف جريدة الصباح الورقية  في عدد  5749 ليوم 29-10-2018  الذي خصصته لهذا الموضوع .

[5] – انظر بلاغ الحكومة في صفحة الناطق الرسمي باسمها الوزير مصطفى الخلفي .. https://www.facebook.com/mustapha.khalfi.officiel/?eid=ARB93QeZmIAiEfn6Y0z2UOz712vNtTuszw73hFBY4XS54mlxjetX1fvRlkP5JSLyTw-n1zkl8stUJXs8

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني