هذه نسخة معرّبة من النص الأصلي المنشور بالإنكليزية على موقع The National، تجدونه على الرّابط.
تعريب فيفيان عقيقي
في الشهر الماضي، قُدِّم اقتراح لتعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي الذي صدر قبل 65 عامًا، ويُشهد له بأنّه أحد أكثر القوانين حماية لحقوق النساء في الشرق الأوسط.
وشكّل هذا القانون في الآونة الأخيرة موضوعًا لكثير من الجدل، وخصوصًا فيما يتعلّق بالحدّ الأدنى لسنّ الزواج. ينصّ القانون الحالي على ألّا يقلّ السنّ القانوني للزواج، لكلّ من الرجال والنساء، عن 18 عامًا. ويخشى بعض العراقيين من أن تشجّع التغييرات المقترحة زواج القصّر.
وتؤجّج التعديلات المُقترحة على قانون الأحوال الشخصية الانقسامات أيضًا في فترة تتّسم باستقرار اجتماعي نسبي في البلاد، وتثير المخاوف من تراجع خطير في الحقوق الأساسية.
يسعى اقتراح القانون إلى إدخال تغييرات كبرى على المجتمع العراقي بطريقة مُتسرّعة ومن دون أي تحضير أو مناقشة. وبالفعل، شقّ الاقتراح طريقه إلى البرلمان، ثمّ سُحِب فجأة، قبل القراءة الثانية التي كان من المُفترض أن تتمّ في الأسبوع الماضي.
مستقبل القانون مجهول الآن، والواضح أنّه لم يكن ينبغي تقديمه بالأساس، وبالتأكيد ليس بهذه الطريقة. يضيء الاقتراح على الكثير من الأخطاء في السياسة العراقية وآليّة صنع السياسات اليوم، وهو نظام مُشبع بالانقسام والشعبوية والمكاسب قصيرة الأجل.
قوانين الأحوال الشخصية شائعة في الكثير من البلدان ذات الغالبية المُسلمة، وتحكم قضايا الزواج والطلاق والإرث وحضانة الأطفال. وفي البلدان التي يوجد بها طوائف إسلامية مُتعدّدة وبأعداد كبيرة، مثل لبنان، توجد عادة قوانين عدّة للأحوال الشخصية.
اعتُمد قانون الأحوال الشخصية العراقي في العام 1959 في عهد الحكومة الجمهورية الأولى في البلاد. لطالما كان العراق، ولا يزال، بلدًا متنوّعًا دينيًا. وفي وقت إقرار القانون، عانى العراق من ضعف تنمويّ وخصوصًا في المناطق الريفية، وحُرِمت النساء غالباً من حقوقهنّ الأساسية ومن ضمنها إجبارهنّ على الزواج المُبكر.
اعتُمد قانون العام 1959 كجزء من الجهود الرامية إلى تسوية الخلافات الدينية والقضاء على ممارسات مماثلة ضدّ الفئات الضعيفة. وحتى الآن يُطبّق القانون على جميع المسلمين بمعزل عن طائفتهم. يُستمدّ قانون الأحوال الشخصية من أكثر الجوانب تقدّمية في التقاليد الإسلامية المُختلفة. ومن هنا، حُدِّد السنّ الأدنى للزواج بسنّ الثامنة عشرة، كما ذكرنا آنفًا، وبـخمسة عشر عامًا في حالات استثنائية وتحت ظروف صارمة، كما ينزع القانون السلطة من رجال الدين في اتخاذ القرارات بشأن قضايا الأسرة والإرث ويمنحها إلى القضاة.
وعلى الرغم من تعارض هذا الواقع مع الممارسة الشائعة في المنطقة، فإنّه يمتلك سوابق أو ما يشابهه في أماكن أخرى. على سبيل المثال، يبتعد قانون الأحوال الشخصية في تونس عن التقاليد الإسلامية في جوانب عدّة مهمّة.
لا يخلو الإطار الحالي في العراق من العيوب. فقد شابت عملية تطبيقه إشكاليات عدّة. وشاعت الزيجات غير القانونية من دون علم الدولة. ووفقًا لبعض التقديرات، تصل الزيجات غير القانونية إلى نحو 20% من مجمل الزيجات ولا سيما في المجتمعات الفقيرة والريفية.
ومنذ الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، أدّت الأحزاب الإسلامية دورًا مُهيمنًا في السياسة والمجتمع. وعلى هذا الأساس، سعت إلى إلغاء قانون العام 1959 في عدد من المناسبات والعودة إلى التطبيق التقليدي لقوانين الأحوال الشخصية وفق ما حدّدته المؤسّسة الدينية. وجرت محاولات مُبكرة في الأعوام 2003 و2014 و2021، ولكنها باءت جميعها بالفشل لافتقادها لأي تأييد.
كما أثيرت القضية في العام 2005 أثناء صياغة الدستور. وتنصّ المادة 41 على أنّ “العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون”. وعلى الرغم من وضوح هذا الحكم، لم يطبّق بالكامل بعد لعدم إقرار تشريعاته التنفيذية.
في الشهر الماضي، تمّ إحياء القضية مُجدّدًا، إذ قدّم النائب المستقلّ، رائد المالكي، تعديلًا من صفحة واحدة على قانون العام 1959، يقترح فيه الإبقاء على القانون كما هو، مع منح المسلمين العراقيين حرّية الاختيار بين تطبيق أحكام قانون العام 1959 أو تطبيق القواعد الدينية.
يُعتبر الاقتراح الحالي أحد أعراض السياسة العرقية الطائفية في العراق، التي تتّسم بنمط من الشعبوية. وفي حين يشهد العراق فترة من الهدوء النسبي – إذ تحسّن الوضع الأمني في غالبية أنحاء البلاد ولا يوجد تهديد وشيك باضطرابات اجتماعية – قد يزيد التعديل المُقترح حدّة الانقسامات لمجرّد تحقيق مكاسب سياسية.
وفي هذه النسخة من الشعبوية، يُنظَر إلى النسويّات الدوليات، والعراقيين العلمانيين والتقدّميين باعتبارهم العدو، فضلًا عن أي شخص مُلتزم بالتقاليد الراسخة للدولة ومن ضمنهم القضاة. مع ذلك، تتمثّل المكاسب ببعض الامتيازات الانتخابية التي يُمكن حصدها داخل المجتمعات الدينية المؤيّدة للطرح.
ويُعتبر الاقتراح أيضًا أحد أعراض عملية صنع السياسات الفاشلة في العراق. يقترح المشروع إدخال تغييرات اجتماعية ضخمة من دون أي تفكير معمّق يدعمها. لم تُعدّ أوراق بيضاء، ولم تجرَ حوارات، ولم يكلّف أحد بإعداد أوراق بشأن الآثار المُترتبة على الاقتراح على المستويين الفردي والمجتمعي.
على سبيل المثال، في حين ينفي المدافعون عن الاقتراح سماح المشروع بزواج الأطفال، لم يقدّموا أيّ اقتراحات بشأن كيفية التصدّي لزواج الأطفال الجاري بالفعل. وإذا تُرِك من دون رادع، ولم يُضمّن الاقتراح صياغات واضحة بشأن هذه القضية، فقد يتفلّت مؤيّدو زواج الأطفال من أي قيد.
في دفاعهم عن الاقتراح، زعم البعض أنّ تبنّيه سوف يشجّع على تسجيل الزيجات غير القانونية. ولكن هذا مُجرّد افتراض، إذ لا يسمح القانون الحالي بعقد الزيجات إلّا للقضاة، ويجرّم عقدها من آخرين، عدا عن أنّ انتهاك الحدّ الأدنى لسنّ الزواج يُعتبر جريمة جنائية. لا يقدّم اقتراح القانون عفوًا عن أيّ من هذه الأفعال، ما يعني أنّها سوف تظل خاضعة للعقاب بموجب القانون.
فضلًا عن ذلك، وبينما يزعم اقتراح القانون منح العراقيين الحقّ في اختيار قوانين الأحوال الشخصية الخاصة بهم، يسعى إلى فرض لون ديني واحد على السنّة والشيعة، على الرغم من الانقسام الداخلي بين المجلسين، وعدم اعتناق الكثير من المسلمين العراقيين أيًا من المذهبين. على سبيل المثال، يوجد عدد كبير من الشافعيين في العراق، ولديهم معتقدات مختلفة عن الحنفيين الذين يشكّلون الغالبية بين السنّة. ومع ذلك، لا يعترف اقتراح القانون بالشافعية بانتهاك واضح للمادة 41 من الدستور.
أيضًا لا يذكر الاقتراح شيئًا عن أصول التعاطي في حالات “التسوّق القضائي”، وخصوصًا من قِبَل الرجال. ففي حال قرّر رجل على خلاف مع زوجته تغيير مذهبه إلى مذهب تكون أحكامه أكثر ملاءمة له، ما هي الأحكام التي يفترض تطبيقها؟ لا يملك العراق سجلّات مدنية تحدّد المذهب الذي ينتمي إليه المُسلم، وبالتالي فإنّ التحوّل من مجموعة قواعد إلى أخرى قد يكون سهلًا للغاية، وبالتالي ضارًا للغاية، وخصوصًا بالنسبة إلى النساء.
لم يُنظر في أيّ من هذه المشكلات في النقاشات الجارية. ومن الأفضل أن يسحب مؤيّدو المسوّدة وغيرهم من صنّاع السياسات الاقتراح، وأن يستبدلوه بعملية مُجدية تسعى إلى تحديث مسائل الأحوال الشخصية، وبدء المسارات الكفيلة بالحدّ من الانتهاكات وخصوصًا بحقّ النساء اللواتي يعانين من أوضاع هشّة.
ربّما يساهم إصدار ورقة بيضاء بشأن هذه المسائل، تستند إلى آراء خبراء وإلى نقاش عقلاني، بوضع نموذج لكيفية قيام الدولة الحديثة بتحديث تشريعات أساسية من هذا النوع.
والآن بعد تعليق القراءة الثانية في البرلمان، تشير بعض الاقتراحات إلى إمكانية حصول ذلك. ما يعني أنّ ما بدأ ككارثة قد ينتهي كنموذج لكيفية مناقشة التشريعات الرائدة وتبنّيها في ديمقراطية حقيقية وفعّالة.