تعديلات دستورية اردنية بتوجيهات ملكية واسباب مبهمة


2014-08-18    |   

تعديلات دستورية اردنية بتوجيهات ملكية واسباب مبهمة

لم يكن الحديث عن تعديل الدستور الاردني قبل عام 2011 من المباحات.فدائما ما كان يقرن تعديل الدستور بالخط الأحمر. وما أن باغت الربيع العربي دول الاقليم حتى جاءت الخطوة الاستباقية لمواجهة تداعياته المحتملة على الاردن باجراء تعديل دستوري موسع، وصف بأنه إصلاح دستوري. وقد تناول التعديل آنذاك نصوصا دستورية يتعلق بعضها بمطالب نشطاء الحراك، وبعضها الاخر بمبادرة من السلطة لاثبات جدية الإصلاح. وبصرف النظر عن جدوى تلك التعديلات ومدى استجابتها لمطالب الشارع الاردني، ظن الجميع أن باب التعديلات الدستورية قد اقفل الى حين. ولم يكن يخطر ببال أحد أن تعديلا سيطال الدستور في غضون أقل من ثلاث سنوات من تاريخ ذلك التعديل الموسع، حتى جاءت الرسالة الملكية لرئيس الوزراء عبد الله النسور بتاريخ 13/ 8/2014 والذي بادر للرد عليها في غضون ساعات مستأذنا بإجراء تعديل دستوري يطال مادتين في الدستور.

الرسالة الملكية بخصوص التعديل الدستوري
دعا الملك رئيس الوزراء في نص الرسالة الموجهة اليه إلى "المضي إلى الأمام نحو مرحلة جديدة من الإصلاحات المرتكزة إلى مبادئ الشفافية، وتعزيز المشاركة الشعبية، وتحمل المسؤولية الوطنية من الجميع"، على الإشارة الى أن الأجواء بالغة الخطورة وغير المسبوقة التي يمر بها إقليمنا، تحدو الأردن إلى المزيد من العمل لتعزيز مؤسساتنا الوطنية وتطوير أدائها وإعادة تنظيمها .

وقد طلب الملك الشروع بخطوتين: أولاً: بدء العمل لتفعيل وزارة الدفاع، كمؤسسة وطنية، للنهوض بالوظائف السياسية والاقتصادية والقانونية واللوجيستية للدفاع الوطني، ليتسنى للقوى العسكرية التفرغ لمهامها العسكرية الاحترافية، وثانياً: توسيع دور الهيئة المستقلة للانتخاب في إدارة العمليات الانتخابية، لتشمل الانتخابات البلدية والإشراف عليها، … تنفيذا لمشروع وطني متدرج للّامركزية[1].

استئذان رئيس الوزراء للملك باجراء تعديلين دستوريين
بعد تلقي رئيس الوزارة لرسالة المالك بساعات قليلة، بادر الى استئذانه بإجراء تعديلين دستوريين في رده على رسالة الملك التي وجهت له بهذا الخصوص،[2] ويتعلق التعديل الدستوري الأول بإسناد صلاحية تعيين رئيس هيئة الأركان المشتركة ومدير المخابرات العامة بالقائد الأعلى للقوات المسلحة، رأس الدولة، وذلك تأكيدا للدور التاريخي للملكية الهاشمية ومؤسسة العرش، كعنصر موحّد وصمام أمان… وحرصا على ترجمة رؤى جلالة الملك في بقاء مؤسسة الجيش العربي والمخابرات العامة مهنية وغير مسيسة...وهذا سيمهد لتفعيل دور وزارة الدفاع وإعادة إطلاقها على مراحل، تحت مظلة مجلس الوزراء، … ونقل الأعباء اللوجيستية والإدارية والاستثمارية والتنموية، الخارجة عن التخصص العسكري الاحترافي، من القيادة العامة للقوات المسلحة إلى وزارة الدفاع بتدرج…أمّا التعديل الدستوري الثاني، فينصب على توسيع دور الهيئة المستقلة للانتخاب في إدارة جميع الانتخابات الأخرى غير النيابية والإشراف عليها، … وذلك في إطار الحرص على تحقيق أعلى مستويات النزاهة والشفافية والاستقلالية والحياد في إدارة العمليات الانتخابية، وبما يعزز نهج التحول الديمقراطي.

اسباب التعديل الدستوري
السؤال المطروح حاليا في الاوساط الاردنية إزاء ذلك هو: "ما هي اسباب ودوافع تلك الرسالة الملكية؟" ورغم الغموض الذي يلف موضوع التعديلات الدستورية المباغتة، الا ان الكل يجمع على أنه لا يمكن قراءة هذا التعديل المقترح بمعزل عن الاحداث التي تمر بها المنطقة وانعكاساتها على الأردن. وهنا يثار السؤال حول ضرورة التعديل الدستوري المتعلق بالهيئة المستقلة للانتخابات، والذي ربما يكون مجرد غطاء للتعديل الدستوري الاول المرتبط بوزارة الدفاع وتعيين قائد الجيش وقائد المخابرات من قبل الملك فقط دون مشاركة من اي جهة اخرى، ولصرف الانظار عن التركيز على ابعاد هذا التعديل بمفرده. فبالامكان تحقيق الهدفين المذكورين أعلاه من دون تعديلات دستورية. فبخصوص الهيئة المستقلة للانتخاب، يقول النص أن "تشرف الهيئة على الانتخابات النيابية وتديرها في كافة مراحلها كما تشرف على أي انتخابات أخرى يقررها مجلس الوزراء"[3]. ومن الممكن اذا اشراف الهيئة على الانتخابات المحلية بموجبه. لكن عندما أرادت الحكومة في حينه أن تشرف هذه الهيئة على الانتخابات البلدية الأخيرة عام 2013، رأى البعض أن النص الدستوري لا يخول "الهيئة" حق إدارة العملية في كافة مراحلها. وهذا التزمت المفتعل في التفسير دفع رئيس "الهيئة" في حينه، عبدالإله الخطيب، إلى معارضة هذا التكليف، لأن دور "الهيئة" سيكون ملتبسا، وقد تصبح مجرد شاهد زور على هذه الانتخابات[4]. أما تفعيل وزارة الدفاع، فهو بالطبع لا يحتاج إلى تعديل دستوري؛ إذ انها موجودة اصلا، لكن جرت العادة وربما وصلت للعرف الدستوري منذ العام 1970 على إناطة مسؤوليتها برئيس الوزراء. وهكذا اختفت كمؤسسة وجهاز، وأصبح لرئيس الوزراء المسؤولية الشكلية بتوقيع القرارات كوزير للدفاع. ويتساءل البعض كيف نضجت فكرة عودتها، وانه لا أساس لربطها بموضوع "داعش" والتهديدات الأمنية؛ فلا شيء يحول دون القيام بكل ما هو ضروري لمواجهة التحديات العسكرية والأمنية. لكن الفكرة إصلاحية ومؤسسية وضرورية وفق التجربة.لكن ربط قرار تفعيل وزارة الدفاع بنقل سلطة تعيين رئيس هيئة الأركان ومدير المخابرات العامة الى الملك مباشرة، أدى الى طرح العديد من الاستفسارات حول المشروع.إذ أن بعض التعيينات، وخصوصا رئيس هيئة الأركان ومدير المخابرات العامة ومدير الأمن العام ومدير الدرك، هي واقعيا للملك، حتى لو كانت شكليا ودستوريا تمر عبر التنسيب الحكومي[5]. لكن تسويق الفكرة انطلق من تحسبات للمستقبل؛ إذ نتوجه الى حكومات برلمانية كاملة، وربما حزبية في المستقبل، ويستحسن في منطق المعنيين في هذه الحالة إبقاء مؤسسة الجيش والأمن الوطني وتعيين مسؤولها الأول بعيدا عن التجاذبات السياسية والانقسامات الداخلية.  

ترحيب نيابي مسبق لتعديل الدستور قبل المناقشة: تعديلات تقدمية
ما أن شاع خبر رغبة الملك باجراء تعديل دستوري حتى إنبرى اعضاء مجلس النواب الذين لم يعلموا بالتعديل الا من وسائل الاعلام الى الترحيب المفرط بهذه التعديلات، حتى أن بعض النواب سارع الى كتابة مقالات صحفية في تمجيد التعديلات المقترحة ووصفوها بأنها تقدمية [6]. كما رحب رئيس مجلس النواب الاردني السيد عاطف الطراونة بها في حديثه للصحافة المحلية[7]، معتبرا أنها تمثل خطوات اساسية في المضي في الحكومات البرلمانية بشكل اساسي في تشكيل الحكومات المقبلة، مثمنا دور الملكالسباق دائما للإصلاح. ومن الطريف في هذا الصدد أن أحد النواب رأى في طلب الملك لتعديلات دستورية تعبيرا عن عدم ثقته برئيس الوزراء [8].
 
رفض للتعديلات الدستورية
وجد بعض المحللين والكتاب[9] في قيام رئيس الحكومة عبدالله النسور بتوجيه رسالة إلى الملك يستأذنه فيها للتقدم بمشروع لتعديل الدستور في محلين أحدهما منح صلاحية تعيين رئيس هيئة الأركان المشتركة ومدير المخابرات العامة للملك أنه يشكّل جريمة الشروع بتقويض نظام الحكم السياسي في المملكة ويستوجب تحرك النيابة العامة للتحقيق فيها. فهذا الفعل، بالإضافة لكونه يشكل توريطاً غير بريء للملك وللملكية في الأردن بان يجعل القصر مسؤولاً أمام الشعب عن أية اخطاء ترتكبها المؤسسات الأمنية، فهو أيضاً ينزل بمرتبة الملك من كونه الحكم بين جميع سلطات الدولة ليصبح لاعباً، ما له آثار خطيرة على المؤسسة الملكية باعتبارها رمزا لوحدة الامة وكرامتها وعزتها.

ومن جهته، بين القيادي في حركة الاخوان المسلمين زكي بني رشيد وفي تعليقه على التعديلات الدستورية على صفحته الشخصية على الفيس بوك[10]، أن التعديلات الدستورية المقترحة مفاجئة ودون مقدمات والاستعجال بتشريعها يثير مفاحأة اخرى، حيث صدرت ارادة ملكية بدعوة مجلس الامة للاجتماع يوم الاحد. وبين انالجماعة تدرس الموضوع بعناية ولم تحدد إلى الآن موقفها من التعديلات المقترحة بسبب غياب المعلومات والإيضاحات حول الاسباب الموجبة للتعديل… واذا كانت هناك ضرورة لمثل هذه الإجراءات فيجب أن تخضع لحوار وطني جاد يجمع مختلف مكونات المجتمع.
 
شكل التعديل الدستوري المقترح
ورغم التعديل الدستوري المقترح، فان "القوات المسلحة والمخابرات العامة سوف تبقى مرتبطة ادارياً بالحكومة (رئيس الوزراء او وزير الدفاع)، وتبقى الحكومة مسؤولة عن اعمال هذه الاجهزة (الجيش والمخابرات) وليس الملك.ذلك انها تعمل ضمن السياسة العامة للحكومة وتقوم بتنفيذها" ما يعني ان الموقعين سيكونان تحت مظلة الحكومة.ووفق ما يراه رئيس ديوان التشريع والرأي فإن التعديل يفرق ما بين التعيين (وهو حق منفرد للملك)، وبين ممارسة القوات المسلحة والاجهزة الامنية لأعمالها، واوضح ان الحكومة تسأل عن ممارسة هذه الاعمال في حال الخطأ او التقصير.واضاف "لا حصانة لهذه الاجهزة من اي مسؤولية كانت".

وبين انه بالإضافة إلى ذلك، فان تعيين موظفي الفئة العليا في الدولة يتم بعد صدور الارادة الملكية، فقرار التعيين غير نافذ دون صدور مثل هذه الإرادة. ومع ذلك تسأل الحكومة عن اعمال هؤلاء امام البرلمان، ولا توجد اي مسؤولية للملك[11].وتجدر الاشارة الى ان الملك يمارس صلاحيته في تعيين رئيس الوزراء وصلاحيته في اقالة الحكومة دون وجود اي توقيع مجاور وفقا لمتطلبات المادة (40) من الدستور. وبحسب النص المقترح في التعديل الدستوري فانه يقول "على الرغم مما ورد في المادة (40) من الدستور يعين الملك قائد الجيش ومدير المخابرات". اما بخصوص النص المتعلق بالمادة 67 وتوسيع اختصاص الهيئة المستقلة للانتخابات فسيكون النص المقترح في التعديل " تشرف الهيئة على الانتخابات النيابية وتديرها في كافة مراحلها كما تشرف على انتخابات مجالس المحافظات والمجالس البلدية والمجالس المحلية او اي انتخابات اخرى يكلفها بها مجلس الوزراء  " .

الخلاصة
هناك انطباع عام تشكّل وسط النخب البرلمانية والسياسية الأردنية مفاده ان التعديلات الدستورية المقترحة والتي سينظرها البرلمان قريبا ستشكل حلقة أساسية أمام الإنتقال الفعلي لمرحلة «تشكيل حكومة برلمانية»،وهي المسألة  التي ألمح لها رئيس الحكومة عبدالله النسور دون توضيحات وشروحات معززة.كما أن هناك امرا آخر تثيره تعديلات الدستور المتتالية، ويتمثل في أن نصوص الدستور لم تعد خطا احمر فهي قابلة للتطور والتعديل في عملية شرعية وتشريعية متوافق عليها بدلالة على حيوية المجتمع وقابلية الدولة للتفكير بحزمة تعديلات دستورية.وفي الواقع لم يغير هذا التعديل من الامر شيئا فالجميع يعرف بان الملك او القصر هو الذي كان اختار بالماضي رؤساء أهم جهازين سياديين في الأردن وتنسيبات مجلس الوزراء بالعادة هي مكملة فقط للإرادة الملكية بالخصوصالمبنية على نصائح مستشارين مقربين للملك.وهكذا ووفقا للتعديل المقترح، سيتجسد «واقع الحال» دستوريا،ويؤدي هذا التعديل إلى ابقاء القضايا «السيادية» اذا بيد مؤسسة «العرش»،  وبمنأى عن ممثلي الشعب.



[1]– للاطلاع على نص الرسالة كاملة أنظر الرابط : http://www.alghad.com/articles/819360-99
[2]– للاطلاع على رد رئيس الوزراء كاملا على رسالة الملك انظر الرابط :
http://maqar.com/?id=63193&&headline
[3]– المادة ( 67 / 2 ) من الدستور الاردني لعام 1952 وتعديلاته .
[4]– هل نحتاج تعديلات دستورية ؟ ،  http://www.alghad.com/articles/819691، 15 / 8 / 2014 .
[5]– تنص المادة ( 32 ) من الدستور الاردني على انه " الملك هو القائد الاعلى للقوات البرية والبحرية والجوية ".
[6]– انظر على سبيل المثال مقالة للنائب عبد الكريم الدغمي بعنوان " التعديلات الدستورية والاصلاح المتدرج " ، وقد ورد في هذا المقال بالحرف " وعندما كنّا نقول أن الإصلاح يأتي بالتدريج ، وأن جلالة الملك هو الذي يقود عملية الإصلاح في البلد ، وأنه الرائد المستلهم لرغبات شعبه كانوا يقولون عنّا أننا رجعيون!" ، http://www.jfranews.net/more-91341، 16 / 8 / 2014 .
[7]-الطراونة: التعديلات الدستورية الجديدة خطوات حقيقية نحو الحكومات ،  http://www.alrai.com/article/663696.htm، 15 / 8 / 2014 .
[8]– النائب طارق خوري: الملك لايثق بعبدالله النسور، والسبب؟؟ ،
http://alkawnnews.com/article.aspx?articleno=25579، 13 / 8 / 2014 .
[9]– المحامي عمر العطعوط، http://7iber.net/2014/08/jordan-violating-constitution، 14 / 8 / 2014 .
[11]http://www.ammonnews.net/article.aspx?articleno=202686، 14 / 8 / 2014 .
               
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، الأردن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني