
في بيان صدر عنه بتاريخ 18-01-2025، كشف المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين عن حضور ممثلة النيابة العمومية في محكمة العاصمة تونس إلى مقرّها في قصر العدالة، مصحوبة بعون أمن، وقد طلبت من رئيس الجمعية وأعضاء مكتبها التنفيذي قطع اجتماع كانوا يعقدونه ومغادرة المحكمة فورًا. وذكرت لهم أنّ تعليماتٍ صدرتْ عن وكيل جمهورية العاصمة في الموضوع وهو يحَمّل أعضاء المكتب التنفيذي المسؤولية عن مخالفة أوامره. وقد بررت ممثلة النيابة العمومية موقفها بأن الاجتماع يعقد في عطلة نهاية الأسبوع والمحكمة مغلقة فيها ولا يسمح بدخولها. واقعة أدانتها الجمعية واصفة إياها في بيانها “بالسابقة الخطيرة” لما فيها من مسّ بحقّها في النّشاط.
المسّ بحق جمعية القضاة في الاجتماع “سابقة خطيرة”
يقع مقر جمعية القضاة التونسيين بالطابق الثاني من قصر العدالة بتونس العاصمة، ويتمثل في مكتب تقارب مساحته العشرين مترا مربعا، علقت فوق بابه صورة شمسية للقاضي محمد عمار الورتتاني أول رئيس لودادية القضاة التونسيين التي يعود تاريخ تأسيسها إلى 22-03-1946، بما يذكّر أنّ القضاة التونسيين تمكنّوا من فرض حقّهم في التنظّم منذ الحقبة الاستعمارية وأن مقرّ جمعيتهم يعود تخصيصهم به لتلك الفترة وهو الذي حدّد كمقرّ رسمي للجمعية في قانونها الأساسيّ. وقد ماثل في هذا موقفهم ما قررته عمادة المحامين التونسيين وفرعها في دائرة قضاء محكمة الاستئناف بتونس وجمعية المحامين الشبان وقد تمسّكت كلها بمكاتبها في قصر العدالة كمقرات رسمية على ضيق فضاءاتها حماية لتاريخ توثقه.
ولئن امتنعت السلطة سابقًا عن أي تدخّل في تحديد مواعيد اجتماعاتها أو فرض قيود على زيارات مقراتها، يظهر قرار وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس بمنع اجتماعات الجمعية في مقرّها خارج مواعيد الدوام الرسمي محاولة منه لفرض قيود غير مسبوقة تعكس تململًا سياسيًا من نشاط الجمعية، وتحديدا من مثابرتها على فضح تدخل السلطة السياسية في القضاء وتوجهها لوضع اليد عليه. ويخشى تاليًا أن تشكل هذه السابقة مقدّمة لفرض مزيد من القيود على نشاطها، وهو أمر يجدر متابعته لما يمثّله من تطوّر يذكر بماضي ممارسات السلطة مع ذات الهيكل في زمن الاستبداد ما قبل ثورة 2011.
الحدث بالحدث يذكر: هل هي مقدمات ل 2005 جديدة؟
في سنة 2005 وبسبب مواقف صدرتْ عن جمعيّة القضاة فضحت استعمال القضاء في محاكمات سياسية تستهدف خصومها، مكّنت السّلطة شقّا من مكتب جمعيّة القضاة كان يواليها من مقرّ الجمعية بعد استيلائها عليها وطردها مكتبها الشرعي منه. واقع استمر حتى 16 جانفي 2011 متى استفاد القضاة من الثورة وفرضوا حقهم في استقلالية هيكلهم المهني باستعادة مقر جمعيتهم من قبضة السلطة والموالين لها. ظنّ الجميع أن تلك الوقائع انتهت لتكون صفحة من تاريخ قطعت تونس مع ممارساته. لكن ما يلاحظ من تضييق على حقّ الجمعية في الإدارة المستقلة لمقرّها وللاجتماع به ينذر بخطر معاودة القضاء التونسي للماضي بتفاصيل جديدة وهو ما يمسّ بفرص الدفاع عن الحق في المحاكمة العادلة في سنة قضائية سيكون من أهم عناوينها جلسات المحاكمات المنتظرة للشخصيات السياسية المعارضة الموقوفة بتهم متعددة. ويذكر أن المفكرة القانونية كانت نشرت في 2016 بحثًا معمّقا ومقارنا [U1] عن أوضاع القضاة في مصر وتونس في زمن الاستبداد ما قبل 2011، تناولت فيه بإسهاب ما تعرضت له جمعية القضاة التونسيين في 2005.
متوفر من خلال: