لم تمر حادثة الاعتداء التي تعرض لها الصحفي الفلسطيني معاذ عمارنة من قبل قوات الاحتلال الصهيونية، دون رد فعل من أبناء القطاع في تونس بمبادرة من النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين. الاعتداء الأخير على معاذ عمارنة، والذي تسبب في فقدانه لعينه اليسرى أثناء تغطيته لتحركات احتجاجية في 16 نوفمبر الجاري ضد محاولات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية في مدينة الخليل، أثار حالة من الغضب لدى الصحفيين التونسيين الذين لم تكتف نقابتهم ببيانات التنديد لتمر إلى تنفيذ وقفة احتجاجية والبحث في سبل مقاضاة الجناة دوليا.
بعد يومين من إصدارها لبيان بخصوص الاعتداء الذي طال الصحفي الفلسطيني معاذ عمارنة، نظمت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين يوم الأربعاء 20 نوفمبر 2019 وقفة تضامنية أمام مقرها وسط العاصمة التونسية، بمشاركة المهنيين وعدد من منظمات المجتمع المدني. وقد قام المشاركون في هذا التحرك بوضع ضمادة على أعينهم اليسرى للتعبير عن تضامنهم المطلق مع زميلهم الفلسطيني الذي فقد عينه بعد أن فقأتها رصاصة جندي إسرائيلي خلال تغطيته للمواجهات التي يشهدها جنوب الضفة الغربية بين الأهالي وقوات الاحتلال. واعتبرت النقابة في بيانها الذي صدر في 18 نوفمبر 2019 “أنّ ما يقترفه جنود الاحتلال من أبشع الانتهاكات يعدّ جرائم ضدّ الإنسانية تتطلب مسائلة دوليّة”، لتطالب “المنظمات الدولية والأممية ومنظمات حقوق الإنسان بإدانة هذه الاعتداءات، وبالاضطلاع بدورها في حماية الصحفيين من الاعتداءات التي تطالهم خلال اداء واجبهم المهني. “
حشد واسع ضد سياسة طمس الحقيقة
اللقاء الإعلامي الذي أعلنت عنه النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في بيانها السابق لم يقتصر على أهل القطاع، إذ ضم الاجتماع الذي انطلق قبيل منتصف النهار عددا من الصحفيين الفلسطينيين إضافة إلى سفير دولة فلسطين في تونس هايل الفاهوم، وعميد المحامين إبراهيم بودربالة ورئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان جمال مسلم، والمدير التنفيذي لمركز دعم التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان، محمد عمران والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات. وقد استعرض المجتمعون وضعية الصحفيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة والاعتداء الغاشم الذي تشنه قوات الاحتلال الصهيونية على الصحفيين الفلسطينيين ضاربة عرض الحائط جميع المواثيق الدولية التي تكفل حمايتهم أثناء أداءهم لواجباتهم المهنية.
وفي هذا السياق، أكد نقيب الصحفيين ناجي البغوري في تصريح ل “المفكرة” أن “اليوم التضامني الذي نظمته النقابة لمساندة الصحفي الفلسطيني يعتبر استثنائيا مقارنة بالتحركات السابقة وذلك لتجميعه عددا هاما من قوى المجتمع المدني من بينها المنظمتين الحاصلتين على جائزة نوبل للسلام ضمن الرباعي الراعي للحوار وهما الهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. علاوة على ذلك فإنّ النقابة الوطنية للصحفيين أجرت اتصالات مع الاتحاد الدولي للصحفيين رفقة عدد من قوى المجتمع المدني من أجل رفع قضية دولية ومحاكمة المسئولين الإسرائيليين المتورطين في القتل والدمار“.
وقد تم اختتام اللقاء الذي حظي بتغطية إعلامية كبيرة وحضور عدد هام من الصحفيين الذين لبوا دعوة نقابتهم، بوقفة احتجاجية حضرت فيها الأعلام الفلسطينية وشعارات التنديد بجرائم الكيان الصهيوني التي تطال الصحفيين والمحتجين، لتعكس موقف نقابة الصحفيين من القضية الفلسطينية الذي عبرت عنه في بيان 18 نوفمبر مجددة “تضامنها غير المشروط مع نقابة الصحفيين الفلسطينيين، ودعمها المبدئي للشعب الفلسطيني في نضاله المشروع ضد الاحتلال الصهيوني من اجل استرداد حقه وتقرير مصيره على كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة”. كما نظم عدد آخر من الصحفيين المكلفين بتغطية مشاورات تشكيل الحكومة، وقفة تضامنية متزامنة أمام قصر الضيافة بقرطاج رافعين نفس الشعارات.
تونس ليست استثناء
الاعتداء على الصحفي الفلسطيني سلّط الضوء مجددا على واقع الصحفيين في العالم ككل، حيث بلغ عدد الصحفيين الذين قتلوا خلال سنة 2019 وفق مراسلون بلا حدود 36 صحفيا، إضافة إلى الاعتداءات الجسدية والسجن، إذ يقبع 234 صحفيا حول العالم في السجون بحسب نفس المصدر.
المشهد في تونس لا يختلف كثيرا عن نظيره الدولي، إذ كشف التقرير السنوي لسنة 2019 الصادر عن نقابة الصحفيين، تعرض أكثر من 200 صحفي وصحفية لشتى أنواع الاعتداءات خلال الفترة الممتدة بين 1 ماي 2018 و30 أفريل 2019. اعتداءات شهدت أوجها خلال الفترة الانتخابية حيث كشفت وحدة الرّصد والسلامة المهنيّة التابعة لنقابة الصّحفيين عن الإحصائيات الخاصة بالاعتداءات التي طالت المهنيين خلال الفترة الممتدة بين 22 جويلية 2019 و17 أكتوبر 2019، ليتم تسجيل 79 إحالة اعتداء جسدي ولفظي ومنع من العمل طال 76 صحفيا تونسيا.
وفي هذا الإطار اعتبر نقيب الصحفيين ناجي البغوري أنّ “التنقيح الذي سيطال القانون عدد 115 سيفرض آليات جديدة لوضع حد للاعتداءات الموجهة على الصحفيين وأنّ النقابة تعمل على التنسيق مع الأطراف المعنية للحد من موجة العنف هذه.”
لئن كانت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين وفية لموقفها من القضية الفلسطينية، فإن التحرك الأخير لم يقتصر على إبراز الدعم أو الإدانة للاعتداءات الوحشية التي تطال الصحفيين من قبل قوات الاحتلال، بل حاول تسليط الضوء على أن استهداف الصحفيين قد تحول إلى سياسة ممنهجة تعتمدها القوات العسكرية والأمنية خلال تعاطيها مع الاحتجاجات أو القيام بعملياتها، لطمس الحقيقة والتغطية على جرائمها. أسلوب ظهر للعيان جليا سنة 2003 خلال غزو الجيش الأمريكي للعراق وعمليات الاستهداف المباشرة للصحافيين ومقراتهم في بغداد وغيرها من المدن العراقية من قبل القوات الأمريكية والتي أفضت إلى سقوط العشرات من الضحايا وإغماض عيون الحقيقة.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.