تصريحات النائب جو ويلسون: تحدّيات العلاقات التونسيّة الأمريكيّة في زمن الترامبية


2025-02-14    |   

  تصريحات النائب جو ويلسون: تحدّيات العلاقات التونسيّة الأمريكيّة في زمن الترامبية

أثارت عودة دونالد ترامب للرئاسة الأمريكية التوجس لدى المؤسسات الرسمية التونسية، في ظلّ عدم وضوح التمشّي الأمريكي الجديد في منطقة شمال أفريقيا عموما، وفي ظل تحدّيات إقليميّة شديدة التأثير على الوضع السياسي التونسي، وليس آخرها سقوط نظام الأسد في سوريا، وهو النظام الذي كانت إدارة سعيد قد راهنت على إعادة العلاقات معه قبيل سقوطه. وفي أحد أول المواقف من الساسة الأمريكيين، أتت سلسلة من التغريدات حول تونس من النائب الأمريكي عن ولاية كارولينا الجنوبية وعن الحزب الجمهوري “جو ويلسون” لتكشف جزءا من رؤية الإدارة الأمريكية للملف التونسي. وإن كانت مثل هذه التغريدات لا تعبّر عن سياسة أمريكية محددة وواضحة، إلا أنها تصلح كمؤشرات لتلمّس حيّزًا من التوجهات السياسية الأمريكية إزاء النظام في تونس مُستقبلا. ويُعدّ “جو ويلسون” من بين الشخصيّات التي أثارت الجدل مؤخّرا على الساحة الأمريكيّة بعد ظهوره محمولا على الأكتاف من قبل عدد من الناشطين في المعارضة السورية ضدّ نظام الأسد سابقا. وقد حضر النائب في مؤتمر تحت مسمّى “حقبة سوريا الجديدة” الذي نُظم في إحدى قاعات الكونغرس يوم التاسع من فيفري حيث تم توشيحه بالعلم السوريّ تكريما لدوره في التواصل مع بعض الناشطين السوريين في الولايات المتحدة الأمريكية لتمرير بعض التشريعات التي ساهمت في تضييق الخناق على نظام الأسد خلال السنوات السابقة ومن أهمها “قانون قيصر”. غير أنّ مواقف ويلسون المساندة لإسقاط بشار وتصريحاته المكثفة حول ضرورة تدعيم الأطر الديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تمنع مواقف أخرى ل”ويلسون” عبّر فيها عن مُساندته ودعمه للسياسة الإسرائيلية في المنطقة.

تغريدات “ويلسن” تُثير الجدل في تونس

جو ويلسون، السيناتور الأمريكي المنتمي إلى الحزب الجمهوري، أصبح اسما متداولا بكثرة في تونس هذه الأيام بسبب سلسلة من التغريدات على موقع x. أولى هذه التغريدات تضمّنت طلبا بقطع كافة المساعدات الأمريكية عن تونس، ووصفه الرئيس سعيّد بأنه “ديكتاتور مناهض للولايات المتحدة” وقد “حوّل الديمقراطية الناشئة إلى دولة بوليسية استبدادية”. هذا الموقف من ويلسون تجاه السلطة في تونس ليس بالأمر المستجد، إذ سبق له أن عبّر سنة 2023 عن دعوته إلى فرض عقوبات على عدد من المسؤولين التونسيين المُشاركين في الحملات القمعيّة.

وشارك “ويلسون” في تغريدة أخرى صورة للرئيس قيس سعيد مع مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية “علي خامنئي” في موكب عزاء الرئيس الإيراني السابق “إبراهيم رئيسي” كدليل على التقارب بين السلطتين في البلدين، مع طرحه تساؤلات عن مواصلة الولايات المتحدة تقديم مساعدات للنظام التونسي وتوعده بأن “ترامب سيحلّ المشكل”. يُفسر جزء من تغريدات جو ويلسون، الذي يشغل عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي والعضو المنتدب للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بعدائه الشديد للسياسة الإيرانية في المنطقة. فقد سبق لويلسون هذا الشهر أيضا أن طالب لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي بالتحقيق مع “بريت ماكغورك” مسؤول ملفّ الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي زمن إدارة جو بايدن الذي اتهمه بتبني “سياسات فاشلة لم تخدمْ سوى إيران ووكلائها في المنطقة، مما جعل الأمريكيين أقل أمنا” حسب تعبيره.

وقد بلغ حماس “ويلسون” مدًى متزايدا أثناء ردوده على النائبة التونسية فاطمة المسدي التي طالبته بالاعتذار عن تصريحاته وتغريداته الأخيرة في رسالتها التي وجهتها إليه يوم 4 فيفري. ومن المفاجئ أن ويلسن قد ردّ عليها في رسالة طالب فيها النائبة صراحة ب”ترك النظام” مع وعيده بأن هذا النظام “سينهار كما نظام الأسد”. يبقى السؤال هنا قائما عن مدى أهمية آراء ويلسون وتعبيرها عن جزء مما يُفكر فيه صانع القرار الأمريكي. إذ أن ويلسن من بين أهمّ نواب الحزب الجمهوري، حيث بدأ في تمثيله ضمن السلطة التشريعية منذ سنة 2001، وهو مقرب جدا من وزير الخارجية ماركو روبيو الذي سبق أن حثّه في إحدى تغريداته على “قطع كافة المساعدات عن تونس كجزء من مراجعة السياسات الخارجية”. غير أن جانبا هاما من تأثير النائب ويلسون على صنع القرار في الولايات المتحدة يكمن في انتمائه العسكري السابق وعلاقته الوثيقة بقيادة الجيش الأمريكي، عندما عمل محاميا لدى القضاء العسكري، كما تقاعد من الجيش الأمريكي سنة  2003 حيث بلغ رتبة كولونيل. وقد شغل عضو اللجنة الفرعية لمكافحة الإرهاب الدولي في مجلس النواب وكذلك عضوية اللجان الفرعية البرلمانيّة للجاهزية والقوات الاستراتيجية التابعة للجنة الجيش والدفاع، وهي مهامّ تسمح بدور حيوي على مستوى السياسات التشريعية في الجوانب الأمنية والعسكرية.

أي نهج للولايات المتحدة على مستوى المساعدات المقدّمة لتونس؟

 أتت تصريحات ويلسن في سياق جملة من الإجراءات التي أقدمت عليها إدارة ترامب لوقف أو تعليق عدد من المساعدات الخارجية الأمريكية. حيث قامت وزارة الخارجية في 20 جانفي الماضي بتجميد كافة الإعانات تقريبا في مختلف أنحاء العالم، بعد إصدار الرئيس الأمريكي أمرا تنفيذيا بإيقافها لمدة تسعين يوما. ومن المؤكد أن قرار غلق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية  USAID سيُحدث تبعات كبيرة على مستوى تطوير أداء المؤسسات وكذلك في دعم المشاريع الصغرى والمتوسّطة والانتقال الطاقيّ وغيرها من المشاريع التي كانت تتلقّى تمويلا سابقا من الوكالة في تونس. ويمكن أن نشير هنا إلى أن الولايات المتحدة قد خصّصت مبلغ 11 مليون دولار لتعزيز التنافسية بين الشركات الصغيرة وخلق نحو 8 آلاف فرصة عمل في تونس خلال سنة 2024 فقط.

وبالعودة إلى تاريخ المُساعدات الأمريكية لتونس، نجد أن المساعدات الثنائية قد أخذت نسقا متزايدا سنة 2011 ولكنها تعززت أكثر منذ سنة 2015 تاريخ اعلان انضمام تونس للناتو كعضو أساسي من خارج الحلف، حيث تم وضع حد أدنى للمساعدات العسكرية الأمريكية بلغ 141.9 مليون دولار مع دعم صندوق تونسي أمريكي لتمويل المؤسسات وضمانات ائتمانية لتونس، كما سبق لمؤسسة تحدّيات الألفية، وهي مؤسسة للمساعدات الخارجية الأمريكية، أن صادقت على اتفاقيات لمدة خمسة سنوات منذ جوان 2021 بقيمة 499 مليون دولار، في مجالات النقل والتجارة والمياه ومن ضمنها توسيع ورقمنة ميناء رادس. غير أن انقلاب 25 جويلية قد دفع المؤسسة إلى عدم صرف هذا المبلغ، وتعليق المساعدات بسبب “النكسات التي ألمّت بالديمقراطية” حسب ما عبّر عنه عدد من المسؤولين الأمريكيين.

ويظلّ التعاون العسكري، أحد أبرز العناصر الهامّة للعلاقات التونسيّة الأمريكية، حيث شهد زخما كبيرا منذ الثورة عبر عدد من مشاريع التدريب والتسليح للجيش التونسي. كما وقّع وزير الدفاع الأمريكي الأسبق مارك إسبر اتفاقا للتعاون العسكري مع تونس في سبتمبر 2020 لمدة عشرة سنوات، لا يزال ساريا رغم مختلف الانتقادات التي قدّمها عديد المسؤولين الأمريكيين تجاه إدارة سعيّد خلال السنوات الفارطة. وقد سبق لوزارة الدفاع الأمريكية أن قدّمت دعمًا للجيش التونسي بقيمة مليار دولار منذ الثورة إلى حدود سنة 2020. غير أن هذه المساعدات العسكرية الأمريكية لتونس انخفضت من 112 مليون دولار في 2022 إلى 61 في سنة 2023. وعلى الرغم من ذلك، ظلّت أوجه التعاون العسكري بين البلدين قائمة بخاصة على مستوى قوات الأفريكوم التي تُشارك تونس في احتضان بعض مناوراتها خلال السنوات الفارطة ضمن برنامج “الأسد الإفريقي”. وقد تلقّت تونس خلال السنة الماضية عديد التجهيزات العسكرية الأمريكية، من بينها أربع طائرات من طراز C208 المجهزة بمنظومة الاستعلام والمراقبة والاستطلاع، حيث تم تسليمها في قاعدة العوينة خلال شهر سبتمبر الماضي بحضور وزير الدفاع التونسي والسفير الأمريكي بتونس، وكان تسليم هذه الطائرات من ضمن برنامج التعاون العسكري الذي اتُّفق عليه ضمن أشغال الدورة 34 للجنة العسكرية المشتركة المنعقدة سنة 2020، إضافة إلى صفقات سابقة من صفقات الطائرات C130 وطائرات التدريب والزوارق السريعة، والمساعدة في تركيز منظومة المراقبة الإلكترونية على الحدود. وسبق لوزارة الخارجية الأمريكية في ديسمبر الماضي ، أي قبل شهرين من الآن الموافقة على صفقة عسكريّة محتملة لتونس تتضمّن شراء 184 صاروخ جافلين مع وحدات إطلاقها بقيمة 107.7 مليون دولار. وقد اعتبرت وزارة الخارجية الأمريكية في بيانها أن هذه الصفقة ستدعم “السياسة الخارجية الأمريكية وأهداف الأمن القومي من خلال المساعدة في تحسين أمن حليف رئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي يواصل لعب دور مهم في الأمن الإقليمي وعمليات حفظ السلام في جميع أنحاء إفريقيا”، دون تعرض البيان طبعا للتوجهات الاستبدادية أو الحملات القمعية المتنامية للنظام التونسي.

تُظهر الوقائع هنا، وبخلاف التصريحات، تبلور السياسة الأمريكية أكثر في أولوية الجانب الأمني على العلاقات الثنائية مع تونس، رغم تعدّد التصريحات المنادية بإعادة المسار الديمقراطي ومن بينها مواقف ويلسن الأخيرة. ويبدو أن “الحدّ الأدنى” الذي تم الترويج له من قبل عدد من المسؤولين الأمريكيين في الإبقاء على جانب من المساعدات الاقتصادية والمالية للحيلولة دون تدنٍّ متواصل للمستوى المعيشي في تونس قد ذهب أدراج الرياح مع إجراءات ترامب الجديدة، ومن قبلها سياسات إدارة بايدن في تخفيض المساعدات. وتبقى هنا آفاق سياسة المواربة أو “التأرجح” التي تعتمدها إدارة سعيّد في مواجهة الضغوطات الغربية عبر التوجّه إلى التقارب الدبلوماسي مع الصين والاتّحاد الروسي، محدودة وضيقة الأفق، في ظلّ استمرار التنسيق الاستراتيجيّ على المستوى العسكري والأمني بين الولايات المتحدة وتونس. وهو ما يتحدّى كافة الأطروحات السياديّة التي سبق للرئيس سعيد المناداة بها واعتمادها كرأسمال سياسي وانتخابي وأداة تعبئة لمناصريه.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني