اذنت النيابة العمومية بالمحكمة الإبتدائية بالكاف بإيقاف قرار قضائي ينص على تزويج قاصر، تعرّضت للإغتصاب، من مغتصبها، حسب تصريح وزير العدل غازي الجريبي لإذاعة موزاييك يوم الأربعاء 14–12-2016. وقال الجريبي إنّ النيابة العمومية تقدّمت بمطلب في الرجوع في الإذن القضائي المذكور، مشيرا إلى أنّ الزواج الذي كان مقررا يوم الأحد الماضي لم يتم. هذا وقد اكّدت يوم الثلاثاء 13-12-2016 مصادر صحفية متطابقة أن المحكمة الابتدائية بالكاف أذنت قضائيا لشاب يبلغ من العمر عشرين سنة بالزواج من طفلة تبلغ من العمر 13 سنة كان قد اغتصبها وهي الآن حامل في شهرها الثالث. و وفق ذات المصادر، فإن الشاب قام بإتمام مراسم عقد الزواج على الطفلة لدى عدل اشهاد بموافقة عائلتها وبعد الإستظهار بالاذن القضائي.
وقد عبرت وزارة المرأة والأسرة والطفولة في بيان صادر عنها في 13–12-2016 عن عميق انشغالها إزاء وضعية الطفلة التي تمّ في شأنها استصدار إذن قضائي يقضي بالزواج بالمعتدي عليها، وذلك بالاستناد لمقتضيات الفصل 227 مكرر من المجلة الجزائية الذي ينص على أن زواج الفاعل بالمجني عليها يوقف التتبعات وآثار المحاكمة. وأضافت الوزارة أنها قد سعت منذ ورود الإشعار بالتحرك في اتجاه الرجوع في الإذن القضائي وإبطال الزواج نظرا للمصلحة الفضلى للطفلة باعتبار أن وضعيتها تنطبق على أحكام الفقرة "هـ" من الفصل 20 من مجلة حماية الطفل، والمتمثل نصها في: "تعتبر بوجه خاص من الحالات الصعبة التي تهدّد الطفل أو سلامته البدنية أو المعنوية استغلال الطفل ذكرا كان أو أنثى جنسيا". وبينت الوزارة أنها تلتزم عبر هياكلها وبالتنسيق مع مصالح الوزارات الأخرى المختصة بالتعهد بمرافقة الطفلة الضحية من أجل توفير الإحاطة النفسية والصحية الضرورية، وتقديم المساعدة الاجتماعية لها ولعائلتها بما يضمن حسن احتوائها وادماجها اجتماعيا. كما دعت الوزارة مجلس نواب الشعب بضرورة التعجيل في النظر في مشروع القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة الذي يهدف إلى وضع التدابير الكفيلة بالقضاء على كل أشكال العنف وذلك بالوقاية منه وتتبّع مرتكبيه ومعاقبتهم وحماية الضحايا ومساعدته.
وفي السياق نفسه، ندّدت عدة جمعيات ومنظمات حقوقية بقرار تزويج القاصر من مغتصبها الذي يعتبر سابقة خطيرة في مجال انتهاك حقوق الطفولة في تونس، كما طالب عدد من هذه الجمعيات كلا من رئيس الجمهورية ووزير العدل بالتدخل لضمان حماية الحريات.
ومن جانب آخر طفت على الساحة الإعلامية في المدة الأخيرة، قضية فتاة ال 15 سنة التي أنجبت من زوج شقيقتها الذي يبلغ من العمر 70 سنة ولم تتفطن عائلة الفتاة إلى الحمل إلى عند اقتراب المخاض. وقد وضعت الطفلة مولودها في مستشفى منزل بورقيبة، وقام الإطار الطبي بإعلام مندوبية حماية الطفولة التي أبلغت بدورها الجهات الأمنية.
حالات الاغتصاب والأرقام المفزعة
وتجدر الإشارة إلى أن حالات الاغتصاب باتت تتكرر في السنوات الأخيرة حتى أضحت أشبه بوحش يتهدد الجنسين من مختلف الأعمار.
أرقام مفزعة تؤكد ارتفاع ضحايا الإغتصاب والجرائم الجنسية بعد الثورة. وإذ تسجّل تونس أكثر من 262 حالة في السنة، فإن الرقم الاسود والحقيقي للظاهرة قد يكون أضعاف ما هو معلن عنه نظرا لما يحيط هذه الجرائم من كتمان وتستر وعدم الابلاغ عنها رغم بشاعتها. وكشفت رئيسة الإتحاد الوطني للمرأة التونسية الأستاذة راضية الجربي في تصريح لـجريدة الشروق في 02–02-2015 عن حقائق وخفايا مريبة عن اغتصاب الطفلات في تونس ومفاحشة الأطفال داخل الوسط العائلي والتلمذي ودور الأطفال ومراكز رعاية الاطفال الأيتام وداخل المجتمع بصفة عامة. وأكدت أن موقفها من ظاهرة اغتصاب الأطفال كموقف الأسر والعائلات التونسية يفوق الإستنكار وأنها مستاءة من الوضع الذي وصلت إليه الطفولة من اغتصاب لها وذلك نتيجة عدة عوامل منها فقر الأسر من ذلك 25 بالمائة منهم تحت عتبة الفقر وضعف هياكل المنظومة التربوية وضعف دور الثقافة والمجالات المعنية بالطفل المفقودة في بعض المناطق إلى جانب الإنقطاع المبكر عن الدراسة. فقد سجلت السلطات الرسمية عدداً مهولاً يتمثل في انقطاع 110 آلاف تلميذ سنويا أعمارهم دون 16 عاما عن الدراسة، وأغلبهم يتعرضون في إثر ذلك للمفاحشة والإغتصاب مؤكدة أن هذه العوامل المرتبطة والمتزامنة والوضعيات الاجتماعية المهمشة انعكست على الطفولة خاصة أن بعض الأسر عاجزة عن توفير أبسط الحاجيات الأساسية لأبنائها.
كما كشف المرصد الإجتماعي التونسي التابع للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والإجتماعية في تقرير خاص بأحداث العنف المرتكبة في مختلف الولايات المتعلق بشهر فيفري 2015، أن الاعتداءات الجنسية من الإغتصاب والتحرش تتصدر ترتيب حالات العنف. فقد تمّ توثيق 17 حالة اغتصاب وتحرش جنسي طيلة شهر فيفري أي ما يعادل حالة إغتصاب كل 48 ساعة، من بينها إغتصاب لـ6 قاصرات وقاصرين دون سن 15 سنة.
معضلة الفصل 227 مكرر
ينص الفصل 227 مكرر (نقح بالقانون عدد 23 لسنة 1989 المؤرخ في 27 فيفري 1989) على أنه: "يعاقب بالسجن مدة ستة أعوام كل من واقع أنثى بدون عنف سنها دون خمسة عشر عاما كاملة". وإذا كان سن المجني عليها فوق الخمسة عشر عاما ودون العشرين سنة كاملة فالعقاب يكون بالسجن مدة خمسة أعوام. والمحاولـة موجبة للعقـاب.
وزواج الفاعل بالمجني عليها في الصورتين المذكورتين يوقف التتبعات أو آثار المحاكمة."
وتستأنف التتبعات أو آثار المحاكمة إذا انفصم الزواج بطلاق محكوم به إنشاء من الزوج طبقا للفقرة الثالثة من الفصل 31 من مجلة الأحوال الشخصية وذلك قبل مضي عامين من تاريخ الدخول بالمجني عليها.
وكثيرا ما طالبت منظمات حقوق الإنسان والمنظمات النسوية بتعديل هذا الفصل الذي يسقط كلّ التتبعات القانونية بحق مغتصب القاصر في حال زواجه منها، ويمثّل شكلا من أشكال العنف القانوني الذي يعتمد في مقاربته للعنف ضدّ النساء على معايير اجتماعية من بينها السعي الى ستر الفضيحة. وذكرت يسرى فراوس الناشطة الحقوقية وممثلة الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان لموقع الجمهورية في 19-10-2016 أن مسألة إلغاء هذا الفصل هي مسألة وقت لا غير. فمن المنتظر إلغاؤه مع عديد القوانين التي تكرّس أشكال العنف ضد المرأة على غرار الفصل 239 الذي ينص على إسقاط كل التتبعات القضائية على الشخص الذي يفر بقاصر في صورة زواجه بها.
هذا وكان وزير العدل وحقوق الانسان والعدالة الانتقالية السابق حافظ بن صالح أكد أنه سيتم قريبا الغاء الفصل 239 من المجلة الجزائية الذى ينص على ايقاف التتبعات أو المحاكمة أو تنفيذ العقوبة عند زواج الجانى بالفتاة التى فر بها .كما أعلن الوزير آنذاك بالمجلس الوطنى التأسيسى بمناسبة العيد الوطني للمرأة في 13-08-2014 حول مسار إعداد القانون الاطاري الشامل لمناهضة العنف ضد المرأة أنه سيتم الغاء الفقرتين 4 و5 من الفصل 227 مكرر من المجلة الجزائية واللتين قال أنهما توفران للجاني امكانية الهروب من العقاب الجزائي عبر زواج الجاني من المجنى عليها اثر جريمة مواقعة أنثى دون عنف.
ويذكر أن مشروع القانون الشامل لمكافحة العنف ضد المرأة والذي صادقت عليه الحكومة أخيرا وتم تمريره الى مجلس النواب يضم الغاء هذا الفصل وغيره من الفصول الزجرية والتي تشكل انتهاكا لحقوق المرأة، في انتظار المصادقة عليه. وهي المصادقة التي لا تزال محل انتظار كل المنظمات والجمعيات ذات الصلة.