استيقظ اللبنانيون بتاريخ 7/6/2017 على جريمة قتل مروعة حصلت فجراً، سقط ضحيتها الشاب الجامعي، روي حاموش. رصاصتان كانتا كفيلتين بإنهاء حياة الشاب الذي كان عائداً من احتفال بعيد ميلاده الثالث والعشرين، وكان يستعد لحفل تخرجه مهندساً بعد يومين. إلاّ أن رصاصة كانت كفيلة بوضع حدٍ لأحلامه فرحل الى السماء تاركاً عائلة مفجوعةً بخسارة ابنها. شكّل هول الجريمة صدمةً للرأي العام اللبناني وأعادنا بالذاكرة عامين إلى الوراء، إلى حادثة قتل جورج الريف في وضح النهار والذي لا تزال قضيته معروضة على المحاكم. ولعل القاسم المشترك بين الحادثتين ليس فظاعة التنفيذ، وضعف الضحية أمام الجاني وحسب، بل كون مرتكب الجريمة هو أيضاً من أصحاب السوابق ويحمل سجلاً حافلاً ومع ذلك فقد عاش حراً طليقاً من دون حسيب أو رقيب.
وتأتي جريمة قتل روي، بموازاة سبع جرائم قتل أخرى حصلت في خلال أسبوع واحد، منها مقتل الطفلة لميس نقوش 8 سنوات التي سقطت برصاصة طائشة. كما توفي الشابان “عمار محمد الأشقر” و”علي أحمد عيد” من عكار بعد إشكال تطوّر من تلاسن وتضارب إلى إطلاق نار بعد يوم واحد فقط من حادثة روي.
ولعل ارتفاع عدد جرائم القتل خلق ذعراً حقيقياً بين اللبنانيين الذين باتوا في حالة رعبٍ من كمية السلاح المستشري. فبات الشعار الأكثر تداولاً عبر الشبكة العنكبوتية “قد ما تتعلم وتشتغل وتتعب بلبنان حقك رصاصة” فيما كتبت “موتورة” عبر صفحتها “شو نفع الحاجز يوقّفني ليتأكد من الميكانيك والحزام والسرعة، إذا ما وقّف لي سيارتو مفيمة ومعو سلاح وممكن يقتلني بخمس دقايق”. ولعل فورة غضب الناس جعلتهم، ينقسمون في الشارع وعبر وسائل التواصل الإجتماعي بين مؤيدٍ لعودة قانون الإعدام الى نظام العقوبات اللبناني ومعارض له. وكان من اللافت رؤية تعليقات عبر “فايسبوك” لناشطين في المجتمع المدني ومحامين يؤيدون عودة عقوبة الإعدام بعدما كانوا يرفضونها بالمطلق. فكتبت المحامية مريانا برو عبر صفحتها “أعطونا وعد أنو في مسؤولين شرفاء وفي عدالة حتى ما نوصل لمرحلة كل واحد ياخد حقه بإيده. بلا ما تحللنا وضع الأزعر ونفسية المجرم وتقول ما لازم ينعدم يا ريت بتشوف وضع أهل الضحية وكم جريمة ارتكب.. لا للشفقة على المجرمين نعم لعقوبة الإعدام”. كذلك كتبت الناشطة ريان كمون من طرابلس: “مبارح طرابلس اليوم الكرنتينا كل يوم جرائم قتل لأتفه الأسباب بسبب الأسلحة المتفلتة بأيدي الزعران بدنا الإعدام يعود للساحات”.
بالمقابل، اعتبر المعارضون لفكرة الإعدام ومنهم الناشط فراس بو حاطوم أن “كل القوانين المتطورة استبدلت الإعدام بالسجن مدى الحياة لأن الجريمة لا تعالج بالجريمة”. وأن “رفض عقوبة الإعدام ليس تأييداً للمجرم وإنما لتطبيق أشد عقاب وهو السجن مدى الحياة مع إسقاط حق العفو العام عنه”. ورأى أديب نعمة أن”الإعدام سيزيد القتل” وأن”التفلت الحاصل يعبر عن انحلال فكرة الدولة واحترام القانون وسيادته على ما عداه من قواعد في التعامل بين الناس”.
المشنوق:متحمس للإعدام
وفيما الشارع يغلي خوفاً، أطل وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق في الذكرى ـ 156 لتأسيس جهاز قوى الأمن الداخلي، ليطالب بعودة عقوبة الإعدام معتبراً أن”تفلت السلاح ليس هو المشكل الأول والدائم، بل هناك تفلت في العقل وفي عدم تحمّل المسؤولية لدى مجموعة من المجرمين الذي يستسهلون القتل عمداً”. وسارع المشنوق إلى تحديد مسؤولية وزارته بالقبض على المجرمين بسرعة قياسية: “خمسة من أصل سبعة ارتكبوا جرائم قتل الأسبوع الفائت أوقفتهم قوى الأمن الداخلي بسرعة قياسية”.
إنتفاضة الأوادم ضد الزعران
وعلى أثر الجرائم المتتالية التي وقعت في الآونة الأخيرة ومنها مقتل روي حاموش، تنادى عدد من الناشطين بمشاركة عددٍ من أهالي الضحايا لإطلاق حملة “انتفاضة الأوادم ضد الزعران”، ونفذوا اعتصامهم الأول نهار السبت 10/6/2017 أمام تمثال الشهداء وسط بيروت حيث علّقت صور الضحايا محاطة بالورود. أما المطلب الأساس فهو “لمّ سلاح الزعران” فالوضع أصبح لا يطاق.
“تما يروح دم الأوادم ضيعان حاسبوا الزعران”، هو شعار رفعه المشاركون. كما طالبوا بـ”الأمان تنعيش بسلام”، رافضين أن يكون خيار الشباب هو بين “الغربة أو التربة أو تحت رحمة كل أنواع الزعران” متأملين بأن يكون رئيس الجمهورية بمثابة الدرع الحامي لهم بالقول”لـبيّ الكلّ نحن ولادك احمينا”.
وقد تحدث منسق الحملة سلمان سماحة، عن أهدافها قائلاً: “بعد مقتل روي حاموش، بات كل واحد فينا يشعر أن حياته وحياة عائلته وأولاده مهددة بالخطر. وقد طفح الكيل صراحة من أزمة السلاح المتفلت بأيدي الزعران. فالحرب انتهت منذ 27 سنة وآفة السلاح المستشري بين الناس إلى ازدياد عوضاً عن أن تكون إلى انحسار. من أجل ذلك، تنادينا لإطلاق هذه الحملة التي هدفها جمع السلاح المستشري بين الناس”.
وأكد متابعة هذه القضية مع الجهات المعنية “لنرى ماهي السبل الآيلة للدفع باتجاه سحب السلاح من أيدي الناس على الطرقات. وبسؤاله عن الرادع المثالي للجرائم التي تحصل شدد على أن”هذا عمل السلطة القضائية على الرغم من مطالبة البعض بعودة عقوبة الإعدام” وأن الهمّ الأساس هو”سحب السلاح من أيدي الزعران” وأن هناك ما هو “أخطر من عقوبة الإعدام. فالذي يدخل الى السجن بجريمة بسيطة يخرج مجرما كبيرا في كل المجالات وهذا أمر يجدر البحث في سبل علاجه”.
وقفت رولى صالح باكيةّ قرب صورة زوجها جورج الريف، فجريمة روي نكأت جراحاً لم تندمل بعد. كيف لا، وهي لا تزال تتابع في المحاكم قضية قاتل زوجها وتنتظر أن ينال القصاص العادل. على أنها رأت في فورة الرأي العام فرصة لتحريك جميع قضايا القتل العبثي. أما مطلبها فأن ينال قاتل زوجها عقوبة الإعدام وقالت: “أطلب من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير العدل الذي قمنا بزيارته برفقة الإعلام والشعب اللبناني شاهد على ما قاله وتبناه القاضي، إنزال أقصى العقوبات المتمثلة بالإعدام “هيك بيتربوا الزعران”، فحكم المؤبد غير كافٍ سيما أنه بإمكان المجرم أن يخرج بعفوٍ عام بعد أن يكون قد قتل خيرة أولادنا ودفنه تحت التراب. فليعلقوا المشانق”.
على أن المشاركة في انتفاضة “الأوادم” لم توحد المشاركين فيها حول عقوبة الإعدام. فقد انتقد الناشط السياسي بول أشقر كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق ومطالبته بإعادة العمل بعقوبة الإعدام محملاً إياه مسؤولية الوضع الأمني المتردي وقال: “إن الإعدام لن يغير هذا الوضع، وعلى المشنوق أن يعيد النظر في كل السياسة الأمنية التي يتبعها، وبرخص السلاح التي تعطى للناس وبالأحزاب التي تقوم بتغطية مرتكبي الجرائم، وبالتساهل مع مطلقي النار في المناسبات السياسية والعائلية”. ورأى أن “تنفيذ عقوبة الإعدام هو بمثابة ارتكاب جريمة ثانية وهذا الأمر لن يحقق العدالة”، وأن “تكريم أرواح الضحايا يكون حين نقتلع ظاهر السلاح المتفلت بين أيدي الناس لنصبح شعباً يعرف مسؤولياته”. فيما لم يخفِ قلقه من استنسابية ما في تعليق المشانق وقال: “أنا أتصور أنه إذا علّقت مشنقة لأحد في هذا البلد، فسوف يقومون بذلك على قاعدة ستة وستة مكرر” مشدداً على أن الحلّ يكمن بقمع المخليّن وردعهم دون خوفٍ من تدخل أو وساطة.
ورأى المواطن وديع حمدان: “أن طرح موضوع “الإعدام” حالياً هو تحوير للمشكلة الحقيقية والفعلية التي نواجهها والمتمثلة بسقوط الدولة وعجزها عن منح الأمان لمواطنيها”.وأن “فكرة الدولة كمؤسسة جامعة لحياة الناس تنهار وتتراجع نحو العودة إلى موضوع الرعايا”. وأنه “قبل الحديث عن “الإعدام”، علينا أن نتكلم بموضوع توزيع رخص السلاح ومنع التدخل في القضاء من أجل الإفراج عن المرتكبين وأن نتكلم عن التغطيات السياسية والحزبية فهذا هو جوهر الموضوع”.
أما الناشط كلود جبر فعبر عن رفضه المطلق لطرح الوزير المشنوق بقوله: “أنا أتفهم ردة فعل الناس العاديين المطالبين بعودة عقوبة الإعدام، لكن الذي لا أفهمه هو مطالبة أشخاص موجودين بالسلطة أمثال الوزير نهاد المشنوق به. إن هذا الأمر مرفوض كلياً فالإعدام بالنهاية هو ردة فعل. أساس المشكلة هو السلاح المتفلت في كل المناطق، والذي من المفروض على الدولة أن تأخذ قراراً بجمعه. تتحدث الدولة عن خطة أمنية، فلماذا يجب أن يكون لدى الناس سلاح في حين أن من واجب الدولة حمايتهم”. ورأى أن “الزعران الحقيقيين ليسوا من يطلقون النار وإنما أولئك الموجودون في السلطة ويتدخلون في عمل القضاء ويمنعون محاسبة البعض من خلال الضغط على القضاة، وهو ما حصل في معظم الجرائم من قضية “ايف نوفل” وصولاً الى جريمة روي حموش”.
وعلى الرغم من الغضب الشديد الذي أثاره المشنوق بظهوره بمثابة “العرّاب” لعودة قانون الإعدام، لدى العديد من الناشطين الحقوقيين المناهضين لعقوبة الإعدام، إلاّ أن الوزير، الذي يبدو أنه ينظر إلى الجانب الملآن من الكوب، لم يتوانَ عن إظهار “حماسته” لتفعيل قانون الإعدام. فقد كرر الأخير طرحه هذا أثناء زيارة عائلة الشاب حموش نهار الأحد 11/6/2017 لتقديم واجب العزاء. وتوجه إلى والدة “روي” بالقول “كلّو توقف وانشاء الله بينعدم”. ثم تحدث إلى وسائل الإعلام قائلاً: “بحثت مع الرئيس الحريري هذا الموضوع وهو موافق ومتحمس .. واتفقت مع فخامة الرئيس أن نجلس سوياً بعد الإثنين لنناقش ما هي الطريقة لعودة الموضوع” معتبراً أن المسألة لا تحتاج سوى لـ “تفاهم سياسي بسيط، وإشارة سياسية واضحة للقضاة. فهذا القانون ساري المفعول”.
ولم يأبه المشنوق لما قد يقوله المجتمع الدولي “أوروبا” و”الغرب” إزاء العودة الى الوراء. فبحسب قوله “لبنان له خصوصيته”، من دون أن يوضح المقصود من هذه الخصوصية. فما هي هذه الخصوصية؟ هل هي تتمثل بفلتان السلاح غير الشرعي وغير المرخص بين أيدي “الزعران”؟ أم في كون أغلب الذين يرتكبون الجرائم هم من أصحاب السوابق الذين يتم إطلاق سراحهم لأنهم من المحظيين والمدعومين من جهات سياسية وحزبية نافذة ومعروفة؟ هل هي تتمثل بالإفلات من العقاب حتى في الجرائم الأكثر خطورة كالتعذيب الفاضح في السجون أو في الاعتداء على متظاهرين مسالمين ضد تراكم النفايات كما حصل في صيف العام 2015؟ وبالمحصلة، هل توجب هذه الخصوصية إصلاحات عميقة في النظام السياسي الأمني القضائي لوضع حد للإفلات من العقاب أم حسبُنا تعليق المشانق؟
يذكر أن مفاعيل قانون الإعدام قد توقفت منذ 2004 وحتى اليوم حيث لم تنفذ أية حالة “اعدام” كما يسجل للتاريخ أن الدكتور سليم الحص هو رئيس الحكومة الوحيد في تاريخ لبنان الذي امتنع رسمياً وعلناً عن توقيع مرسوم إعدام في (أيار 2000) على اعتبار أنه يخالف معتقداته الفلسفية.