لم تأخذ قضية في تركيا اهتماماً سياسياً وقانونياً وإعلامياً بقدر تلك المتعلّقة بإمكانية انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من الفشل الكبير الذي لحق بهذا المسار على مدى عشرات السنوات، لا يزال حلم الإنضمام إلى جنة النادي الأوروبي يراود حكّام تركيا وشعبها. وعلى الرغم من احتلال الإصلاحات القانونية والاجتماعية التي يتوجب على تركيا القيام بها حيزاً مهماً في هذا المجال، يتعامل الطرفان، الأوروبي والتركي، مع هذه المسألة عبر تقديم المصالح السياسية والاقتصادية على القانونية.
وعلى الرغم من أن تاريخ تَقدُّم تركيا بطلب الإنضمام إلى الاتحاد يعود إلى نهاية ثمانينيات القرن الماضي، إلا أنّ حوالي الـ30 سنة من العمل لم تفلح في تحقيق ذلك. ففي العام 1987، تقدمت تركيا بشكل رسمي بطلب للدخول في "المؤسسة الاقتصادية الأوروبية" التي تحوّلت، في العام 1992، إلى ما يُعرف اليوم بالاتحاد الأوروبي. غير أن مسار التفاوض بين تركيا والأطراف الأوروبية أتت مخيبة للآمال في معظم الأوقات، وتحوّل المسار الذي من المفترض أن يأخذ أبعاداً قانونية وإصلاحية إلى مجرد ميدان للتفاوض والضغط السياسي.
وقد شهدت نهاية العام 2015 على حدث إيجابي في علاقة تركيا بالاتحاد وفي مسار الانضمام. ويعود هذا الحدث إلى فتح الاتحاد لفصل جديد للتفاوض بما يتعلّق بالسياسة الاقتصادية والنقدية. وتزامن هذا الأمر مع نجاح المفاوضات التركية الأوروبية في موضوع الحدّ من تدفّق اللاجئين السوريين إلى أوروبا، والذي أتى على أثره القبول الأوروبي بفتح فصل واحد فقط من الفصول الـ34 المتبقية التي يتوجب على تركيا النجاح فيها حسب معايير الاتحاد لتمكينها من الإنضمام إليه.
سنلقي في هذا المقال الضوء على علاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي، وعلى الإصلاحات التي قامت بها في سعيها الدائم للإنضمام إليه ، كما على "استغلال" تركيا لأزمة اللاجئين السوريين لتتقدم خطوة إلى الأمام في مسيرة الانضمام.
بدايات مسيرة انضمام تركيا إلى الاتحاد الاوروبي
على رغم من أنه كان في طور التشكّل في حينها، إلا أن تاريخ بداية العلاقة الرسمية بين تركيا والاتحاد الأوروبي تعود للعام 1963، وهو التاريخ الذي أصبحت فيه تركيا عضواً مشاركاً في "الجماعة الاقتصادية الأوروبية" (أو السوق الأوروبية المشتركة) وذلك بعد أن تقدّمت غريمتها، اليونان، لطلب العضوية في نفس المجوعة. ثم وقّعت تركيا، في العام 1973، على بروتوكولات إضافية مع "السوق الأوروبية المشتركة"[1].
بعد هذا النجاح النسبي أصبحت تركيا البلد الأكثر اندماجاً على الصعيد الاقتصادي مع أوروبا، فيما بقيت علاقاتها السياسية معها مكمن ضعف نتيجة للانقلاب العسكري الذي وقع في العام 1980، وما أثاره من انتقادات حول الحقوق العامة للأفراد الأتراك. فيما أدّت العلاقات الجيدة بين اليونان وأوروبا، كما تشعّب الأزمة القبرصية في تلك الفترة إلى تدهور العلاقات غير الاقتصادية بين تركيا وأوروبا.
بعد انضمام اسبانيا والبرتغال إلى "الجماعة الأوروبية" عام 1986، تقدمت تركيا بأول طلب انضمام إلى الجماعة في العام 1987. لكن المفوضية الأوروبية ردت الطلب التركي بعد سنتين معتبرة أن تركيا تعاني نقصاً كبيراً في الديمقراطية، وتدخّل كبير للعسكر في الحياة السياسية وحقوق منقوصة للأكراد[2]. إلا أن نهاية الحرب الباردة أعطت أوروبا فرصة مؤاتية لصياغة دور جديد لها كما لتنظيم أوضاعها الداخلية، فأقرّت معاهدة "ماستريخت" عام 1992 وأنشئ على أثرها الاتحاد الأوروبي رسمياً، ثم أقر في قمة "كوبنهاغن"، عام 1993، الشروط والإجراءات التي يجب أن تستوفيها الدول الراغبة بالانضمام إليه.
بادر الاتحاد الأوروبي وتركيا عام 1995 إلى توقيع اتفاقية لإقامة الوحدة الجمركية مع حلول العام التالي. ورأت تركيا هذه الوحدة على أنها الخطوة الأخيرة قبل الانضمام إلى الاتحاد، في حين رأى هذا الأخير أنها مجرد خطوة متقدمة على طريقة الاندماج ليس أكثر[3]. ثم عقد الاتحاد الأوروبي قمة "لوكسمبورغ" عام 1997 واتخذ قراراً رسمياً بعدم ضمّ تركيا إلى قائمة الدول المرشحة للانضمام إليه، واكتفى بوضعها في خانة خاصة بوصفها طالبة للانتساب. غير أنّ قمة "هلسنكي" المعقودة عام 1999 أظهرت تقدماً مقارنة مع سابقاتها بعد أن وافقت دول الاتحاد على مبدأ قبول طلب تركيا ومنحها وضع المرشح للانضمام. ثم تبعها مصادقة قمة "نيس"، عام 2000، على "وثيقة شراكة الانضمام" التي مثلت الحد الأدنى من الشروط الأولية والأهداف المتوسطة المدى التي يتوجب على تركيا تلبيتها لتتأهل للعضوية.
قبلت تركيا تلك الشروط المتعلقة بالقيام بإصلاحات اجتماعية واقتصادية وسياسية وقانونية جدية، ما عني عملياً القيام بالإصلاحات وفق معايير "كوبنهاغن"، وهي المعايير التي تَفرض على الدول الطامحة للدخول إلى الاتحاد إجراء تعديلات داخلية تتماشى مع المعايير الأوروبية. ثم أعلن الاتحاد الأوروبي في العام 2004 عن قرار يتعلق بتركيا حدّد فيه تاريخ الثالث من تشرين الأول / أوكتوبر 2005 موعداً لبدء المفاوضات مع تركيا في موضوع العضوية.
وتقوم آلية عمل الاتحاد الأوروبي في موضوع قبول الدول الجديدة على أساس الفصول ال35 الواردة في نظام الاتحاد الأوروبي والتي يتوجب على الدول الطامحة للإنضمام إليه تحقيق ما ورد فيها. وهي فصول تتراوح بين شؤون تتعلق بالأمور السياسية إلى حدود الشؤون المتعلقة بالأبحاث العلمية، والكثير من الشؤون الاجتماعية والقانونية والسياسية والاقتصادية بينهما. فيما يعمد الاتحاد، وخلال مفاوضات الدخول، إلى التفاوض على كل فصل من الفصول هذه على حدة مع الدولة المعنية، وعند نجاح الدولة بكل فصلٍ يغلق ملف التفاوض فيه. فيما يمكن التفاوض على أكثر من فصل في الوقت عينه، أضف أنّ لكل دولة من الدول التي هي عضو في الاتحاد القدرة على إغلاق المفاوضات في أي فصل تريده بوجه الدولة طالبة العضوية، وهو الأمر الذي عانت منه تركيا بعد إغلاق ألمانيا وفرنسا واليونان وقبرص للكثير من الفصول أمامها كردّ على سياساتها الداخلية والخارجية.
الإصلاحات التركية على وقع الضغوطات الأوروبية
شكّل سعي تركيا للدخول إلى الاتحاد الأوروبي نقطة إيجابية في عملية الإصلاح الداخلي. فبعد قبول مبدأ التفاوض على العضوية مع تركيا باتت هذه الأخيرة أمام أجندة "أجنبية" ألزمتها الشروع في إصلاحات متعددة وفق معايير "كوبنهاغن"، والتي ساهمت، بمعظمها، بتحديث تركيا قانونياً وتحسين ظروفها الداخلية.
وقد تضمن النص الرئيسي لمعايير الانضمام إلى الاتحاد في قمة كوبنهاغن" على: "أن متطلبات العضوية للدولة المرشحة هي توفير ضمانة للديمقراطية، وحكم القانون، وحقوق الإنسان، وحماية واحترام حقوق الأقليات، ووجود اقتصاد السوق المفتوح، والمقدرة على أن تكون الدولة المرشحة في مستوى المنافسة مع قوى السوق داخل الاتحاد الأوروبي. إن العضوية تستلزم أن تضطلع الدولة المرشحة بتعهدات تفرضها العضوية، من ضمنها تطبيق اتحاد سياسي واقتصادي ومالي"[4].
على الصعيد الداخلي، وافق البرلمان التركي على تخفيف القيود المفروضة على الأحزاب السياسية والتي كانت تُحل وتقفل مقراتها بشكل دائم إن كانت آرائها السياسية مخالفة كثيراً لآراء الأحزاب المسيطرة على الحكومة. كما تم إلغاء عقوبة الإعدام في العام 2002، كما أعطت الحكومة الإمكانية للأقليات الدينية المعترف بها في تركيا (اليهود، الأرمن، واليونانيين الأرثوذكس) لشراء أراضي وأوقاف جديدة. كما وتمّ تسهيل عملية فتح المنظمات الدولية وغير الحكومية فروعاً لها في تركيا، ووضع ضوابط على عملية توقيف الأفراد التي كان الكثير منها يتمّ من دون إذون من السلطات القضائية المختصة[5].
كذلك الأمر، من الناحية الاقتصادية، وافقت تركيا على تعيين "كمال درويش" (نائب رئيس البنك الدولي) وزيراً للاقتصاد التركي للحصول من صندوق النقد الدولي على قرض بـ16 مليار دولار كانت بأمسّ الحاجة إليه مع خسارة الليرة التركية في العام 2001 حوالى 50% من قيمتها[6]. فيما قام "درويش" بإجراء تغييرات كثيرة في البنية الاقتصادية التركية قامت أغلبها على خصخصة بنوك الدولة ومؤسساتها ومصانعها. كما فتح أسواق تركيا أمام الاستثمارات الأجنبية وأقرّ برامج إصلاحية نفذتها الحكومات اللاحقة.
ومع وصوله إلى الحكم في العام 2002، أبدى حزب "العدالة والتنمية" رغبة كبيرة في الاستمرار في مسار الانضمام للاتحاد الأوروبي. فباشر في تطبيق مجموعة إصلاحات داخلية تهدف إلى التوفيق بين بنية تركيا السياسية والقانونية وبنية الاتحاد الأوروبي تبعاً لمعايير "كوبنهاغن". ومن هذه الإصلاحات إقرار ضمانات تحمي الحريات السياسية والثقافية وحقوق الإنسان وأهمها تعجيل إجراءات التحقيق، وتشديد العقوبات في حالات التعذيب، ومنع محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وإلغاء الكثير من جرائم الرأي، وتعديل قوانين الجمعيات الأهلية والسماح بالبث الإعلامي في اللغة الكردية[7].
أمّا الإصلاحات السياسية الأهم التي طبقها حزب "العدالة والتنمية" تماشياً مع شروط الاتحاد الأوروبي فتعلقت بدور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية. وأقر الحزب إصلاحات في العام 2004 جعلت من "مجلس الأمن القومي" المؤلف بمعظمه من جنرالات الجيش، والذي كان الحاكم الحقيقي لتركيا، مجرد هيئة استشارية. كما تم تغيير هوية أمين سرّه، المناط به وضع جدول أعماله، من عسكري إلى مدني[8]. بالإضافة إلى إصلاحات سياسية أخرى أفقدت المؤسسة العسكرية تأثيراتها على القطاعات الإعلامية والاقتصادية في تركيا.
أما خارجياً، فدخلت تركيا في محادثات تحت إشراف الأمم المتحدة من أجل إعادة توحيد جزيرة قبرص. وقد أبدت مرونة غير مسبوقة في هذا المجال بعدما كانت ترفض أي مباحثات في هذا الشأن منذ العام 1974. وتشكّل قبرص مسألة حساسة في مسار انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وذلك بسبب وضع كل من اليونان وقبرص لفيتوهات على فصول تمنع الاتحاد الأوروبي بالبدء بالتفاوض حولها مع تركيا.
وكان لهذه الإصلاحات التي طبقتها تركيا وقعٌ إيجابيٌّ عليها أدى إلى تحسين حقوق الأتراك القانونية والثقافية والإجتماعية. إلا أن الإصلاحات الإقتصادية شرّعت بالمقابل أبواب تركيا للكثير من الأزمات والرياح "الغربية". وقد بقيت هذه الإصلاحات غير كافية بالنسبة لدول الاتحاد التي عمدت إلى إشتراط على تركيا الكثير من الإصلاحات الإضافية كما المواقف السياسية التي تتعلق معظمها بعلاقاتها مع الأكراد والاعتراف بالإبادة الأرمنية وزيادة نسبة الديمقراطية في الداخل التركي.
وشهدت الأعوام الممتدة بين 2006 و 2012 على الكثير من الأخذ والرد في موضوع التفاوض على الفصول بين تركيا والاتحاد، فما أن يعمد هذا الأخير إلى فتح فصل للتفاوض حوله حتى تعمد ألمانيا أو فرنسا أو اليونان أو قبرص إلى غلق آخر. فيما مارس الاتحاد الضغط الدائم على تركيا وفرض المزيد من الشروط في كل المواضيع بشكل جعل من مسألة السيادة التركية موضوع شك للأتراك والعالم.
وفي خلاصة التفاوض بين الطرفين بين العام 2006 و 2012، تم فتح 14 فصل من أصل 35 للتفاوض عليهم، إلا أن تركيا لم تنجح وتنتهَ إلا من فصل يتيم متعلق بـ" الأبحاث العلمية". فيما بقي 18 فصل آخر مغلقين بسبب الفيتوهات، الأمر الذي يعني أن مسار التفاوض بين الطرفين يلاقي الكثير من العراقيل، والقول أن تركيا ستدخل قريباً إلى الاتحاد الأوروبي يبدو أقرب إلى الحلم منه إلى الحقيقة.
استغلال اللاجئين وفتح التفاوض مع تركيا حول الفصل 17
مع نهاية العام 2012 بدا أن مسار انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في أزمة كبيرة. فحتى نهاية العام 2015، لم تشهد هذه القضية أي تقدم يُذكر ما عدا البيانات الصادرة من هنا وهناك، فيما تلاشى الحماس التركي حول مسألة الانضمام في مرحلة الأزمة الاقتصادية التي عصفت بأوروبا في السنوات القليلة الماضية، وانغماس تركيا أكثر في قضايا الشرق وهمومه.
مع نشوب الحرب السورية وتدفق مئات الآلاف اللاجئين السوريين إلى أوروبا، باتت أوروبا تحت وطأة أزمة اجتماعية – إنسانية تحاصرها. فمَنع تدفق اللاجئين غير ممكن عملياً، وإعادة جميع الهاربين من الموت إلى بلادهم غير وارد، كما أن استقبال الملايين منهم يلقى معارضة أوروبية كبيرة. وبما أن تركيا تملك الموقع الجغرافي الفاصل بين بلاد اللاجئين وأوروبا، تَعزَّز التواصل بينها وبين الاتحاد في العام 2015 مع اشتداد أزمة اللاجئين في أوروبا.
أمام إمساك تركيا بورقة اللاجئين السوريين في وجه دول الاتحاد بات التفاوض بينهما ضرورة. بدأ الأمر مع تأكيد رئيس الحكومة التركية، أحمد داوود أوغلو، في بداية العام 2015، أن "الأتراك هم جزء من أوروبا. وأوروبا هي نحن ونحن أوروبا"، وذلك في خطاب حماسي كان غائباً عن شفاه المسؤولين الأتراك منذ سنوات عديدة[9]. تبع ذلك فتح باب التفاوض بين الاتحاد الأوروبي وتركيا حول مسألة اللاجئين، حيث أراد الطرف الأول الحد من الهجرة إلى بلاده، فيما أراد الثاني مكاسب تقربه أكثر من الانضمام إليه.
بعد الكثير من الاجتماعات، أعلن عن التوصل إلى اتفاق نهائي بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي في الثلاثين من تشرين الثاني / نوفمبر 2015. وقضى الاتفاق إلى قيام تركيا بأخذ كل الخطوات اللازمة من أجل الحدّ من تدفق اللاجئين إلى أوروبا، في مقابل التزام الاتحاد بتزويدها بالأموال لمساعدة اللاجئين القاطنين فيها، وبإلغاء تأشيرات الدخول للأتراك إلى أوروبا، كما وبإعادة إطلاق عجلة المفاوضات حول انضمامها للاتحاد.
استغلت تركيا اللاجئين السوريين بشكل سياسي وجعلت من أزمتهم ورقة سياسية للتفاوض حولها مع أوروبا والحصول على مكاسب خاصة. كما أجبرت الاتحاد الأوروبي على الانصياع لبعض شروطها، في مرحلة يبدو فيها الاتحاد أمام أزمات سياسية اجتماعية وأمنية غير اعتيادية.
أدّى الاتفاق بين الطرفين إلى حصول تركيا على حوالى 3.2 مليار دولار أميركي من الاتحاد من أجل تحسين الأوضاع الحياتية للاجئين في تركيا، الأمر الذي سيساهم في تقليل أعداد الساعين إلى الهجرة إلى أوروبا[10]. كما شرعت تركيا في أقلمة نظام التأشيرات لمواطنيها وجوازات سفرهم مع معايير الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد أن ضمن لها الاتفاق مع الاتحاد إلغاء تأشيرات الدخول بينهما ابتداءً من الأول من تشرين الأول / أكتوبر 2016. فيما أكّد وزير "شؤون الاتحاد الأوروبي" التركي "فولكان بوزكير" أن تركيا ستعمد إلى أخذ كافة الإجراءات اللازمة من أجل ضمان إلغاء تأشيرات الدخول، مع ما يعني ذلك من أنها ستقرّ قوانين تلتزم حماية المعلومات الشخصية للأفراد كشرط لإلغاء التأشيرات مع دول الاتحاد الأوروبي بعد أشهر[11].
أما اللاجئون السوريون فيبدو أنهم سيدفعون ثمن التقارب التركي – الأوروبي وذلك عبر قيام تركيا بمنعهم من مغادرتها، كما إلقاء القبض على كل من يحاول المغادرة إلى أوروبا. وكانت الدولة التركية قد ألقت القبض على 1300 لاجئ كانوا يخططون لمغادرة تركيا إلى اليونان بعد ساعات قليلة فقط من توصّل تركيا إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين[12]، بشكل أبرز مدى جديّة الجانب التركي في تنفيذ شروط الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي. كما بدأت تركيا بالتشدّد مع الداخلين إليها وفرضت، إبتداءً من شهر كانون الثاني / يناير 2016، تأشيرات دخول على السوريين القادمين عبر الجو والبحر إليها، الأمر الذي سيحدّ بشكل كبير من نسبة دخول اللاجئين إلى تركيا[13]، وبالتالي من عدد المهتمين بالمكوث فيها لفترة قبل الانطلاق إلى أوروبا.
أما من ناحية مسار انضمام تركيا للاتحاد، فقام هذا الأخير بفتح باب المفاوضات حول الفصل رقم 17 المتعلق بـ"السياسيات الاقتصادية والنقدية" كنتيجة للاتفاق المتعلق بشأن اللاجئين إلى أوروبا[14]، ليرتفع عدد الفصول التي بات يمكن لتركيا التفاوض حولها إلى 15 من أصل 35. وتبقى العقبة الكبرى أمام تركيا هي الفيتوهات الناتجة عن عدم حل المسألة القبرصية، حيث لا تزال كل من قبرص وفرنسا وألمانيا يتحفّظون على فتح فصول أخرى أمام التفاوض مع تركيا.
وليس ببعيد عن الفيتوهات الموضوعة أمام تركيا من بعض الدول الأوروبية. إلا أن تلك الفصول التي تم التفاوض عليها منذ العام 2006 لم يتم تحقيق نتيجة إيجابية فيها. كما توقف التفاوض حولها بعد اعتبار الاتحاد أن على تركيا العمل أكثر على الإصلاحات الداخلية المختلفة وتحقيق ظروف ديمقراطية أكبر، وتعزيز حقوق الأقليات والمواطنين وحل المسألة القبرصية. وفي الوقت الذي يأمل فيه المسؤولون الأتراك أن يكون الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي حول اللاجئين فاتحة أمام تقدم مسار التفاوض للدخول في الاتحاد، لا يزال هذا الأخير يضغط على تركيا لتحقيق تغييرات داخلية، فيما لا يُبدي الجانب الحاكم في أنقرة أي سعي جدّي لمراعاة شروط الأوروبيين.
[1]Berdal Aral, Making Sense of the Anomalies in Turkish-European Union Relations, Journal of Economic and Social Research, N
o 7, P. 100.
[2]لقمان عمر النعيمي، تركيا والاتحاد الأوروبي دراسة لمسيرة الانضمام، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبو ظبي، 2007. ص. 21-22.
[4]Gursel Demirok, How Could the Relations Between Turkey and European Union be Improved?, Europa Institut der Universität – Basel, N
o 51, Basel, 2001, p. 11.
[5]لقمان عمر النعيمي، المرجع نفسه، ص. 49-51.
[6]المرجع السابق، ص. 55-56.