بتاريخ 29-08-2021، كشفت وسائل إعلام جزائرية أن تونس سلمت الناشط الجزائري سليمان بوحفص الذي كان قد لجأ لها واستقرّ بها لمصالح الأمن الجزائري التي تلاحقه بتهمة الانتماء لحركة ماك الانفصالية زيادة على ما ينسب له من تبشير بالمسيحية. وربطت بين ذلك وإلقاء قوات الأمن الجزائرية بذات التاريخ القبض على السياسي التونسي “نبيل القروي” بتهمة دخول الجزائر بطريقة غير قانونية تمهيدا لتسليمه في وقت لاحق لتونس حيث يلاحق بتهم فساد مالي.
من جهتها، لم تعلق الجهات الرسمية التونسية والقضائية على الخبر بفرعيه كما تناقلت مواقع إعلامية تصريحا نسب لابنة بوحفص ذكرت فيه أن مجموعة داهمت منزلهم الكائن بالعاصمة تونس ليلة 25-08-2021 واختطفت والدها مضيفة أن أسرتها أبلغت الأمن بتلك الوقائع التي فتحت بحثا في الموضوع. وهنا لا تمنع سياسة حجب المعلومة التي يبدو أنها استحالت خيارا اتصاليا للسلطة بعد 25-07-2021 من الحديث عن شبهات مرجّحة لخرق فادح للقانون وتعدّ على الحقوق والحريات وجب التنبه لها.
تونس تعتدي على حقّ اللجوء
يكرّس الدستور التونسي في الفصل 26 اللجوء السياسي كحق ويفرض على الدولة ضمانه. كما يحجر تسليم المتمتعين به. وإن كان المشرع التونسي لم يسنّ بعد قانونا ينظم حقّ اللجوء، فإنّ منح المفوضية السامية لحقوق اللاجئين ل بوحفص صفة لاجئ منذ شهر سبتمبر 2020 كان يفرض على الدولة التونسية التزاما بقيمها المكرسة دستوريا وبما تقرره الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها منها خصوصا معاهدة جينيف لسنة 1951 وبروتوكولها لسنة 1967 واتفاقية مناهضة التعذيب عام 1984 ألا ترحله قسريا كما أكدت ذلك المنظمات الحقوقية التونسية التي أصدرت بيانا في هذا الغرض.
تسليم بوحفص: فعل خارج القانون
في الباب السادس منها، فرضت مجلة الإجراءات الجزائية التونسية التي يعود تاريخ سنّها لستينات القرن الماضي إجراءات محددة لتسليم المطلوبين الأجانب للدول التي تطلبهم كان من أهم ما ورد فيها اختصاص دائرة الاتهام أي جهة قضائية حكميّة بنظر حصة مطالب التسليم وإلزامية قراراتها القاضية برفضها للسلطة السياسية. ويكون بالتالي تسليم تونس لبوحفص للجزائر باعتماد إجراءات ترحيل للأجانب تحايلا على القانون زيادة على ما يمثله من تدخل من الجهات السياسية التي قررته في عمل القضاء بالتالي اعتداء جسيما على قيم دولة القانون، هذه القيم الذي يؤول الحديث عن صفقة فيما ينتظر من تسليم للقروي لتونس لمسّ أكثر جسامة بها وبما يفترض فيها من نزاهة.
تسلّم القروي في ملابسات مشبوهة لا يحقق العدل ولكن يشوهه
يلاحق القضاء التونسي نبيل القروي رئيس حزب قلب تونس بتهم تبييض أموال. وينسب جانب من النخبة التونسية له ولأمثاله ممّن استعملوا المال الفساد في صناعة أحزاب سياسية أثثت المشهد النيابي التونسي مسؤولية انتشار الفساد في تونس. وقد اعتبر سعيد ذاك الفساد الخطر الداهم الذي يهدد تونس واستند له ليعلن بتاريخ 25 جويلية تجميد عمل مجلس نواب الشعب. ويبدو هنا أن القروي كان واعيا بمدى حنق سعيد عليه، فاختار أن يفرّ خارج تونس خلسة في اتجاه الجزائر حيث تمّ رصده من الأمن الجزائري واستعماله لاحقا في صفقة المقايضة.
قد يبدو منع القروي من الإفلات من المحاسبة انتصاراً لقيمها. ولكن ما حفّ به من شبهات مقايضات فيها اعتداء على حقوق الإنسان وما قد يكون من توظيف لملاحقته في البرنامج السياسي للرئيس سعيد يخشى معه أن يؤدي لتحول من كان يتهم بالفساد لضحية تدخل في القضاء وتوظيف له وهو أمر ينسف المحاسبة ويفقدها ما هو مفترض فيها من قيم عادلة.
أخيرا
يؤمل لكل الاعتبارات السابقة أن تخرج الدولة التونسية عن صمتها لتعطي للمتتبعين روايتها للوقائع ولتبدي موقفا مما كان من مسّ بحقوق الإنسان وبقيم الدولة الديمقراطية. كما ينتظر لذات الاعتبار أن تكون واقعة ترحيل بوحفص سببا لتطور الوعي الحقوقي بأهمية حماية قيم الجمهورية في ظل الأزمة السياسية و رغما عنها.
متوفر من خلال: