وجدت المبادرة التشريعية التي تقدمت بها مجموعة من نواب الشعب التونسي بتاريخ 31-12-2015 والمتعلقة بتجريم تصنيع وتوريد والإتجار بالأكياس البلاستيكية ذات الاستعمال الواحد في حينها ترحيبا حقوقيا واسعا اعتبارا لما باتت تشكله تلك الأكياس من ضرر ملحوظ على المحيط البيئي. إلا أن هذه المبادرة واجهت معارضة من الاتحاد العام التونسي للشغل[1] ومن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (وهي نقابة أصحاب العمل أو الأعراف) اللذين ذكرا أن المؤسسات المصنعة للأكياس تشغل خمسة عشر ألف شخص يهدد مستقبلهم المهني تشريع كهذا[2].
حسما للنزاع، تعهدت الحكومة التي بدت أقرب للأصوات المعارضة بتقديم تصور بديل يضمن التوازن بين المطلب البيئي الذي يهدف مقترح القانون لتحقيقه والمصلحة الاقتصادية والاجتماعية. وفي إطار تجسيد وعدها هذا، أعلنت الحكومة منتصف الشهر السادس من سنة 2016 عن نجاحها في إبرام اتفاق مع ممثلي المساحات التجارية الكبرى ينهي توزيعها على حرفائها الأكياس البلاستيكية بداية من منطلق الشهر الثالث من سنة 2017 وعن التزامها أن تتوصل مع نهاية تلك السنة لمنع تداول تلك الأكياس نهائيا بتونس بعدما تكون قد مكنت مؤسسات إنتاجها من فرصة لتحويل نشاطها في اتجاه صناعات بيئية ذات قيمة مضافة[3].
وكان أن عُدًتْ الخطوة في حينها إيجابية[4][5] والوعد ممكن التحقيق مما أدى فعليا لتعطيل نظر المبادرة النيابية. بمضي الأجل المحدد، لم تنفذ الحكومة تعهدها. فما كان من أصحاب المبادرة إلا أن عادوا لطرحها للمناقشة. ويبدو أن هذه العودة حفزت على تقديم وعد جديد إلتزمت بمقتضاه أن تصدر بداية سنة 2020 أمرا يحجر تداول أكياس البلاستيك ذات الاستعمال الواحد[6] .
كشفت وزارة البيئة بمناسبة إطلاق وعدها الجديد أن دراسة أعدها لها مكتب متخصص توصلت لأن أكثر من أربعة مليارات كيس[7] بلاستيكي غير قابل للتحلل تتداول سنويا في تونس[8] منها ثلاثة مليارات تنتجها 46 وحدة صناعية[9] تشغل في مجموعها 920 شخصا. تؤكد هذه المعطيات الجديدة أن حجم الضرر البيئي للأكياس غير القابلة للتحلل يتجاوز ما كان متوقعا وان مكانة هذه الصناعة في نسيج المؤسسات أقل أهمية مما كان يدعى به. وعليه، يؤمل أن يتمسك نواب الشعب بسن قانونهم مع تضمين نصه أحكاما انتقالية تمكن الصناعيين والمشتغلين بالقطاع من إعادة هيكلة نشاطهم في اتجاهات تخدم البيئة وذلك ليضمنوا إنجاز ما يصبون إليه من إصلاح باتت تونس من الدول المتأخرة في محيطها الإقليمي في إنجازه[10]، دون تعويل منهم على وعود حكومية تطلق كل مرة تحت ضغط تقدم عملهم وتنسى لاحقا بفعل الخضوع لضغط دوائر المصنعين.
[1] تولت بتاريخ 10-02-2016 لجنة الصناعة والطاقة والثروات الطبيعية والبنية الأساسية والبيئة بمجلس نواب الشعب المتعهدة بمقترح القانون الاستماع للأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل حينها بلقاسم العياري والذي دعا النواب "إلى التريث واستشارة أهل الذكر قبل إصدار مشروع القانون المتعلق بمنع إنتاج الأكياس البلاستيكية . وأضاف أنه من المفيد لحماية المؤسسات والعاملين فيها والمقدر عددهم ب 15 ألف عامل التفكير في آليات أخرى تم إقتراحها لتفادي إصدار قوانين تمس بالوضعين الاقتصادي والاجتماعي للمؤسسات ولكنها تحمي في الآن نفسه سلامة البيئة والمحيط حسب قوله – موقع موزاييك أف أم – بلقاسم العياري يدعو إلى التريث قبل سن قانون منع إنتاج الأكياس البلاستيكية – 10-02-2016.
[2] محمد العفيف الجعيدي – المبادرة التشريعية عودة بعد غيبة – المفكرة القانونية 29-03-2016 "
[3] وكالة تونس إفريقيا للأنباء 21-02-2017 – سحب الأكياس البلاستكية ذات الاستعمال الوحيد من المساحات التجارية الكبرى بداية من 1 مارس 2017
[4] لا أكياس بلاستيكية بفضاءات تونس التجارية: أول خطوة ناجحة في مواجهة تردي المحيط البيئي – المفكرة القانونية- 01-03-2017
[5] خصصت المفكرة العدد التجريبي من نشريتها المفكرة الصغيرة تونس للاحتفاء بالخطوة ولتعميق الوعي بخطورة البلاستيك على التوازنات البيئية .- يراجع العدد 0 صيف 2017 منشور بموقع المفكرة القانونية .
[6] تصريح وزير البيئة والشؤون المحلية رياض المؤخر يوم 07-06-2018 بمناسبة اليوم العالمي للبيئة .
[7] يستعمل سنويا في إنتاج 3.2 مليار كيس 20 طين من البلاستيك
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.