“
بعد ستة أشهر من الاحتجاج على وسائل التواصل الاجتماعي، والمُقاطعة الواقعية لمنتوجات ثلاث شركات لإنتاج مواد استهلاكية أساسية، أعلنت إحدى هذه الشركات، والمتخصصة في إنتاج الحليب ومشتقاته عن تخفيض في ثمن الحليب، في حين أبقت على نفس الأثمنة السابقة لمشتقاته.
وأثارت هذه الخطوة، جملة من التفاعلات، بين من يرى فيها استجابة لمطالب المقاطعين، ونُقطة نهاية لحملة المقاطعة. وآخرين ينظرون إليها بتوجس، ويعتبرون أنها “مُجرد انحناء للعاصفة”، و”استجابة ناقصة لمطالب المُقاطعين”. وقبل ستة أشهر، انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دعوات غير معروف مصدرها، تحث المواطنين على “مقاطعة” منتوجات ثلاث شركات كبيرة، واحدة تنتج الحليب ومشتقاته، والثانية توزع المحروقات وتبيعها، والثالثة متخصصة في المياه المعدنية.
تواصل، استماع، وتخفيض..
وفيما لم تعلن الشركات الأخرى عن تفاعلها مع حملات المقاطعة، دشنت شركة “سنطرال” الفرنسية، لقاءات تواصلية سواء مع منتجي الحليب، أو المستهلكين، وذلك بغرض الاستماع إلى اقتراحاتهم بخصوص التسعيرة المنتظرة، لتعلن متم الأسبوع المنصرم عن شروعها في تسويق الحليب المبستر في المغرب بسعر 2.5 دراهم لنصف لتر، ابتداء من بداية شهر أكتوبر المقبل. (1 دولار= 9.75 درهم تقريباً).
وستُدخل الشركة تغييرات على “تعليب” منتوجاتها من الحليب المبستر، إذ ستعمل على تعويض العلب الكرتونية، بأخرى من البلاستيك، ليتغير الثمن من 7 دراهم للتر الواحد، إلى 5 دراهم لنفس الكمية.
ولم يطل ثمن العلب الكرتونية تغييرا كبيراً، إذ أنه عوض 3.5 للعلبة الواحدة، سيتم تسويقها بـ 3.20 درهما.
من جهتها، لم تعلن الشركات المنافسة عن أي تغيير على مستوى أثمنتها، كما لم تُعلق على الحملة، ولم تتفاعل معها.
تفاعل إيجابي..
وفي تعليق له على قرار الشركة، اعتبر الصحافي الحسين يزي، أن الخطوات التي أعلنت عنها الشركة المذكورة، تعتبر تفاعلاً مع حملة المقاطعة أكثر مما هي استجابة نوعية لمطالبها، خاصة أنها اختارت الدخول في سلسة من اللقاءات التواصلية المباشرة سواء مع المقاطعين أو غيرهم.
وأوضح يزي في تصريح للمفكرة القانونية، أن الأهم في هذا التفاعل هو إبراز الشركة لقدرتها على إدارة الأزمة والتواصل مع زبنائها، وذلك باستراتيجات فعالة ومُجدية وحاسمة، مشدداً على أن “الخطوات قامت بها الشركة، تُعتبر تفاعلاً إيجابيا، هدفه استعادة الزبناء”، خاصة وأن “هذه الشركات لن تقدم تنازلات نوعية لأنها تكبدت خسارات كبيرة، وحساباتها لن تتحمل أي نزيف جديد”.
وبخُصوص إن كانت أسباب مقاطعة الشركة قائمة دائما، قال يزي: “ربما ما زالت قائمة بأثر رجعي، بعبارة أخرى بالاعتياد”، موضحاً أن “استمرار المقاطعة لمدة ستة أشهر، جعل هذا السلوك عادة أكثر مما هو فعل احتجاجي لأسباب ومطالب واضحة”.
قيمة هزيلة..
من جهته، اعتبر المحلل السياسي، عادل بنحمزة، أن القيمة المُعلن عنها من طرف الشركة تظل “هزيلة”. مشددا في تصريح للمفكرة القانونية، على أنه “بغض النظر عن القرار الذي اتخذته سنترال بشكل متأخر جدا، ومواكبة ذلك بمنتوج جديد ينقص الثمن والجودة والكمية، فإن المقاطعة تحولت إلى سلوك إستهلاكي لهذا يمكن القول بأن جزءا واسعا من المقاطعين قد فقدتهم الشركة بشكل نهائي”.
وقال: “شركة “سنترال” في البداية خون أحد مسؤوليها المغاربة وجعل من استهلاك منتوجاتها مقياسا للوطنية. بعد ذلك دخلت في مواجهات على مواقع التواصل الاجتماعي في حملة منظمة كان الغرض منها هو إفهام المقاطعين بأن الشركة قادرة على الصمود. بعد ذلك، نزل المدير العام للشركة الأم القادم من باريس إلى شوارع البيضاء وبعض البيوت المغربية، تحدث فيها بلباقة وعن تفهم قلق المغاربة. كما إلتزم بأن شركته سوف تتوج الحوار مع المواطنين والموردين بإعلان ما أسماه “السعر العادل” أي ذلك السعر الذي ينصف المساهمين في سلسلة الإنتاج و يطابق ما يحققه من فائدة للمستهلك”.
ولفت إلى أن “هذا التحول الكبير في خطاب الشركة يحمل تميزا كبيراً بالمقارنة مع الشركتين الثانيتين موضوع المقاطعة”، معتبراً أنهما اختارتا لغة إستعلائية أو باختصار تجاهل المقاطعة والمقاطعين مع الرهان على الزمن الذي سيجعل المقاطعة تتلاشى.
وزاد “الشركة تصرفت بمنطق السوق الذي يقتضي الحفاظ على علامة تجارية عمرها سنوات طويلة، وعلى حصة مهمة في السوق عبر الحفاظ على زبنائها وهذا الأمر يتم بصورة واضحة عبر تقليص الأرباح. وهذا أمر ممكن خاصة وأن الشركة لا تعرف تعددية في إمتلاك الأسهم وهو ما يجعل القرار سهلا”.
ولكن، يستدرك المتحدث، “بعد الكشف عن السعر الجديد وبصفة خاصة المنتوج الجديد، يمكن القول أن الجمل تمخض فولد فأرا، وأن العرض الجديد فيه إستخفاف كبير بذكاء المغاربة”، ليتساءل “هل درهمين ونصف لـ ملل من (ماء أبيض يعني “حليب”) يعني أقل من نصف لتر وفي كيس بلاستيكي، وتخفيض 0.3 درهما بالنسبة لنفس المنتوج لكن في علبة كرتونية، جواب عن مطالب المقاطعين؟”.
خروج عن الأهداف..
من جهتها، اعتبرت المتخصصة في التسويق وسلوك المستهلك، خديجة منكيط، أن حملة المقاطعة قد خرجت من الأهداف المعلنة لها في أول يوم، وتحولت من فعل احتجاجي “افتراضي” يُطالب بـ”خفض أثمنة المواد الاستهلاكية”، إلى “احتجاج ضد الرأسمالية، والظلم، والكثير من السلوكيات الأخرى”.
وأوضحت في تصريح للمفكرة القانونية، أن الخطاب التواصلي للشركة عرف تغييراً بالمقارنة مع بداية الحملة”، إلا أن ما أعلنت عنه الشركة لن ينال أغلب رضى المُقاطعين، لأن توقعاتهم صارت أكبر من مُجرد خفض لثمن منتوج أو أكثر، بل ينتظرون “تغيير نمط اقتصادي عام، يرون فيه تفشي الاحتكار وغلاء الأسعار”.
وقالت: “أسباب الانخراط في حملة المقاطعة مركبة عند الكثيرين، لكن يُمكن تلخيصها في الغضب والتمرد على الواقع المُعاش”، وبالتالي “لا أظن أن الشركة ستستعيد بسرعة زبناءها، فالأمر يتطلب وقتا أطول، يواكبه رفع في الجودة، خاصة أن الكثير من الانتقادات توجه لجودة ما تنتجه هذه الشركة”.
ورطة وجهود حكومية..
ومع إعلان الشركة عن التخفيضات المذكورة، دخلت الحكومة المغربية في ورطة جديدة، خاصة وأن الناطق الرسمي باسم الحكومة سبق له وصرح للصحافيين أن أرباح الشركة لا تتجاوز 0.20 درهما في اللتر الواحد. في حين أن التخفيض المُعلن عنه تجاوز الهامش المذكور بكثير.
كما وُجهت انتقادات لاذعة للحكومة، عقب دفاع وزير الشؤون العامة والحكامة، لحسن الداودي، بشكل مستميت عن الشركة ومصالحها، وصل به لدرجة المشاركة في وقفة احتجاجية أمام البرلمان، رفقة مجموعة من عمال الشركة، ضد حملة المقاطعة، وللمطالبة بوقفها فورا.
في المقابل، تتداول مصادر إعلامية، دخول الحُكومة في مشاورات للخروج بقرار عملي للتخفيض من أسعار المحروقات والحيلولة دون استمرارها في الارتفاع، خاصة أن من بين الشركات موضوع المقاطعة، أكبر شركة لتوزيع المحروقات وبيعها.
وتتدارس الحُكومة، إمكانية العودة للعمل بنظام الثمن المحدد للمحروقات، أو على الأقل السقف الأقصى الذي لا يجب أن تتجاوزه أسعار المحروقات، إلا أنه إلى حدود الساعة لم يتم الإعلان عن أي قرار رسمي.
وسبق للحكومة السابقة، أن اتخذت قراراً يقضي بالتحرير الكامل لأسعار المحروقات، بالإضافة إلى رفعها الدعم عنه، وذلك من أجل إنقاذ صندوق الموازنة الذي يُعاني من عجز كبير.
مقالات ذات صلة:
المغرب: حملة “المقاطعة”.. احتجاج “افتراضي” بآثار واقعية
“