أن يُصبح سعر ربطة الخبز 5000 ليرة و7000 أحياناً في السوق السوداء، فيما تحدّث بعض المواطنين للمفكرة القانونية عن شرائهم ربطة الخبز المرقوق بـ30 ألفاً، فهذا يعني أنّ الرغيف، العنصر الأساسي في الوجبة الغذائية، أضحى “رفاهية” أو حاجة يعجز عن تلبيتها السواد الأعظم من سكّان لبنان. وفي حين ما زالت الأجور على حالها، تدهورت قيمتها الشرائية إلى معدّلات غير مسبوقة، فيما ارتفعت أكلاف السلع الغذائية ربطاً بانهيار الليرة أمام الدولار، حتى باتت العائلات تُفاضل بين شراء الخبز وتأمين مواد غذائيّة أخرى. فإذا اختارتْ الخبز، ما عساها تأكل معه؟ حقاً، هناك عائلات باتت وجبتها تقتصر على مجرّد رغيف خبز مع القليل من الخضار إذا توفّرت مع ملامسة سعر الخسّة 7 آلاف ليرة. وماذا عمّن اضطرّ يوماً إلى شرائها من “السوق السوداء” التي تزدهر حالياً عند كلّ خضّة تتّصل بانقطاع المحروقات فيتحوّل الناس، هنا أيضاً إلى تجّار سوق سوداء. وعليه، يصبح المشهد وكأنّما هناك “منصّة” لربطة الخبز شبيهة بمنصة الدولار، ترتفع وتنخفض وفقاً للعرض والطلب وتوفّر المحروقات.
وبات اللبنانيون اليوم يترحّمون على أوضاع الرغيف خلال الحرب اللبنانية، حيث كان المسّ بسعر ربطة الخبز ومكوّناتها ووزنها من المحرّمات وسط حدّ أدنى من شفافية كيفية تسعير ربطة الخبز ووفق أي سلّم، وسط حضور مؤثر للنقابات والاتّحاد العمالي العام يومها.
أما اليوم فتحيط الشكوك بأداء وزارة الاقتصاد التي تقوم، منذ أكثر من عام، برفع سعر الرغيف حيناً وبتغيير وزن ربطة الخبز حيناً آخر، فأصدرت نحو 10 قرارات بهذا الصدد منذ أيّار 2020 لغاية اليوم وتغيّر سعر الربطة 6 مرّات. وتتعدّد الأسباب التي تقدّمها الوزارة في كلّ مرّة: ارتفاع سعر القمح في الأسواق العالمية، ارتفاع كلفة صيانة المعدّات في الأفران التي تُسعّر بالدولار، وارتفاع المواد الأوّلية في إنتاج ربطة الخبز، ومنعاً لتوقّف إنتاج ربطة الخبز… وغيرها من التبريرات من دون أن تراقب الوزارة عمل الأفران وتتبيّن حقيقة الاتهامات التي تطالها لجهة أنّ هذه الأفران تحقّق أرباحاً هائلة من وراء سياسة الدعم. وما يفاقم من هذا الوضع هو تستّر وزارة الاقتصاد على الدراسة التي تمّ على أساسها تسعير ربطة الخبز بعدما تمّ استبعاد النقابة وجمعية حماية المستهلك من المشاورات والاجتماعات المتعلقة بالموضوع. وقد قدّمت النقابة طعناً أمام مجلس شورى الدولة ضدّ قرار رفض تسليمها نسخة عن هذه الدراسة، وهو طعن أسفر عن صدور قرار أولّي بوقف تنفيذ قرار الرّفض بما يؤدي عملياً إلى إلزام الوزارة بالإفراج عن الدراسة.
واليوم تربط الأفران سعر ربطة الخبز بكلفة وقود المازوت، بعدما ربطتها في الفترات الماضية بأكلاف متعدّدة كالصّيانة والمواد الأوّليّة وغيرها. وأعلنت قبل يومين أفران الشمال التوقف عن العمل بسبب عدم تسليم شركات النفط المازوت المدعوم مقابل بونات حصلت عليها من وزارة الاقتصاد تكفي لأسبوع واحد فقط حتى عادت عنه بعد تدخّل مستشار رئيس الحكومة لحل الوضع بين شركات النفط والأفران. بخاصّة وأنّ سعر صفيحة المازوت في السوق السوداء وصل إلى 300 ألف ليرة لبنانيّة، ما يُنبئ أنّ احتمالات الاستمرار برفع سعر الرغيف واردة في حال عادت أزمة المازوت بعد أسبوع.
تغيير سعر ربطة الخبز ووزْنها 6 مرّات في غضون عام
في 27 شباط 2020، شكّلت وزارة الاقتصاد لجنة لدراسة كلفة ربطة الخبز بهدف تحديد كافة العناصر التي تدخل في صناعة الخبز وتحديد الكلْفة النهائية لسعر الرغيف وبالتالي سعر ربطة الخبز، وكان سعر الدولار لا يتعدى 2500 ليرة لبنانيّة. وتشكّلت اللجنة من ممثلين عن وزارة الاقتصاد، نقابة أصحاب الأفران، نقابة عمّال المخابز في جبل لبنان وبيروت، معهد البحوث الصناعية، ممثلين من وزارة الصحة وجمعية حماية المستهلك. وفي الاجتماع الأوّل في 2 آذار 2020 أبدت نقابة أصحاب الأفران رفضها لحضور جمعية حماية المستهلك وضغطتْ باتجاه منعهم من العودة للاجتماع ونجحت بذلك حيث تمّ طرد ممثّلي الجمعية في بداية الاجتماع الذي أعقبه، بحسب نقيب عمّال الأفران والمخابز في جبل لبنان وبيروت شحادة المصري. ولاحقاً تمّ استبعاد المصري نفسه عن الاجتماعات بحجّة جائحة كورونا وصدر القرار الأوّل برفع سعر ربطة الخبز في حزيران 2020 من دون أخذ رأي النقابة الوحيدة التي تمثّل العمّال والفقراء والمجتمع مع الجمعية في اللجنة.
في بداية العام 2020 كانت الأفران تضغط على الوزارة بهدف “دعم كافة السلع التي تدخل في إنتاج رغيف الخبز، وهي الطحين، السكر، الخميرة، النايلون، والمازوت”. وفنّد اتحاد نقابات المخابز والأفران في بيان في 21 شباط 2020، أبرز التكاليف التي تضعها لإنتاج الخبز وهي، اشتراكات الضمان الاجتماعي، واستقدام العمّال الأجانب مشيراً إلى أنّ العامل اللبناني لا يعمل في القطاع، مع إدراج كلفة إقامات العمّال السوريين، والسكن والنقل. وعدّدت الأفران عناصر أخرى اعتبرتها عبئاً إضافياً لإنتاج الرغيف، وهي: صيانة المعدات والتجهيزات وقطع الغيار وغيرها التي تسدد نقداً وبالدولار الأميركي، كما الضرائب والرسوم للإدارات الرسمية من وزارة العمل، وزارة الصحة، الأمن العام، المختار، كاتب العدل والتأمين وطوابع ورسوم بلدية وكهرباء ومياه وهاتف ورش مبيدات وغيرها. أوحتْ الأفران حينها أنّ هدفها الإبقاء على سعر ربطة الخبز ووزْنها على حالهما آنذاك أي 1500 ألف ليرة لوزن ألف غرام. وسرعان ما تبدّل ذلك بتوجّه وزارة الاقتصاد إلى رفع سعر ربطة الخبز وتخفيض وزنها تحت ضغوط أصحاب الأفران فأُنزل وزنها إلى 900 غرام بقيمة 1500 ليرة في حزيران 2020 ثم ارتفع الوزن إلى 950 غراماً في تموز 2020 مع رفع السعر إلى 2000 ليرة لبنانية، وبذلك تكون قد رفع سعر الربطة 500 ليرة مع الإيحاء بأنّ وزارة الاقتصاد رفعت الوزن الذي سبق وخفّضته قبل شهر من ذلك.
وتتالت قرارات رفع الأسعار من أيّار 2020 لغاية أيلول 2021، فتغيّر سعرها 6 مرّات ووزنها 10 مرّات لربطتيْ الخبز الكبيرة والمتوسطة. وبالنظر إلى التبدّل الذي طرأ على الربطة الكبيرة نجد أنّ السعر صعد إلى 2000 ليرة وانخفض الوزن إلى 950 غراماً، ثم 2500 ليرة لوزن 870 غراماً ثم 3000 بوزن 960 غراماً، ثم انخفض وزنها إلى 850 غراماً وارتفع سعرها إلى 4250 ليرة لبنانيّة في أول هذا الصيف (2021). ويُلحظ أنّ بعض قرارات وزارة الاقتصاد أتتْ على تغيير الوزن تخفيضاً أو زيادة وثم تغيير السعر. وفي قرار صدر في تموز 2021، رفعت الوزارة وزنها إلى 915 غراماً وخفضّت سعرها إلى 3750 ليرة. وفي آخر قرارين صدرا الأول في 23 آب والثاني في 3 أيلول 2021، رُفع سعر الربطة إلى 4500 فيما خسرت من وزنها 35 غراماً بين القرار الأول والثاني. وعليه باتت ربطة الخبز الكبيرة تُباع في الأفران بـ 4500 ليرة فيما تُباع في الدكاكين بـ 5000 ليرة، فيما تُباع الربطة الوسط اليوم في الأفران بقيمة 2750 في الفرن و3250 في المحال لوزن 365 غراماً.
تحميل ربطة الخبز تكاليف ليست لها
الحجج التي تتذرّع بها الأفران للضغط لزيادة سعر ربطة الخبز، يردُّ عليها المصري مؤكّداً أنّ الأفران تحمّل ربطة الخبز تكاليف لا تدخل في إنتاجها وبخاصّة أنّ الفرن ينتج موادّ أخرى تباع بأسعار مرتفعة، لافتاً إلى أنّ الفروقات في الوزن تضمن للأفران صناعة عشرات ربطات الخبز الإضافية.
يستعيد المصري في حديث مع “المفكرة” المرحلة التي بدأ يجتمع فيها مع اللجنة التي شكلتها وزارة الاقتصاد في شباط العام الماضي، مشيراً إلى أنّه “اتضح لي أنّ بعض أصحاب الأفران الكبيرة تسعى إلى إيهام الناس بأنّ كلفة ربطة الخبز ترتبط بعناصر عدّة، وأحدها أجور مضخّمة للعمّال كما والإقامات وإجازات العمل والبطاقات الصحية للعمّال الأجانب، فقصدت كلّاً من وزارة العمل والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وطلبت الحصول على معلومات حول صحّة أعداد العمّال العاملين في الأفران المسجلين في الضمان كما أعداد العمّال الأجانب الحائزين على إجازات عمل من وزارة العمل”. وعليه “توصّلت النقابة إلى أنّ أعداد العمّال المسجلين لدى الضمان الاجتماعي ويعملون في جميع الأفران لا يتعدّون 300 عامل”. وعلى أرض الواقع، تظهر تباينات معطيات الأفران بحسب المصري بين ما يدّعيه أصحابها وبين الواقع. مثلاً، تقول الأفران إنّ “كلّ فرن يحتاج لـ 14 عاملاً، إنّما نعلم من خبرتنا بأنّ الحقيقة أنّ عددهم ستّة عمّال فقط، وهم فريق عمل يضم عجّاناً ومراقباً وعامل صيانة وثلاثة عمّال لتوضيب الخبز، وتدّعي أيضاً أنّ الفرن يُنتج يومياً 20 شوال طحين تقريباً، فيما الحقيقة هي 40 شوالاً”.
وأبعد من ذلك، يؤكّد المصري أنّ “العمّال الأجانب يتقاضون أجوراً زهيدة، ويتم مؤخراً استغلالهم على حساب استبعاد العمّال اللبنانيين الّذين بدأوا يتركون هذه المهنة نظراً للأجور المتدنية”. ويؤكد أنّ العامل في الفرن كان “يتقاضى في السابق ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور، ولكنّه في المقابل يعمل 12 ساعة يومياً ومحروم من العطلة الأسبوعيّة، ومن الاستفادة من مستحقات المنح المدرسية والفرص السنوية ما يعني أنّه غير محمي بموجب قانون العمل اللبناني”.
ومن جهة ثانية، يشير المصري إلى أنّ “أصحاب الأفران ادّعوا أنّ متوسّط كلفة الكهرباء 50 مليون ليرة في الشهر وكلفة الصيانة 20 ألف دولار في السنة، فاقترحت أن نقوم برصد ثلاثة فواتير كهرباء لفرن يعمل فقط في إنتاج الخبز العربي دون غيره من المنتجات ولم تؤخذ اقتراحاتنا بعين الاعتبار”.
ويؤكّد المصري أنّه كان من المقرر أن يجتمع مع الوزارة في 16 آذار 2020 لكن ورده اتصال من الوزراة أنّه سيتم إرجاء الاجتماع بحجة فيروس كورونا. يقول المصري، “فوجئت في 3 حزيران 2020 بصدور قرار تسعير ربطة الخبز من وزارة الاقتصاد، قضى بإنقاص وزن ربطة الخبز 100 غرام ورفع سعرها 500 ليرة، ما يعني أنّ اجتماعاً حصل من دون دعوتنا إليه”.
ما يحاول المصري التمسّك به اليوم هو “رفع صوت الفقير” في وزارة الاقتصاد وخوض معركة “لحماية لقمة الفقراء”، ويؤكد أنّ المواطن غير قادر على تحمّل ارتفاع سعر ربطة الخبز. فالأجور تدهورت قيمتها، حتى أنني رأيت أشخاصاً يلفّون رغيف الخبز مع أوراق الخسّ ليأكلوا لأنّه لم يعد باستطاعتهم تأمين الغذاء كما في السابق”.
قضيّة عمّال الأفران كانت الدافع الرئيسي للمصري ليعمل على التشديد على ضرورة أن تُنشر المعلومات حول مدى صحّة ادّعاءات الأفران من ناحية الكلفة التي تتكبّدها على العمّال في الوقت الذي يرى أنّ هؤلاء العمّال ينتجون أكثر بكثير مما يتقاضون، ويساهمون بتحقيق أرباح هائلة للأفران التي تحصل على الطحين المدعوم. وأكثر من ذلك، يشكّك المصري في أن تكون الأفران تستفيد من الطحين المدعوم فقط بهدف صناعة ربطة الخبز بل يعتقد أنّ بعضها يستخدم هذا الطحين في صناعة منتجات أخرى مثل الكعك والبيتيفور والمناقيش وهذا ما لا يُمكن إيقافه سوى بإخضاع الأفران للرقابة. ويشرح “كنّا طالبنا بمعرفة حصّة كلّ فرن من الطحين لنبني على أساسها دراسة لمعرفة إنتاج ربطات الخبز من كلّ كيس طحين لمقارنتها مع الإنتاج اليومي لعدد ربطات الخبز، ورُفض اقتراحنا”.
ويُشير إلى أنّ النقابة تعلم أنّ “كلّ كيس طحين يُنتج نحو 140 ربطة خبز فيما يدّعي بعض أصحاب الأفران أنّ الكيس ينتج 120 ربطة”. ويعرض هذه التقديرات ليشير إلى أنّ “الأفران لم تقدّم المعلومات الدقيقة لحجم إنتاجها وقدرة العمّال لديها لترفع أرباحها من ربطة الخبز”. ويُضيف، “قد لا تكون الأرباح مهمّة بالنسبة للفرن الذي يُنتج عدداً قليلاً من ربطات الخبز اليومية فيما ستكون الأرباح هائلة للأفران الكبيرة التي لديها فروع عدّة في مختلف المناطق اللبنانيّة والتي تنتج كميات أكبر من ربطات الخبز اليومية”.
الأفران ترفض أن توجّه لها الاتهامات
من جهته، يرفض رئيس اتحاد نقابات الأفران والمخابز علي إبراهيم ما يقوله المصري، ويؤكد أنّ “جميع العمّال لدى الأفران هم أجانب وأغلبهم من الجنسية السورية وجميعهم مسجّلون في الضمان الاجتماعي والأفران تدفع لهم إجازات عمل ووثيقة إقامة وتؤمن لهم السكن والنقل”. ويأتي رد إبراهيم في صدد نفيه لوجود عمّال لبنانيين في الأفران ممثلين بنقابة لأنّهم لا يريدون العمل في هذا القطاع. ويؤكد أنّ “العمّال يعملون لـ 8 ساعات يومياً، ومن يعمل ساعات إضافية فلأنّه يريد أن يتقاضى مالاً إضافياً”. يتابع، “يتقاضى العامل على 8 ساعات 100 ألف ليرة، وفي حال عمل لساعات إضافية يصل بدله اليومي لـ 150 ألف ليرة”. ومن جهة ثانية، يعتبر إبراهيم أنّ “الفرن يتكبد أموالاً كبيرة على الصيانة، مثل تغيير جنزير بيت النار كلّ ثمانية أشهر وسعره نحو 4000 دولار، هذا غير كلفة صيانة الأمور الأخرى كالإضاءة وغيرها”. ويؤكّد إبراهيم أنّ الدراسة التي استندت إليها الأفران موجودة لدى وزارة الاقتصاد وتتضمّن كافة التكاليف.
ويعلّق إبراهيم على موضوع ارتفاع سعر ربطة الخبز معتبراً أنّه “يوجد عشرات المواد التي توضع في ربطة الخبز”. يُضيف، “يقولون إنّها قوت الفقير، لم يبقَ شيء للفقير. فقارورة المياه سعرها 5000 ليرة اليوم، لماذا هذا الإصرار على موضوع ربطة الخبز؟”. ثم يلفت إلى أنّ “ربطة الخبز كانت تُباع بـ 1500 ليرة حين كان الدولار بـ 1500 أيضاً، اليوم الدولار قيمته 20 ألف ليرة فيما سعر ربطة الخبز سنتات قليلة ويستنكرون غلاء سعرها”. وينفي إبراهيم أن يُستخدم الطحين المدعوم المخصص للخبز من فئة 85 لصناعة منتوجات أخرى، مشيراً إلى أنّ “الطحين الذي تُصنع به منتوجات أخرى سعره أغلى بثلاث مرّات من الطحين المخصص لربطة الخبز”.
رفض تسليم دراسة كلفة ربطة الخبز
بناء على ما تقدّم، طالبت نقابة عمّال الأفران مديريّة الحبوب والشمندر تسليم النقابة معلومات تفيد بـ”أولاً، بيان الدراسة المعتمدة لتسعير ربطة الخبز والتي تتضمّن أجور العمّال، وثانياً بيان حصة كل فرن يتسلّم الطحين المدعوم وخاصة في بيروت وجبل لبنان، وثالثاً، بيان كمية المواد المدعومة لصناعة الخبز العربي مثل السكر والخميرة والزيت للطن الواحد من الطحين”. ويؤكد المصري أنّ “وزارة الاقتصاد كانت تنشر جميع دراساتها المتعلقة بسعر ربطة الخبز في الصحف اليومية، (مثلما فعلت عام 1982 وعام 1985)، حين لجأت إلى تشكيل لجنة في كل مرّة لدراسة سعر ربطة الخبز، إلّا أنّها تمنعت عن ذلك للمرّة الأولى هذا العام”.
يؤكد المصري أنّ المديرية رفضت تسليم المعلومات في ردّ خطي جاء فيه “إنه يتعذّر علينا تسليمكم الدراسة المجراة من قبل الإدارة، كما يتعذر علينا الكشف عن حصة كل فرن من الأفران بالطحين المدعوم. أما في ما يتعلق بالخميرة والسكر فإنّ الوزارة تسلّم لكلّ طن طحين 25 كلغ سكر و11 كلغ خميرة”. وعليه، لم يقتنع المصري بحجة المديرية فتوجّه إلى مجلس شورى الدولة بالتعاون مع “المفكرة القانونيّة” بوكالة المحامي نزار صاغيّة وتقدّم بطعن بالرفض. وفي تاريخ 15 تمّوز 2021 أصدر مجلس الشورى قراراً إعدادياً بوقف تنفيذ قرار المديرية.
يعتبر مدير عام مديرية الحبوب والشمندر السكري جرجس برباري في حديث مع “المفكرة” أنّ “ما يطلبه المصري هو إفشاء معلومات خاصّة بالأفران ونحن لا نستطيع أن نقدّمها وعلى النقيب أن يتواصل مع الأفران المعنية ليحصل على المعلومات الخاصّة بالعمّال لديها”. ويشرح برباري بأنّ “لدى الوزارة دراسة موجودة قام بإعدادها مستشارون أجانب لتحديد معايير تحديد كلفة ربطة الخبز، تتضمن كل المكونات التي تدخل في صناعة الرغيف، وهذه المكونات تخضع لارتفاع السعر ممّا يسبب تغيّر سعر ربطة الخبز”. يُضيف، أمّا بالنسبة لقرار مجلس الشورى، “الموضوع ليس عندي بل لدى الوزير، فأنا لا أقدر على تسليم المعلومات”.
المحامي صاغيّة علّق على قرار مجلس الشورى خلال مؤتمر صحافي عقدته “المفكرة القانونيّة” يوم الخميس 9 أيلول بالشراكة مع نقابة عمّال الأفران في بيروت وجبل لبنان بعنوان “الخبز في عتمة الاحتكارات”، مشيراً إلى أنّه “قرار يلزم وزارة الاقتصاد بتسليمنا الدراسة من دون مزيد من المماطلة، وننتظر حصول ذلك في أقرب المهل”. ومن جهة ثانية، شرح صاغيّة أنّ الخطوة الآتية في هذا المجال ستكون بداية لـ “مقاربة مسألة تسعيرة الخبز على النحو الذي تقتضيه أهميتها في هذه الأزمة المعيشية الهائلة”. وشدد على ضرورة “مقاربتها كقضية اجتماعية حيوية، تتّخذ القرارات فيها تحت الأضواء وليس في العتمة”. وأضاف، “والأهم أن تتخذ القرارات بعد تغليب الحقوق الأساسية للناس في الغذاء والحياة على مسعى الأفران لمضاعفة أرباحها بما يتجاوز نسب الربح القانوني وعلى نحو لم يعد يحتمل”.
أفران الشمال: لم نحصل على المازوت بعد
من جهته يعتبر رئيس نقابة الأفران في الشمال طارق المير، أنّ “وزارة الإقتصاد تدعم الطحين، وتدعم أيضاً مادة المازوت لكن لم نحصل بعد على أي مازوت مدعوم، بينما كافة العناصر الأخرى من سكر وخميرة ونيلون وملح غير مدعومة”. يُضيف، “الأفران أيضاً تدفع فواتير الكهرباء والصيانة وأجور العمّال والضمان الاجتماعي وغيرها من العناصر”.
ويوضح المير أنّ “الأفران استلمت قسائم المازوت يوم الاثنين الماضي وهي تكفي لأسبوع فقط، لكن حين توجهت إلى شركات النفط لاستلام حصتها رفضت الشركات ذلك”. وعليه، اتخذت الأفران في الشمال قرار الإضراب ابتداءً من يوم الأربعاء 8 أيلول، معلنة أنّها لن تنتج الخبز قبل أن تحصل على المازوت ثم تراجعت عنه ظهر الأربعاء بعدما تدّخل مستشار رئيس الحكومة حسين قعفراني وتواصل مع شركتي نفط أمنّت للأفران 150 ألف ليتر من المازوت.
المير يؤكد أنّ الأفران “تشتري المازوت من السوق السوداء”. ويُضيف، “المطاحن أيضاً، تعاني من انقطاع المازوت فتقلّص إنتاجها للطحين، بالتالي انخفضت كميّة الطحين التي تستلمها الأفران”. وأيضاً بالنسبة لتوزيع الخبز، “فقط الأفران الكبيرة قادرة على التوزيع لأنّها تمتلك آلياتها الخاصّة، فيما ليس جميع الأفران الصغيرة قادرة على التوزيع”.
يؤكد المير “سلمنا جداول وأرسلناها للوزارة”، نافياً ما صرّح به الوزير لناحية الاحتكار. ويشير إلى أنّ “الأفران همها تأمين الخبز للمواطن، وعلى الوزير أن يقوم بالرقابة على البنزين والمازوت لأنّ الاحتكار يحصل هناك ونحن كنا نشتري المازوت من السوق السوداء”، مؤكداً بأنّ “الوزراة قدّمت بونات المازوت وسنستلمها هذا الأسبوع”.
بدوره يؤكد إبراهيم “أنّ الفرن الذي لا يتمكن من تأمين المازوت لن يكون قادراً على العمل، وإن اشترى المازوت من السوق السوداء فسيشكل ذلك خسارة له”، متوقعاً أن يمتد الإضراب في الشمال الذي يبدأ اليوم الأربعاء في حال لم يستلم أي من الأفران المازوت.
من جهته، يؤكد برباري أنّ “وزارة الاقتصاد تواصلت منذ مدّة مع وزارة الطاقة لأجل تأمين المازوت للمطاحن، فتم ذلك من خلال شركات توزيع النفط”. وبالنسبة للأفران، “هي الأخرى شكت للوزارة فقدان مادة المازوت وبأنّها تشتريه بأسعار باهظة من السوق السوداء، فقمنا بالاجتماع مع مستشار رئيس الحكومة وقررنا تأمين قسائم شرائية من المازوت المدعوم عبر المحطات للأفران لأجل تشغيل الأفران وتأمين الخبز”.