استنكرت الاوساط الاعلامية الاردنية في الايام القليلة الماضية واقعتين رأى فيهما الاعلاميون تهديدا حقيقيا لحرية التعبير عن الرأي وتضييقا غير مبرر على الكتاب والصحفيين، كلاهما يطرحان مدى امكانية انتقاد سلوكيات أشخاص أو مؤسسات تعمل في المجال العام. وقد سجل بعض الاعلاميين تزايد "التابوهات والخطوط الحمراء" وأيضا الحصانة التي "يريدون انزالها على كل الاشخاص والمؤسسات، وذلك طبعا من خلال التلويح بالاحالة الى القضاء العسكري تارة والتحقيق والقضاء المدني تارة آخرى".[1]
الحالة الأولى: الدعوى العامة ضد رئيس تحرير صحيفة الرأي وكاتب المقال
مثل رئيس التحرير المسؤول لجريدة الرأي الصحفي سمير الحياري والكاتب الصحفي وزير الثقافة الاسبق طارق مصاروة امام رئيس دائرة ادعاء عام عمان على خلفية مقال نشرته الصحيفة في 2/10/2014 تحت عنوان: "يا عيب العيب". واسند المدعي العام التهم التالية للمشتكى عليهما وهي: عدم التوازن والموضوعية وعدم تحري الدقة والحقيقة ونشر اشاعات كاذبة في عرض المادة الصحفية وذم وقدح وتحقير هيئة رسمية. ونفى المشتكى عليهما امام المدعي العام التهم المسندة اليهما. وكانت النيابة العامة قد اعتبرت المقال اساءة لها ولبعض مؤسسات الدولة.
واكد الحياري والمصاروة امام المدعي العام اعتزازهما بمؤسسات الدولة كافة وعلى رأسها القوات المسلحة الاردنية والاجهزة الامنية المختلفة بالاضافة الى تأكيدهما على الدور الفعال الذي تنهض به النيابة العامة في سبيل تحقيق سيادة القانون. كما اكدا ان الجهاز القضائي هو الحصن المنيع الذي يلجأ اليه كل مظلوم، يشار اليه بالبنان في النزاهة والشفافية في ايصال الحقوق الى اصحابها. وقالا ان المقال جاء مجزأ الامر الذي اخرجه عن سياقه وفهم بطريقة خاطئة بغير تلك الغاية التي اراد ايصالها كاتب المقال وقرر المدعي العام ترك المشتكى عليهما احرارا بدون توقيف[2]. وقد اشار المصاروة في مقاله المعنون ب "يا عيب العيب" موضوع الاتهام، الى ما طغا على الساحة الاردنية مؤخرا من احداث وعلى رأسها قضية ذهب عجلون والتعاطي الاعلامي المرتبك معها وغياب الثقة بين المواطنين والحكومة. واضاف المصاروة أن هذا الانهيار الأخلاقي في تعاملنا مع قواتنا المسلحة، وهذا التطاول على قيادة الوطن لا يوقفه إلاّ.. القضاء، باستدعاء كل من غمّس في صحن السمّ إلى التحقيق. واستذكر في المقال أنه ذات مرّة، ذهب ونقيب الصحفيين إلى المدّعي العام وأقاما دعوى على صحيفة «الحياة» ومراسلها في عمّان لأنّها نشرت خبراً يقول إن واحداً وأربعين أردنيّاً «ثبت» أنهم يتلقون أموالاً من العراق منهم صحفيون ونواب وأحد الوزراء العاملين. ويضيف مصاورة: "قلنا وقتها للشاب المحترم المدّعي العام: إن هذا الاتهام يشمل آلاف الناس، ولذلك فالمطلوب من الصحيفة ومراسلها وضع أسمائهم أمام القضاء أولاً، ثم أمام المواطن الأردني دافع الضرائب الذي يموّل الصحافة ورواتب النواب والوزراء. وقام وقتها المدّعي العام باستدعاء الصحفي «مجترح» الخبر للتحقيق, ولأن الناس تملك الغرابة المهنية تستطيع أن تقول: أنا أقدم الأسماء للمحكمة (وكأن المدّعي العام لا علاقة له بالقضاء).. فذهب إلى الحبس خمسة عشر يوماً. كنا هذه المرة نتمنى أن نملك القدرة على الذهاب للمدّعي العام واقامة دعوى على «السحجة» كلها، لكن الروح الباحثة أبداً عن الهراش قوية، أما الجسد فضعيف. ولم يفت الوقت، وعلى النائب العام أن يغسل وجهه ويبدأ بالتحقيق مع كل الذين جعلوا من الأردن بلد «نهب الذهب، وجعلوا من جيشه حارساً للنهب.. والبلد يواجه عاصفة غبار وطين ودم تملأ المنطقة. يا عيب العيب"[3].
وتاليا، ومع النظر الى مضمون المقال، نتبين بسرعة أن موضوع الاتهام هو التلويح بتقاعس النيابة العامة عن التحرك في قضية
حيوية.
الحالة الثانية: الادعاء على رئيسة تحرير صحيفة الغد
مثل رئيس التحرير المسؤول في صحيفة الغد الصحفية جمانة غنيمات في 21/10/2014 امام مدعي عام عمان، على خلفية شكوى مقدمة لدى النيابة العامة، بعد نشرها مقالاً بعنوان (لقد مللنا العرض.. فأوقفوه!)، المتعلق بمسلكيات بعض اعضاء مجلس النواب[4].واسند المدعي العام للصحفية غنيمات، تهمة عدم تحري الحقيقة خلافاً لاحكام المادة 5 من قانون المطبوعات[5]، وتهمة عدم الموضوعية والتوازن خلافاً لاحكام المادة 7/ ج من قانون المطبوعات[6]، وتهمة ذم هيئة رسمية استناداً لاحكام المادة 191 من قانون العقوبات[7]. وكانت رئيسة التحرير الصحفية غنيمات قد وجهت انتقادا لاذعا لاداء اعضاء مجلس النواب من خلال مقال نشر في صحيفة الغد بعنوان "لقد مللنا العرض"[8].
وقد ورد في هذا المقال: "يثير الغيظ حد الحنق، أن ترى نوابا من أصحاب الصوت العالي؛ يزاودون على الكل، ويزعمون السعي في محاربة الفساد ومحاصرته، فيما هم غارقون فيه حتى آذانهم!.واضافت "نواب المزاودة" مجرمون بحق المجتمع. فهم بخطاباتهم الرنانة بالكلمات الزائفة، يتلاعبون بآمال الناس وتطلعاتهم، وأخطر من ذلك أنهم يخفون وراء مسرحياتهم الاستعراضية أطماعا للبحث عن مكاسب شخصية، أكانت امتيازات وأموالا أو مواقع للأقرباء والمحاسيب، أي ما يمكن تلخيصه بكلمة واحدة "فساد".وختمت مقالها بالطعن بنواب المعارضة الزائفة الذين يرقصون على "جثث أحلام المجتمع" .وأضافت أنه "بعدما حدث بشأن قانون التقاعد المدني، ورده من قبل الملك، فإنه لم يبقَ لهذا المجلس من رصيد يسعفه لاستعادة ثقة الشارع به، وسنظل نشهد استعراضات لممثلين مدّعين، يقولون ما لا يفعلون.لقد مللنا عروضكم.. فأوقفوها!" .
أثارت الحادثتان سخطا واسعا في الاوساط الصحفية والاعلامية الاردنية باعتبار أن ذلك يشكل تراجعا عن النهج الديمقراطي الذي اعلنته الحكومة غير مرة وعودة للاحكام العرفية وتقييدا لحرية التعبير عن الرأي التي تشكل احدى الحريات الاساسية وفق أحكام المادة الخامسة عشرة من الدستور الاردني[9] والمواثيق الدولية التي صادق عليها الأردن[10]. وبالطبع، لا يشكل التذرع بأحكام القانون سببا كافيا لتجاوز هذه الحرية، ولا سيما في الحالات التي يتم تضمين القانون عبارات مطاطة. والأولى بالقضاء أن يضمن تطبيق هذه القوانين على نحو يكفل حرية التعبير ولا يلغيها.
حرية التعبير عن الرأي في الاردن بعيون عالمية
دعت منظمة هيومن رايتس ووتش مطلع عام 2014 الاردن الى "الغاء" او "تعديل" قوانين تفرض "قيودا غير مقبولة" على حرية التعبير عن الرأي في البلاد.وقالت المنظمة التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، في بيان بمناسبة صدور تقريرها العالمي حول احداث عام 2013 ان "على المشرعين الأردنيين إجراء إصلاحات أساسية في 2014 لإلغاء أو تعديل القوانين التي تفرض قيوداً غير مقبولة على حرية التعبير".واضافت انه "خلال عام 2013 قام مسؤولون اردنيون بملاحقة أشخاص بتهم فضفاضة الصياغة من قبيل (إهانة هيئة رسمية) و(تقويض نظام الحكم السياسي) و(تكدير العلاقات مع دولة أجنبية)، لخنق التعبير السلمي عن الرأي".واضافتان "السلطات اخفقت في توفيق قانون العقوبات لعام 1960 مع الضمانات الدستورية لحرية التعبير، التي دعمتها التعديلات الدستورية لسنة 2011″.ونقل البيان عن نديم حوري نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة قوله انه "من المخجل أن يظل بوسع الادعاء الأردني الزج بأشخاص في السجن لمجرد ترديد هتاف في مظاهرة أو التعبير عن رأي في أحد القادة".واضاف ان "الضمانات الدستورية تصبح حبراً على ورق إذا لم تتخلص السلطات من المواد المقوضة لها في قانون العقوبات"[11].
[5]– تنص المادة ( 5 ) من قانون المطبوعات والنشر على أنه " على المطبوعة تحري الحقيقة والالتزام بالدقة والحيدة والموضوعية في عرض المادة الصحفية والامتناع عن نشر مايتعارض مع مبادىء الحرية والمسؤولية الوطنية وحقوق الانسان وقيم الامة العربية والاسلامية" .
[6]– تنص المادة ( 7 ) من قانون المطبوعات والنشر الاردني على أنه " أداب مهنة الصحافة واخلاقياتها ملزمة للصحفي ، وتشمل: ج- التوازن والموضوعية والنزاهة في عرض المادة الصحفية " .
[7]– تنص المادة ( 191 ) من قانون العقوبات الاردني على انه " 1-يعاقب على الذم بالحبس من ثلاثة أشهر الى سنتين او بالغرامه من الفين الى عشرة الاف دينار اذا كان موجهاً الى مجلس الامة او أحد أعضائه أثناء عمله او بسبب ما أجراه بحكم عمله او الى احدى الهيئات الرسمية او المحاكم او الادارات العامة او الجيش او الى أي موظف أثناء قيامه بوظيفته او بسبب ما أجراه بحكمها. 2- وفي حالة التكرار تكون العقوبه من ثلاثة اشهر الى سنتين " .
[10]– تنص المادة ( 19 ) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان على أنه " لكل شخص الحق في حرية التعبير عن الرأي …." وكذلك الحال المادة ( 19 ) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية .
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.