بتاريخ 03 أكتوبر 2024 أصدرت المحكمة الإدارية بفاس حكما مبدئيا قضى بأن تحصيل المحاكم لرسوم (صوائر) قضائية دون سند قانوني يشكل خطأ مرفقيا ويرقى الى درجة اعتباره جريمة غدر.
الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية يعيد الى الواجهة إشكالية تحصيل بعض المحاكم في بلدان المنطقة لرسوم قضائية غير مستحقة خارج إطار مبدأ المشروعية، وهو ما يمسّ الحق في الولوج الى القضاء خاصة بالنسبة للفئات المهمشة.
ملخص القضية
تعود فصول القضية إلى تاريخ 13 ماي 2024 حينما تقدّم المدعي بمقال افتتاحي سجل أمام المحكمة الإدارية بفاس يعرض فيه أن ابنه القاصر كان ضحية حادثة سير تقدم على إثرها بطلب للتدخل في المتابعة التي حركتها النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بترجيست في ملف جنحي. وقد قضت المحكمة لصالحه بتاريخ 12 أبريل 2023 بتعويض مدني قدره 40047 درهم (حوالي 4 آلاف دولار)، وقد استأنف الحكم المذكور حيث أصدر القضاء قرارا استئنافيا بتأييد الحكم الابتدائي، غير أنه بتاريخ 19 مارس 2024 تفاجأ بإنذار صادر عن رئيس كتابة الضبط بمحكمة الاستئناف يطالبه بأداء مبلغ 7881 ردهم (حوالي 780 دولار) كصوائر للدعوى، رغم أنه مطالب بالحق المدني في الملف الجنحي المحكوم به لفائدة ابنه، موضحا بأنه اضطر لأداء المبلغ مخافة إكراهه بدنيا أو الحجز على ممتلكاته، وأكد أن رئيس كتابة الضبط قد قام باستخلاص المبلغ المالي المذكور من دون سند قانوني وهو ما يعدّ تجاوزا وشططا في استعمال السلطة، خاصة وأن المشرّع نص على إعفاء المطالب المدني المتدخل في الدعوى الجنحية التي تحركها النيابة العامة من أداء الصوائر، وحدد مبلغ القسط الجزافي في القضايا الجنحية في مبلغ لا يتجاوز 100 درهم التي قام بأدائها خلال المرحلة الابتدائية.
وأضاف أن الأمر يتعلق بخطأ مرفقي صادر عن مصلحة كتابة الضبط، ملتمسا الحكم بإلغاء السند التنفيذي القاضي بتحصيل مبلغ 7881 درهما، وإلزام المدعى عليهم بأداء تعويض له قدره 10.000 درهم.
وأجابت الجهات المدعى عليها بأن أداء المدعي للقسط الجزافي لا يعفيه من أداء الصوائر القضائية التي تبقى خاضعة للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل، ملتمسة رفض الطلب.
موقف المحكمة
استجابت المحكمة الى الطلب معتمدة على العلل التالية:
- وضوح النص القانوني المؤطر لتحصيل الرسوم القضائية حيث يعفي الطرف المتدخل في الدعوى التي حركتها النيابة العامة من أداء الرسم القضائي؛
- استخلاص الطرف المدعى عليه لرسم قضائي دون سند قانوني يشكل خطأ مرفقيا يخوّل المدعي الحصول على تعويض عن الضرر طبقا لمقتضيات الفصل 79من قانون الالتزامات والعقود. والمادة 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية.
- ثبوت تحقق الضرر من جراء تحصيل الإدارة لرسم قضائي غير مستحق يتمثل أساسا في حرمان المدّعي من التصرف واستغلال مبلغه المالي المحدد في 7881 درهما الذي اضطر لأدائه، وما تكبده من مصاريف في سبيل استرجاعه.
وعليه قضت المحكمة بإلغاء الإنذار الصادر عن رئيس كتابة الضبط بمحكمة الاستئناف في ملف التحصيل وإرجاع قيمة المبالغ المسددة إلى المدعي، مع أداء الدولة في شخص رئيس الحكومة ووزارة العدل تعويضا ارتأت تحديد مبلغه بما لها من سلطة تقديرية وبالنظر إلى قيمة المبلغ المؤدى وتاريخ أدائه تحديد التعويض المستحق وذلك في مبلغ 2500 درهم تؤديه الدولة لفائدته.
تعليق على قرار المحكمة
تكمن أهمية هذا الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية في كونه يعيد إلى الواجهة إشكالية فرض بعض الرسوم القضائية غير المستحقة على المتقاضين من طرف بعض المحاكم، إما نتيجة عدم تبصر أو اهمال في تفسير النصوص القانونية أو بشكل متعمد بهدف زيادة مداخيل المحاكم من الرسوم في استغلال لعدم توفير المعلومة القانونية وعدم تبسيطها لفائدة المتقاضين.
كان لافتا لجوء المتقاضي إلى ممارسة حقه في الطعن في قرار رئيس كتابة الضبط باستخلاص رسوم قضائية غير مستحقة، بغض النظر عن قيمتها حيث أسس دعواه على التجاوز والشطط في استعمال السلطة.
استندت المحكمة في قرارها على مقتضيات المادة 56 من قانون المصاريف القضائية التي تنص على ما يلي: “يجب على المدعي بالحقوق المدنية الذي يرفع دعواه مباشرة إلى المحكمة أن يدفع، زيادة على مبلغ الإيداع، مبلغ الرسم الذي كان يتعين عليه أداؤه لو رفع الدعوى إلى المحكمة المدنية وإلا اعتبر طلبه غير مقبول، ويجب كذلك دفع هذا الرسم على المدعي بالحقوق المدنية الذي رفع قضيته مباشرة إلى قاضي التحقيق وفق الشروط المقررة في قانون الإجراءات الجنائية.
ولا يجب على المدعي بالحقوق المدنية المتدخل خلال الجلسة في متابعة حركتها النيابة العامة أداء الرسم الآنف الذكر الذي يستوفيه الخازن العام من المحكوم عليهم بأداء المصاريف، على أنه يلزم، إذا لم يمتع بالمساعدة القضائية، بإيداع مبلغ يساوي القسط الجزافي المحدد في المادة 50أعلاه وإلا اعتبر طلبه غير مقبول”.
واستنتجت المحكمة من هذا المقتضى القانوني أن “المشرع وعلى مستوى استحقاق الرسوم القضائية الواجبة على المطالب المدنية الناتجة عن الدعوى العمومية أقام تمييزا بين الطلبات التي يتقدم بها المدعي بالحقوق المدنية بمناسبة الدعوى التي يرفعها هو مباشرة ضدّ المتّهم أمام المحكمة أو بناء على شكايته المقدّمة مباشرةً إلى قاضي التحقيق والطلبات المدنيّة التي يتقدّم بها في مواجهة المتهم أثناء الجلسة بمناسبة تدخله في الدعوى العمومية المقامة بناء على متابعة حركتها النيابة العامة، إذ أنه في الحالة الأولى يكون ملزما بأداء الرسم القضائي المعمول به في القضايا المدنية الى جانب مبلغ الإيداع المتعلق بمصاريف الإجراءات القضائية المنصوص عليه في المادة 54 من القانون 86.23، وذلك تحت طائلة عدم قبول دعواه، بينما في الحالة الثانية لا يكون ملزما سوى بأداء القسط الجزافي المنصوص عليه في المادة 50 ما لم يكن مستفيدا من المساعدة القضائية. كما يعفى من مبلغ الإيداع عملا بمقتضيات المادة 55 من نفس القانون، وليس في نص المادة 56 ما يدل أو يحيل على أن القسط الجزافي المذكور الذي يؤديه المطالب بالحق المدني في هذه الحالة الأخيرة هو على سبيل الرسم المؤقت في انتظار تصفية الرسم القضائي التكميلي ضده في حالة عدم الاستجابة لمطالبه المدنية”.
وخلصت إلى أنّ المدعي حينما تقدم بمطالبه المدنية في مواجهة المتهم بعد انتصابه كطرف مدني في الدعوى العمومية التي حركتها النيابة العامة ” تسري عليه مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 56 المذكورة، التي تلزم المطالب بالحق المدني بإيداع مبلغ القسط الجزافي”، كما أن “القرار الاستئنافي اقتصر على تحميل المدعي كمطالب بالحق المدني صائر استئنافه، وليس الرسوم القضائية الموازية لقيمة طلباته”، مما يعني أن “الرسوم المفروضة عليه موضوع الإنذار المطعون فيه عديمة الأساس القانوني، ويتعين تبعا لذلك الغاء الإنذار المذكور. ويكون طلب المدعي باسترجاع مبلغ 7881 درهما المؤدى لفائدة كتابة الضبط لدى محكمة الاستئناف وجيها ويتعين الاستجابة اليه”.
من جهة أخرى، كان لافتا في هذا الحكم أن المحكمة الإداريّة اعتبرت أن ما قامت به كتابة الضبط بمحكمة الاستئناف من استخلاص لأموال غير مستحقة قانونا يعدّ شططا في استعمال السلطة يرقى إلى درجة جريمة غدر في إحالة على مقتضيات القانون الجنائي، وهو ما يعني اعتباره خطأ مرفقيا موجبا للمسؤولية الإدارية ومرتبا للحكم بالتعويض، بل ومن شأنه أن يرتب المسؤولية الجنائية في حقّ الموظف العمومي.
وتجدر الإشارة إلى أنّ القانون الجنائيّ يعاقب على جريمة الغدر في الفصل 243 منه الذي ينصّ على ما يلي: “يعد مرتكبا للغدر ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس وغرامة من 200 إلى 10000 درهم كل قاض أو موظف عمومي طلب أو تلقى أو فرض أو أمر بتحصيل ما يعلم أنه غير مستحق أو أنه يتجاوز المستحق, سواء للإدارة العامة أو الأفراد الذين يحصل لحسابهم أو لنفسه خاصة”.
للاطلاع على نسخة من حكمة المحكمة الادارية بفاس
مواضيع ذات صلة
تفسير قانون الرسوم القضائية بقانون في لبنان: أو حين دحض المجلس النيابي صلاحية تفسير الدستور
السماح بتسجيل اقتراح معجل مكرر مجددًا: فوضى التشريع يصطدم بأزمة الطابع المالي
اقتراح قانون بإلغاء الطوابع المالية: معالجة مرحلية لأزمة دائمةمشروع تعديل قانون المسطرة المدنية في المغرب: إشكاليات تمسّ حقوق الدفاع وولوج الفئات الهشّة الى العدالة