تحرّكات احتجاجية في بيروت: من قصر العدل إلى وزارة التربية فالسفارة الفرنسية


2019-11-15    |   

تحرّكات احتجاجية في بيروت: من قصر العدل إلى وزارة التربية فالسفارة الفرنسية

تشهد العاصمة بيروت منذ اندلاع انتفاضة 17 تشرين الأول تحركات شعبية مستمرة، وفي الآونة الأخيرة توزعت التحركات على المرافق العامة في البلاد، بعدما شهدت في الأسبوع الأول قطع طرقات وتجمعات في ساحات محددة في مختلف المناطق اللبنانية.

يوم الثلاثاء، توزّعت الاعتصامات في بيروت على أكثر من نقطة، فمنذ الصباح الباكر احتشد معتصمون أمام قصر العدل، وتوجّه طلّاب من المدارس الرسمية والخاصة إلى وزارة التربية وأغلقوا أبوابها، فيما ما زالت خيم الاعتصام تنتصب أمام مؤسسة كهرباء لبنان منذ عدة أيام. ونظم طلاب الجامعة اللبنانية أيضاً مسيرة طلابية من أمام المبنى المركزي للجامعة في المتحف نحو ساحة رياض الصلح، شارك فيها أيضاً طلاب من الجامعات الخاصة. ومساءً، شهد الطريق أمام مبنى السفارة الفرنسية في بيروت تجمّعاً للمعتصمين رفضاً لتدخلات الحكومة الفرنسية في شؤون الدولة اللبنانية بعدما وصل مدير دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو إلى لبنان لبحث مسألة الحراك الشعبي. وهناك، أمام السفارة الفرنسية هتف المعتصمون أيضاً لإطلاق سراح المعتقل جورج عبد الله من السجون الفرنسية.

“حرية.. جورج عبد الله” أمام السفارة الفرنسية

تجمّع حشد من المتظاهرين أمام مبنى السفارة الفرنسية في بيروت مساء الثلاثاء بدعوة من الحركة الشبابية للتغيير ومجموعات فاعلة في المجتمع المدني. وأمام عشرات من العناصر الأمنية الذين وقفوا بين المعتصمين والبوابات الرئيسية للسفارة، وبحضور وسائل الإعلام هتف المعتصمون “يا فرنساوي شو الحجّة جاي تركب على الموجة”. وفي المعلومات التي تمّ تداولها في اليوم التالي أن أهداف موفد الحكومة الفرنسية كانت كما توقّع المعتصمون، وهي “الوقوف عند المستجدات في لبنان وعرض مساعدة فرنسا للبنان في الظروف الراهنة”.

وعليه، فإن وجود فارنو في لبنان في هذا الظرف الاستثنائي مرفوض بالنسبة للمعتصمين أمام السفارة الفرنسية، الذين أعربوا في أكثر من هتاف رفضهم للتدخلات الخارجية في لبنان، وأن اللبنانيين لم ينسوا استعمار الفرنسيين للبنان، بحسب تعبيرهم. وكانت الهتافات من الشارع أمام السفارة الذي أغلقه المعتصمين، “شعبي انتفض، شعبي ثار، شعبي رافض الاستعمار”، “مش مرغوب مش مرغوب، يجي كريستوف مش مرغوب”.

واعتبر المعتصمون أنّ الموقف الفرنسي تجاه لبنان يشوبه التناقض، فمن جهة تدّعي الدولة الفرنسية أنّها ترغب في مساعدة لبنان، ومن جهة تواصل اعتقال المناضل جورج عبد الله في سجونها منذ أكثر من 35 سنة، على الرغم من انتهاء فترة محكوميته في ظل صمت الدولة اللبنانية. وهذا الأمر يُعدّ بالنسبة لكثيرين من مناصري عبد الله احتجازاً سياسياً بتدخّل أميركي وانصياعاً للسلطات اللبنانية لهذه التوجهات.

ومن بين الوجوه المشاركة في الوقفة الاحتجاجية الناشط في الحركة الشبابية للتغيير خضر أنور، الذي احتجز سابقاً وصديقه أديب عبد الله العام الفائت بسبب كتابة عبارة “الحرية لجورج عبد الله” على البوابة الرئيسية للسفارة الفرنسية في الذكرى الـ 35 لاعتقال عبد الله، وعاد من جديد إلى الساحة نفسها للمطالبة بالإفراج عنه. ويرى أنور أن “ما تُمارسه فرنسا والدول المتدخلة في الشؤون اللبنانية هو استكمال لنمط الاستعمار الذي تمثل سابقاً بالانتداب الفرنسي للبنان، واليوم يستمر هذا الاستعمار على شكل القروض المالية والهبات التي تأخذها الدولة اللبنانية مما يجعلها أسيرة إملاءات الدول الخارجية، كما يسمح بالتدخلات السياسية في الشؤون الداخلية”. إذاً، بالنسبة لخضر إن “هذا النمط ما هو إلا نموذج عن الاستعلاء الذي تنظر إلينا من خلاله فرنسا”. ويلفت خضر إلى أنّ “نيّة فرنسا معادية للعدالة الاجتماعية وهو ما يتضح من خلال الاستمرار بأسر عبد الله”.

في الاتجاه نفسه تذهب المحامية فداء عبد الفتاح، إذ تعتبر الإعلان بهذا الشكل عن التدخّل في الشؤون اللبنانية ليس إلّا وقاحة من فرنسا”، وتسأل، “لدينا مواطن مسجون في فرنسا، فعن أي تضامن معنا يتكلمون، وهم مستمرون بأسره خلافاً لحقوق الإنسان التي يتغنون بها”. وتشرح بأنّ ما نُقل عن نية الموفد الفرنسي الاجتماع مع ممثلين عن الحراك “هو أمر مرفوض مع العلم أنه تبين أن المجموعات التي دُعيت للاجتماع معه قد رفضت الدعوة. إلا أنه فمن غير المنطقي أن تكون فرنسا وسيطاً بين الدولة اللبنانية والشعب اللبناني، والأسوأ أن تكون السلطة اللبنانية هي من تستعين بهم لأجل هذه الوساطة”.

استقلالية السلطة القضائية أولاً من أمام قصر العدل في بيروت

وصباحاً توجّه حشد من المتظاهرين إلى قصر العدل في بيروت، في اعتصام حمل هدفين أساسيين: دعم استقلالية السلطة القضائية ومساندتها من جهة، ومن جهة أخرى مطالبتها بمعاقبة الفاسدين وناهبي الأموال العامة. وعبّر المحتجّون عن رفضهم للتدخلات السياسية في القضاء رافعين مطلب استقلاليته عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وبهدف إيصال صوتهم بشكل أكبر، ارتأى المعتصمون إغلاق أبواب قصر العدل من كل الجهات، معتبرين ذلك بمثابة ضغط على القضاء ليقوم بدوره بملاحقة الفاسدين، والضغط باتجاه تعزيز قضاء عادل لا يُميّز بين المواطنين. فغالبية المتظاهرين على قناعة بأن القضاء لا يقوم بدوره الفعال تجاه منع الفساد، وذلك بسبب التدخّلات السياسية، لاسيّما في التشكيلات القضائية.

وخلال الاعتصام الذي يُعدّ استكمالاً لسلسلة اعتصامات سبقته في الآونة الأخيرة، وأثناء إغلاق المعتصمين للأبواب الرئيسية المؤدية إلى قصر العدل، تنبّهوا إلى أنّ بعض القضاة والمحامين تمكّنوا من الدخول عبر البوابة التابعة لمبنى بيت المحامي المحاذي لقصر العدل. فتوجه جزء منهم إلى مبنى بيت المحامي وحاولوا منع المحامين والقضاة من الدخول من هذه الناحية، فحصل صدام بين البعض منهم وبين عدد من المحامين. وقال بعض الذين تواجدوا أمام بيت المحامي لـ”المفكرة القانونية” إنّ أحد المحامين يُدعى ب. ح. تهجّم على بعض المتظاهرين والمتظاهرات. ويُظهر فيديو تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي المحامي يقوم بدفع امرأة وقفت أمام مدخل موقف بيت المحامي، ثم يقوم بدفع مصوّرة الفيديو لمنعها من التصوير. وشرحت متظاهرة بأن المحامي نفسه تهجّم عليها أيضاً وضربها على رأسها، فتوجهت إلى مخفر طريق الشام لتقديم شكوى بحقه.

من جهته، خرج أمين سر نقابة المحامين المحامي جميل قمبريس وتوجه إلى المعتصمين بخطاب هادئ مؤكداً على دعمه لهم. وشرح بأن بيت المحامي ليس مرفقاً عاماً، وأنّه على الرغم من مرور بعض القضاة عبره إلى قصر العدل إلّا أنّه من المؤكّد لم تُعقد أية جلسات. وشدد قمبريس، على أنّ “غالبية المحامين في النقابة داعمون للحراك الشعبي، وذكّر بوجود خيمة للجنة المحامين في ساحة الشهداء، كما أن المحامين على تواصل دائم مع مدعي عام التمييز بخصوص إخلاء سبيل الموقوفين المتظاهرين”.

وشرح قمبريس بأنه “لو صدر أي خطأ من أي من المحامين، فنحن نعتذر منكم”. وطالب عدم “محاصرة بيت المحامي فهو معكم ومنكم”.

وحاز كلام قمبريس على تأييد المتظاهرين الذين أكدوا توجههم إلى قصر العدل وترك بيت المحامي، ونحو الساعة العاشرة صباحاً، أعاد المعتصمون فتح أبواب قصر العدل أمام الوافدين، واستمروا بالاعتصام خارجاً.

ثلاثاء الغضب: طلاب المدارس يغلقون أبواب الوزارة

ثلاثاء الغضب هو اسم هذا النهار بالنسبة لطلاب المدارس الرسمية والخاصة من الصفوف الثانوية الذين توجهوا صباحاً إلى وزارة التربية في اليونسكو. وتمكّن الطلاب من إغلاق الأبواب الرئيسية لوزارة التربية عند حوالي الساعة الثانية عشرة ظهراً قبل أن يسيروا إلى ساحة رياض الصلح في بيروت للانضمام إلى طلاب الجامعات.

ومنذ الصباح الباكر توجّه الطلاب في الوقت المعتاد لبدء صفوفهم في المدارس، ولكن غيّروا وجهتهم إلى وزارة التربية، واختاروا الشارع ليكون مدرستهم. وجرى التخطيط عبر مجموعات على واتساب تحمل إسم “الثورة الطلابية”، وهي مجموعات تجمع طلاباً وطالبات من مختلف المدارس. وتشكل هذه المجموعات خليّة لمتابعة حراكهم الذي بدأ قبل أكثر من أسبوع، حين خرقوا الصفوف الأمامية للانتفاضة الشعبية اللبنانية. ويقول بعض الطلاب بأن بعض إدارات المدارس حاولت منعهم من التظاهر، أو هددتهم بتخفيض علاماتهم الدراسية بسبب الغياب المتكرّر. في حين أكد طلاب آخرون أن إدارات مدارسهم أيدت حقهم في التظاهر، وشرح أحدهم بأن المعلمين والمعلمات كانوا يفتحون نقاشات وحوارات سياسية داخل الصفوف تتصل بالانتفاضة الشعبية.

ويشرح أحد الطلاب ويدعى عز الدين بأن هذا النهار بدأ عبر مسيرات انطلقت من أمام مدارس عدة. ويُضيف: “نظّمنا أنفسنا في تجمّعات أمام مدارسنا، منها مدارس الإيمان ـ الظريف، وعمر فرّوخ، وزاهية سليمان، ولاقت المسيرة التجمّعات وسار الحشد نحو وزارة التربية”. ويلفت عز الدين، إلى أن المسيرة توجهت إلى مدرسة ليسيه فردان التي فتحت صفوفها بدلاً من الإضراب كغيرها من المدارس، وهناك، قام المتظاهرون بلصق أوراق كُتب عليها “إضراب مفتوح”.

بدوره، يقول مصطفى “تجمّعنا بأنفسنا من دون تشجيع من أحد. هناك من يسيء إلى سمعة حراكنا ويتهمنا بأننا نتقاضى أموالاً وهو أمر غير صحيح البتّة”، مضيفاً: “جميعنا نأخذ مصروفنا من أهلنا، لدفع ثمن التنقّل”.

ويرفع الطلّاب مطلب تحديث المناهج التعليمية كمطلب أساسي، إذ يجدون أن بعض الكتب التي تعتمدها وزارة التربية، بالية. ويقولون إنّ هناك مدرّسين يستعينون بكتب بديلة عن كتب الوزارة لأن الأخيرة لا تشمل كافة الدروس المطلوبة. ويعاني طلاب المدارس والمعاهد الرسمية على وجه الخصوص من الإهمال من عدة نواحي، خاصة لناحية التجهيزات وندرة التشجيع للقيام بالأبحاث العلمية، عدا عن انعدام التوجيه المهني لما يتناسب مع سوق العمل.

وتقول تالا إنها تحلم بأن يتم تحديث النظام التعليمي في لبنان، والاهتمام بشكل أفضل بالمدارس الرسمية حتى تُصبح جامعة لكافة الفئات الشعبية “فمن غير المنطقي إهمالها بهذه الطريقة”. وتُضيف “مدرستي تفتقر لأبسط التجهيزات، التدفئة والتهوئة والمختبرات العلمية، بينما مستوى التعليم فيها عالٍ جداً، ولكنها تتعرض لإهمال كبير من الدولة اللبنانية”.

تالا التي يفصلها عن الالتحاق بالجامعة سنتان فقط تشارك أيضاً في الاعتصامات التي يُنظمها طلاب الجامعة اللبنانية، مؤكدة أنّ هذه الجامعة هي “مستقبلنا، وهي وجهتنا بعد تخرجنا من الثانوية ونريدها قوية ومستقلة”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، الحق في الصحة والتعليم



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني