تحرير القرصاية من قبضة العسكر


2013-09-10    |   

تحرير القرصاية من قبضة العسكر

جزيرة القرصاية هي احدى الجزر النيلية التابعة لمحافظة الجيزة وتبلغ مساحتها ما يقرب من 117 فدان، يحوز سكانها –الذين لا يتعدى عددهم ألفي نسمة– قطع أراض ومنازل بموجب عقود إيجار وانتفاع درجت المحافظة على تجديدها بعد قيامهم بالوفاء بالتزاماتهم، وقد تم إدخال كافة المرافقلسكان هذه الجزيرة، وأقاموا مجتمعًا زراعيًا وتجاريًا يعتمد على حرفتي الزراعة والصيد.
بدأ النزاع بين أهالي الجزيرة والدولة في عام 2007، عندما قامت وزارة الدفاع بناء على تعليمات من مجلس الوزراء آنذاك بالتنبيه على الهيئة العامة لمشروعات التعمير والهيئة العامة للإصلاح الزراعي بعدم تجديد عقود تأجير الأراضي الزراعية لهم اعتبارًا من يوليو من ذات العام، مع ضرورة إخلاء هذه الأراضي. وكان أحد أمراء المملكة العربية السعودية قد تقدم بطلب لإقامة مركز سياحي متكامل على مساحة 100 ألف متر. وفي إثر ذلك، قام محافظ الجيزة بدراسة إمكانية تدبير مساكن بديلة لقاطني الجزيرة، كما قامت وزارة الزراعة ببحث اجتماعي لسكان الجزيرة بغرض النظر في إمكانية تعويضهم عن النشاط الاقتصادي.
وعلى أثر امتناع الدولة عن تجديد العلاقة القانونية، ولى أهالي الجزيرة وجهوهم شطر قضاء مجلس الدولة طالبين العدالة، وذلك في مواجهة جهات إدارية عدة. وقد استرجع أهالي الجزيرة حقوقهم في السكن والعمل وذلك في ختام نزاع استمر قرابة العامين ونصف العام أمام مجلس الدولة.[1]
وقد قضت محاكم مجلس الدولة بدرجتيها بأن عدم تجديد العقود سوف يترتب عليه تشريد عدد كبير من الأفراد والأسر لفقد المأوى، وهو ما يهدد الأسس والقيم العامة التي يقوم عليها المجتمع من رعاية الأسرة والأخلاق وحمايتها. كما يترتب عليه خروج الملكية الخاصة عن أداء وظيفتها الاجتماعية والمساس باستقرار أهالي الجزيرة، هذا بالإضافة الى قيام اضطراب في الأمن العام لا يعرف مداه. كما قضت في مقابل ذلك بأن الحفاظ على ما تقدم يمثل المصلحة القومية الأكثر إلحاحًا والأخطر شأنًا، وهي أولى بالرعاية.[2]
وقد تجدد النزاع مرة أخرى، عندما قامت القوات المسلحة فجر 18 نوفمبر من العام المنصرم بمداهمة أراضي الجزيرة باستخدام الزوارق البحرية، واعتدت على الأهالي لإجلاء سكان الجزيرة،وإخلاء أراضيها بالكامل، مستخدمة في ذلك الأسلحة النارية وطلقات الخرطوش، والذي قد أسفر عن مقتل أحد صياديها وإصابة العشرات وإحالة ستة وعشرين شخصا آخر إلى المحاكمة العسكرية[3]. وقد استندت في ذلك إلى أن هذه الجزيرة مملوكة لها بالكامل بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 152 لسنة 2001 بشأن تحديد المناطق الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية من الأراضي الصحراوية، والصادر بتخصيص أجزاء من جزيرة القرصاية لصالح وزارة الدفاع.
وبناء على ذلك، أقام أهالي الجزيرة نزاعاقضائيًا جديدًا[4] في مواجهة مؤسسات الدولة -ومن بينها وزارة الدفاع-، بغية استصدار حكم بوقف قرار وزير الدفاع بتحديد أراضي بجزيرة القرصاية كمناطق عسكرية ذات أهمية استراتيجية، وعدم قانونية تواجد أو تدخل وزارة الدفاع فيما يتعلق بكامل أراضي الجزيرة، ترتيبًا إلى إلغائه.
وفي هذا المقال، سنتناول أهم المبادئ التي أقرها تقرير هيئة مفوضي الدولة،والذي انتهى إلىوجوب إلغاء قرار وزير الدفاع وإلزامها بسحب أفراد القوات المسلحة وفرقها المتواجدة على أرض الجزيرة.
وللوصول إلى هذه النتيجة، استند التقرير إلى أن جزيرة القرصاية تعد محمية طبيعية بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1969/1998 ويخضع التصرف فيها إلى القانون رقم 102/1983 بشأن المحميات الطبيعية. وأنه قد سبق وأصدر رئيس الوزراء القرار رقم 848/2001 والمتضمن عدم إخلاء أي مبنى من المباني السكنية المقامة بجزيرتي "الذهب" و"الوراق" بمحافظة الجيزة، وعدم التعرض لحائزي الأراضي الزراعية في الجزيرتين، وهو قرار يمثل تحقيق وجه المصلحة العامة من جانب الدولة المتمثلة في المحافظة على أمن وسلامة استقرار قاطني هذه المحميات والمحافظة على مصدر رزقهم.[5]
وبناء على الحظر الوارد بقانون المحميات الطبيعية المتمثل في حظر القيام بأية أعمال أو تصرفات أو أنشطة من شأنها تدمير أو إتلاف أو تدهور البيئة الطبيعة، وحظره على وجه الخصوص إقامة المباني أو المنشآت أو شق الطرق أو تسيير المركبات إلا بتصريح من جهاز شئون البيئة، أو ممارسة أي عمل من شانه التأثير على بيئة المحمية أو الظواهر الطبيعية بها أو الإضرار بالحياة البحرية أو البرية أو النباتية أو القيمة الجمالية للمحمية الطبيعية وخصائصها الفريدة، رأى مفوضو الحكومة بأنه يترتب عليه نتيجة حتمية مفادها ضرورة أن يكون التصرف على أرض المحمية الطبيعية من ذات طبيعة محتويات المحمية وموجوداتها بحيث يلتزم بالمحافظة على المظهر الطبيعي والجمالي للمحمية بلا تغيير فيها ولا تشويه.
 كما رأى مفوضو الحكومة أن من شأن التصريح بإقامة منتجعات سياحية بداخلها أو مراكز علمية أو ثقافية أو تخصيص أجزاء من أراضيها لتكون معقلًا أو مركزًا لتدريب القوات المسلحة أو لتمركز قواتها فيها، أن يغير من المظهر الجمالي الطبيعي للمحمية وأن يخلّ بالتوازن البيئي المنبثق من طبيعة المحمية الطبيعية التي جبلت عليها، ويجعل من القرار الصادر بالتصرف فيها مخالفًا لروح القانون الخاص بالمحميات الطبيعية وللغاية منه.
كما أوضحالتقرير بأنهوعلى الرغم من أن غاية قرار وزير الدفاع تتمثل في حماية الأراضي المملوكة للدولة والحرص عليها ومنع غصبها أو الاستحواذ عليها دون سند قانوني، ومحاولة استخدامها فيما يحقق أحد وجوه النفع العام، وذلك من تخصيص أرض الجزيرة لصالح وزارة الدفاع كإحدى المناطق الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية، فان تنفيذ هذا القرار وإعمال مقتضاه سوف يترتب عليه هدم آلاف المنازل وتشريد آلاف المواطنين مع أسرهم نتيجة فقد المأوى الوحيد لهم إلى غير مقر بكل ما ينطوي عليه ذلك من إهدار للأسس والقيم العامة التي يقوم عليها المجتمع من رعاية للأسرة والأخلاق وحمايتها بين الآلاف من المواطنين وتمزيق للتضامن الاجتماعي وإثارة لمكامن السخط والحقد وخروج بالملكية الخاصة عن أداء وظيفتها الاجتماعية من تحقيق الخير العام للشعب إلى التحطيم لحياة الآلاف من المواطنين دون ضرورة ملجئةتدعو إلى ذلك. بل إن لذلك احتمالات مؤكدة لقيام خلل في الأمن العام لا يعرف مداه أو آثاره، ومن هنا كان وجه المصلحة العامة القومية، سيما وأن وجود التجمع السكاني على أرض الجزيرة بوضعه الحالي لم ينشأ فجأة أو على حين غرة أو خفية عن مؤسسات الدولة وأجهزتها، ولكنه مجتمع سكاني نشأ على مدى زمني طويل أمامها، وقد أسهمت في وجوده عندما لم تمنعه في حينه فبات تدميره الآن من قبلها يكون بمثابة إخلال بمسئولياتها بشأن كل ما تقدم.
وبذلك، يعد التقرير انتصارًا حقيقيًا لسكان جزيرة القرصاية، من حيث أنه يؤكد على وجوب ضمان حقوقهم وحرياتهم،وفي مقدمها حقي السكن والعمل على أساسأن الدولة هي القوامة على مصادر الثروة وأنها المسؤولة عن إشباع الحاجات العامة للمواطنين.



[1]حكم المحكمة الإدارية العليا في الدعوى رقم 5685 لسنة 55 قضائية عليا، الدعوى 782 لسنة 62 قضائية.
[2]المصدر السابق.
[3]قضت المحكمة العسكرية في 27 فبراير من العام الجاري ببراءة أربعة عشر والحبس ثلاثة أشهر لأحد عشر آخرين. ولمزيد من المتابعة:  https://legal-agenda.com/article.php?id=249&folder=articles&lang=ar#.Ui76Gcaw08ghttps://legal-agenda.com/newsarticle.php?id=295&folder=legalnews&lang=ar#.Ui77Jsaw08g
[4]الدعوى رقم 21604 لسنة 67 قضائية.
[5]تقرير هيئة مفوضي الدولة – صفحة 21.
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني