بعد ثمانية أشهر من البحث عن عمل دون جدوى قررت التوجه الى وزارة العمل لأسأل ان كانت هناك من جهة رسمية معنية بتأمين الوظائف للشباب في لبنان. وصلت الى الطابق الثاني في وزارة العمل دخلت الى غرفة يجلس فيها موظف ينفخ سيجاره (CIGAR) سألته عن الموضوع وضع يده صوب جبينه واسترسل في السرحان ولم يجاوبني. كررت طرحي للسؤال فجاء جوابه صادماً حين قال لي "هناك جهة رسمية…ولكنها غير معنية"، ثم أشار اليّ ان اذهب الى المؤسسة الوطنية للاستخدام مركزها على المتحف-بيروت. توجهت الى مكتب المؤسسة المذكورة وعند المدخل كانت الهررة تلعب الى جانب ارتال النفايات الأمر الذي أشعرني بالإحباط. دخلت وسألت ان كان بإمكاني ان اقدم طلباً للحصول على وظيفة فجائني الجواب ايجابياً. تنفست الصعداء وقدمت اوراقي لكنهم طلبوا ان اعود وأقدم الطلب عبر الانترنت. كان ذلك في شباط من العام 2016. عدت إليهم في نيسان لأسال ماذا حلّ بطلبي فقالوا لي انهم قاموا بتمزيقه ظنناً منهم انني قمت بإعادة ارساله اونلاين. عدت ادراجي وقدمت الطلب اونلاين والى اليوم لم ألق جواباً لا سلبياً ولا ايجابياً".
هذه قصة خضر انور طالب جامعي أنهى دراسته كـ “شيف مطعم" ويتابع تحصيله العلمي في دراسة العلوم السياسية والادارية بانتظار العثور على وظيفة يؤمّن من خلالها معيشته في بلده الأم لبنان دون ان يضطر مرغماً على الهجرة كما فعل ويفعل آخرون غيره يومياً. يكافح خضر للبقاء في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية في هذا البلد التي تكاد تحرم المواطن حقه في الحياة في مقابل صمت مطبق من قبل الدولة ولامبالاتها في حل ازمة البطالة في لبنان.
الا ان هذا الشاب وبعد ان صدت الابواب في وجهه قرر ومجموعة من اصدقاءه تشكيل تجمع تحت عنوان "تجمع المعطلين عن العمل". يسعى هذا التجمع الى ضم أكبر عدد من الشباب الذين يبحثون عن عمل ولا يجدون من يوظفهم على الرغم من تمتعهم بالقدرة والخبرة الكافية. يهدف التجمّع الى مطالبة الجهات المعنية في الدولة بالتحرك والقيام بواجبها لتأمين وظائف للشباب أسوة بباقي البلدان المتطورة. عند الساعة الحادية عشر من صباح الخميس 2/6/2016 اعتصم مجموعة من الشباب الناشطين في المجتمع المدني وطلاب الجامعات والخريجين العاطلين عن العمل أمام وزارة العمل في منطقة المشرفيّة، لمطالبة الدولة بإيجاد حل لكل المعطلين عن العمل. ورفعوا يافطات تشير الى عدد الطلاب الذين يتخرجون سنوياً دون ان يعثروا على وظيفة عمل. "بيتخرج كل سنة 40 ألف طالب؛ 9 آلآف بيلاقوا شغل و31 ألف بين مهاجر ومعطل عن العمل". كما طالبوا بحل لمشكلة البطالة ومنها "نعم لانشاء صندوق تعويضات عن البطالة"، وسألوا "لماذا تعتمد الدولة على قطاع الخدمات وتضرب القطاعات الأخرى".
فيما ألقي بيان على شكل قسم أو صرخة أطلقوها تختصر حالهم ومطالبهم فقالو:"
نحنا معطلين مش عاطلين.
معطلين بسبب السلطة الفاسدة.
معطلين بسبب حيتان المال والمصارف.
نحنا مش عاطلين النظام هو العاطل.
كرمال هيك لح نقسم قسم خلي يسمعوا كل فاسد.
نقسم بفقرنا ولقمة عيشنا.
ما رح نهدى حتى نسترد حقوقنا.
كل حقونا .
من حقنا بالعمل.لتعويضات البطالة.
من حقنا نأمن مستقبلنا ببلدنا.
ننحنا ما لح نهاجر.
خليهن هني يهاجروا.
نحنا بدنا نغغير.
و ح نغيير.
لان قررنا نعيش بكرامة.
منذ نحو الشهر تقريباً، أنشأ هؤلاء الشباب صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك". ومن خلال بعض الصور والتعليقات استطاعوا جذب ما يناهز الالف متابع. وعن ذلك قال أنور: "بعد ان تجمعنا وبدأنا العمل على تشكيل تجمع جدي لنا اسوة بما يحصل في باقي البلدان مثل تونس ومصر وغيرها، قمنا بمجموعة ابحاث خلصنا فيها الى ان البطالة في لبنان مفتعلة. بداية ومن خلال ابحاثنا علمنا انه لا يوجد منذ فترة طويلة احصاءات رسمية لعدد العاطلين عن العمل. كذلك رأينا ان النظام الاقتصادي والمالي في لبنان يرتكز على قطاع الخدمات دون سواها مع العلم ان لدينا العديد من الايدي العاملة المتخصصة في التكنولوجيا والتي بالامكان لو تمّ استغلالها ان تدفع بلبنان ليصبح في مصاف الدول المتطورة".
وأضاف: "في الأزمة الاقتصادية التي ضربت اميركا عام 1929، فرض الرئيس الاميركي تعويضات بطالة لعاطلين عن العمل وهذه الخطوة تسهم على نحو كبير في تحسين النمو الاقتصادي من خلال رفع القدرة الشرائية عند الناس فلماذا لا يحدث لدينا الامر نفسه؟". ليس "تجمع المعطلين عن العمل" كناية عن تحرك جاء وليدة الصدفة كما يفسر فراس الساحلي "فمعظم الشباب تعارفوا خلال الحراك المدني الذي ولد مع أزمة النفايات في صيف العام 2015، والبعض الآخر من حملة اسقاط النظام الطائفي"، وقد تباحثوا في الموضوع فانسجمت أفكارهم سريعاً لان ما يجمعهم مطلب حياتي وحق لا يمكن التهاون به.
وفراس أنهى دراسته في الهندسة الداخلية (interior design)"منذ نحو عام الا انه لم يعثر على عمل في منطقته، فهو ابن الهرمل. وعنها قال: "لا يوجد شيء في الهرمل. لا شركات ولا مؤسسات حتى ان جئنا لنزرع يمنع علينا زراعة قصب السكر والدخان، وحدها الحشيشة هي المسموحة الممنوعة. يزرعها الناس ليستفيد من في السلطة لتصديرها الى الخارج فيما يصبح المزارع مطلوباً من قبل القانون محبوساً في منطقته وهذا كله نتيجة رغبة من بعض الاشخاص من الطغمة الحاكمة. انا لا أريد ذلك اريد ان اعمل بتخصصي وقد بحثت كثيراً في المواقع والمجلات دون جدوى". وعن مشاركتها في الاعتصام، قالت سارة موسى: "نحن موجودين هون لنرفع الصوت ونقول اننا لسنا عاطلين عن العمل وانما معطلين عن العمل بسبب السلطة الفاسدة والسياسات الفاشلة التي تؤدي الى عدم العثور على وظيفة في لبنان وتدفع الشباب مباشرة نحو الهجرة. نحن مجموعة شباب عمال وطلاب جامعات نريد ان نوصل صوتنا بانه لهون وبس".
أما فرح احمد فتناولت ما يعانيه الطالب في الجامعة اللبنانية قبل التخرج وقبل ان يواجه مشكلة البطالة فيما بعد وقالت: "نحن كطلاب جامعة لبنانية قبل ان نتخرج لدينا ما يسمى بـstage"او التدريب" حتى نتمكن من التخرج. مثلاً طلاب الهندسة لا يترفعون الى السنة الخامسة ان لم يقوموا بـstage. وانا طالبة في فرع ادارة اعمال لا اتخرج الا اذا قمت بتدريب في بنك. ونحن نعرف البنوك وانه لا يمكن الوصول اليها اذا كنا طلاب جامعة خاصة بأغلب الأوقات او لدينا وساطة. من هذا المنطلق من واجب الدولة تأمين الفرص للطلاب ليقوموا بالتمارين".
أضافت: "بعد التخرج عندما نذهب الى شركات التوظيف الكثير منها يرسلوننا الى الخارج". وسألت:" كيف تسمح الدولة ان يكون هناك داخل البلد شركات تكون مهمتها المراسلة مع الخارج وارسال الطلاب الى الخليج او اوروبا وغيرها؟ لماذا لا يستفيد هذا البلد من الأدمغة الموجودة فيه؟ لماذا لا يكون لدينا مراكز ابحاث نستفيد منها؟ لدينا في الجامعة اللبنانية مركز ابحاث مغلق عوضاً على ان يعمل دكاترة فيه ويدربون طلاب. نحن لدينا كل الكفاءات اللازمة ولا ينقصنا سوى خطط عمل من قبل الدولة. ايضا اغلبنا كطلاب يبحث عن العمل بدوام جزئي فيقولون لنا لما الاعتراض ان كنتم تعملون. وبحسب التعريف الاقتصادي في الجامعة فإن العاطلين عن العمل هم من يعمل في دوام جزئي ولا يحصل على ضمان وتعويض عائلة الخ..". لدى الناشطة مايا مالكاني وظيفة تؤمن لها معيشتها ولكنها شاركت في الاعتصام "دعماً لحق الشباب في الحصول على العمل وتحفيزاً لكل من لا يعمل ويجلس في منزله للنزول والمشاركة والمطالبة بحقه".
أما طارق سرحان فاعتبر ان المشاركة هي دفاعاً عن "حقه كمواطن بالحصول على فرصة عمل في بلد أصبح كل شيء مضروب فيه. ونحن نسعى للاصلاح حتى لا يكون نهاية الشباب اللبناني وبالآلآف للهجرة. هذا اقل حق لنا بعد ان تدمر الاقتصاد والبيئية ونخر الفساد جنبات السلطة". وعن تقييم خضر انور للتحرك الأول لـ “تجمع المعطلين عن العمل" قال: "التحرك جيد والخير الى الامام ونحن ندرك ان الطريق طويل. ليس المهم العدد اليوم وانما الاهم هو التراكم الذي سيوّلده هذا التحرك وان يصل في نهاية المطاف الى نتيجة. ان معظم الموجودين هنا اليوم هم من طلاب جامعيين وأشخاص معطلين عن العمل وبعضهم عمال يخشون ان يكونوا ذات يوم معطلين عن العمل بسبب اعتماد الدولة على قطاع هشّ هو قطاع الخدمات الذي يتاثر بأول ظرف أمني طارئ".
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.