
نظَّمت عائلات الموقوفات والموقوفين على خلفيّة نشاطهم المدني في مجال الهجرة ندوة صحفية اليوم 18 مارس في مقر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، لتقديم مستجدّات الملفّ وإبراز تداعيات خطاب الكراهية الذي تتبنّاه السلطة إزاء المهاجرين غير النّظاميّين، على الجمعيات والمنظمات غير الحكومية التي تشتغل على الملفّ. وكانت السلطة قد أطلقت حملة إيقافات واسعة منذ سنة، عَقِب اجتماع مجلس الأمن القومي في 06 ماي المنقضي، كان مُخصَّصًا للحديث عن الصّلح الجزائي، ومن ثمّ تطرّق فيه الرئيس إلى موضوع الهجرة وتوجّه إلى الجمعيات الناشطة في هذا المجال بالقول: هذه الجمعيات الّتي تتباكى وتذرف الدّموع أمام وسائل الإعلام تتلقّى أموالًا طائلة من الخارج. هذه الجمعيّات أكثرهم خونة وعملاء. وعلى لجنة التحاليل المالية أن تقوم بدورها، ولا مجال لجمعيات يمكن أن تحلّ محلّ الدولة”.
أجّج هذا الخطاب حملة استهداف الجمعيات الناشطة في مجال الهجرة، وفُتحت أبحاث تحقيقيّة في شأن عدد من القائمين على جمعيّات ومنظمات غير حكومية مثل المجلس التونسي للاجئين، وأرض اللجوء- تونس وجمعية “منامتي”، في ملفّات تتعلّق بشبهات تبييض أموال وتكوين وفاق قصد مساعدة شخص على دخول التراب التونسي من دون وثيقة سفر وفق القانون المتعلّق بحالة الأجانب بالبلاد التونسية الذي يعود إلى سنة 1968.
استهداف الخطوط الأمامية في ملفّ الهجرة
تقول المحامية حياة الجزّار المُتعهّدة بملفّ شريفة الرياحي الرئيسة السابقة لمنظمة أرض اللجوء- تونس إنّ نتائج الاختبارات الّتي تمّ الانطلاق فيها منذ تسعة أشهر لم تُفضِ إلى شبهات اختلاس أو تبييض أموال تخصّ شريفة ومن معها من الموقوفين في الملفّ ذاته، وهم كلّ من محمد جوعو وعياض بوسالمي عن جمعية أرض اللجوء- تونس، ومحمد إقبال خالد رئيس بلديّة سوسة ومساعدته الأولى إيمان الورداني، فيما أبقى قاضي التحقيق على تهمة إعانة أجنبي أو تسهيل دخوله إلى البلاد التونسية بصفة غير شرعية، وفق ما ينصّ عليه قانون سنة 1968، وهي جنحة “بسيطة جدّا” وفق قول المحامية. استأنفت النيابة العمومية هذا القرار وأُحيل أمام دائرة الاتّهام لتُضاف في رصيد كلّ من رئيس بلديّة سوسة ومساعدته الأولى جُنحة على معنى الفصل 96 من المجلّة الجزائيّة، الّذي يُسلّط عقوبة سالبة للحريّة وخطيّة ماليّة ضدّ كلّ موظّف أو عضو جماعة محليّة يستغلّ صفته لاستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه أو لغيره، فيما تواجه شريفة الرياحي تُهمة المُشاركة في ذلك، وذلك لأنّ بلديّة سوسة أبرمت اتّفاقية سنة 2022 مع جمعية أرض اللجوء- تونس بهدف إحداث خليّة دائمة في البلديّة لمزيد الإحاطة بالمهاجرين وتقديم الدّعم لهم، وفق تقرير نشرته جمعية أرض اللجوء-تونس لعرض ملخّص أعمالها طيلة عشر سنوات من النشاط.
وتمّ الطّعن في قرار دائرة الاتهام في انتظار ردّ محكمة التعقيب، فيما قرّرت عائلة شريفة الرياحي اللجوء إلى المفوّضية السامية لحقوق الإنسان بمنظّمة الأمم المتّحدة لتقديم شكاية أمامَها.
أما رئيس المجلس التونسي للاجئين مصطفى الجمّالي ومدير المشاريع عبد الرزاق الكريمي، فقد تمّ احتجازُهما في 07 ماي 2024 لشبهة إيواء مهاجرين غير نظاميين بعد أن نشرت هذه المنظّمة طلب عروض بإحدى الصّحف لفائدة النّزل التونسية بغرض إيواء عدد من المهاجرين. يبلغ مصطفى الجمالي ثمانين عامًا، ويُعاني عدّة أمراض مزمنة، وقد تقدّم محاميه بثلاثة مطالب إفراج جوبهت كلّها بالرّفض، في ماي وأوت وأكتوبر 2024.
وهم القضاء على أشكال التمييز العنصري
في مداخلته، أكّد زياد روين المنسّق العامّ لجمعية “منامتي” الناشطة في مجال القضاء على أشكال التمييز العنصري أنّ رئيسة الجمعية سعديّة مصباح الموقوفة منذ ماي 2024 ليست مجرمة، بل هي ضحيّة من ضحايا التمييز العنصري، مؤكّدًا أنّه لا توجد تهمة واضحة ضدّها ولا يوجد قرار ختم بحث إلى حدّ الآن. وقد تمّ الاحتفاظ بسعديّة مصباح يوم 07 ماي 2024 لمدّة 05 أيام على ذمّة الأبحاث ببو شوشة، ومن ثمّ تمديد الاحتفاظ بها لنفس المدّة. وفي 17 ماي، عُرضت سعديّة وأعضاء الجمعية على القطب القضائي الاقتصادي والمالي الّذي تخلّى عن الملفّ لفائدة المحكمة الابتدائية بتونس. أعادت المحكمة النّظر في الملفّ وأصدرت بطاقة إيداع بالسجن في حقّ سعدية مصباح ودُعيت للاستنطاق أمام قاضي التحقيق في 29 ماي وعُيّن خبيران للتدقيق في أموال الجمعيّة. وإثر التمديد في قرار الاحتفاظ بها مرة أولى في نوفمبر 2024، تمّ يوم 09 مارس 2025، التمديد مُجدَّدًا في قرار الاحتفاظ بسعدية مصباح لمدّة أربعة أشهر إضافية. “لن نقبل أن نكون كبش فداء لسياسات الهجرة الفاشلة”، يقول زياد روين في مداخلته، على اعتبار أنّ الإيقافات المتلاحقة كانت متقاربة ومتزامنة مع خطاب الرئيس قيس سعيّد أمام مجلس الأمن القومي، في سياق تفعيل بنود الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي في حراسة الحدود البحرية ومنع المهاجرين غير النظاميين من العبور نحو الضفة الشمالية للمتوسط، ومحاصرتهم في تونس التي أضحت مصيدة للمهاجرين.
تبنّت تونس سرديّة أقصى اليمين الأوروبي ونظرية “الاستبدال العظيم” منذ فيفري 2023 في اجتماع مجلس الأمن القومي، وأصبحت الكراهية والعنصرية سياسة دولة، تتدثّر بعباءة السيادة الوطنيّة وحماية الحدود، والحال أنّ سياسة الهجرة غير متوازنة وتونس تلعب دور الحارس الّذي يحمي الحدود الأوروبية ويمنع المهاجرين من العبور. “انخرطت تونس منذ ذلك الوقت في مقاربات غير متوازنة فيما يتعلق بموضوع الهجرة، واتخذت منعرجا خطيرا، تحوّل خطاب الكراهية والعنصرية من خطاب أفراد إلى خطاب رسمي وإلى سياسة دولة، والدولة وضعت نفسها على ذمّة سياسات أوروبية حوّلتها إلى لاعب رئيسي في المقاربة الأمنية الأوروبية وأصبحت تونس شبيهة بنقطة حدودية متقدّمة وأصبحت تبرّر هذه السياسات ببعض الفتات المالي”، وفق ما ذكره الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر في تصريح للمفكرة القانونية. فيما تقول الباحثة والناشطة ليلى الرياحي قريبة شريفة الرياحي إنّ تداعيات مذكرة التفاهم بين تونس والاتحاد الأوروبي تتمثل في عسكرة الحدود وبَوْلَستِها ومحاصرة المهاجرين غير النظاميين في فضاءات لا تحفظ كرامة الإنسان ولا تضمن حقوقهم. “تغيّرت السياسات لأن الاتحاد الأوروبي انحاز إلى اليمين، وميلوني رئيسة وزراء إيطاليا هي من تمسك المقود في هذا الموضوع، واستراتيجيتها واضحة في هذا السياق، هي الفاشية والعنصرية”.
متوفر من خلال: