“
يولد كل الأشخاص متساوين في الكرامة والحقوق.. ولا يمكن حرمان أي شخص من الكرامة وإلا فلا معنى للحقوق التي يتمتع بها. كما تؤسس هذه الحقوق أيضا على القيم المنصوص عليها بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ألا وهي: الحرية والكرامة والمساواة[1]. ولئن كان القانون التونسي ثريا في مادة الحريات، فإن هذا الثراء لا إنعكاس له في الواقع. فالفرد لا يتحدد إلا بإنتمائه للمجتمع. وهو ما يجعل بعض الأفراد وغيرهم ممن يختلف عن الأغلبية يصطدمون بالنموذج المسلط عليهم من طرف المجتمع الذي ينتمون إليه والذي يعبّر عنها بالهوية الثقافية السائدة والتي تشمل الدين واللغة والعادات والأعراف والتقاليد ويتعرضون لجميع أشكال التمييز في عديد المجالات. والتمييز الذي يعاني منه هؤلاء هو تمييز مكرس ليس فقط في الواقع بل أحيانا في النصوص القانونية.
وموضوع التمييز وتجريمه جزء لا يتجزأ من مضمون تقرير لـجـنــة الحـريـــات الفــــرديــــــة والـــــمـــسـاواة (اللجنة) الذي يتنزل في إطار تفعيل الباب الثاني من دستور 27 جانفي 2014 ويؤسس لقراءة حقوقية تضمن حقوق الإنسان في إطار دولة مدنية وديمقراطية تضمن علوية الدستور وسيادة القانون وحماية حقوق الفرد وكرامته الإنسانية في إطار المواطنة الكاملة. ولذلك جاء في شرح أسباب مقترح قانون أساسي يتعلق بمجلة الحقوق والحريات الفردية وربطه بثورة 14 جانفي ثورة الحرية والكرامة ما يلي: “لقد قامت الثورة التونسية على خلفية المطالبة بالحرية والكرامة والمساواة. ولعل هذه العبارات تتجاوز مرتبة الشعارات لترتقي إلى مرتبة مبادئ كونية لأنها لصيقة بإنسانية الإنسان”. لأن القوانين التمييزية لا تجرد الفرد فقط من حقوقه بل تنفي عنه صفة المواطنة أو تجعل منه مواطنا من درجة ثانية. فكونه يخضع للتمييز لا يمكن له ممارسة حقوقه كبقية أفراد المجتمع وذلك لوجوده في وضعية دونية تجعل منه “محقرا[2]” في المجتمع.
فالهدف من تجريم التمييز هو تمكين الفرد من ممارسة كامل حقوقه بصفة فعّالة والاعتراف به كمواطن كامل له حقوق وعليه واجبات في الدولة التي ينتمي إليها. وبذلك، نعبر من مرحلة الدونية إلى مرحلة العيش الكريم، وهي عبارة جاء بها دستور 2014 الذي ينص في فصله 21: “تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامّة، وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم”. فتتجنّد بالتالي لتفعيل هذه المقتضيات جميع مؤسسات الدولة لتوفير الظروف الملائمة للتمتع ولممارسة تلك الحقوق وذلك بأن تتخذ الإجراءات اللازمة لمنع كل أشكال التمييز كسن تشريعات تجرم التمييز وتسهيل اللجوء للقضاء للتظلم من أجل انتهاك الحقوق على أساس التمييز.
لذلك طرحنا السؤال لمعرفة كيف تتم مكافحة التمييز وحماية حقوق الأشخاص المهددين بالتمييز؟
يجب الرجوع لنطاق تجريم التمييز لمعرفة الأسباب التي تتأسس عليها الأفعال التمييزية (1) ثم التطرق لوسائل تجريمه أي الآليات المتاحة للأشخاص لحماية حقوقهم عندما يتعرضون للتمييز (2).
نطاق تجريم التمييز: بين التطور والجمود
قدمت لجنة الحريات الفردية والمساواة (اللجنة) تعريفا للتمييز يشبه التعريف الوارد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من حيث نطاق التمييز ويتعلق بالتمتع بالحقوق وبممارستها[3]، وذلك استئناسا بما شهده منع وتجريم التمييز من تطور في القانون الدولي.
عرفت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التمييز في إطار تعليقها على مبدأ عدم التمييز كما جاء بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي ينص على أنه “يتضمن أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس أي سبب كالعرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غير السياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو غير ذلك مما يستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف لجميع الأشخاص، على قدم المساواة، بجميع الحقوق والحريات أو التمتع بها أو ممارستها[4]“.
يختلف نطاق التمييز في القانون الدولي عن القانون الوطني. فالأول وضع إطارا قانونيا في الصكوك الدولية لمكافحة أشكال محددة من التمييز، ومنها التمييز ضد السكان الأصليين والمهاجرين والأقليات والأشخاص ذوي الإعاقة والتمييز ضد المرأة والتمييز العنصري والديني في مرحلة أولى ثم توسع ليشمل التمييز على أساس التوجه الجنسي والهوية الجنسانية في مرحلة ثانية نظرا للتجاوزات والانتهاكات المسجلة في حق الأشخاص المثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية خاصة في البلدان العربية كتونس التي تجرم قوانينها العلاقات الخاصة الرضائية بين الأفراد من نفس الجنس مما يعرض هؤلاء لمخاطر الاعتقال التعسفي والمحاكمة غير العادلة والسجن.
وهذا ليس بالغريب إذ أن الفصل الثاني من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمتعلق بمنع التمييز يستعمل عبارة “ولا سيما” للدلالة على أن القائمة غير حصرية. كما تدل عبارة “أو أيِّ وضع آخر” على أن التمييز يمكن أن يشمل أسبابا أخرى لم يتطرق إليها هذا الفصل ويمكن على أساسها تجريم الأفعال[5].
- القانون الوطني بطيئ في تجريم التمييز
في 2017 وبإقتراح من وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، تم تقديم مشروع قانون يهدف لإلغاء التمييز العنصري وتجريم شكل واحد من أشكال التمييز وهو التمييز العنصري. مشروع قانون ما زال ينتظر المصادقة عليه في الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب. وعلى معنى هذا المشروع: “يقصد بالتمييز العنصري (…) كل تفرقة أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أسـاس العـرق أو اللـون أو النسـب أو غيره من أشكال التمييز العنصري على معنى المعاهدات الدولية المصادق عليها[6]“.
يعد القانون الوطني في مسألة منع وتجريم التمييز قانونا غير جريء، غير مواكب للعصر وبطيئ في تطوره في ما يخص بعض أشكال التمييز التي لم يتعرض لها الفصل 21 من الدستور.
ولئن قدمت اللجنة تعريفا للتمييز، إلا أنه يفتقر إلى إبراز كيف يقع التمييز وما هي الأفعال التي يجب منعها وتجريمها.
لذلك حددت اللجنة في تقريرها نطاق التمييز بذكر الأسباب أو الحالات واقترحت إضافة قسم في المجلة الجزائية عنوانه “في التمييز” مقتصرة على اعتبار التمييز تفرقة على أحد الأسس المذكورة آنفا.[7]
ثم حددت اللجنة عقوبة للتمييز تتمثل في السجن لمدة عامين وخطية قدرها خمسة آلاف دينار.
لكن التعريف لم يضِفْ أن التمييز هو أيضا استبعاد أو تقييد أو تفضيل يستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف لجميع الأشخاص،على قدم المساواة، بجميع الحقوق والحريات أو التمتع بها أو ممارستها.
وعليه، اكتفت اللجنة ببعض الحالات التي تعد تمييزا[8].
ومن جهة أخرى، عددت اللجنة مظاهر التمييز في القانون والواقع في الجزء الثاني من التقرير[9]. لكنها لم تعرج بالتفصيل على مظاهر التمييز على أساس المعتقدات الدينية واللادينية والإلحادية التي يعاني منها بعض الأشخاص، والتي جدون أنفسهم في دائرة التجريم بدل حمايتهم من التمييز الحاصل ضدهم.
لكن هذا لا يمنع أن يشمل تعريف التمييز الذي قدمته اللجنة التمييز على أساس المعتقدات اللادينية والهوية الجنسية وذلك من خلال ربط مبدأ عدم التمييز بالكرامة كما جاء بالتقرير: “كرامة الإنسان هي الاحترام غير المشروط الواجب له بغض النظر عن كل اعتبار (…) وهي تعني على وجه الخصوص ألا يتم التعامل مع أي إنسان كشيء أو وسيلة[10]“. لأن معاملة الأفراد بالأخذ بعين الاعتبار اختلافاتهم المنصوص عليها في تعريف التمييز الذي قدمته اللجنة مناف للكرامة وبالتالي معدم للحقوق والحريات الفردية.
لذلك يجب على المشرع أن يتبنى النطاق الواسع لمفهوم التمييز. “ففي التوجّهات المعاصرة، تم التوسّع في مفهوم التمييز إلى جانب المكوّنات المتعارف عليها بإضافة مكوّنات لصيقة بحريّة الاختيارات الفردية: الميول الجنسية، الهوية الجندرية، المظهر الخارجي للشخص، الوضع الصحّي والإعاقة وهو ما يوسّع من مفهوم التمييز. ولجعل منع التمييز فعّالا توجّب تجريمه كوسيلة من وسائل القضاء عليه وتأكيد الاختلاف والتنوّع[11]” وهو ما قامت به اللجنة في تقريرها عند اقتراح هذا التعريف للتمييز.
إلا أنه وجب التذكير بأن السلطة التأسيسية اختارت أن تترك مبدأ عدم التمييز المنصوص عليه بالفصل 21 من دستور 27 جانفي 2014 مفتوحا وذلك بعدم إقحام أي سبب لإفساح المجال أمام المشرع لإصدار قوانين تتعلق بمنع أي شكل من أشكال التمييز[12].
لذا ولتفعيل الفصل 21 من الدستور وتجريم التمييز بكل أشكاله وتوسيع نطاق التجريم، يمكن للمشرع أن يرتكز على إحدى قيم الجمهورية والتي أضافت بمقتضى دستور 2014 “الكرامة” وهي من القيم المتأصلة في الإنسان والتي بدونها لا يمكن الحديث عن حقوق. فتجريم التمييز ينطلق من الاعتراف بالكرامة لكل الأفراد. فالتمييز ينفي الكرامة وعدم احترام الكرامة يلغي الحقوق. فهل ستفعل يوما المحكمة الدستورية هذا المبدأ الدستوري لإلغاء جميع القوانين التمييزية المنافية لمبدأ الكرامة؟ هذا ما قرره مؤخرا المجلس الدستوري الفرنسي من خلال استعماله لقيمة “الأخوة” الواردة بشعار الجمهورية الفرنسية والذي اعتبر أن مساعدة مجانية لأجانب في وضع غير قانوني لا يمكن أن تعرض صاحبها لملاحقات، مكرسا للمرة الأولى “مبدأ الأخوة” و بذلك يجيز هذا القرار للفرنسيين حرية مساعدة الآخرين، لغرض إنساني، حتى ولو كان هؤلاء يقيمون على الأراضي الوطنية بشكل غير شرعي[13].
إن التوسع في مفهوم التمييز من خلال الاستلهام من روح الدستور يعكس مدى فعالية وسائل تجريم التمييز.
وسائل تجريم التمييز: بين تكريس الحقوق وتفعيلها
لتجريم التمييز تقر اللجنة في تقريرها بأنه من واجب “الدولة اتخاذ التشريعات المناسبة لتكريس الحريات الفردية، كما وجب عليها التخلي عن التشريعات التي تخالف هذه الحريات[14]“.
لذلك تعد الوسائل التي يجب اتخاذها من قبل الدولة لمنع وتجريم التمييز من بين الإلتزامات الناشئة عن المواثيق الدولية لحقوق الانسان. إذ تتخذ الدولة كل الوسائل الضرورية لإنفاذ الحقوق والحريات ومنع التمييز وهو ما يسمى بالالتزام الإيجابي للدولة مثلا أن تصدر قوانين تجرم وتعاقب كل فعل أو قول يميز بين الأشخاص أو أن تلغي النصوص القانونية التي تكرس التمييز. ويمكن أن نطلق على هذه الوسائل: وسائل تشريعية وهي التي تضمن الحقوق على عكس الوسائل القضائية التي تفعِّلها.
- الوسائل التشريعية بتدخل المشرع بوضع نص يحدد الفعل الذي يشكل تمييزا ويوقع العقوبة.
لكن بعض النصوص ما زالت في قطيعة مع منظومة حقوق الإنسان الكونية. فقد اعتبرت اللجنة بعد فحص عديد النصوص القانونية في مجال الحقوق والحريات أن “المنظومة التشريعية الحالية أصبحت بالية ولا تستجيب لتطلعات التونسيين والتونسيات إلى الحرية وإلى وضع حدّ لوصاية المجموعة على الفرد[15]“.
مثال ذلك، النصوص التي تتنافى وروح دستور 2014 والتي تؤدي إلى تعدد الممارسات التمييزية وغياب الزجر والردع لحماية ضحايا التمييز. وقد جاء بمقترح مشروع قانون أساسي يتعلق بمجلة الحقوق والحريات الفردية الذي قدمته اللجنة في تقريرها بأنه “يهدف إلى ضمان عدم التمييز ووضع حد لبعض الممارسات التمييزية المتفشية في المجتمع والتي تعتمد على اللون أو الجنس أو التوجه الجنسي أو غير ذلك من الأسباب التي تدخل في خصوصية الفرد والتي لا تمثل تهديدا للمجتمع وللدولة[16]“. لكن في هذا الصدد، لا بد من الإشارة إلى أنه كان من الأصح اشتراط أن لا تمس حماية الحقوق والحريات الفردية بحقوق الغير (وليس بحقوق المجتمع أو الدولة) وذلك تجنبا لقراءات وتأويلات تعيد تحت غطاء هذه العبارة، الوصاية المفروضة من الغالبية على الأفراد أو الأقليات.
- تتعلق الوسائل القضائية بتوفير سبل الانتصاف لدى القضاء وذلك بتقديم دعاوى أمام المحاكم الوطنية وتهدف الدعاوى إلى جبر الأضرار التي تسبب فيها الأشخاص الطبيعيون أو المعنويون من خلال قيامهم بأفعال تخرق مبدأ عدم التمييز. وهذا يتطلب من السلطات إعلام الأفراد بسبل وطرق اللجوء للقضاء وتوفير الإطار التشريعي والإجرائي الخاص بجرائم التمييز لدى المحاكم.
في نفس السياق، اقترحت اللجنة بابا مخصصا لحماية الحقوق والحريات من التمييز ومن الانتهاك وذلك في إثر إقرارها بأن الحماية الفعالة لهذه الحقوق لا يمكن أن تضمن إلا من خلال الحماية القضائية[17].
ولتكون الحماية القضائية فاعلة وناجعة ومفعلة لحقوق الأفراد، يجب على القاضي الرجوع لترسانة الحقوق والحريات المنصوص عليها بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
ومن بين آثار تجريم التمييز على مستوى آليات الحماية القضائية، إدماج مفاهیم حقوق الإنسان في الأحكام القضائية عند تظلم الفرد أمام المحاكم لتعرضه إلى التمييز. وهذا ما أكدته اللجنة في تقريرها داعية أن “يبت القاضي في الدعاوى الرامية إلى حماية الحقوق والحريات الفردية بالرجوع مباشرة إلى أحكام الدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان المؤرخ في 10 ديسمبر 1948 والمعاهدات الدولية الموافق والمصادق عليها. ويطبق القاضي أحكام الاتفاقيات الدولية الحامية للحقوق والحريات الفردية ولو قبل نشرها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية[18]“.
يصب اقتراح اللجنة في نفس الخانة: فالهيئات المكلفة بمراقبة تطبيق واحترام المعاهدات الدولية من قبل الدول الأطراف كلجنة القضاء على التمييز العنصري لاحظت في ما يخص تطبيق تونس لمقتضيات الاتفاقية الدولية لمناهضة كل أشكال التمييز العنصري أن “عدم وجود شكاوى ودعاوى قضائية مقدمة من ضحايا التمييز العنصري قد يدل إلى حد كبير على الافتقار إلى تشريع مناسب أو على جهل وجود سبل انتصاف أو على تواني السلطات في اتخاذ إجراءات قضائية. وتطلب اللجنة إلى الدولة الطرف تضمين تشريعها الوطني الأحكام اللازمة وتوعية عامة الناس بوجود سبل انتصاف في مجال التمييز العنصري[19]“.
ناهيك عن أن القاضي من خلال تصفح عديد الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم العدلية التونسية خاصة في ما يتعلق بحقوق الأفراد، نادرا ما يؤسس حكمه على القانون الدولي لحقوق الإنسان ويعتمد مرجعية محافظة وتقليدية وضيقة تقتصر على الاستلهام من ثقافة الأغلبية المهيمنة التي تميز في غالب الأحيان بين الأفراد بل وتفرض أحيانا قيودا دينية على ممارسة الحريات بتعلة حماية النظام العام والأخلاق الحميدة.[20]
لذلك ولتحصين ممارسة الحقوق والحريات من أي تمييز قد يحصل عند تفعيلها من قبل القاضي، اعتبرت اللجنة أن تأويل القانون يجب أن يعزز الحقوق والحريات بمعنى أن يفعلها لصالح الضحية التي تعرضت للتمييز. ولحمايتها تدعو اللجنة إلى الرجوع للفصل 49 من الدستور الذي يحصن الحقوق والحريات من إفراغ جوهرها عند وضع القيود[21].
يهدف تجريم التمييز لحماية الأفراد وضمان حقوقهم. “فالمشرع لا يجرم الأفعال من أجل التجريم وإنما باعتباره وسيلة لحماية مصلحة بعينها[22]“. لكن ولئن وجدت النصوص التي تجرم أشكال التمييز فإنها لوحدها غير كافية لحماية المصالح بل يطرح الإشكال في التطبيق من جهة الإدارة والقضاء وحتى الأمنيين. لذلك بعد عرض نطاق ووسائل تجريم التمييز يبقى المجال مفتوحا لمعرفة مدى نجاعة التجريم. ففي التطبيق، يجب على هؤلاء الأطراف الثلاثة أن يقرؤوا الدستور قراءة عصرية في دولة مدنية يشترك فيها الأفراد في المواطنة. فلا يمكن للإدارة ولا للأمن ولا للقاضي حماية الحقوق من التمييز على أساس الانتماء للمجموعة أو لثقافة الأغلبية بل على أساس مواطنته وكرامته الإنسانية كفرد يتمتع بجميع حقوقه.
ولتطوير آليات تجريم التمييز، لا بد إذا من تكوين القضاة في مجال حقوق الإنسان وإعلام العموم بوجود طرق التقاضي في ميدان التمييز. هذا ويجب على الدولة أن تتخذ الإجراءات اللازمة لحث أعوانها للتخلي عن التمييز بين المواطنين على أي أساس كان.
- نشر هذا المقال في العدد | 12 | أغسطس 2018، من مجلة المفكرة القانونية | تونس |. لقراءة العدد انقر/ي على الرابط ادناه:
العدالة المشوّشة بصراع الإيديولوجيات: ذاكرة فئوية لغد فئوي؟
[1]ينص الفصل الأول: “يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء” .
[2]محمد أمين الجلاصي: المحقرون في القانون التونسي: حين يؤسس القانون لللامساواة، الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية ، تونس، 2018، ص. ص. 13-14.
[4]اللجنة المعنية بحقوق الإنسان الدورة السابعة والثلاثون(1989) التعليق العام رقم :18“عدم التمييز”،الصكوك الدولية لحقوق
الإنسان،المجلد الأول”تجميع للتعليقات العامة والتوصيات العامة التي اعتمدتها هيئات معاهدات حقوق الإنسان”، 27 ماي
2008،ص.198.
HRI/GEN/1/Rev.9 (Vol. I)
[5]أنظر التعليق العام رقم 18 “عدم التمييز”، اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية الدورة السابعة والثلاثون (1989)، A/45/40.
[6] أنظر الموقع الإلكتروني لمجلس نواب الشعب.
[11]وحيد الفرشيشي : “تونس وضعت تقريرا مميزا حول الحريات الفردية والمساواة: أي حريّات للجمهورية الثانية في ظل ‘التوجّهات المعاصرة لحقوق الإنسان’؟”، المفكرة القانونية، 12 جوان 2018. https://legal-agenda.com/article.php?id=4564#_ftnref7
[12]لجنة مناهضة التعذيب، الملاحظات الختامية بشأن التقرير الدوري الثالث لتونس، 6 ماي 2016 ، الملاحظة في الفقرة 7.
[13]قرار عدد 2018-717/718 في 6 جويلية 2018، المجلس الدستوري الفرنسي، منشور في الموقع الإلكتروني للمجلس الدستوري الفرنسي.
« M. Cédric H. et autre Délit d’aide à l’entrée, à la circulation ou au séjour irréguliers d’un étranger »
http://www.conseil-constitutionnel.fr/conseil-constitutionnel/francais/les-decisions/acces-par-date/decisions-depuis-1959/2018/2018-717/718-qpc/decision-n-2018-717-718-qpc-du-6-juillet-2018.151721.html
[15]أنظر التقرير ص. 100-101.
[19]لجنة القضاء على التمييز العنصري، الدورة الرابعة والسبعون 16 فيفري – 6 مارس 2009، النظر في التقارير المقدَّمة من الدول الأطراف بموجب المادة 9 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، الملاحظات الختامية للجنة القضاء على التمييز العنصري تونس، الفقرة 19.
[20]راجع في هذا الموضوع قضية جابر الماجري، المحكمة الابتدائية بالمهدية حكم عدد 1395 بتاريخ 28 مارس 2012(غيرمنشور(.وقضية شباب القيروان،حكم جناحي،المحكمة الابتدائية بالقيروان،قضية عدد 6782 بتاريخ 10 ديسمبر 2015، (غيرمنشور).
[22]طلال أبو عفيفة: أصول علمي الإجرام والعقاب وآخر الجهود الدولية والعربية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية، دار الجندي للنشر والتوزيع، القدس، 2013، ص. 33-34.
مأمون محمد سلامة:قانون العقوبات (القسم العام)، دار الفكر العربي، القاهرة، 1990، ص. 95.
“